عندي لكم نبأ عجيب شيّق | سأقصّه و عليكم تفسيره
|
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا | كالشيخ طال بما مضى تفكيره
|
فسألت نفسي حائرا متلجلجا | يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟
|
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة | و مضت ، فأكملت الحديث صخوره :
|
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم | رقّت شمائله ودقّ شعوره
|
مترنّح من خمرة قدسيّة | فيها الهوى و فتونه و فتوره
|
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى | و كأنّما بين النجوم مسيره
|
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى | مرخيّة فوق العباب ستوره
|
يهدي إلى الوطن القديم سلامه | و يناشد الوطن الذي سيزوره
|
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه | فسها ، فضاع هديره وزئيره
|
أعرفتموه ؟ ... إنّه هذا الفتى | هذا الذي سحر الخضمّ مروره
|
" داود " و المزمار في نغماته ، | و " الموصليّ " و معبد و سريره
|
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله | و بشيره ، و الفنّ أنت أميره
|
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا | لمشت إلينا سافرات حوره
|
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما | جاء الربيع زهوره و طيوره
|
ألفن هشّ إليك في أمرائه | و تفتّحت لك دوره و قصوره
|
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها | أمّا التراب فبالتراب حبوره
|
يا شاعر الألحان إنّي شاعر | أمسي ضئيلا عند نورك نوره
|
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه | أسماه ما أعيا الفتى تصويره
|
و أحبّ أزهار الحدائق وردها | و أحبّ من ورد الرياض عبيره
|
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه | و لك الغدير صفاؤه و خريره
|
ألقوم صاغية إليك قلوبهم | و اللّيل منصته إليك بدوره
|
و بهذه الأوتار سحر جائل | متململ كالوحي حان ظهوره
|
إن كنت لا تهتاجه و تثيره | فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟
|
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق | و يدبّ في أرواحنا تأثيره
|
وامش بنا في كلّ لحن فاتن | كالماء يجري في الغصون طهوره
|
أدر على الجلّاس أكواب الهوى | في راحتيك سلافه و عصيره
|
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره | و يراجع الشيخ المسنّ غروره
|
و تنام في صدر الشّجي همومه | و يفيق في قلب الحزين سروره
|
هذي الجموع الآن شخص واحد | لك حكمة و كما تشاء مصيره
|
إن شئت طال هتافه و نشيده | أو شئت دام نواحه وزفيره
|
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب | إلّا الذي لك قبلنا تدبيره ! |