الأستاذ. محمد الهادي الحسني
من أخطر
وأسوإ ما يصيب قوما من الأقوام، هو إصابتهم في ذاكرتهم الوطنية، فلا يعرفون
أيامهم المجيدة، ولا يتذكرون فِعال أسلافهم الحميدة، ولا يأبهون
برجالاتهم. لقد اجتمع لوطننا -الجزائر- من الذكريات الحِسان، والرجال
الشعجان ما لم يجتمع مثله لكثير من البلدان، ومع ذلك فنحن أكثر الشعوب
نسيانا لتلك الذكريات، ونُكرانا لتلك الشخصيات، وإهمالا لتلك المناسبات.
وقد
حدّثت مرة الشيخ محمد الغزالي ـرحمه الله ـ عن بعض تلك الأمجاد، فتنهّد ثم
قال: "لا أعرف ناسا قصّروا في حق تاريخهم المجيد مثلكم أنتم الجزائريين،
فهذه الأمجاد النادرة والبطولات الرائعة يجب أن يعلمها الناس، وهي ليست
أمجادا خاصة بكم؛ ولكنها أمجاد يفتخر بها المسلمون جميعا، لأنها تزيدهم ثقة
بالنفس، وإقبالا على صدّ العدوان".
هناك النسيان، وهناك التناسي،
فالنسيان قد يُعذرُ صاحبه، لأنه طبيعة بشرية، ولم يضمن الله ـ عزّ وجل ـ
عدم النسيان إلا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى
مُخاطبا رسوله عليه الصلاة والسلام: "سنُقرئك فلا تنسى". وأما غيره من آدم ـ
عليه السلام ـ الذي قال فيه الله ـ عز وجل ـ: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبلُ
فنسي.." إلى آخر إنسان تقوم عليه الساعة فمن طبيعتهم النسيان، وقد قال
شاعر:
ما دعوهُ الإنسان من أُنسِه ولكن دعوه الإنسانَ من نسيانِه
وأما التناسي فهو نسيان "عن سبق إصرار"لحاجة في نفس صاحبه..
وقبيح
بنا بعد هذا النسيان من بعض والتناسي من بعض آخر لبعض شخصياتنا ومناسباتنا
أن نلوم شبّاننا إذا ولّوا وجوههم شطر هذا البلد أو ذاك، واهتموا بهذه
الشخصية أو تلك من غير الجزائريين وإنما الملومون هم هؤلاء الذين حُمّلوا
أمانة تسيير المؤسسات الثقافية، ولكنهم مُصابون بـ"العور" و"الطرش" فلا
يرون إلا أشخاص معينين، ومناسبات خاصة، ولا يسمعون إلا اقتراحات معينة..
لقد أحيا قوم منا -في هذه السنة- ما سمّوه "الذكرى المئوية لتأسيس جامعة
الجزائر"، هذه الجامعة التي لم تؤسس على تقوى من الله، ولم تؤسس
لـ"الأنديجان"، لأنهم "عرق غير قابل للتربية"(raçe inéducable) -كما كانوا
يصفوننا- وإنما أسّست لتخريج "جنود" لتطبيق المخطط الفرنسي الشيطاني، وهو
مسخ الشخصية الوطنية ونسخ الهوية الإسلامية للجزائريين، ويكفي أن نعرف أن
من عُتاة هذه الجامعة الذين خانوا أمانة العلم وشرف المعرفة ستيفان غزال،
وإميل فيلكس جُوتي، وبرنار أوغسطين، وجورج مارسي، و"الباسيات" الثلاثة:
هنري باسي، ورُوني باسي، وأندري باسي.. وغيرهم كثير.. كما أن قوما من "بني
جلدتنا" يستعدّون -في السنة القادمة- لإحياء الذكرى الخمسين لهلاكِ ألبير
كامي، الذي اعتبره أحد المصابين بداء "العبودية العقلية" "جزائريا"، رغم
اختلاف السحنات والانتماءات، وجادل عنه بالباطل، والتمس له عذرا في قوله:
أحبّ الحرية وأحبّ أمي، ولكن حبي لأمي أكبر، وكان يعني بأمه فرنسا، وقد قال
هذا القول لمن طلب منه اتخاذ موقف معنوي ضد جرائم فرنسا في أثناء الثورة
الجزائرية. وقال هذا المجادل بالباطل عن كامي إن تلك المقولة سيئة بين
حسنات، وما علم هذا المجادل بالباطل أن سيئة واحدة قد تُذهب -لشناعتها
وبشاعتها- جميع "الحسنات".. فأية حسنات لمن اعتبر "مطالبة الجزائريين
بالاستقلال كجانب من جوانب الإمبريالية العربية الجديدة (1)".
