بتّ أرعى في الظلام الأنجما | ليس للعشّاق حظّ في الكرى
|
صرعتني نظرة حتى لقد | كدت أن أحسد من لا يبصر
|
نظرة قد أورثت قلبي الكمد | ما بلاء القلب إلاّ النّظر
|
لا رعاك الله يا يوم الأحد | لا ولا حيّاك عنّي المطر
|
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى | سافرات فتنة للشّعرا
|
همت فيمن حسنت صورتها | مثلما قد حسنت منها الخصال
|
أخجلت شمس الضحى طلعتها | و استحى من لحظها لحظ الغزال
|
كلّ ما فيها جميل يشتهى | ما بها عيب سوى فرط الجمال
|
لو رآها لائمي فيها لمّا | لامني في حبّها بل عذارا
|
ذات حسن خدّها كالورد في | لونه و الطيّب في نكهته
|
زهرة لكنّها لم تقطف | و جمال الزّهر في روضتيه
|
درّة ما خرجت من صدف | ترخص الدّرّ على قيمته
|
بضّة الخدّين و النّهدين ما | سفرت إلاّ رأيت القمرا
|
ذات شعر مسبل كالأفعوان | يتهادى فوق ردف كالكثيب
|
و قوام لو رآه الغصن بان | خجلا من ذلك الغصن الرّطيب
|
كاد لولا ما به من عنفوان | يقف الورق به و العندليب
|
و جفون أشبهتني سقما | كمن السّحر بها و استترا
|
تبعث الحبّ إلى الخليّ | و هو لا يدري و لا يستشعر
|
و الهوى في بدئه عذب شهيّ | كلّ شيء بعده محتقر
|
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ | لا يرى في دهره ما يشكر
|
يصرف العمر و لكن سأما | عبثا يطلب أن لا يضجرا
|
لم أكن أعرف ما معنى الهنا | قبل أن أعرف ما معنى الغرام
|
يضحك النّاس سرورا و أنا | عابس حتى كأنّي في خصام
|
عجبوا منّي و قالوا علنا | قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام
|
أوشكوا أن يحسبوني صنما | لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
|
لم أزل في ربقة اليأس إلى | أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا
|
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا | م و لا ألقى لنفسي مخرجا
|
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى | مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى
|
بات قلبي بالأماني مفعما | و هو قبلا كان منها مقفرا
|
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء | و كذا الدّنيا دنو و افتراق
|
غضب الدّهر على كأس الصّفاء | مذ رآها فأبى ألاّ تراق
|
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء | ساعد الصبّ على نيل التلاق
|
لم أجد لي مشبها تحت السما | في شقائي ، لا ولا فوق الثّرى
|
و أبي لو أن ما بي بالجبال | أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم
|
فاعذروني إن أكن مثل الخيال | و اعذلوني إن أكن غير سقيم
|
إنّ دائي جاء من صاد ودال | و دواء القلب في ضاد و ميم
|
بات صبري مثل جسمي عدما | إنّما يصبر من قد قدرا
|
ربّ ليل عادني فيه السّهاد | و نأى عن مقلتي طيب الكرى
|
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد | فبكى طرفي عقيقا أحمرا
|
نبّه الأهل بكائي و العباد | فأتوا يستطلعون الخبرا
|
قلت داء في الفؤاد استحكما | كاد قلبي منه أن ينفطرا
|
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى | واحد منهم يستدعي الطبيب
|
سار و الكلّ على جمر الغضا | و أنا بين أنين و نجيب
|
لم يكن إلاّ كبرق و مضا | و إذا ( الدكتور ) من مهدي قريب
|
قال للجمهور ماذا الاجتماع | أخرجوا أو زدتموه خطرا
|
خرج الكلّ فأمست غرفتي | مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
|
فدنا يسألني عن علّتي | و أنا أسمع لكن لا أجيب
|
فنضا الثّوب فأبصرت التي | كاد جسمي في هواها أن يغيب
|
خلعت عنها لباس الحكما | فرأت عيناي بدرا نيّرا
|
و اعترتني دهشة لكنّها | دهشة ممزوجة بالفرح
|
كدت أن أخرج عن طزر النّهى | ربّ سكر لم يكن من قدح
|
يا لها من ساعة لو أنّها | بقيت كالدّهر لم تستقبح
|
عانقتني و أنا أبكي دما | و هي تبكي لبكائي دررا
|
و جعلنا بعد أن طال العناق | تتناجى بأحاديث القلوب
|
بينما نحن على هذا الوفاق | قرع الباب فأوشكنا نذوب
|
فأشارت لي قد حان الفراق | فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب
|
أقبل القوم فقالت كلّ ما | كان يشكو منه عنه قد سرى |