فضل عشر ذي الحجه
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعيين ..
أما بعد: فإن خير الزاد تقوى الله تعالى والخوف من عقابه ورجاء ثوابه والتسليم بقضائه وقدرهواستشعار قدرته وعظمته جل جلاله.
عباد الله، يستقبل المؤمنونعشر ذي الحجة التي هي من أفضل الأيام عند الله تعالى، وللعمل الصالح فيها مزية عنغيرها من الأيام ففي الحديث: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذهالأيام، يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولاالجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) البخاري.
ومن أجلِّ الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر أداء مناسك الحجالذي أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر تحققت فيه شروط وجوبه. والحج أحد أركانالإسلام، شرعه الله تعالى وأوجبه لما فيه من خير العباد ومصلحتهم، ومن تأمل فيشعائر الحج وحكمه التي يشتمل عليها رأى الحكم الباهرة والعظات البالغة والمقاصدالنافعة للفرد والمجتمع.
ففي الحج يجتمع المسلمون على اختلاف شعوبهموطبقاتهم وتنوع بلدانهم ولغاتهم، فتتوحد وجهاتهم وأفعالهم في زمان واحد ومكان محددلا يتميز فيه قوم عن قوم ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ [البقرة:199]، فتلتقي القلوب وتزداد المحبة ويوجد الائتلاف، ولو استغل هذا الجمع فيتحقيق المقاصد العظيمة من مشروعية الحج لرأى المسلمون عجباً.
ومن حكم الحجوفوائده التي تظهر للمتأمل تذكر الدار الآخرة، فالحاج يغادر أوطانه التي ألفها ونشأفي ربوعها، وكذا الميت إذا انقضى أجله غادر هذه الدنيا، والميت يجرد من ثيابه وكذاالحاج يتجرد من المخيط طاعة لله تعالى، والميت يغسل بعد وفاته، وكذا الحاج يتنظفويغتسل عند ميقاته، والميت يكفن في لفائف بيضاء هي لباسه في دار البرزخ، والحاجيلبس رداءً وإزاراً أبيضين لمناسكه، وفي صعيد عرفات والمشعر الحرام يجتمع الحجيج،وفي يوم القيامة يبعث الناس ويساقون إلى الموقف يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّٱلْعَـٰلَمِينَ [المطففين:6]، إلى غير ذلك من الحكم والمقاصد والعبر التي تعظوتذكر.
أما عن عشر ذي الحجة، هذه الأيام الفاضلة والموسم المبارك والأوقاتالثمينة، فإن العاقل الحصيف يدرك أن المواسم قلما تتكرر، وأن للموسم فرصته التي قدتفوت على البطالين وأهل الكسل، أرأيتم يا عباد الله لو أن صاحب محل تجاري يبيعالملابس الجديدة وإذا قرب العيد أغلق محله وتفرغ للبر والسفر، ماذا سيقول عنهالناس، ولو أن صاحب مكتبة وأدوات مدرسية يغلق متجره قبيل ابتداء العام الدراسيبأيام ولا يعود إلى افتتاحه إلا بعد بدء الدراسة بأسابيع، ماذا سيقول عنه الناس؟وهل هو أهل للتجارة والمكاسب في عرف التجار؟ ومثله لو أن صاحب مطعم لا يفتح مطعمهإلا وقت العصر ويغلقه قبل الليل، وقس على ذلك سائر المهن والتخصصات، فلكل بضاعةموسم لا يفوت، بل إن غالب التجار إنما يستفيد ويربح من أيام المواسم، هذا في أمورالدنيا وحطامها الزائل ومتاعها القليل الذي سرعان ما يزول ويتحول، ويكفي من الدنياالقليل، فملك كسرى تغني عنه كسرة، بل الرابح في دنياه من غادرها خفيف المحمل قليلذات اليد، أما المقر الدائم والمستقر الذي لا يتغير فهنالك يَوْمَ تَأْتِى كُلُّنَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْلاَ يُظْلَمُونَ [النحل:111]، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْخَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40]، وكم هي جميلة وصية مؤمن آل فرعون لقومه حين وعظهم قائلاً كما ورد فيالقرآن الكريم: يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌوَإِنَّ ٱلاْخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰإِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَمُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِحِسَابٍ [غافر:39، 40].