إن
بعض المحتفلين بمئوية جامعة الجزائر، والعاقدين العزم على الاحتفال
بخمسينية كامي، المُتناسين -في الوقت نفسه- ذكريات أسلافهم هم ممن ينطبق
عليهم قول الشاعر:
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عُمّرا
لقد
مرّت علينا -نحن الجزائريين- في هذه السنة عدّة مناسبات جليلة ونحن عنها
غافلون، فقد مرّت خمسون سنة على وفاة الصحفي الكبير عمر راسم، وخمسون سنة
على المناضل والداعية الفضيل الورتلاني، وخمسون سنة على استشهاد المجاهدين
عميروش وسي الحواس، ومائة وخمسون عاما على وفاة العالم المصلح محمد بن علي
السنوسي، وثمانون عاما على وفاة الشاعر الثائر رمضان حمود.. ولكن هذه
الذكريات مرّت من دون أن نذكّر شُبّاننا بهؤلاء الرجال، وبما قاموا به من
جلائل الأعمال، وبما سجلوه من روائع الصحائف، وعظيم المواقف، وبما نالهم في
سبيل الله من ابتلاءات، وبما عانوه في سبيل الجزائر من محن..
وأحبّ
في هذه الكلمة -التي تُنشرُ في آخر يوم من سنة 2009- أن أذكّر بحادث جليل
مرّ عليه -بانقضاء هذه السنة- خمسة وعشرون عاما، وما أعني بهذا الحادث إلا
تدشين "جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية" بقسنطينة، وذلك في عام
1984.
إن هذه الجامعة كانت أملا من آمال الإمامين الجليلين عبد
الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي، أنزل الله عليهما شآبيب رحمته،
ورضي عنهما وأرضاهما، حيث كتب الإمام الإبراهيمي عن ذلك في جريدة البصائر
(ع 32 ـ في 19 أفريل 1948) قائلا: "فقد كان من آمال المرحوم (ابن باديس) أن
تُكوّن جمعية العلماء في الجزائر كلية -بالمعنى الحقيقي للفظ الكلية- وكان
يرى أن هذه الكلية هي العلّة الغائية لوجود جمعية العلماء، وهي الثمرة
للتعليم الذي تجهد فيه، وتلاقي في سبيله العنت والنصب وكُنّا معاشر إخوانه
نُشاركه في الأمنية والعمل. والغاية من الكلية أن تُخرّج للأمة علماء
اختصاصيين في فهم الدين على حقيقته، وفي فقه أسرار الشريعة، مأخوذة من كتاب
الله والصحيح من سُنّة نبيّه، وفي طرائق الدعوة والإرشاد التي بُني عليها
الإسلام، وفي الخطابة التي هي سلاح تلك الدعوة، وفي الأخلاق والآداب
الإسلامية التي هي لُبابُ الدين، وفي فقه أسرار اللسان العربي وآدابه، مع
المشاركة في علوم الحياة التي هي سلاح العصر، بحيث يتخرج المتخرّج منها
كامل الأدوات. وكان -رحمه الله- كثير التحدّث عن هذه الكلية... ويقول
لإخوانه: أنا أستكفيكم في كل أمر يتعلق بالكلية إلا الاستعمار، فأنا
أكفيكموه فخلّوا بيني وبينه... وقد اقترح على كاتب هذه السطور أن يضع
برنامجا جامعا لدروس الكلية، وكتبها، ودرجاتها، ومناهج التربية فيها،
وطرائق التعليم العالي... ففعلتُ... فلما قرأه قال لي: "كأني أرى بعيني ما
خطّهُ قلمك حقيقة واقعة..(2)".
