علاقــة الصورة بالشـِّـرك بالله !
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
فإن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان كثرة التصاوير و تهاون بعض الناس فيها إن لم يكن أكثر الناس بحجة أنها صور ( فوتوغرافية ) .
بل تساهلوا في الصور التي لم يقع فيها الخلاف كالصور التي تـُـرسم باليد أو التماثيل .
و رأيت في بعض المنتديات من يجعل الصورة في توقيعه !
و قد رأيت أن أكتب في هذه المسألة بحثا مختصرا مقتصِرا فيه على أحاديث الصحيحين ( صحيح البخاري و صحيح مسلم ) أو أحدهما .
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن الصور هي أساس البلاء و أُسّ الشرك ، و قد يُظنّ أن هذا من المبالغة و التهويل ، و ليس كذلك .
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ؛ أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل ، و أما سواع فكانت لهذيل ، و أما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف ثم سبأ ، و أما يعوق فكانت لهمدان ، و أما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع . أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا و سموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ، و تنسخ العلم عُـبِـدَتْ .
و في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة و أم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير ذكرنها لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، و صوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق ثم الله يوم القيامة>> .
و عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقـة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله و إلى رسوله فماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<ما بال هذه النمرقة ؟>> فقالت : اشتريتها لك تقعد عليها و توسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<إن أصحاب هذه الصور يُعذّبون ، و يُقال لهم : أحيوا ما خلقتم>> ، ثم قال : <<إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة>> . رواه البخاري و مسلم .
و في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : <<الذين يصنعون الصور يُعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم>> .
فَـمَـنْ لـه طاقــة بهــذا التحدّي الإلهي ؟
و ليس بنافخ الـروح في الصورة .
و هذا إنما هو من باب التحدّي و التعجيز ، كما أن يكذب في رؤياه يؤمر أن يعقد بين شعيرتين ، و ليس بعاقد .
إن كثيراً من الناس جلبوا المشكلات إلى بيوتهم يوم طردوا الملائكة الكرام و ادخلوا الشياطين .
ألم تسمع قول الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم : <<لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب و لا صورة>> متفق عليه . و في رواية : و لا تصاوير . و في رواية : و لا تماثيل .
و إني لأحسب أن أكثر المشكلات الزوجية سببها وجود الصور و التماثيل و بالتالي تواجد الشياطين و تكاثرها ، على حساب سعادة أسرة كانت آمنة ، و حياتـها مستقرّة ، و يلحق بذلك المعاصي و المنكرات من الأغاني و المسلسلات و نحوها ، و إخـراج الملائكة الذين يأتون بالرحمـة و البركـة و يستغفرون للمؤمنين و المؤمنات .
و لما وَاعَدَ رسول الله صلى الله عليه و سلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة و لم يأته ، و في يده صلى الله عليه و سلم عصا ، فألقاها من يده ، و قال <<ما يخلف الله وعده و لا رسله>> ، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره ، فقال : <<يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا ؟>> فقالت : و الله ما دريت ، فأمر به ، فأُخرج ، فجاء جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : <<واعدتني ، فجلست لك فلم تأت>> ، فقال : منعني الكلب الذي كان في بيتك . إنـّـا لا ندخل بيتاً فيه كلب و لا صورة . رواه البخاري ومسلم .
و المصوّرون أشد الناس عذابا يوم القيامة . كما في الصحيحين .
و لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم المصوّرين . كما عند البخاري .
أما صورة ما لا نفس له و لا روح ، فلا بأس به .
روى البخاري و مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي ، و إني أصنع هذه التصاوير ، فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول . سمعته يقول : <<من صوّر صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح ، و ليس بنافخ فيها أبدا>> ، فرَبَا الرجل ربوة شديدة و اصفر وجهه ، فقال : ويحك ! إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح .
و في رواية لمسلم : كل مصور في النار يـُـجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم .
و إذا علمت خطورة الصور و تأثيرها على العقيدة تبيّن لك لماذا يُوردها العلماء في كتب العقائد دون كتب الفقه ؛ لأن تعلقها بالعقائد أكثر من تعلقها بالفقه . فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم الصور و التصاوير و التماثيل و لا يَرِد اللعن – و هو الطرد و الإبعاد عن رحمة الله – إلا على كبيرة من كبائر الذنوب .
و أما من فرّق بين الصورة اليدوية التي تـُرسم باليد و الصورة الشمسية ( الفوتوغرافية ) التي تلتقط بالآلة ( الكاميرا ) فقد فرّق بين المتماثلين ، و عليه الدليل لأجل أن يُقبل هذا التفريق . فإن من حرّم بعض أفراد ما جاء به الدليل دون بعض لزمه الدليل النقلي الصحيح للتفريق بين المتماثلين .
فالصورة صورة ، و يلزم من قال : إنها مجرد حبس ظل ، يلزمه الدليل لإخراج المصوّر الذي يُصوّر تلك الصور من الوعيد الشديد . بمعنى أنه لا بُـدّ من دليل يستثني الصورة الفوتوغرافية من الوعيد الذي تقدّم بعضه .
