السردين .. فائدتها الصحية
قد يُعبّر البعض عن عدم تقبله لحقيقة علمية، أو غيرها، بالقول إنه لا يستطيع “بلعها”، وبالتالي لا يقوى جسمه على “هضمها”. إلا أن بعض الحقائق العلمية، من الأفضل أن “نبلعها” وستستفيد أجسامنا وعقولنا جداً من “هضمها”.
إليكم المثال التالي لحقيقة علمية قد لا يتقبل البعض “بلعها”. ماذا لو جاءنا منْ يقول بأنه لا تُوجد من بين الأسماك فصيلة يُطلق عليها “سردين”؟ سيُنكر البعض صحة هذا الكلام، ويقول إن رفوف المتاجر عامرة بتلك المعلبات من أسماك السردين اللذيذة الطعم.
صحيح أن أرفف المتاجر، وشباك الصيادين مليئة بتلك الأسماك الصغيرة الفضية واللامعة، التي نُطلق عليها محلياً “سردين”.
وصحيح أن مختلف دول العالم تُنتج “معلبات السردين”. لكن تظل الحقيقة العلمية هي أنه لا يُوجد نوع أو فصيلة من الأسماك التي تُسمى “ساردين”.
والسؤال، من أين أتى الاسم، ومن أين أتت الإشكالية؟
والحقيقة أن هناك أكثر من 20 نوعا من الأسماك التي يُطلق عليها “سردين”. وفي مختلف دول العالم المنتجة لمعلبات السردين، هناك لجان تُقرر ما يُمكن اعتباره من الأسماك ضمن تعريف “سردين”، وما لا يُمكن ذلك.
ولذا، فإن الفرنسيين والبرتغاليين يُصنفون صغار أسماك البلشار الخاصة بجزيرة سيردينيا، والشبيهة بالرنكة، على أنها “سردين”. أي التي لم يتجاوز طولها 10 سم. بينما يُصنف النرويجيون صغار الرنكة ومجموعة أخرى من الأسماك الصغيرة، على أنها سردين.
أما السردين، ووفق تعريف مكتب الصيادين الأميركي، فيشمل طيفاً أوسع من الأسماك الصغيرة، عدا عدداً قليلاً من الأنواع.
وجاءت معايير منظمة الفاو ومنظمة الصحة العالمية، لتحل مشكلة معلبات السردين بصفة عالمية “تُريّح دماغ العالم”، وقالت إن 21 نوعا من السمك يُمكن تصنيفها على أنها “سردين”.
وبالأصل، يتم إما تنظيف تلك الأسماك الصغيرة من أحشائها قبل التعليب. أو يتم تركها لبعض الوقت كي تُخرج ما في أحشائها من فضلات، ثم يتم تعليبها دون إزالة لتلك الأحشاء.
والمهم أنه يتم تعليبها نيئة، وبإضافة زيت الزيتون، أو أي نوع أخر من الزيوت النباتية، مع ما تشتهيه الأذواق المختلفة، من قرون فلفل حار، أو زيتون، أو طماطم، أو بهارات، أو غير ذلك.
ثم بعد التعبئة المحكمة وإغلاق العلبة المعدنية، يتم تعريضها للطبخ بحرارة البخار أو غيره. ويجب أن تكون طبقة البطانة البلاستيكية الداخلية للعلبة المعدنية، مُقاومة لأي تفاعل مع مركبات الكبريت الموجودة في مكونات السمكة.
والطبخ بعد التعليب ضروري، ليس فقط لإنضاج المحتوى اللحمي، لا بهدف تعقيم ما بداخل العلبة وقتل الميكروبات فحسب، بل وأيضاً لتعطيل عمل الأنزيمات التي قد تُنشّط تفاعلات كيميائية تُفسد المنتج الغذائي مع مرور الوقت.
لكن، كما يُقال باللغة العامية، هذا “كوم”، والحديث عن الفوائد الصحية لأسماك علب السردين “كوم” أخر.
والواقع أن تناول وجبات من أسماك علب السردين، هو وسيلة سهلة وزهيدة الثمن وعملية، للحصول على حاجة الجسم من المنتجات البحرية.
ومعلوم أن الإرشادات الطبية في جانب التغذية تُشير إلى فائدة تناول الأسماك مرتين أسبوعياً. وإشكاليات قدرة الكثيرين على تحقيق تطبيق هذه النصيحة الطبية تواجهها صعوبات عدة، منها صعوبة الحصول عليها طازجة بصفة مقبولة، وصعوبة الإعداد المنزلي، وعدم قدرة البعض على جعلها جزءاً من وجبة غداء مُشبّعة، وغيره من المعوقات. وعلبة السردين حل عملي لكثير من تلك الإشكاليات.
واضافة الى ما تقدم، فإن ما يُميز أسماك علب السرين من ناحية القيمة الغذائية هو أمران: محتواها الدهني، ومحتواها من الكالسيوم.
ولو اخذنا أحد علب السردين العادية الحجم، نجد أن فيها حوالي 200 كالورى من طاقة السعرات الحرارية، وحوالي 25 غراما من البروتين، 13 غراما من الدهون، ومن تلك الدهون، تُشكل دهون أوميغا-3 لزيت السمك حوالي 2 غرام. وتحتوي العلبة من السردين على أقل من 0,3 غرام من الملح.
وغني عن الذكر فائدة البروتينات العالية في سمك علب السردين. لكن من جانب الدهون، فإن الأسماك الصغيرة للبلشار وغيره، المُستخدمة في معلبات السردين، تُعتبر من الأسماك الدهنية، خاصة أنها تتضمن جلد السمكة الصغيرة.
ومعلوم أن دهون أوميغا-3 للأسماك عالية التركيز في جلد السمكة نفسها. والإشكالية هي أنه كلما زاد عُمر السمكة، وزادت كمية الدهون في جلدها، كلما زادت احتمالات ترسب الزئبق في جلودها أيضاً.
ولذا فإن الحوامل والأطفال بالذات عليهم الحذر من التعرض للزئبق وعليهم أيضاً تناول زيوت أوميغا-3 للسمك. وهنا تُمثل أسماك علب الساردين، الصغيرة الحجم والغنية بالدهن، حلاً عملياً لهم.
وما يُلفت النظر تلك الدراسة الصادرة في عدد ابريل الحالي من المجلة الأميركية لعلم الأوبئة. وفيها لاحظ الباحثون من جامعة هارفارد أن الأمهات اللواتي يتناولن أسماكاً غنية بالدهون وقليلة التلوث بالزئبق يلدن أطفالاً أكثر ذكاءً.
وأعطى الباحثون، تحديداً، مثالاً على هذه الأسماك، السلمون والسردين والتونة. ولاحتواء علب السردين على أسماك محتفظة بهيكلها العظمي وبطبقة القشور الخارجية لجلدها، فإنها مصدر جيد للكالسيوم.
وكل 100 غرام منها يحتوي على حوالي 360 ملغم من الكالسيوم. أي أكثر مما يُؤمنه كوب من الحليب المحتوي على 300 ملغم من الكالسيوم، أو 100 غرام من اللبن الزبادي، المحتوي على 200 ملغم من الكالسيوم.
هذا دون الحديث عن غنى تلك الأسماك بمركبات تريبتوفان، المسهلة للراحة الذهنية والنوم، أو مجموعات فيتامينات بي ودي، أو معادن الفسفور والمغنيسيوم والسيلينيوم.
ولتحضير وجبة خفيفة، أو جزء من وجبة رئيسية، هل لنا أن نلتفت إلى أسماك علبة من الساردين؟