لقد بقيت هذه الجامعة الإسلامية أملا
في عقول الأكثرية من الجزائريين إلى أن حان حينُها وجاء أجلها. وممن سرّع
الله -عز وجل - بهم هذا الأجل، وكتب له شرف تدشين هذا الحصن الحصين الرئيس
الشاذلي بن جديد، متعه الله بالصحة والعافية، وكتب له حسن العاقبة، فقد
سهّل العقاب، وذلّل الصعاب التي وضعها الذين نعرفهم بسيماهم وفي لحن القول
في طريق هذه الجامعة.كما لا ننسى أن نذكر بكل خير ذلك الرجل الصالح، الذي
أعطى لهذه الجامعة منذ أوّل يومها ذكرا حسنا، وصيتا بعيدا بوجوده فيها،
وترأسه لمجلسها العلمي، وهو فضيلة الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-.
كنا
نود أن لو وقفنا عند هذه المناسبة، ولا بأس عند ذلك من المقارنة بينها
وبين جامعة الجزائر، لنعلم الفرق بين جامعة أسسها طغاة، وبين جامعة دعا
إليها دعاة، وبين جامعة أسّست لتكوين بُغاة، وبين جامعة أقيمت لتخريج
هُداة.. ولكن "ما كل ما يتمنى المرء يدركه".
وها أنذا أنبّهُ
الغافلين، وأذكّر الساهين إلى أن سنة 2010 هي الذكرى السبعون لوفاة الإمام
حميد الفعل، خالد الذكر عبد الحميد بن باديس، فليكن إحياء هذه الذكرى إحياء
متميزا في طول الجزائر وعرضها، فعسى أن يكون ذلك الإحياء كفارة لتقصيرنا
-المتعمّد وغير المتعمّد- فيما أشرت إليه من ذكريات.
1) أحمد طالب الإبراهيمي: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية. ص 245
2) آثار الإمام الإبراهيمي: ج2. ص 195 ـ
من أخطر
وأسوإ ما يصيب قوما من الأقوام، هو إصابتهم في ذاكرتهم الوطنية، فلا يعرفون
أيامهم المجيدة، ولا يتذكرون فِعال أسلافهم الحميدة، ولا يأبهون
برجالاتهم. لقد اجتمع لوطننا -الجزائر- من الذكريات الحِسان، والرجال
الشعجان ما لم يجتمع مثله لكثير من البلدان، ومع ذلك فنحن أكثر الشعوب
نسيانا لتلك الذكريات، ونُكرانا لتلك الشخصيات، وإهمالا لتلك المناسبات.
وقد
حدّثت مرة الشيخ محمد الغزالي ـرحمه الله ـ عن بعض تلك الأمجاد، فتنهّد ثم
قال: "لا أعرف ناسا قصّروا في حق تاريخهم المجيد مثلكم أنتم الجزائريين،
فهذه الأمجاد النادرة والبطولات الرائعة يجب أن يعلمها الناس، وهي ليست
أمجادا خاصة بكم؛ ولكنها أمجاد يفتخر بها المسلمون جميعا، لأنها تزيدهم ثقة
بالنفس، وإقبالا على صدّ العدوان".
هناك النسيان، وهناك التناسي،
فالنسيان قد يُعذرُ صاحبه، لأنه طبيعة بشرية، ولم يضمن الله ـ عزّ وجل ـ
عدم النسيان إلا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى
مُخاطبا رسوله عليه الصلاة والسلام: "سنُقرئك فلا تنسى". وأما غيره من آدم ـ
عليه السلام ـ الذي قال فيه الله ـ عز وجل ـ: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبلُ
فنسي.." إلى آخر إنسان تقوم عليه الساعة فمن طبيعتهم النسيان، وقد قال
شاعر:
ما دعوهُ الإنسان من أُنسِه ولكن دعوه الإنسانَ من نسيانِه
وأما التناسي فهو نسيان "عن سبق إصرار"لحاجة في نفس صاحبه..
