خير ما يكتبه ذو مرقم | قصة فيها لقوم تذكره
|
...
|
كان في ماضي اللّيالي أمّة | خلع العزّ عليها حبره
|
يجد النّازل في أكفانها | أوجها ضاحكة مستبشرة
|
و يسير الطرف من أرباضها | في مغان حاليات نضره
|
لم يقس شعب إلى أمجادها | مجده الباذج إلاّ استصغره
|
همّها في العلم تعلي شأنه | بينها ، و الجهل تمحو أثره
|
ما تغيب الشمس إلاّ أطلعت | للورى محمده أو مأثره
|
فتمنّى الصّبح تغدو شمسه | و تمنّى اللّيل تغدو قمره
|
و مشى الدّهر إليها طائعا | فمشت تائهة مفتخره
|
...
|
كان فيها ملك ذو فطنة | حازم يصفح عند المقدره
|
بعشق الأمر الذي تعشقه | فاذا ما استنكرته استنكره
|
بلغت في عهده مرتبة | لم تنلها أمّة أو جمهرة
|
فاذا أعطت ضعيفا موثقا | أشفقت أعداؤه أن تخفره
|
و إذا حاربها طاغية | كانت الظاّفرة المنتصره
|
مات عنها ، فأقامت ملكا | طائش الرأي كثير الثّرثره
|
حوله عصبة سوء ، كلّما | جاء إدّا أقبلت معتذره
|
حسّنت في عينيه آثامه | و إليه نفسه المستكبره
|
و تمادى القوم في غفلتهم | فتمادى في الملاهي المنكره
|
زحزح الأمّة عن مركزها | و طوى رايتها المنتشره
|
و رأت فيها اللّيالي مقتلا | فرمتها فأصابت مدبره
|
فهوت عن عرشها منعفره | مثلما ترمي بسهم قبّره
|
...
|
كان فيها شاعر مشتهر | ذو قواف بينها مشتهره
|
كلّما هزّت يداه وترا | هزّ من كلّ فؤاد وتره
|
تعس الحظّ ، و هل من | شاعر في أمّة محتضره ؟
|
يقرأ النّاظر في مقلته | ثورة طاهرة مستتره
|
ما يراه النّاس إلاّ واقفا | في مغاني قومه المندثر
|
حائرا كالريّح في أطلالها | باكيا و السّحب المنهمره
|
و هي في أهوائها لاهية | و كذلك الأمة المستهتره
|
ما رأت مهجته المنفطره | لا ولا أدمعه المنحدرة
|
فشكاه الشّعر مما سامه | و شكاه اللّيل ممّا سهره
|
ثمّ لمّا عبث اليأس | مزّق الطّرس وشجّ المحبره
|
...
|
مرّ يوما فرأى أشباحا | جلسوا يبكون عند المقبرة
|
قال ما لكم ؟ ... ما خطبكم | أيّ كنز في الثرى أو جوهره ؟
|
و من الثاوي الذي تبكونه | قيصر أم تبّه ، أم عنترة ؟
|
قال شيخ منهم محدوب | و دموع اليأس تغشى بصره
|
إنّ من نبكيه لو أبصره | قيصر أبصر فيه قيصره
|
كيف يا جاهل لا تعرفه | وحداة العيس تروي خبره ؟
|
هو ملك كان فينا و مضى | فمضت أيّامنا المزدهرة
|
و لبثنا بعده في ظلم | داجيات فوقنا معتكره
|
و الذي كان بنا " معرفة " | لصروف الدّهر أمسى " نكره "
|
فانتهى التّاج إلى معتسف | لم يزل بالتّاج حتى نثّره
|
كلّ ما تصبو إليه نفسه | معصر أو خمرة معتصره
|
مستهين باللّيالي و بنا | مستعين بالطّغام الفجره
|
كلّما جاء إليه خائن | واشيا قرّبه و استوزره
|
فإذا جاء إليه ناصح | شكّ في نيّته فانتهره
|
مستبد باذل في لحظة | ما ادّخرناه له و ادّخره
|
يهب المرء و ما يملكه | و على الموهوب أن بستغفره
|
هزأ الشّاعر منهم قائلا : | بلّغ السّوس أصول الشّجره
|
رحمة الله على أسلافكم | إنّهم كانوا تقاة بررة
|
رحمة الله عليهم إنّهم | لم يكونوا أمّة منشطره
|
إنّ من تبكون يا سادتي | كالذي تشكون فيكم بطره
|
إنّما بأس الألى قد سلفوا | قتل النّهمة فيه و الشّرة
|
فاحبسوا الأدمع في آماقكم | و اتركوا هذي العظام النّخره
|
لو فعلتم فعل أجدادكم | ما قضى الظالم منكم وطره
|
ما لكم تشكون من محتكم | رضتم ألسنكم أن تشكره ؟
|
و جعلتم منكم عسكره | و حلفتم أن تطيعوا عسكره ؟
|
كيف لا يبغى و يطغى آمر | يتّقي أشجعكم أن ينظره ؟
|
ما استحال الهرّ ليثا إنّما | أسد الآجام صارت هرره
|
و إذا اللّيث وهت أظفاره | أنشب السّنور فيه ظفره !! |