رمان
قال تعالى " فيهما فاكهة ونخل ورمان " [ الرحمن ] .
ويذكر عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً " ما من رمان من رمانكم هذا إلا وهو ملقح
بحبة من رمان الجنة " والموقوف أشبه . وذكر حرب وغيره عن علي أنه قال كلوا الرمان بشحمه ، فإنه دباغ المعدة .
حلو
الرمان حار رطب ، جيد للمعدة ، مقو لها بما فيه من قبض لطيف ، نافع للحلق والصدر
والرئة ، جيد للسعال ، ماؤه ملين للبطن، يغذو البدن غذاءاً فاضلاً يسيراً ، سريع
التحلل لرقته ولطافته ، ويولد حرارة يسيرة في المعدة وريحاً ، ولذلك يعين على
الباه ، ولا يصلح للمحمومين ، وله خاصية عجيبة إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في
المعدة .
وحامضه
بارد يابس ، قابض لطيف ، ينفع المعدة الملتهبة ، ويدر البول أكثر من غيره من
الرمان ، ويسكن الصفراء ، ويقطع الإسهال ، ويمنع القئ ، ويلطف الفضول .
ويطفئ
حرارة الكبد ويقوي الأعضاء ، نافع من الخفقان الصفراوي ، والآلام العارضة للقلب ،
وفم المعدة ، ويقوي المعدة ، ويدفع الفضول عنها ، ويطفئ المرة الصفراء والدم .
وإذا
استخرج ماؤه بشحمه ، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم واكتحل به ، قطع الصفرة
من العين ، ونقاها من الرطوبات الغليظة ، وإذا لطخ على اللثة ، نفع من الأكلة
العارضة لها ، وإن استخرج ماؤهما بشحمهما ، أطلق البطن ، وأحدر الرطوبات العفنة
المرية ، ونفع من حميات الغب المتطاولة .
وأما
الرمان المز ، فمتوسط طبعاً وفعلاً بين النوعين ، وهذا أميل إلى لطافة الحامض
قليلاً ، وحب الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة ، وأقماعه للجراحات ،
قالوا ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في
كل سنة ، أمن من الرمد سنته كلها .
حرف
الزاي
زيت
قال تعالى " يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا
غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار " [ النور ] . وفي
الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " كلوا الزيت وادهنوا به ،
فإنه من شجرة مباركة " .
وللبيهقي
وابن ماجه أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه
، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ائتدموا بالزيت ، وادهنوا به ، فإنه من
شجرة مباركة " .
الزيت
حار رطب في الأولى ، وغلط من قال يابس ،
والزيت بحسب زيتونه ، فالمعتصر من النضيج أعدله وأجوده ، ومن الفج فيه برودة
ويبوسة ، ومن الزيتون الأحمر متوسط بين الزيتين ، ومن الأسود يسخن ويرطب باعتدال ،
وينفع من السموم ، ويطلق البطن ، ويخرج الدود ، والعتيق منه أشد تسخيناً وتحليلاً
، وما استخرج منه بالماء ، فهو أقل حرارة ، وألطف وأبلغ في النفع ، وجميع أصنافه
ملينة للبشرة ، وتبطئ الشيب .
وماء
الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار ، ويشد اللثة ، وورقه ينفع من الحمرة ،
والنملة ، والقروح الوسخة ، والشرى ، ويمنع العرق ، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا .
زبد
روى أبو داود في سننه ،
عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهما قالا دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقدمنا له زبداً وتمراً ، وكان يحب الزبد والتمر .
الزبد
حار رطب ، فيه منافع كثيرة ، منها الإنضاج والتحليل ، ويبرئ الأورام التي تكون إلى
جانب الأذنين والحالبين ، وأورام الفم ، وسائر الأورام التي تعرض في أبدان النساء
والصبيان إذا استعمل وحده ، وإذا لعق منه ، نفع في نفث الدم الذي يكون من الرئة ،
وأنضج الأورام العارضة فيها .
وهو
ملين للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المرة السوداء والبلغم ، نافع من
اليبس العارض في البدن ، واذا طلي به على منابت أسنان الطفل ، كان معيناً على
نباتها وطلوعها ، وهو نافع من السعال العارض من البرد واليبس ، ويذهب القوباء
والخشونة التي في البدن ، ويلين الطبيعة ، ولكنه يضعف شهوة الطعام ، ويذهب بوخامته
الحلو ، كالعسل والتمر ، وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين التمر وبينه من الحكمة
إصلاح كل منهما بالآخر .
زبيب
روي فيه حديثان لا يصحان . أحدهما " نعم الطعام الزبيب يطيب النكهة ، ويذيب
البلغم " . والثاني " نعم
الطعام الزبيب يذهب النصب ، ويشد العصب ، ويطفئ الغضب ، ويصفي اللون ، ويطيب
النكهة " وهذا أيضاً لا يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد
فأجود الزبيب ما كبر جسمه ، وسمن شحمه
ولحمه ، ورق قشره ، ونزع عجمه ، وصغر حبه .
وجرم
الزبيب حار رطب في الأولى ، وحبه بارد يابس ، وهو كالعنب المتخذ منه ، الحلو منه الحار ، والحامض قابض بارد ، والأبيض
أشد قبضاً من غيره ، واذا أكل لحمه ، وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ، ووجع
الكلى ، والمثانة ، ويقوي المعدة ، ويلين البطن .
والحلو
اللحم أكثر غذاء من العنب ، وأقل غذاء من التين اليابس ، وله قوة منضجة هاضمة
قابضة محللة باعتدال ، وهو بالجملة يقوي المعدة والكبد والطحال ، نافع من وجع
الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة ، وأعدله أن يؤكل بغير عجمه .
وهو
يغذي غذاء صالحاً ، ولا يسدد كما يفعل التمر ، وإذا أكل منه بعجمه كان أكثر نفعاً
للمعدة والكبد والطحال ، وإذا لصق لحمه على الأظافير المتحركة .
أسرع
قلعها ، والحلو منه وما لا عجم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم ، وهو يخصب الكبد
، وينفعها بخاصيه .
وفيه
نفع للحفظ قال الزهري من أحب أن يحفظ الحديث ، فليأكل الزبيب ، وكان
المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس عجمه داء ، ولحمه دواء .
زنجبيل
قال تعالى " ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا
" [ الإنسان ] . وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي من حديث
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أهدى
ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة زنجبيل ، فأطعم كل إنسان قطعة ،
وأطعمني قطعة .
الزنجبيل
حار في الثانية ، رطب في الأولى ، مسخن معين على هضم الطعام ، ملين للبطن تلييناً
معتدلاً ، نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة ، ومن ظلمة البصر الحادثة
عن الرطوبة أكلاً واكتحالاً ، معين على الجماع ، وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة
في الأمعاء والمعدة .
وبالجملة
فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج ، وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين
بالماء الحار ، أسهل فضولاً لزجة لعابية، ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم
وتذيبه .
والمزي
منه حار يابس يهيج الجماع ، ويزيد في المني ، ويسخن المعدة والكبد ، ويعين على
الإستمراء ، وينشف البلغم الغالب على البدن ويزيد في الحفظ ، ويوافق برد الكبد
والمعدة ، ويزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة ، ويطيب النكهة ، ويدفع به ضرر
الأطعمة الغليظة الباردة .
حرف
السين
سنا
قد تقدم ، وتقدم سنوت أيضاً ، وفيه سبعة أقوال ،
أحدها أنه العسل .
الثاني
أنه رب عكة السمن يخرج خططاً سوداء على
السمن . الثالث أنه حب يشبه الكمون ، وليس
بكمون . الرابع الكمون الكرماني . الخامس أنه الشبت ، السادس أنه التمر . السابع أنه الرازيانج .
سفرجل
روى ابن ماجه في سننه من حديث إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن نقيب بن
حاجب ، عن أبي سعيد ، عن عبد الملك الزبيري ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم
وبيده سفرجلة ، فقال " دونكها يا
طلحة ، فإنها تجم الفؤاد " .
ورواه
النسائي من طريق آخر ، وقال أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم وهو في جماعة من أصحابه ، وبيده سفرجلة يقلبها ، فلما جلست
إليه ، دحا بها إلي ثم قال " دونكها
أبا ذر ، فإنها تشد القلب ، وتطيب النفس ، وتذهب بطخاء الصدر " .
وقد
روي في السفرجل أحاديث أخر ، هذا أمثلها ، ولا تصح .
والسفرجل
بارد يابس ، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه ، وكله بارد قابض ، جيد للمعدة ، والحلو
منه أقل برودة ويبساً ، وأميل إلى الإعتدال ، والحامض أشد قبضاً ويبساً وبرودة ،
وكله يسكن العطس والقئ ، ويدر البول ، ويعقل الطبع ، وينفع من قرحة الأمعاء ، ونفث
الدم ، والهيضة ، وينفع من الغثيان ، ويمنع من تصاعد الأبخرة إذا استعمل بعد
الطعام ، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء في فعلها .
وهو
قبل الطعام يقبض ، وبعده يلين الطبع ، ويسرع بانحدار الثفل ، والإكثار منه مضر
بالعصب ، مولد للقولنج ، ويطفئ المرة الصفراء المتولدة في المعدة .
وإن
شوي كان أقل لخشونته ، وأخف ، وإذا قور وسطه ، ونزع حبه ، وجعل فيه العسل ، وطين
جرمه بالعجين ، وأودع الرماد الحار ، نفع نفعاً حسناً .
وأجود
ما أكل مشوياً أو مطبوخاً بالعسل ، وحبه ينفع من خشونة الحلق ، وقصبة الرئة ،
وكثير من الأمراض ، ودهنه يمنع العرق ، ويقوي المعدة ، والمربى منه يقوي المعدة
والكبد ، ويشد القلب ، ويطيب النفس .
ومعنى
تجم الفؤاد تريحه . وقيل تفتحه وتوسعه ، من جمام الماء ، وهو اتساعه
وكثرته ، والطخاء للقلب مثل الغيم على السماء. قال أبو عبيد الطخاء ثقل وغشي ، تقول ما في السماء طخاء ، أي سحاب وظلمة .
سواك
في
الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم " لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك
عند كل صلاة " .
وفيهما
أنه صلى الله عليه وسلم ، كان إذا قام من
الليل يشوص فاه بالسواك .
وفي صحيح البخاري
تعليقاً عنه صلى الله عليه وسلم " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " .
وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
دخل بيته ، بدأ بالسواك .
والأحاديث
فيه كثيرة ، وصح عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر ،
وصح عنه أنه قال " أكثرت عليكم في
السواك " .
وأصلح
ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما
كانت سماً ، وينبغي القصد في استعماله ، فإن بالغ فيه ، فربما أذهب طلاوة الأسنان
وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل
باعتدال ، جلا الأسنان ، وقوى العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ،
ونقى الدماغ وشهى الطعام .
وأجود
ما استعمل مبلولاً بماء الورد ، ومن أنفعه أصول الجوز ، قال صاحب التيسير زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل
خامس من الأيام ، نقى الرأس ، وصفى الحواس ، وأحد الذهن .
وفي
السواك عدة منافع يطيب الفم ، ويشد اللثة
، ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم الطعام ، ويسهل مجاري
الكلام ، وينشط للقراءة ، والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ، ويعجب
الملائكة ، ويكثر الحسنات .
ويستحب
كل وقت ، ويتأكد عند الصلاة والوضوء ، والإنتباه من النوم ، وتغيير رائحة الفم ،
ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه
مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم ،
والطهور للصائم من أفضل أعماله .
وفي السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي
يستاك ، وهو صائم وقال البخاري قال ابن
عمر يستاك أول النهار وآخره .
وأجمع
الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً ، والمضمضة أبلغ من السواك ، وليس
لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به ،
وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثاً منه على الصوم ، لا حثاً على
إبقاء الرائحة ، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر .
وأيضاً
فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .
وأيضاً
فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .
وأيضاً
فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة ، بل يأتي
الصائم يوم القيامة ، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ، ولو أزاله
بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ، ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح
المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .
وأيضاً
فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة عن الطعام ، وإنما
يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .
وأيضاً
فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام ، وما يكره لهم ،
ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ
ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مراراً كثيرة تفوت الإحصاء ،
ويعلم أنهم يقتدون به ، ولم يقل لهم يوماً من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال ، وتأخير البيان عن وقت
الحاجة ممتنع ، والله أعلم .
سمن
روى محمد بن جرير الطبري بإسناده ، من حديث صهيب
يرفعه " عليكم بألبان البقر ، فإنها
شفاء ، وسمنها دواء ، ولحومها داء " رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا
محمد بن موسى النسائي ، حدثنا دفاع بن دغفل السدوسي ، عن عبد الحميد بن صيفي بن
صهيب ، عن أبيه عن جده ، ولا يثبت ما في هذا الإسناد .
والسمن
حار رطب في الأولى ، وفيه جلاء يسير ، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة من الأبدان
الناعمة ، وهو أقوى من الزبد في الإنضاج والتليين ، وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن ، وفي
الأرنبة ، وإذا دلك به موضع الأسنان ، نبتت سريعاً ، وإذا خلط مع عسل ولوز مر ،
جلا ما في الصدر والرئة ، والكيموسات الغليظة اللزجة ، إلا أنه ضار بالمعدة ، سيما
إذا كان مزاج صاحبها بلغمياً .
وأما
سمن البقر والمعز ، فإنه إذا شرب مع العسل نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات
والعقارب ، وفي كتاب ابن السني ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لم يستشف الناس بشئ أفضل من السمن .
سمك
روى الإمام أحمد بن حنبل ، وابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال " أحلت لنا ميتتان
ودمان السمك والجراد ، والكبد والطحال
" .
أصناف
السمك كثيرة ، وأجوده ما لذ طعمه ، وطاب ريحه ، وتوسط مقداره ، وكان رقيق القشر ،
ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه ، وكان في ماء عذب حار على الحصباء ، ويغتذي بالنبات
لا الأقذار ، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء ، وكان يأوي إلى الأماكن
الصخرية ، ثم الرملية ، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها ، ولا حمأة ،
الكثيرة الإضطراب والتموج ، المكشوفة للشمس والرياح .
والسمك
البحري فاضل ، محمود ، لطيف ، والطري منه بارد رطب ، عسر الإنهضام ، يولد بلغماً
كثيراً ، إلا البحري وما جرى مجراه، فانه يولد خلطاً محموداً ، وهو يخصب البدن ،
ويزيد في المني ، ويصلح الأمزجة الحارة .
وأما
المالح ، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح ، وهو حار يابس ، وكلما تقادم عهده
ازداد حره ويبسه ، والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى الجري ، واليهود لا تأكله ،
وإذا أكل طرياً ، كان مليناً للبطن ، وإذا ملح وعتق وأكل ، صفى قصبة الرئة، وجود
الصوت ، وإذا دق ووضع من خارج ، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له
قوة جاذبة .
وماء
ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في ابتداء العلة ، وافقه
بجذبه المواد إلى ظاهر البدن ، واذا احتقن به ، أبرأ من عرق النسا .
وأبرد
ما في السمك ما قرب من مؤخرها ، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه .
وفي الصحيحين من
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة
راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح ، فأتينا الساحل ، فأصابنا جوع شديد ، حتى أكلنا
الخبط ، فألقى لنا البحر حوتاً يقال لها عنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، وائتدمنا بودكه حتى
ثابت أجسامنا ، فأخذ أبو جميدة ضلعاً من أضلاعه ، وحمل رجلاً على بعيره ، ونصبه ،
فمر تحته .
سلق
روى الترمذي وأبو داود ، عن أم المنذر ، قالت " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه علي رضي الله عنه، ولنا دوال معلقة ، قالت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي
معه يأكل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه يا علي فإنك ناقه ، قالت فجعلت لهم سلقاً وشعيراً ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم يا علي فأصب من هذا ، فإنه
أوفق لك " . قال الترمذي حديث حسن
غريب .
السلق
حار يابس في الأولى ، وقيل رطب فيها ،
وقيل مركب منهما ، وفيه برودة ملطفة ،
وتحليل . وتفتيح ، وفي الأسود منه قبض ونفع من داء الثعلب ، والكلف ، والحزاز ،
والثآليل إذا طلي بمائه ، ويقتل القمل ، ويطلى به القوباء مع العسل ، ويفتح سدد
الكبد والطحال ، وأسوده يعقل البطن ، ولا سيما مع العدس ، وهما رديئان . والأبيض يلين مع العدس ، ويحقن بمائه للإسهال ، وينفع من
القولنج مع المري والتوابل ، وهو قليل الغذاء ، رديء الكيموس ، يحرق الدم ، ويصلحه
الخل والخردل ، والإكثار منه يولد القبض والنفخ .
حرف
الشين
شونيز
هو الحبة السوداء ، وقد تقدم في حرف الحاء .
شبرم
روى الترمذي ، وابن ماجه في سننهما من حديث أسماء بن عميس ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" بماذا كنت
تستمشين ؟ قالت بالشبرم . قال حار جار " .
الشبرم
شجر صغير وكبير ، كقامة الرجل وأرجح ، له قضبان حمر ملمعة ببياض ، وفي رؤوس قضبانه
جمة من ورق ، وله نور صغار أصفر إلى البياض ، يسقط ويخلفه مراود صغار فيها حب صغير
مثل البطم ، قي قدره ، أحمر اللون ، ولها عروق عليها قشور حمر ، والمستعمل منه قشر
عروقه ، ولبن قضبانه .
وهو
حار يابس في الدرجة الرابعة ، ويسهل السوداء ، والكيموسات الغليظة ، والماء الأصفر
، والبلغم ، مكرب ، مغث ، والإكثار منه يقتل ، وينبغي إذا استعمل أن ينقع في اللبن
الحليب يوماً وليلة ، ويغير عليها اللبن في اليوم مرتين أو ثلاثاً ، ويخرج ، ويجفف
في الظل ، ويخلط معه الورود والكثيراء ، ويشرب بماء العسل ، أو عصير العنب ،
والشربة منه ما بين أربع دوانق على
حسب
القوة ، قال حنين أما لبن الشبرم ، فلا
خير فيه ، ولا أرى شربه البتة ، فقد قتل به أطباء الطرقات كثيراً من الناس .
شعير
روى ابن ماجه من حديث عائشة ، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أحداً
من أهله الوعك ، أمر بالحساء من الشعير ، فصنع ، ثم أمرهم فحسوا منه ، ثم يقول " إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو فؤاد السقيم
كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " . ومعنى يرتوه يشده ويقويه . ويسرو ، يكشف ، ويزيل .
وقد
تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي ، وهو أكثر غذاء من سويقه ، وهو نافع للسعال ،
وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدة الفضول ، مدر للبول ، جلاء لما في المعدة ، قاطع
للعطس ، مطفئ للحرارة ، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل .
وصفته
أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ،
ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ، ويلقى في قدر نظيف ، ويطبخ بنار معتدلة إلى
أن يبقى منه خمساه ، ويصفى ، ويستعمل منه مقدار الحاجة محلاً .
شواء
قال
الله تعالى في ضيافة خليله إبراهيم عليه السلام لأضيافه " فما لبث أن جاء بعجل حنيذ " [ هود ]
والحنيذ المشوي على الرضف ، وهي الحجارة
المحماة .
وفي
الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها ، أنها
قربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنباً مشوياً ، فأكل منه ثم قام إلى الصلاة
ولم يتوضأ. قال الترمذي حديث صحيح .
وفيه
أيضاً عن عبد الله بن الحارث قال أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء في
المسجد . وفيه أيضاً عن المغيرة بن شعبة
قال ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات ليلة ، فأمر بجنب ، فشوي ، ثم أخذ الشفرة ، فجعل يحز لي بها منه ، قال فجاء
بلال يؤذن للصلاة ، فألقى الشفرة فقال " ما له تربت يداه " .
أنفع
الشواء شواء الضأن الحولي ، ثم العجل اللطيف السمين ، وهو حار رطب إلى اليبوسة ،
كثير التوليد للسوداء ، وهو من أغذية الأقوياء والأصحاء والمرتاضين ، والمطبوخ
أنفع وأخف على المعدة ، وأرطب منه ، ومن المطجن .
وأردؤه
المشوي في الشمس ، والمشوي على الجمر خير من المشوي باللهب ، وهو الحنيذ .
شحم
ثبت في
المسند عن أنس ، ان يهودياً أضاف رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقدم له خبز شعير وإهالة سنخة ، والإهالة الشحم المذاب ، والألية ، والسنخة المتغيرة .
وثبت
في الصحيح عن عبد
الله بن مغفل ، قال دلي جراب من شحم يوم
خيبر ، فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحداً
منه شيئاً فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، ولم يقل شيئاً .
أجود
الشحم ما كان من حيوان مكتمل ، وهو حار رطب ، وهو أقل رطوبة من السمن ، ولهذا لو
أذيب الشحم والسمن كان الشحم أسرع جموداً ، وهو ينفع من خشونة الحلق ، ويرخي ويعفن
، ويدفع ضرره بالليمون المملوح ، والزنجبيل ، وشحم المعز أقبض الشحوم ، وشحم
التيوس أشد تحليلاً ، وينفع من قروح الأمعاء وشحم العنز أقوى في ذلك ، ويحتقن به
للسحج والزحير .
حرف
الصاد
صلاة
قال الله تعالى " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة
إلا على الخاشعين " [ البقرة ] ، وقال " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر
والصلاة إن الله مع الصابرين " [ البقرة ] .
وقال تعالى " وأمر أهلك بالصلاة
واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " [ طه ] .
وفي السنن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا حزبه
أمر ، فزع إلى الصلاة .
وقدم
تقدم ذكر الإستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها .
والصلاة
مجلبة للرزق ، حافظة للصحة ، دافعة للاذى ، مطردة للأدواء ، مقوية للقلب ، مبيضة
للوجه ، مفرحة للنفس ، مذهبة للكسل ، منشطة للجوارح ، ممدة للقوى ، شارحة للصدر
مغذية للروح ، منورة للقلب ، حافظة للنعمة ، دافعة للنقمة ، جالبة للحركة ، مبعدة
من الشيطان ، مقربة من الرحمن .
وبالجملة
فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب
، وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما ، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو
بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل ، وعاقبته أسلم .
وللصلاة
تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا ، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً
، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة ، وسر ذلك
أن الصلاة صلة بالله عز وجل ، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من
الخيرات أبوابها ، وتقطع عنه من الشرور أسبابها ، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه
عز وجل ، والعافية والصحة ، والغنيمة والغنى ، والراحة والنعيم ، والأفراح
والمسرات ، كلها محضرة لديه ، ومسارعة إليه .
صبر
" الصبر نصف الإيمان " ، فإنه ماهية
مركبة من صبر وشكر ، كما قال بعض السلف الإيمان نصفان نصف صبر ، ونصف شكر ، قال تعالى " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " [
إبراهيم ] والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ،
وهو ثلاثة أنواع صبر على فرائض الله ، فلا
يضيعها ، وصبر عن محارمه ، فلا يرتكبها وصبر على أقضيته وأقداره ، فلا يتسخطها ،
ومن استكمل هذه المراتب الثلاث ، استكمل الصبر ، ولذة الدنيا والآخرة ونعيمها ،
والفوز والظفر فيهما ، لا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر ، كما لا يصل أحد إلى
الجنة إلا على الصراط ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير عيش أدركناه بالصبر . وإذا تأملت مراتب
الكمال المكتسب في العالم ، رأيتها كلها منوطة بالصبر ، وإذا تأملت النقصان الذي
يذم صاحبه عليه ، ويدخل تحت قدرته ، رأيته كله من عدم الصبر ، فالشجاعة والعفة ،
والجود والإيثار كله صبر ساعة .
فالصبر
طلسم على كنز العلى من حل ذا الطلسم
فاز بكنزه
وأكثر
أسقام البدن والقلب ، إنما تنشأ من عدم الصبر ، فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح
بمثل الصبر ، فهو الفاروق الأكبر ، والترياق الأعظم ، ولو لم يكن فيه إلا معية
الله مع أهله ، فإن الله مع الصابرين ومحبته لهم ، فإن الله يحب الصابرين ، ونصره
لأهله ، فإن النصر مع الصبر ، وإنه خير لأهله ، " ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين " [ النحل ] ، وإنه سبب الفلاح " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا
ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " [ آل عمران ] .
صبر
روى أبو داود في كتاب المراسيل
من حديث قيس بن رافع القيسي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ماذا في الأمرين من الشفاء ؟ الصبر
والثفاء " . وفي السنن لأبي داود من حديث أم سلمة ، قالت " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت علي صبراً ، فقال ماذا يا أم سلمة ؟ فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ، ليس فيه طيب ، قال إنه يشب الوجه ، فلا تجعليه إلا بالليل "
ونهى عنه بالنهار .
الصبر
كثير المنافع ، لا سيما الهندي منه ، ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب
البصر ، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد ، نفع من الصداع ، وينفع من قروح
الأنف والفم ، ويسهل السوداء والماليخوليا .
والصبر
الفارسي يذكي العقل ، ويمد الفؤاد ، وينقي الفضول الصفراوية والبلغمية من المعدة
إذا شرب منه ملعقتان بماء ، ويرد الشهوة الباطلة والفاسدة ، وإذا شرب في البرد ،
خيف أن يسهل دماً .
صوم
الصوم جنة من أدواء الروح والقلب والبدن ،
منافعه تفوت الإحصاء ، وله تأثير عجيب في حفظ الصحة ، وإذابة الفضلات ، وحبس النفس
عن تناول مؤذياتها ، ولا سيما إذا كان باعتدال وقصد في أفضل أوقاته شرعاً ، وحاجة
البدن إليه طبعاً .
ثم
إن فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها ، وفيه خاصية تقتضي إيثاره ،
وهي تفريحه للقلب عاجلاً وآجلاً ، وهو أنفع شئ لأصحاب الأمزجة الباردة والرطبة ،
وله تأثير عظيم في حفظ صحتهم .
وهو يدخل في الأدوية الروحانية
والطبيعية ، وإذا راعى الصائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعاً وشرعاً ، عظم انتفاع
قلبه وبدنه به ، وحبس عنه المواد الغريبة الفاسدة التي هو مستعد لها ، وأزال
المواد الرديئة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه ، ويحفظ الصائم مما ينبغي أن يتحفظ منه
، ويعينه على قيامه بمقصود الصوم وسره وعلته الغائية ، فإن القصد منه أمر آخر وراء
ترك الطعام والشراب، وباعتبار ذلك الأمر اختص من بين الأعمال بأنه لله سبحانه ،
ولما كان وقاية وجنة بين العبد وبين ما يؤذي قلبه وبدنه عاجلاً وآجلاً ، قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " [ البقرة ]، فأحد
مقصودي الصيام الجنة والوقاية ، وهي حمية عظيمة النفع ، والمقصود الآخر اجتماع القلب والهم على الله تعالى ، وتوفير قوى
النفس على محابه وطاعته ، وقد تقدم الكلام في بعض أسرار الصوم عند ذكر هديه صلى
الله عليه وسلم فيه .
حرف الضاد
ضب
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ، " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سئل عنه لما قدم إليه ، وامتنع من أكله أحرام هو ؟ فقال لا ولكن لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه .
وأكل بين يديه وعلى مائدته وهو ينظر " .
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال " لا أحله ولا
أحرمه ".
وهو حار يابس ، يقوي شهوة الجماع ، وإذا دق ، ووضع على موضع الشوكة
اجتذبها .
ضفدع قال الإمام أحمد الضفدع لا يحل في الدواء ، نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن قتلها ، يريد الحديث الذي رواه في مسنده
من حديث عثمان بن عبد الرحمن رضي الله عنه ، أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن قتلها .
قال صاحب القانون من أكل
من دم الضفدع أو جرمه ، ورم بدنه ، وكمد لونه ، وقذف المني حتى يموت ، ولذلك ترك
الأطباء استعماله خوفاً من ضرره ، وهي نوعان مائية وترابية ، والترابية يقتل أكلها .
حرف الطاء
طيب