وقبيح
بنا بعد هذا النسيان من بعض والتناسي من بعض آخر لبعض شخصياتنا ومناسباتنا
أن نلوم شبّاننا إذا ولّوا وجوههم شطر هذا البلد أو ذاك، واهتموا بهذه
الشخصية أو تلك من غير الجزائريين وإنما الملومون هم هؤلاء الذين حُمّلوا
أمانة تسيير المؤسسات الثقافية، ولكنهم مُصابون بـ"العور" و"الطرش" فلا
يرون إلا أشخاص معينين، ومناسبات خاصة، ولا يسمعون إلا اقتراحات معينة..
لقد أحيا قوم منا -في هذه السنة- ما سمّوه "الذكرى المئوية لتأسيس جامعة
الجزائر"، هذه الجامعة التي لم تؤسس على تقوى من الله، ولم تؤسس
لـ"الأنديجان"، لأنهم "عرق غير قابل للتربية"(raçe inéducable) -كما كانوا
يصفوننا- وإنما أسّست لتخريج "جنود" لتطبيق المخطط الفرنسي الشيطاني، وهو
مسخ الشخصية الوطنية ونسخ الهوية الإسلامية للجزائريين، ويكفي أن نعرف أن
من عُتاة هذه الجامعة الذين خانوا أمانة العلم وشرف المعرفة ستيفان غزال،
وإميل فيلكس جُوتي، وبرنار أوغسطين، وجورج مارسي، و"الباسيات" الثلاثة:
هنري باسي، ورُوني باسي، وأندري باسي.. وغيرهم كثير.. كما أن قوما من "بني
جلدتنا" يستعدّون -في السنة القادمة- لإحياء الذكرى الخمسين لهلاكِ ألبير
كامي، الذي اعتبره أحد المصابين بداء "العبودية العقلية" "جزائريا"، رغم
اختلاف السحنات والانتماءات، وجادل عنه بالباطل، والتمس له عذرا في قوله:
أحبّ الحرية وأحبّ أمي، ولكن حبي لأمي أكبر، وكان يعني بأمه فرنسا، وقد قال
هذا القول لمن طلب منه اتخاذ موقف معنوي ضد جرائم فرنسا في أثناء الثورة
الجزائرية. وقال هذا المجادل بالباطل عن كامي إن تلك المقولة سيئة بين
حسنات، وما علم هذا المجادل بالباطل أن سيئة واحدة قد تُذهب -لشناعتها
وبشاعتها- جميع "الحسنات".. فأية حسنات لمن اعتبر "مطالبة الجزائريين
بالاستقلال كجانب من جوانب الإمبريالية العربية الجديدة (1)".
إن
بعض المحتفلين بمئوية جامعة الجزائر، والعاقدين العزم على الاحتفال
بخمسينية كامي، المُتناسين -في الوقت نفسه- ذكريات أسلافهم هم ممن ينطبق
عليهم قول الشاعر:
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عُمّرا
لقد
مرّت علينا -نحن الجزائريين- في هذه السنة عدّة مناسبات جليلة ونحن عنها
غافلون، فقد مرّت خمسون سنة على وفاة الصحفي الكبير عمر راسم، وخمسون سنة
على المناضل والداعية الفضيل الورتلاني، وخمسون سنة على استشهاد المجاهدين
عميروش وسي الحواس، ومائة وخمسون عاما على وفاة العالم المصلح محمد بن علي
السنوسي، وثمانون عاما على وفاة الشاعر الثائر رمضان حمود.. ولكن هذه
الذكريات مرّت من دون أن نذكّر شُبّاننا بهؤلاء الرجال، وبما قاموا به من
جلائل الأعمال، وبما سجلوه من روائع الصحائف، وعظيم المواقف، وبما نالهم في
سبيل الله من ابتلاءات، وبما عانوه في سبيل الجزائر من محن..
وأحبّ
في هذه الكلمة -التي تُنشرُ في آخر يوم من سنة 2009- أن أذكّر بحادث جليل
مرّ عليه -بانقضاء هذه السنة- خمسة وعشرون عاما، وما أعني بهذا الحادث إلا
تدشين "جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية" بقسنطينة، وذلك في عام
1984.
