سئل الشيخ عبدالرحمن السحيم حفظه الله هذا السؤال:
هل يجوز هذا الدعاء على الكفار ؟ اللهم يتم أطفالهم و رمّل نساءهم ... ؟
هذا الكلام وصلنى على الميل واردت ان اخذ فيه راى فضيلتكم
أللهم يتم أطفالهم
كأي مسلم آخر.. يهمني دائما في صلاة الجمعة أن أنتقي مسجدا يتميز معماره بالفخامة و خطيبه بالفصاحة..!
لأنني أعتبر هذا زادا روحيا قد يظل معي طوال الأسبوع..
أجلس في بداية الخطبة و أحاول الاندماج تماما في حديث الخطيب و أفكر في تطبيق ما يقول في حياتي العادية.. أتفكر في كلماته ثم يأتي الدعاء..
يبدأ الخطيب في الدعاء و انهمك في التأمين من خلفه :
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان ..
(آمين)
اللهم أمدهم بمددك ..
(آمين)
و أعزهم بعزك..
(آمين)
و انصرهم يا أرحم الراحمين..
(آمين)
اللهم عليك باليهود و الأمريكان ( أو ومن والاهم )
(!!!!!!)
اللهم شتت شملهم..
(آمين)
و فرق جمعهم..
(آمين)
اللهم يتم اطفالهم و رمل نساءهم ...
(!!!!!!)
اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم....
(!!!!!!)
اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا و ثمود...
(!!!!!!)
..... و أقم الصلاة..!
بشكل ما , أشعر بأنني فقدت توحدي مع الإمام..
نعم أنا مسلم و أصلي في المسجد , لكنني بشكل ما لا أستريح للتأمين خلف هذا الدعاء..
أولا : اللهم عليك باليهود و الأمريكان ..
لماذا لم يقل الإسرائيليين مثلا ؟؟ هل أدعو عليهم فقط لأن دينهم السماوي هو اليهودية أيا كان انتماءهم الفكري و السياسي ؟؟
ثم مالهم الأمريكان بقى أنا عايز أفهم ؟؟؟
هناك أمريكان : مسلمون و هندوس و بوذيون و مسيحيون و هناك أمريكان يتظاهرون ضد الحرب و منهم من يعارض بوش و منهم أمريكان لا يأبهون لشيء من كل هذا !.. فهل أدعو عليهم بسبب جنسيتهم فقط ؟؟ أكل ذنبهم أنهم يحملون الجنسية الأمريكية ( التي يحلم بها نصف شبابنا ) بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية ؟؟
ثانيا : اللهم يتم اطفالهم و رمل نساءهم ..
دائما ما يقشعر بدني عند هذا القول..
حين اكون بين يدي الله تعالى .. أأرفع كفي لأدعوه بتيتيم طفل و ترميل امرأة ؟؟؟ أيعقل هذا أيها المسلمون ؟؟
لا أرفض الحرب ضد العدو أيا كان .. القتل يحدث في أي حرب في العالم.. لكن هناك فرق بين أن أقتل عدوا لأنه عدو يقاتلني في حرب .. و بين أن أتمنى و أدعو الله أن يموت , كي ترمل زوجته , و ييتم ابنه !!!
لاحظ أن الدعاء هنا على زوجات و أبناء الأمريكان و اليهود عموما دون تمييز !
كما أنه ليس حديثا مأثورا بالمناسبة .. فلماذا الإصرار عليه ؟؟؟
ثالثا: اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم..
...اللهم أهلكهم كما أهلكت عادا و ثمود..
و يضاف لهذه الفقرة أحيانا تلميح عن إعصار كاترينا او أي كارثة طبيعية تحدث هناك..
بصراحة لا أستسيغ فكرة الدعاء بأن يهب إعصار على الناس هناك لأن فيهم كما قلنا مسلمون و أناس لا يضمرون شرا لأحد.. و قد يكون لك قريب يعيش هناك ( أخي هناك بالمناسبة ) أو صديق تحبه.. لكن يبدو ان بعض خطباء المساجد يعتبرون هذه البلاد مستعمرات للغزاء لا حبيب لنا فيها .. يرون فقط أن : هنا ( الطيبون ) و هناك ( الأشرار ) !!
دائما ما يصر الدعاة ( غير المجددين ) على بعض الأفكار الغريبة عن واقعنا الذي نعيشه .. منها أن :
- تأخرنا و تخلفنا جاءا لأننا ابتعدنا عن الله فقط .. لا لأننا تواكلنا و لأننا لا نجيد سوى الكلام !!