فهنيئاً ثم هنيئاً لمن عزم على استغلال عشر ذي الحجةبالعمل الصالح وتحري الخير والإكثار من الذكر والدعاء وأداء القربات المشروعة رجاءأن يكون من المرحومين المنافسين في الخيرات إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ عَلَىٱلأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ يُسْقَوْنَمِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين:22-26].
عباد الله، في هذه العشر تشرع أنواعمن العبادات الخاصة والمطلقة، ففي هذه العشر يستحب الإكثار من ذكر الله تعالىوالتكبير والتحميد والتهليل، فربنا سبحانه يقول: وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىأَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ [الحج:28]، وقد فسرت بأنه أيام عشر ذي الحجة، وقد استحبالعلماء كثرة الذكر في هذه العشر، فقد كان ابن عمر يخرج إلى السوق في العشر فيكبرويكبر الناس بتكبيره، فيستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق وغيرهاإعلاناً بحمد الله وشكراً على نعمه وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، ومما يستحب دوماً صيام النوافل والصدقة وتلاوة القرآن، وفي مثل هذاالموسم المبارك يزداد فضلها وتتأكد مشروعيتها، والعمل الصالح في هذه العشر خيروأفضل من كثير من الأعمال العظيمة حتى الجهاد في سبيل الله حين يبذل المسلم دمه فيسبيل ربه فيقتل ويتعرض للجراحات والآلام، ويقف في تلك المواقف التي لا يتصدى لهاإلا الأفذاذ من الرجال، ومع هذا فإن العمل الصالح في هذه العشر يفوق الجهاد في سبيلالله إلا لمن خرج بنفسه وماله في الجهاد فبذل ماله وأراق دمه وقتل في سبيل الله،فياله من فضل وأجر لا يفوته إلا المحروم، فاللهم لا تحرمنا فضلك ولا تؤاخذنابذنوبنا وخطيئاتنا، واجعلنا من عبادك الأوابين المنيبين المسابقين إلى الجنات ورفيعالدرجات إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
الثانية: ومن العبادات الجليلةالتي تعمل في عشر ذي الحجة ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدينالظاهرة ومن العبادات المشروعة في كل الملل.يقول سبحانه: وَلِكُلّ أُمَّةٍجَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّنبَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ [الحج:34]، قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه لم يزلذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. ويقول سبحانه: وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌفَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَافَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَسَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36].
وذبح الأضحيةمشروع بإجماع العلماء وصرح البعض منهم بوجوبها على القادر، وجمهور العلماء على أنهاسنة مؤكدة يكره للقادر تركها.
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى ولوزاد عن قيمتها، وذلك لأن الذبح وإراقة الدم مقصود، فهو عبادة مقرونة بالصلاة كماقال سبحانه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، وعليه عمل النبي والمسلمين، ولوكانت الصدقة بقيمتها أفضل لعدلوا إليها. وللأضحية شروط لا بد من توفرها، منهاالسلامة من العيوب التي وردت في السنة، وقد بين العلماء هذه العيوب مفصلة، ومنشروطها أن يكون الذبح في الوقت المحدد له، وهو من انتهاء صلاة العيد إلى غروب شمسآخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر.
واعلموا أيها المؤمنون أنه يحرم علىمن عزم على الأضحية الأخذ من شعره وأظفاره من حين دخول شهر ذي الحجة إلى أن يضحي،وذلك لقوله : ((إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا منظفره ولا من بشرته شيئاً)) مسلم، وهذا الحكم خاص بمن سيضحي، أما من سيضحى عنه فلايشمله هذا الحكم، فرب البيت الذي عزم على الأضحية هو الذي يحرم عليه مس شعره أوأظفاره دون أهله وعياله.
اللهم إنا نسألك من فضلك اللهم إنا نسألك فعلالخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةفاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم يسر للحجيج حجهم وأعنا وإياهم على ذكرك وشكرك وحسنعبادتك واجعلنا جميعا من المقبولين.
