ثكل الشّرق فتاه | ليتني كنت فداه
|
ليتني كنت أصمّا | عندما النّاعي نعاه
|
قد نعى النّاعون " | زيدانا " إلى البدر سناه
|
و إلى التاريخ و العلم | أباه و أخاه !
|
...
|
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر | كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر
|
و للطير في اجنان إرنان ثاكل | و للماء أنّت الغريب المسافر
|
و للنجم ، و هو النجم ، مشية ظالع | و للأرض ، و هي الأرض ، وقفة حائر
|
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن | و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر
|
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق | يحدّثنا عنه بغير الأشائر
|
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا | لأنت علينا اليوم أشأم طائر
|
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها | كرهناك حتّى قادما بالبشائر
|
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي | و باعد ما بين القريض و خاطري
|
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى | على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري
|
و بات فؤادي يتّقي نزواته | كما يتّقي العصفور بأس الكواسر
|
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى | كأنّي مدمعي كلّ ناثر
|
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه | أفي أرض مصر نائم غير ساهر
|
و هل في سماء النّيل غير دياجر | و هل في مياه النيل غير مجامر
|
و هل في ضفاف النيل بين نخليه | مغرّدة أو آنس غير نافر
|
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة | و صاحبهم في اللّحد غير مسامر
|
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم | أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر
|
و تبك النّصارى فخرها و عميدها | فما بعده من حجّة لمفاخر
|
فما جادت الدنيا عليهم بمثله | و غير يسير أن تجود بآخر
|
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا | عزيز علينا أن ترى في الحفائر
|
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا | و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر
|
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها | و يحسد ماء الجفن ماء المحابر
|
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها | و لكنّما في الأرض كنز الجواهر
|
لتفخر على الشّهب و الحصى | ففيها هلال العلم شمس المحاضر
|
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا | وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر
|
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا | كأنّ المنايا صبّة بالأكابر
|
و نضحك للآمال ضحكة وامق | فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر
|
رضينا بأن الغزاة بلادنا | و نمنا و ما نامت عيون المعاشر
|
لها كلّ يوم حكم جائر | وإقدام موتور و فتكة ثائر
|
على أنّها من غير مذنب | و تأخذ بالأوتار من غير واتر
|
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه | و أمضى مواضيه مليل الأظافر ؟
|
...
|
جلل في مصر لكن | في العراقين صداه
|
ماد لبنان و ماد | الشّام لمّا سمعاه
|
كاد أن يخذل فيه | كلّ طود منكباه
|
أيّها الرّاحل عنّا | بلّغ الحزن مداه
|
قد بكاك الأفق حتّى | فرقداه و سهاه
|
يا خليليّ أعينا | من عصاه مسعداه
|
خانت النّفس قواها | خانت البين قواه
|
قد مضى من تتمنّى | كلّ عين أن تراه
|
فتمنّى كلّ قبر | حين أودى لو حواه
|
مات " زيدان " | أبو التاريخ فليحي فتاه ! |