قل للحمائم في ضفاف الوادي | يا ليتكن على شغاف فؤادي
|
لترين كيف تبعثرت أحلامه | وجرت به الآلام خيل طراد
|
كانت تشعّ على جوانبه المنى | فخبت وبدّل جمرها برماد
|
أسعدنه، فعسى يخفّ ولوعه | إنّ الشجي أحقّ بالإسعاد
|
ذهب الصبا وبقيت في خسراته | ليت الأسى مثل الصبا لنفاد
|
إنّ الشباب هو الغني فإذا مضى | وأقمت لا ينفكّ فقرك بادي
|
أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى | إلا سوادا آخذا بسواد
|
ألقى تقابلني النجوم تخاوصت | فكأنما هي أعين الحسّاد
|
ما ثمّ من ذكرى إذا خطرت على | قلبي استراح سوى خيال الوادي
|
أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه | بالورس آونة وبالفرصاد
|
أفلا يزال يذوب في أمواجه | ذهب الأصيل وفضّة الآراد؟
|
لهفي إذا ورد الرفاق عشيّة | وذكرت أني لست الزوّاد
|
وإذا الحمام شدا وصفّق موجه | أن لا أصفقّ للحمام الشادي
|
وإذا النخيل تطاولت أظلاله | أن لا يكون مظلّتي ووسادي
|
وإذا الكواكب رصّعت آفاقه | أن لا يكون لرعيهنّ سهادي
|
ذقت الهوى وعرفته في شطه | إن الهوى للمرء كالميلاد
|
لا تدرك الأكباد سرّ وجودها | حتى يجول الحبّ في الأكباد
|
ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى | لم ندر ما في العيش من أمجاد
|
لا تبصر العين الرياض وحليها | إلاّ على ضوء الصباح الهادي
|
وطنان أشواق ما أكون إليهما | مصر التي أحببتها وبلادي
|
ومواطن الأرواح يعظم شأنها | في النفس فوق مواطن الأجساد
|
حرصي على حبّ ((الكنانة)) دونه | حرص السجين على بقايا الزاد
|
بلد الجمال خفيّة وجليّه | والفنّ من مستطرف وتلاد
|
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد | إلاّ بمصر نضارة الآباد
|
كم من دفين في ثراها لم يزل | كالحي ذا مقة وذا أحقاد
|
ومشيّد ، للناس إذ يغثونه | من كلّ أرض خشية العبّاد
|
عاش الجدود وأثّلوا ما أثّلوا | واليوم ينبعثون في الأحفاد
|
ألمسبغين على النوابغ فضلهم | كالفجر منبسطا على الأطواد
|
أبناء مصر الناهضين تحية | كودادكم إن لم أقل كودادي
|
من شاعر كلف بكم وبأرضكم | أبدا يوالي فيكم ويعادي
|
إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا | أسنى الكواكب في سماء الضاد
|
خلع الشباب على الكنانة مطرفا | هو كالربيع على ربى ووهاد
|
ما زال يقحم في الجهالة نوره | حتى تقاصر ليلها المتمادي
|
بصحيفة نور العيون سوادها | وبياضها من ناصع الأجياد
|
ينبوع معرفة ،وهيكل حكمه، | ووعاء آداب ، وكنز رشاد
|
أغلى المواهب والعقول رأيتها | سكنت قصور مهارق ومداد
|
ذكر المجاهد في الحقيقة خالد | ويزول ربّ السيف والأجناد
|
لولا جبابرة القرائح لم يسر | في الأرض ذكر جبابر القوّاد
|
ما ذلّلت سبل المعالي أمّة | إلا بقوة مصلح أو هادي
|
((صرّوف)) يسألك الأنام فقل لهم | كم في حياتك ساعة استشهاد
|
طلع القنوط عليك من أغواره | فرددت طائره وجأشك هادي
|
ومضيت تستقصي الحياة وسرّها | في كلّ عاقلة وكلّ جماد
|
حتى لكدت تحسّ هاجسة المنى | وتبين كم في النفس من أضداد
|
أنت الذي أسرت به عزماته | والدرب غامضة على الروّاد
|
والليل آفات على أغوارها | والهول أنجاد على الأنجاد
|
إنّ الحقائق أنت ناشر بندها | في حين كان العلم كالإلحاد
|
والعقل في الشرقّي من أوهامه | كالنسر في الأوهاق والاصفاد
|
تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها | وتعزّ حين تعز بالأفراد
|
ألساهرين الليل مثل نجومه | فكأنهم للدهر بالمرصاد
|
ألباذلين نفوسهم لم يسألوا | وعلى النفوس مدارع الفولاد
|
خفضوا جناحهم وتحت برودهم | همم الملوك وصولة المرّاد
|
لهم الزمان قديمه وحديثه | ما الناس في الدنيا سوى الآحاد
|
أنّ الأنام على اختلاف عصورهم | جعلوا لأهل العلم صدّر النادي
|
ما العيد للخمسين بل عيد النهى | وفنونه والخاطر الوقّاد
|
عيد الحصافة والصحافة كلّها | في مصر ، في بيروت، في بغداد
|
ما العيش بالأعوام كم من حقبة | كالمحو في عمر السواد العادي
|
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ | كالقفر طال به عناء الحادي
|
وسوى حياة العبقريّ نقيسها | فتقاس بالآجال والآماد |