عباد الله، يستقبل المؤمنونعشر ذي الحجة التي هي من أفضل الأيام عند الله تعالى، وللعمل الصالح فيها مزية عنغيرها من الأيام ففي الحديث: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذهالأيام، يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولاالجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) البخاري.
ومن أجلِّ الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر أداء مناسك الحجالذي أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر تحققت فيه شروط وجوبه. والحج أحد أركانالإسلام، شرعه الله تعالى وأوجبه لما فيه من خير العباد ومصلحتهم، ومن تأمل فيشعائر الحج وحكمه التي يشتمل عليها رأى الحكم الباهرة والعظات البالغة والمقاصدالنافعة للفرد والمجتمع.
ففي الحج يجتمع المسلمون على اختلاف شعوبهموطبقاتهم وتنوع بلدانهم ولغاتهم، فتتوحد وجهاتهم وأفعالهم في زمان واحد ومكان محددلا يتميز فيه قوم عن قوم ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ [البقرة:199]، فتلتقي القلوب وتزداد المحبة ويوجد الائتلاف، ولو استغل هذا الجمع فيتحقيق المقاصد العظيمة من مشروعية الحج لرأى المسلمون عجباً.
ومن حكم الحجوفوائده التي تظهر للمتأمل تذكر الدار الآخرة، فالحاج يغادر أوطانه التي ألفها ونشأفي ربوعها، وكذا الميت إذا انقضى أجله غادر هذه الدنيا، والميت يجرد من ثيابه وكذاالحاج يتجرد من المخيط طاعة لله تعالى، والميت يغسل بعد وفاته، وكذا الحاج يتنظفويغتسل عند ميقاته، والميت يكفن في لفائف بيضاء هي لباسه في دار البرزخ، والحاجيلبس رداءً وإزاراً أبيضين لمناسكه، وفي صعيد عرفات والمشعر الحرام يجتمع الحجيج،وفي يوم القيامة يبعث الناس ويساقون إلى الموقف يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّٱلْعَـٰلَمِينَ [المطففين:6]، إلى غير ذلك من الحكم والمقاصد والعبر التي تعظوتذكر.
أما عن عشر ذي الحجة، هذه الأيام الفاضلة والموسم المبارك والأوقاتالثمينة، فإن العاقل الحصيف يدرك أن المواسم قلما تتكرر، وأن للموسم فرصته التي قدتفوت على البطالين وأهل الكسل، أرأيتم يا عباد الله لو أن صاحب محل تجاري يبيعالملابس الجديدة وإذا قرب العيد أغلق محله وتفرغ للبر والسفر، ماذا سيقول عنهالناس، ولو أن صاحب مكتبة وأدوات مدرسية يغلق متجره قبيل ابتداء العام الدراسيبأيام ولا يعود إلى افتتاحه إلا بعد بدء الدراسة بأسابيع، ماذا سيقول عنه الناس؟وهل هو أهل للتجارة والمكاسب في عرف التجار؟ ومثله لو أن صاحب مطعم لا يفتح مطعمهإلا وقت العصر ويغلقه قبل الليل، وقس على ذلك سائر المهن والتخصصات، فلكل بضاعةموسم لا يفوت، بل إن غالب التجار إنما يستفيد ويربح من أيام المواسم، هذا في أمورالدنيا وحطامها الزائل ومتاعها القليل الذي سرعان ما يزول ويتحول، ويكفي من الدنياالقليل، فملك كسرى تغني عنه كسرة، بل الرابح في دنياه من غادرها خفيف المحمل قليلذات اليد، أما المقر الدائم والمستقر الذي لا يتغير فهنالك يَوْمَ تَأْتِى كُلُّنَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْلاَ يُظْلَمُونَ [النحل:111]، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْخَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40]، وكم هي جميلة وصية مؤمن آل فرعون لقومه حين وعظهم قائلاً كما ورد فيالقرآن الكريم: يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌوَإِنَّ ٱلاْخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰإِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَمُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِحِسَابٍ [غافر:39، 40].
