يا ميّتا فيه جمال الحياة | ما حاز منك اللحد إلاّ الرفات
|
أنت الفتى الباقي بآثاره | ما أنت بالمرء إذا مات مات!
|
وكيف يمتدّ إليك الردى | وذاتك الحسناء في ألف ذات؟
|
إذا اختفى في الورد لون الضحى | فالذنب ذنب الأعين الناظرات
|
يصوّح الزهر ويبقى الشّذى | ويذهب المرء وتبقى الصفات
|
يا نائما أغفى عن الترّهات | إنّي وجدت الموت في الترّهات
|
أإن مضى الشيء تقول انقضي | إذن، فمن أين تجيء الحياة؟
|
أليس دنيا الصحو دنيا الكرى | ومثل ظلّ العيش ظلّ الممات؟
|
تقسّم الأشياء أفهامنا | وليست النخلة إلاّ النواة
|
وفي الغد الأمس ولكنّنا | للجهل قلنا الدهر ماض وآت
|
بعض الردى فيه نجاة الفتى | وربّما كان الرّدى في النجاة
|
يا قرويّا عظمت نفسه | حتى ترضّتها نفوس العتاة
|
وحسدته الصيد في كوخه | وحسدت قريته العاصمات
|
تلك السجايا لم تزل بيننا | ساطعة كاالأنجم الزاهرات
|
وعلمك الزاخر باق لنا | ما بقيت في الأرض أمّ اللغات
|
في أنفس الناس وألبابهم | وفي بطون الير الخالدات
|
وفي تلاميذك أهل الحجى | والأدب الجم الجميل السّمات
|
من شاعر كالروض أشعاره | تسمع همس الحبّ فيه الفتاة
|
وسامر تحسب أقواله | مسروقة من مقل الغانيات
|
وكاتب تشرق ألفاظه | كالدّرر المختارة المنتقاة
|
وصحب أخلاقهم كالمنى | يروون عنك الحكم الغاليات
|
لم يخترمك الموت يا دوحة | باسقة قد خلّفت باسقات
|
يا حجّة الفصحى ودهقانها | وبحرها الطامي وشيخ الثقات
|
((ألضاد)) من بعدك في مأتم | حاضرها والأعصر الغابرات
|
فليس في لبنان غير الأسى | وليس غير الحزن حول الفرات
|
فمن يعزّي جبلا واحدا | عزّى الرواسي في جميع الجهات
|
سلختها سبعين من أجلها | في عالم الطّرس ودنيا الدواة
|
ألناس من حولك في قيلهم | وأنت كالعابد وقت الصلاة
|
غنيت بالضاد وأسرارها | عن الغواني والطّلا والسقاة
|
أنت الذي ردّ إليها الصبا | إنّ الهوى يجترح المعجزات
|
فاختلجت أوضاعها بالمنى | وجال ماء الحسن في المفردات
|
ولهجت باسمك آفاقها | وردّدته في البوادي الحداة
|
وحنّت النوق إلى سمعه | وطربت من ذكره الصافنات
|
فيا شبابا يطلبون العلى | إنّ العلى للأنفس الماضيات
|
ويا فقيرا يتمنّى الغنى | هلاّ تمنّيت غنى المكرمات؟
|
ويا سراة يبذلون اللّهى | هذا فقير كان يعطي السراة!
|
من روحه لا فيض أمواله | إنّ هبات الروح أسمى الهبات
|
لا يقتضي قاصده حمده | ويشكر العافي الذي قال: هات
|
وإن مضى العافون عن بابه | سارت عطاياه وراء العفاة
|
فكان كالكوكب يمشي على | ضيائه الرّكب وذئب الفلاة
|
وكان كالغيث إذا ما همى | أصاب في الأرض الحصى والنبات
|
وكان كالينبوع يرتاده | ذو الشيم الحسنى وذو السيّئات
|
وكالفضاء الرّحب في حلمه | يضطرب البازي به والقطاة
|
يا صاحب ((البستان)) نم آمنا | فإنّ الموت زوال الشكاة
|
ما غاب ماء غاب تحت الثّرى | فأطلع النبت وأحيا الموات |