همّ ألم به مع الظلماء | فنأى بمقلته عن الاغفاء
|
نفس أقام الحزن بين ضلوعه | والحزن نار غير ذات ضياء
|
يرعى نجوم الليل ليس به هوى | ويخاله كلفا بهنّ الرائي
|
في قلبه نار (الخليل) وانما | في وجنتيه أدمع (الخنساء)
|
قد عضة اليأس الشديد بنابه | في نفسه والجوع في الاحشاء
|
يبكي بكاء الطفل فارق أمه | ما حيلة المحزون غير بكاء!
|
فأقام حلس الدار وهو كأنه | -لخلو تلك الدار_ في بيداء
|
حيران لا يدري أيقتل نفسه | عمدا فيخلص من أذى الدنياء
|
أم يستمر على الغضاضة والقذى | والعيش لا يحلو مع الضراء
|
طرد الكرى وأقام يشكو ليله | يا ليل طلت وطال فيك عنائي
|
يا ليل قد أغريت جسمي بالضنا | حتى ليؤلم فقده أعضائي
|
ورميتني يا ليل بالهم الذي | يفري الحشا، والهم أعسر داء
|
يا ليل مالك لا ترق لحالتي | أتراك والأيام من أعدائي؟
|
يا ليل حسبي ما لقيت من الشقا | رحماك لست بصخرة صماء
|
بن يا ظلام عن العيون فربّما | طلع الصباح وكان فيه عزائي
|
وارحمتا للبائسين فانهم | موتى وتحسبهم من الاحياء
|
إني وجدت حظوظهم مسودّة | فكأنما قدت من الظلماء
|
ابدأ يسر الزمان ومالهم | حظ كغيرهم من السرّاء
|
ما في أكفهم من الدنيا سوى | ان يكثروا الأحلام بالنعماء
|
تدنو بهم آمالهم نحو الهنا | هيهات يدنو بالخيال النائي
|
ابطر الأنام من السرور وعندهم | ان السرور مرادف العنقاء
|
إني لاحزن ان تكون نفوسهم | غرض الخطوب وعرضة الارزاء
|
أنا ما وقفت لكي اشبب بالطلا | مالي وللتشبب بالصهباء؟
|
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى | إني نبذت سفاسف الشعراء
|
باعوا لأجل المال ماء حيائهم | مدحا وبت أصون ماء حيائي
|
لم يفهموا ما الشعر؛ إلا انه | قد بات واسطة إلى الاثراء
|
فلذاك ما لاقيت غير مشبب | بالغانيات وطالب لعطاء
|
ضاقت به الدنيا الرحيبة فانثنى | بالشعر يستجدي بني حواء
|
شقي القريض بهم وما سعدوا به | لولاهم اضحى من السعداء
|
نادوا علينا بالمحبة والهوى | وصدورهم طبعت على البغضاء
|
ألفوا الرياء فصار من عادتهم | لعن المهيمن شخص كل مرائي!
|
إن يغضبوا مما أقول فطالما | كره الأديب جماعة الغوغاء
|
أو ينكروا أدبي فلا تتعجبوا | فالرمد طلوع ذكاء
|
أو كلما نصر الحقيقة فاضل | قامت عليه قيامة السفهاء
|
أنا ما وقفت اليوم فيكم موقفي | إلا لأنذب حالة التعساء
|
عليّ احرّك بالقريض قلوبكم | ان القلوب مواطن الاهواء
|
لهفي على المحتاج بين ربوعكم | يمسي و يصبح وهو قيد شقاء
|
امسى سواء ليله وصباحه | شتان بين الصبح والامساء
|
قطع القنوط عليه خيط رجائه | والمرء لا يحيا بغير رجاء
|
لهفي! ولو أجدى التعيس تلهفي | لسفكت دمعي عنده ودمائي
|
قل للغني المستعز بماله | مهلا لقد اسرفت في الخيلاء
|
جبل الفقير أخوك من طين ومن | ماء، ومن طين جبلت وماء
|
فمن القساوة ان تكون منعما | ويكون رهن مصائب وبلاء
|
وتظل ترفل بالحرير أمامه | في حين قد امسى بغير كساء
|
اتضن بالدينار في اسعافه | وتجود بالآلاف في الفحشاء
|
انصر أخاك فان فعلت كفيته | ذلّ السؤال ومنة البخلاء
|
أذوي اليسار وما اليسار بنافع | إن لم يكن أهلوه أهل سخاء
|
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا | وبم الغرور وكلكم لفناء؟
|
ان الضعيف بحاجة لنضاركم | لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء
|
انا لا اذكّر منكم أهل الندى | ليس الصحيح بحاجة لدواء
|
ان كانت الفقراء لا تجزيكم | فاللّه يجزيكم عن الفقراء |