مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة | بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى
|
ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى | جفوني جماعات و مثنى و موحدا
|
تراءى فآنا كالبدور سوافرا | و آونة مثل الجمان منضّدا
|
و طورا أراها حائرات كأنّها | فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا
|
و طورا أراها جازعات كأنّما | تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا
|
أحنّ إليها رائحات و عوّدا | سلام عليها رئحات و عوّدا
|
تهشّ إليها مقبلات جوارحي | كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى
|
و ألقي إليها السّمع ما طال همسها | كذلك يسترعي الأذان الموحّدا
|
و يغلب نفسي الحزن رحيلها | كما تحزن الأزهار زايلها الندى
|
كرهت زوال اللّيل خوف زوالها | و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا
|
و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي | حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا
|
و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما | خيالاتها همّت بأن تتقيّدا
|
فيا ليتني طيف أروح و أغتدي | و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا
|
نحلت إلى أن أنكر صورتي | و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا
|
مبيتي على الوثير ليانه | و أحسبني فوق الأسنّة و المدى
|
كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا | كأن وسادي قد تحوّل جلمدا
|
لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها | تقوّم من أضلاعي المتأوّدا
|
تصوّر لي الخيال حقيقة | و أحسب شخصا واحدا متعدّدا
|
لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن | يضعضعني صرف الزمان إذا عدا
|
إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي | رمتني منها بالّذي يوهن اليدا
|
تغلغل في جسمي النحيل أوارها | فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا
|
رأيت الذي لم يبصر الناس نائما | و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا
|
يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة | تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا
|
تهامس حولي العائدون ورجّموا | و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا
|
فما ساءني شماتة معشر | رجوت بهم عند الشدائد مسعدا
|
أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني | ظننتهم شراوي خلقا و محتدا
|
أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته | و أحببته كما يحبّ و يحسدا
|
وودّ أناس لو يعاجلني الردى | كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا
|
و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما | يودّ زوال الشمس من كان أرمدا
|
إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى | تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا
|
على أنّني والداء يأكل مهجتي | أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى
|
فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل | و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا
|
لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا | فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا
|
و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل | متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟
|
و إنّي في كبت العداة و كيدهم | كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا
|
و لكنّني أعفو و للغيظ سورة | أعلّم أعدائي المروءة و الندى
|
ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه | فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا
|
فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا | كما كان يخشاني وقد كنت منشدا
|
و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه | كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا
|
و من نال منه السيف و هو مجرّد | تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا
|
أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده | و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا
|
و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت | عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا
|
و لو أنّ من أهوى أطال دلاله | تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا |