كتم :
روى البخاري في
صحيحه : عن عثمان بن عبد الله بن
موهب ، قال : دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها ، فأخرجت إلينا شعراً من شعر رسول
الله ، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم .
وفي السنن الأربعة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم " .
وفي الصحيحين : عن أنس رضي الله عنه ، أن أبا بكر رضي الله
عنه اختضب بالحناء والكتم .
وفي سنن أبي داود : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : "
مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل قد خضب بالحناء فقال : ما أحسن هذا ؟
فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم ، فقال :
هذا أحسن من هذا فمر آخر قد خضب
بالصفرة ، فقال : هذا أحسن من هذا كله
" .
قال الغافقي : الكتم نبت ينبت بالسهول ، ورقه قريب من ورق الزيتون
، يعلو فوق القامة ، وله ثمر قدر حب الفلفل ، في داخله نوى ، إذا رضخ اسود ، وإذا
استخرجت عصارة ورقه ، وشرب منها قدر أوقية ، قيأ قيئاً شديداً ، وينفع عن عضة
الكلب ، وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به .
وقال الكندي : بزر الكتم إذا اكتحل به ، حلل الماء النازل في العين
وأبرأها .
وقد ظن بعض الناس أن الكتم هو الوسمة ، وهي ورق النيل ، وهذا وهم ،
فإن الوسمة غير الكتم . قال صاحب
الصحاح : الكتم بالتحريك : نبت
يخلط بالوسمة يختضب به ، قبل : والوسمة نبات له ورق طويل يضرب لونه إلى الزرقة
أكبر من ورق الخلاف ، يشبه ورق اللوبيا ، وأكبر منه ، يؤتى به من الحجاز واليمن .
فإن قيل : قد ثبت في
الصحيح عن أنس رضي الله عنه ، أنه
قال : لم يختضب النبي صلى الله عليه وسلم .
قيل : قد أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال : قد شهد به غير أنس رضي
الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه خضب ، وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد ،
فأحمد أثبت خضاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه جماعة من المحدثين ، ومالك أنكره
.
فإن قيل : فقد ثبت في صحيح
مسلم النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي
قحافة لما أتي به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً ، فقال : " غيروا هذا الشيب
وجنبوه السواد " .
والكتم يسود الشعر .
فالجواب من وجهين ، أحدهما : أن النهي عن التسويد البحت ، فأما إذا
أضيف إلى الحناء شئ آخر ، كالكتم ونحوه ، فلا بأس به ، فإن الكتم والحناء يجعل
الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة ، فإنها تجعله أسود فاحماً ، وهذا أصح
الجوابين .
الجواب الثاني : أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس ،
كخضاب شعر الجارية ، والمرأة الكبيرة تغر الزوج ، والسيد بذلك ، وخضاب الشعر يغر
المرأة بذلك ، فإنه من الغش والخداع ، فأما إذا لم يتضمن تدليساً ولا خداعاً ، فقد
صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد ، ذكر ذلك ابن جرير
عنهما في كتاب تهذيب الآثار وذكره عن عثمان بن عفان ، وعبد الله بن جعفر ،
وسعد بن أبي وقاص ، وعقبة بن عامر ، والمغيرة بن شعبة ، وجرير بن عبد الله ، وعمرو
بن العاص ، وحكاه عن جماعة من التابعين ، منهم : عمرو بن عثمان ، وعلي بن عبد الله
بن عباس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وموسى بن طلحة ،
والزهري ، وأيوب ، وإسماعيل بن معدي كرب .
وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار ، ويزيد ، وابن جريج ، وأبي
يوسف ، وأبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وزياد بن علاقة ، وغيلان بن جامع ، ونافع بن
جبير ، وعمرو بن علي المقدمي ، والقاسم بن سلام .
كرم :
شجرة العنب ، وهي الحبلة ، ويكره تسميتها كرماً
، لما روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يقولن أحدكم للعنب الكرم .
الكرم : الرجل المسلم " . وفي رواية
: " إنما الكرم قلب المؤمن " ، وفي أخرى : " لا تقولوا : الكرم ،
وقولوا : العنب والحبلة " .
وفي هذا معنيان :
أحدهما : أن العرب كانت تسمي شجرة العنب الكرم ، لكثرة منافعها
وخيرها ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها باسم يهيج النفوس على محبتها
ومحبة ما يتخذ منها من المسكر ، وهو أم الخبائث ، فكره أن يسمى أصله بأحسن الأسماء
وأجمعها للخير .
والثاني : أنه من باب قوله : " ليس الشديد بالصرعة " .
" وليس المسكين بالطواف " . أي : أنكم تسمون شجرة العنب كرماً لكثرة
منافعه ، وقلب المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الإسم منه ، فإن المؤمن خير كله
ونفع ، فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن من الخير ، والجود ،
والإيمان ، والنور ، والهدى ، والتقوى ، والصفات التي يستحق بها هذا الإسم أكثر من
استحقاق الحبلة له .
وبعد : فقوة الحبلة باردة يابسة ، وورقها وعلائقها وعرموشها مبرد
في آخر الدرجة الأولى ، وإذا دقت وضمد بها من الصداع سكنته ، ومن الأورام الحارة
والتهاب المعدة . وعصارة قضبانه إذا شربت سكنت القئ ، وعقلت البطن ، وكذلك إذا
مضغت قلوبها الرطبة . وعصارة ورقها ، تنفع من قروح الأمعاء ، ونفث الدم وقيئه ،
ووجع المعدة ، ودمع شجره الذي يحمل على القضبان ، كالصمغ إذا شرب أخرج الحصاة ،
وإذا لطخ به ، أبرأ القوب والجرب المتقرح وغيره ، وينبغي غسل العضو قبل استعمالها
بالماء والنطرون ، وإذا تمسح بها مع الزيت حلق الشعر ، ورماد قضبانه إذا تضمد به
مع الخل ودهن الورد والسذاب ، نفع من الورم العارض في الطحال ، وقوة دهن زهرة
الكرم قابضة شبيهة بقوة دهن الورد ، ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة .
كرفس :
روي في حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال : " من أكله ثم نام عليه ، نام ونكهته طيبة ، وينام آمنا من وجع
الأضراس والأسنان " ، وهذا باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن
البستاني منه يطيب النكهة جداً ، وإذا علق أصله في الرقبه نفع من وجع الأسنان .
وهو حار يابس ، وقيل : رطب مفتح لسداد الكبد والطحال ، وورقه رطباً
ينفع المعدة والكبد الباردة ، ويدر البول والطمث ، ويفتت الحصاة ، وحبه أقوى في
ذلك ، ويهيج الباه ، وينفع من البخر . قال الرازي : وينبغي أن يجتنب أكله إذا خيف
من لدغ العقارب .
كراث :
فيه حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو باطل
موضوع : " من أكل الكراث ثم نام عليه نام آمناً من ريح البواسير واعتزله
الملك لنتن نكهته حتى يصبح " .
وهو نوعان : نبطي وشامي ، فالنبطي : البقل الذي يوضع على المائدة .
والشامي : الذي له رؤوس ، وهو حار يابس مصدع ، وإذا طبخ وأكل ، أو شرب ماؤه ، نفع
من البواسير الباردة . وإن سحق بزره ، وعجن بقطران ، وبخرت به الأضراس التي فيها
الدود نثرها وأخرجها ، ويسكن الوجع العارض فيها ، وإذا دخنت المقعدة ببزره خفت
البواسير ، هذا كله في الكراث النبطي .
وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللثة ، ويصدع ، ويري أحلاماً رديئة ،
ويظلم البصر ، وينتن النكهة ، وفيه إدرار للبول والطمث ، وتحريك للباه ، وهو بطيء
الهضم .
حرف اللام
لحم :
قال الله تعالى : " وأمددناهم بفاكهة ولحم
مما يشتهون " [ الطور : 22 ] . وقال : " ولحم طير مما يشتهون " [
الواقعة : 21 ] .
وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي الدرداء ، عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " سيد طعام أهل الدنيا ، وأهل الجنة اللحم " . ومن حديث
بريدة يرفعه : " خير الإدام في الدنيا والآخرة اللحم " .
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " . والثريد : الخبز واللحم ، قال الشاعر
:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم
فذاك أمانة الله الثريد
وقال الزهري : أكل اللحم يزيد سبعين قوة . وقال محمد بن واسع :
اللحم يزيد في البصر ؟ ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كلوا اللحم
فإنة يصفي اللون ويخمص البطن ، ويحسن الخلق وقال نافع : كان ابن عمر إذا كان رمضان لم يفته
اللحم ، وإذا سافر لم يفته اللحم ، ويذكر عن علي : من تركه أربعين ليلة ساء خلقه .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها ، الذي رواه أبو دواد مرفوعاً :
" لا تقطعوا اللحم بالسكين ، فإنه من صنيع الأعاجم ، وانهسوه ، فإنه أهنأ وأمرأ " . فرده
الإمام أحمد بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قطعه بالسكين في حديثين ، وقد تقدما
.
واللحم أجناس يختلف باختلاف أصوله وطبائعه ، فنذكر حكم كل جنس
وطبعه ومنفعته ومضرته .
لحم الضأن : حار في الثانية ، رطب في الأولى ، جيده الحولي ، يولد
الدم المحمود القوي لمن جاد هضمه ، يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة ، ولأهل
الرياضات التامة في المواضع والفصول الباردة ، نافع لأصحاب المرة السوداء ، يقوي
الذهن والحفظ . ولحم الهرم والعجيف رديء ، وكذلك لحم النعاج ، وأجوده : لحم الذكر
الأسود منه ، فإنه أخف وألذ وأنفع ، والخصي أنفع وأجود ، والأحمر من الحيوان
السمين أخف وأجود غذاء ، والجذع من المعز أقل تغذية ، ويطفو في المعدة .
وأفضل اللحم عائذه بالعظم ، والأيمن أخف وأجود من الأيسر ، المقدم
أفضل من المؤخر ، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها ، وكل
ما علا منه سوى الرأس كان أخف وأجود مما سفل ، وأعطى الفرزدق رجلاً يشتري له لحماً
وقال له: خذ المقدم ، وإياك والرأس والبطن ، فإن الداء فيهما . ولحم العنق جيد
لذيذ ، سريع الهضم خفيف ، ولحم الذراع أخف اللحم وألذه وألطفه وأبعده من الأذى ،
وأسرعه انهضاماً .
وفي الصحيحين : أنه كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ولحم الظهر كثير الغذاء ، يولد دماً محموداً . وفي سنن ابن ماجه
مرفوعاً : " أطيب اللحم لحم الظهر " .
لحم المعز : قليل الحرارة ، يابس ، وخلطه المتولد منه ليس بفاضل
وليس بجيد الهضم ، ولا محمود الغذاء . ولحم التيس رديء مطلقاً ، شديد اليبس ، عسر الإنهضام ، مولد
للخلط السوداوي .
قال الجاحظ : قال لي فاضل من الأطباء : يا أبا عثمان ! إياك ولحم
المعز ، فإنه يورث الغم ، ويحرك السوداء ، ويورث النسيان ، ويفسد الدم ، وهو والله
يخبل الأولاد .
وقال بعض الأطباء : إنما المذموم منه المسن ، ولا سيما للمسنين ،
ولا رداءة فيه لمن اعتاده . وجالينوس جعل الحولي منه من الأغذية المعتدلة المعدلة
للكيموس المحمود ، وإناثه أنفع من ذكوره .
وقد روى النسائي في
سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم
: " أحسنوا إلى الماعز وأميطوا عنها الأذى فإنها من دواب الجنة " وفي ثبوت هذا الحديث نظر . وحكم
الأطباء عليه بالمضرة حكم جزئي ليس بكلي عام ، وهو بحسب المعدة الضعيفة ، والأمزجة
الضعيفة التي لم تعتده ، واعتادت المأكولات اللطيفة ، وهؤلاء أهل الرفاهية من أهل
المدن ، وهم القليلون من الناس .
لحم الجدي : قريب إلى الإعتدال ، خاصة ما دام رضيعاً ، ولم يكن
قريب العهد بالولادة ، وهو أسرع هضماً لما فيه من قوة اللبن ، ملين للطبع ، موافق
لأكثر الناس في أكثر الأحوال ، وهو ألطف من لحم الجمل ، والدم المتولد عنه معتدل .
لحم البقر : بارد يابس ، عسر الإنهضام ، بطيء الإنحدار ، يولد دماً
سوداوياً ، لا يصلح إلا لأهل الكد والتعب الشديد ، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية
، كالبهق والجرب ، والقوباء والجذام ، وداء الفيل ، والسرطان ، والوسواس ، وحمى
الربع ، وكثير من الأورام، وهذا لمن لم يعتده ، أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثوم
والدارصيني ، والزنجبيل ونحوه ، وذكره أقل برودة ، وأنثاه أقل يبساً . ولحم العجل
ولا سيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها ، وهو حار رطب ، وإذا
انهضم غذى غذاء قوياً .
لحم الفرس : ثبت في
الصحيح عن أسماء رضي الله عنها
قالت : نحرنا فرساً فأكلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وثبت عنه صلى
الله عليه وسلم أنه أذن في لحوم الخيل ، ونهى عن لحوم الحمر أخرجاه في الصحيحين
.
ولا يثبت عنه حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - أنه نهى
عنه . قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث .
واقترانه بالبغال والحمير في القرآن لا يدل على أن حكم لحمه حكم
لحومها بوجه من الوجوه ، كما لا يدل على أن حكمها في السهم في الغنيمة حكم الفرس ،
والله سبحانه يقرن في الذكر بين المتماثلات تارة ، وبين المختلفات ، وبين
المتضادات ، وليس في قوله : " لتركبوها " [ النحل : 8 ] ، ما يمنع من
أكلها ، كما ليس فيه ما يمنع من غير الركوب من وجوه الإنتفاع ، وإنما نص على أجل
منافعها ، وهو الركوب ، والحديثان في حلها صحيحان لا معارض لهما ، وبعد : فلحمها
حار يابس ، غليظ سوداوي مضر لا يصلح للأبدان اللطيفة .
لحم الجمل : فرق ما بين الرافضة وأهل السنة ، كما أنه أحد الفروق
بين اليهود وأهل الإسلام ، فاليهود والرافضة تذمه ولا تأكله ، وقد علم بالإضطرار
من دين الإسلام حله ، وطالما أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضراً
وسفراً .
ولحم الفصيل منه من ألذ اللحوم وأطيبها وأقواها غذاء ، وهو لمن
اعتاده بمنزلة لحم الضأن لا يضرهم البتة ، ولا يولد لهم داء ، وإنما ذمه بعض
الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية من أهل الحضر الذين لم يعتادوه ، فإن فيه حرارة
ويبساً ، وتوليداً للسوداء ، وهو عسر الإنهضام ، وفيه قوة غير محمودة ، لأجلها أمر
النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما ، ولا
يصح تأويلهما بغسل اليد ، لأنه خلاف المعهود من الوضوء في كلامه صلى الله عليه
وسلم ، لتفريقه بينه وبين لحم الغنم ، فخير بين الوضوء وتركه منها ، وحتم الوضوء
من لحوم الإبل . ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط ، لحمل على ذلك في قوله : "
من مس فرجه فليتوضأ " .
وأيضاً : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده بأن يوضع في فمه ، فإن
كان وضؤوه غسل يده ، فهو عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه ، ولا يصح
معارضته بحديث : " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
الوضوء مما مست النار " لعدة أوجه :
أحدها : أن هذا عام ، والأمر بالوضوء ، منها خاص .
الثاني : أن الجهة مختلفة ، فالأمر بالوضوء منها بجهة كونها لحم
إبل سواء كان نيئاً ، أو مطبوخاً ، أو قديداً ، ولا تأثير للنار في الوضوء وأما
ترك الوضوء مما مست النار ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء ، فأين أحدهما
من الآخر ؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو كونه لحم إبل ، وهذا فيه نفي لسبب
الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار ، فلا تعارض بينهما بوجه .
الثالث : أن هذا ليس فيه حكاية ولفظ عام عن صاحب الشرع ، وإنما هو
إخبار عن واقعة فعل في أمرين ، أحدهما : متقدم على الآخر ، كما جاء ذلك مباين في
نفس الحديث ، أنهم قربوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحماً ، فأكل ، ثم حضرت
الصلاة ، فتوضأ فصلى ، ثم قربوا إليه فأكل ، ثم صلى ، ولم يتوضأ ، فكان آخر
الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار ، هكذا جاء الحديث ، فاختصره الراوي لمكان
الإستدلال ، فأين في هذا ما يصلح لنسخ الأمر بالوضوء منه ، حتى لو كان لفظاً عاماً
متأخراً مقاوماً ، لم يصلح للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه ، وهذا في غاية الظهور .
لحم الضب : تقدم الحديث في حله ، ولحمه حار يابس ، يقوي شهوة
الجماع .
لحم الغزال : الغزال أصلح الصيد وأحمده لحماً ، وهو حار يابس ،
وقيل : معتدل جداً ، نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة ، وجيده الخشف .
لحم الظبي : حار يابس في الأولى ، مجفف للبدن ، صالح للأبدان
الرطبة . قال صاحب القانون : وأفضل لحوم الوحش لحم الظبي مع ميله إلى
السوداوية .
لحم الأرانب : ثبت في
الصحيحين : عن أنس بن مالك قال
أنفجنا أرنباً فسعوا في طلبها ، فأخذوها ، فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقبله .
لحم الأرنب : معتدل إلى الحرارة واليبوسة ، وأطيبها وركها ، وأحمده
أكل لحمها مشوياً ، وهو يعقل البطن ، ويدر البول ، ويفتت الحصى ، وأكل رؤوسها ينفع
من الرعشة .
لحم حمار الوحش : ثبت في
الصحيحين : من حديث أبي قتادة رضي
الله عنه ، أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره ، وأنه صاد
حمار وحش ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكله وكانوا محرمين ، ولم يكن أبو
قتادة محرماً .
وفي سنن ابن ماجه : عن جابر قال : أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر
الوحش .
لحمه حار يابس ، كثير التغذية ، مولد دماً غليظاً سوداوياً ، إلا
أن شحمه نافع مع دهن القسط لوجع الظهر والريح الغليظة المرخية للكلى ، وشحمه جيد
للكلف طلاء ، وبالجملة فلحوم الوحوش كلها تولد دماً غليظاً سوداوياً وأحمده الغزال
، وبعده الأرنب .
لحوم الأجنة : غير محمودة لاحتقان الدم فيها ، وليست بحرام ، لقوله
صلى الله عليه وسلم : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " .
ومنع أهل العراق من أكله إلا أن يدركه حياً فيذكيه ، وأولوا الحديث
على أن المراد به أن ذكاته كذكاة أمه . قالوا : فهو حجة على التحريم ، وهذا فاسد ،
فإن أول الحديث أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله !
نذبح الشاة ، فنجد في بطنها جنيناً أفنأكله ؟ فقال : " كلوه إن شئتم فإن
ذكاته ذكاة أمه " .
وأيضاً : فالقياس يقتضي حله ، فإنه ما دام حملاً فهو جزء من أجزاء
الأم ، فذكاتها ذكاة لجميع أجزائها ، وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشرع بقوله
: ذكاته ذكاة أمه كما تكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها ، فلو لم
تأت عنه السنة الصريحة بأكله ، لكان القياس الصحيح يقتضي حله .
لحم القديد : في
السنن من حديث ثوبان رضي الله عنه
قال : ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : " أصلح
لحمها " فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة .
القديد : أنفع من النمكسود ، ويقوي الأبدان ، ويحدث حكة ، ودفع
ضرره بالأبازير الباردة الرطبة ، ويصلح الأمزجة الحارة والنمكسود : حار يابس مجفف
، جيده من السمين الرطب ، يضر بالقولنج ، ودفع مضرته طبخه باللبن والدهن ، ويصلح
للمزاج الحار الرطب .