إن هذه الجامعة كانت أملا من آمال الإمامين الجليلين عبد
الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي، أنزل الله عليهما شآبيب رحمته،
ورضي عنهما وأرضاهما، حيث كتب الإمام الإبراهيمي عن ذلك في جريدة البصائر
(ع 32 ـ في 19 أفريل 1948) قائلا: "فقد كان من آمال المرحوم (ابن باديس) أن
تُكوّن جمعية العلماء في الجزائر كلية -بالمعنى الحقيقي للفظ الكلية- وكان
يرى أن هذه الكلية هي العلّة الغائية لوجود جمعية العلماء، وهي الثمرة
للتعليم الذي تجهد فيه، وتلاقي في سبيله العنت والنصب وكُنّا معاشر إخوانه
نُشاركه في الأمنية والعمل. والغاية من الكلية أن تُخرّج للأمة علماء
اختصاصيين في فهم الدين على حقيقته، وفي فقه أسرار الشريعة، مأخوذة من كتاب
الله والصحيح من سُنّة نبيّه، وفي طرائق الدعوة والإرشاد التي بُني عليها
الإسلام، وفي الخطابة التي هي سلاح تلك الدعوة، وفي الأخلاق والآداب
الإسلامية التي هي لُبابُ الدين، وفي فقه أسرار اللسان العربي وآدابه، مع
المشاركة في علوم الحياة التي هي سلاح العصر، بحيث يتخرج المتخرّج منها
كامل الأدوات. وكان -رحمه الله- كثير التحدّث عن هذه الكلية... ويقول
لإخوانه: أنا أستكفيكم في كل أمر يتعلق بالكلية إلا الاستعمار، فأنا
أكفيكموه فخلّوا بيني وبينه... وقد اقترح على كاتب هذه السطور أن يضع
برنامجا جامعا لدروس الكلية، وكتبها، ودرجاتها، ومناهج التربية فيها،
وطرائق التعليم العالي... ففعلتُ... فلما قرأه قال لي: "كأني أرى بعيني ما
خطّهُ قلمك حقيقة واقعة..(2)".
لقد بقيت هذه الجامعة الإسلامية أملا
في عقول الأكثرية من الجزائريين إلى أن حان حينُها وجاء أجلها. وممن سرّع
الله -عز وجل - بهم هذا الأجل، وكتب له شرف تدشين هذا الحصن الحصين الرئيس
الشاذلي بن جديد، متعه الله بالصحة والعافية، وكتب له حسن العاقبة، فقد
سهّل العقاب، وذلّل الصعاب التي وضعها الذين نعرفهم بسيماهم وفي لحن القول
في طريق هذه الجامعة.كما لا ننسى أن نذكر بكل خير ذلك الرجل الصالح، الذي
أعطى لهذه الجامعة منذ أوّل يومها ذكرا حسنا، وصيتا بعيدا بوجوده فيها،
وترأسه لمجلسها العلمي، وهو فضيلة الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-.
كنا
نود أن لو وقفنا عند هذه المناسبة، ولا بأس عند ذلك من المقارنة بينها
وبين جامعة الجزائر، لنعلم الفرق بين جامعة أسسها طغاة، وبين جامعة دعا
إليها دعاة، وبين جامعة أسّست لتكوين بُغاة، وبين جامعة أقيمت لتخريج
هُداة.. ولكن "ما كل ما يتمنى المرء يدركه".
وها أنذا أنبّهُ
الغافلين، وأذكّر الساهين إلى أن سنة 2010 هي الذكرى السبعون لوفاة الإمام
حميد الفعل، خالد الذكر عبد الحميد بن باديس، فليكن إحياء هذه الذكرى إحياء
متميزا في طول الجزائر وعرضها، فعسى أن يكون ذلك الإحياء كفارة لتقصيرنا
-المتعمّد وغير المتعمّد- فيما أشرت إليه من ذكريات.
1) أحمد طالب الإبراهيمي: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية. ص 245
2) آثار الإمام الإبراهيمي: ج2. ص 195 ـ