فهنيئاً ثم هنيئاً لمن عزم على استغلال عشر ذي الحجةبالعمل الصالح وتحري الخير والإكثار من الذكر والدعاء وأداء القربات المشروعة رجاءأن يكون من المرحومين المنافسين في الخيرات إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ عَلَىٱلأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ يُسْقَوْنَمِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين:22-26].
عباد الله، في هذه العشر تشرع أنواعمن العبادات الخاصة والمطلقة، ففي هذه العشر يستحب الإكثار من ذكر الله تعالىوالتكبير والتحميد والتهليل، فربنا سبحانه يقول: وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىأَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ [الحج:28]، وقد فسرت بأنه أيام عشر ذي الحجة، وقد استحبالعلماء كثرة الذكر في هذه العشر، فقد كان ابن عمر يخرج إلى السوق في العشر فيكبرويكبر الناس بتكبيره، فيستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق وغيرهاإعلاناً بحمد الله وشكراً على نعمه وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، ومما يستحب دوماً صيام النوافل والصدقة وتلاوة القرآن، وفي مثل هذاالموسم المبارك يزداد فضلها وتتأكد مشروعيتها، والعمل الصالح في هذه العشر خيروأفضل من كثير من الأعمال العظيمة حتى الجهاد في سبيل الله حين يبذل المسلم دمه فيسبيل ربه فيقتل ويتعرض للجراحات والآلام، ويقف في تلك المواقف التي لا يتصدى لهاإلا الأفذاذ من الرجال، ومع هذا فإن العمل الصالح في هذه العشر يفوق الجهاد في سبيلالله إلا لمن خرج بنفسه وماله في الجهاد فبذل ماله وأراق دمه وقتل في سبيل الله،فياله من فضل وأجر لا يفوته إلا المحروم، فاللهم لا تحرمنا فضلك ولا تؤاخذنابذنوبنا وخطيئاتنا، واجعلنا من عبادك الأوابين المنيبين المسابقين إلى الجنات ورفيعالدرجات إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
الثانية: ومن العبادات الجليلةالتي تعمل في عشر ذي الحجة ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدينالظاهرة ومن العبادات المشروعة في كل الملل.يقول سبحانه: وَلِكُلّ أُمَّةٍجَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّنبَهِيمَةِ ٱلاْنْعَـٰمِ [الحج:34]، قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه لم يزلذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. ويقول سبحانه: وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌفَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَافَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَسَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36].
وذبح الأضحيةمشروع بإجماع العلماء وصرح البعض منهم بوجوبها على القادر، وجمهور العلماء على أنهاسنة مؤكدة يكره للقادر تركها.
وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى ولوزاد عن قيمتها، وذلك لأن الذبح وإراقة الدم مقصود، فهو عبادة مقرونة بالصلاة كماقال سبحانه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ [الكوثر:2]، وعليه عمل النبي والمسلمين، ولوكانت الصدقة بقيمتها أفضل لعدلوا إليها. وللأضحية شروط لا بد من توفرها، منهاالسلامة من العيوب التي وردت في السنة، وقد بين العلماء هذه العيوب مفصلة، ومنشروطها أن يكون الذبح في الوقت المحدد له، وهو من انتهاء صلاة العيد إلى غروب شمسآخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر.
واعلموا أيها المؤمنون أنه يحرم علىمن عزم على الأضحية الأخذ من شعره وأظفاره من حين دخول شهر ذي الحجة إلى أن يضحي،وذلك لقوله : ((إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا منظفره ولا من بشرته شيئاً)) مسلم، وهذا الحكم خاص بمن سيضحي، أما من سيضحى عنه فلايشمله هذا الحكم، فرب البيت الذي عزم على الأضحية هو الذي يحرم عليه مس شعره أوأظفاره دون أهله وعياله.
اللهم إنا نسألك من فضلك اللهم إنا نسألك فعلالخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنةفاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم يسر للحجيج حجهم وأعنا وإياهم على ذكرك وشكرك وحسنعبادتك واجعلنا جميعا من المقبولين.