- كل مشاكلنا جاءت بسبب العدو الذي يضمر لنا شرا نحن الغلابة المساكين, و لولاه لكنا أعظم شعوب الأرض قاطبة... لا بسبب جهلنا و غباءنا و جبننا من مواجهة مشاكلنا الحقيقية..!!
- هناك جنسين من المخلوقات يجب الدعاء عليهم طوال الوقت لأنهم سبب كل المصائب : اليهود و الأمريكان.. هكذا دون تمييز..!!
بلادنا مهبط لجميع الأديان السماوية , و شعوبنا هي أكثر الشعوب روحية و تدينا على وجه هذه الأرض..
لو وجهت هذه الطاقة الإيمانية العظيمة , في اتجاه العلم و التنمية و إصلاح المجتمع , بدلا من توجيهها في اتجاه كره الآخر لأنه سبب كل المصائب ... لأصبحنا فعلا أعظم أمة .. و لأصبح الحال غير الحال..
و أتوقع هجوما ضاريا على هذا المقال لأنني لم أستطع كره الآخر لمجرد أنه آخر... ولأنني أؤمن أن السبب فيما نحن فيه هو ( نحن ) لا ( هم ) ..
فهل هناك أمل , في أن نفهم هذه الحقيقة ؟؟
فأجاب/
الدعاء على الكَفَرة عموما له أصل .
وروى البخاري من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لأقَرَّبَن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ، فيدعو للمؤمنين ، ويلعن الكفار .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : كانوا يقنتون في الوتر من صلاة رمضان ، ويلعنون الكفرة في القنوت اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه في القنوت على رِعل وذكوان وبني لحيان الذين قَتَلوا أصحاب بئر معونة .
وروى ابن وهب عن مالك في القنوت في رمضان إنما يكون ذلك في النصف الآخر من الشهر وهو لعن الكفرة يلعن الكفرة ويؤمن من خلفه .
ولا يكون ذلك إلا بعد أن يَمُرّ النصف من رمضان ويستقبل النصف الآخر . اهـ .
وقال أيضا : ومِن فِعل الصحابة وجِلـّة التابعين بالمدينة في لعن الكَفَرة في القُنوت أخذ العلماء لعن الكفرة في الخطبة الثانية من الخطبة والدعاء عليهم .
والأعرج أدرك جماعة من الصحابة وكبار التابعين وهذا هو العمل بالمدينة . اهـ .
وكان سلف هذه الأمة يَدعون على الكفار ويلعنونهم في صلاة القيام !
قال عبد الرحمن بن عبد القارئ - وكان في عهد عمر بن الخطاب – وذَكَر جَمْع عمر الناس على إمام ، ثم قال : فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة الذين يَصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا . رواه ابن خزيمة .
وروى الإمام مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول : ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان .
ومن طريقه رواه عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الكبرى .
قال ابن عبد البر عن قول الأعرج : فيه إباحة لعن الكفرة كانت لهم ذِمَّـة أو لم تكن . وليس ذلك بواجب ولكنه مباح لمن فعله غضبا لله في جحدهم الحق وعداوتهم للدين وأهله . اهـ .
والمقصود بالأمريكيين : الذين يُحارِبون دِين الله عزّ وَجَلّ ، ولو قُيِّد بِذلك كما في دعاء السَّلَف : الكفرة الذين يَصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك ؛ لَكان أجود وأدقّ .
وكذلك الأمر بالنسبة لليهود .
وبعض الأئمة والخطباء يَدعو على اليهود الغاصبين الْمُعْتَدِين ، وعلى النصارى الظالمين .
وأما بالنسبة لِلدعاء بترمُّل نسائهم ، أو يُتْم أطفالهم ، فإن المقصود منه الدعاء على رؤوس الكُفر ورجالهم ، فإذا هَلَكوا ترمّلت نساؤهم ، وتيتّم أطفالهم .
وأما تعليق كثير مما يُصيبنا على أعدائنا ، فله نصيب مِن الصِّحّة ، فهم يمكرون مكر الليل والنهار ، مكرهم مَكْر كُبَّار !
وليس معنى ذلك أن كل ما أصابنا بسبب تخطيط أعدائنا ، بل جزء منه بسبب تخطيط أعدائنا ، وجزء منه كبير بسبب خطايانا وسيئاتنا .
وأما قوله : (لم أستطع كره الآخر لمجرد أنه آخر) أقول : هذا خَلل في عقيدة الولاء للمؤمنين ، والبراءة من الكافرين ، بل إن بُغض الكافر مطلوب شرعا ، ومنْهِيّ عن مودّته ومحبّته .
قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
والله أعلم