فالوعيد الشديد ورد في حق المصورين ، و من صوّر صورة . فنحتاج إلى دليل من الكتاب أو من السنة يُخرج المصوِّر الذي يُصوّر بالآلة من ذلك الوعيد . و لم أرَ عند من قال بذلك سوى الدليل العقلي !
و التعليل بأن ذلك حبس ظل ، و أن المصوّر لا يعدو كونه مُشغـّـل آلة !
و في النهاية هو مُصوّر رضوا أم لم يرضوا !
و بالتالي سوف يُخرج لنا صورة !
إذاً فهذا التعليل عليل ، و لا تُطرح لأجله النصوص الصحيحة الصريحة في تحريم التصوير .
فالصورة هي الصورة ! سواء كانت باليد أو بالآلة .
و الجدير بالذكر أن الناس إلى يومنا هذا يُسمونها ( صورة ) بجميع أشكالها .
و لو تغيّرت الأسماء فإن الحقائق لا تتغيّر و لا تتبدّل .
و لذا أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن أقوام يشربون الخمر يُسمونها بغير اسمها ، و ذلك لا يُغيّر من الخمر شيئا ، فهي هي ، سواء سُمّيت خمرا أو مشروبات روحية أو ( وسكي ) !
قال الإمام النووي - رحمه الله - : قال أصحابنا و غيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، و هو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث و سواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال ، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى و سواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو غيرها ، و أما تصوير صورة الشجر و رحال الإبل و غير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام . هذا حكم نفس التصوير ، و أما اتخاذ المصوَّر فيه صورة حيوان فإن كان معلقا أو ثوبا ملبوسا أو عمامة و نحو ذلك مما لا يُعدّ ممتهنا فهو حرام ، و إن كان في بساط يداس و مخدة و وسادة و نحوها مما يمتهن فليس بحرام ... و لا فرق في هذا كله بين ماله ظل و ما لا ظل له .
و قال أيضا : و قال بعض السلف : إنما يُنهى عما كان لـه ظل ، و لا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، و هذا مذهب باطل ، فإن السّتر الذي أنكر النبي صلى الله عليه و سلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم و ليس لصورته ظل . اهـ .
و أما الاستثناء الوارد في قوله صلى الله عليه و سلم : <<إلا رقما في ثوب>> فهذا في الصور الممتهنة ، كما فعله عليه الصلاة و السلام حينما قطّعت عائشة رضي الله عنها تلك النمرقة فاتكأ عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و مما يستدل به بعض الناس إذا اشترى ستارة أو وسادة أو ثياباً فيها تصاوير يقول : إن عائشة رضي الله عنها قطّعت النمرقة – الستارة – و جعلتها وسائد !
فيُقال لمن قال ذلك : هل اشترتها عائشة ابتداء و أقرّها رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
أم أنه عليه الصلاة و السلام أنكر عليها ثم قطعتها و جعلتها وسائد ؟
لا شك أنه الثاني ، و هذا ينطبق على من اشترى شيئا من ذلك فاتضح له أن فيه صورة ، فيقطعها عند ذلك و يتخذها وسادة كما فعلتْ عائشة رضي الله عنها .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - : لا يجوز لمسلم عارف بِـحُـكم التصوير أن يشتري ثوبا مُصوَّراً – و لو للامتهان – لما فيه من التعاون على المنكر ، فمن اشتراه و لا علم له بالمنع ؛ جاز له استعماله ممتهناً ، كما يدلّ عليه حديث عائشة . اهـ .
قال الشوكاني - رحمه الله - : و ليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَـقـُل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة .
و مما رأيت تساهل الناس به كذلك التصوير باليد ، و من يتهاون في ذلك يزعم أن المُحرّم هو التماثيل !
و قد ناقشت مرة بعض من يصنع التماثيل فقال : المحرّم أن يُصنع على هيئة الإنسان بطوله و عرضه !
و لو ناقشت من يصنع تماثيل بحجم الإنسان لأجابك : المحرَّم ما كان يُطابق الواقع بأن يكون له أعين حقيقية و نحو ذلك !!!
و هكذا كلٌ يلوي أعناق النصوص بما يُوافق هواه ، و نخلص في النهاية إلى أنه ليس ثمّ محرّم في هذا الباب !!
و بالتالي تـُـلغى النصوص الواردة في الوعيد الشديد في هذه المسألة و في غيرها من المسائل التي لا تُوافق أهوائهم و آرائهم .
فنسأل الله الثبات و السداد .
و من الناس من ينسب القول بجواز التصوير و الاحتفاظ بها للذكرى ينسبه للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ، و هذا من الغلط على الشيخ .
فقد قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في الصور : اقتناء الصور للذكرى محرّم ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، و هذا يدلّ على تحريم اقتناء الصور في البيوت .
و قال أيضا : تعليق الصور على الجدران محرّم ، و لا يجوز ، و الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة .
و قال رحمه الله : لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون ، و أنّ مَنْ عِنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يُتلفها ، سواء كان قد وضعها على الجدار ، أو في ألبوم ، أو في غير ذلك ، لأن بقاءها يقتضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم . و أفتى رحمه الله بحرمة الصور على ثياب الصغـار .
وسُئل رحمه الله :
هناك أنواع كثيرة من العرائس منها ما هو مصنوع من القطن ، و هو عبارة عن كيس مفصل برأس و يدين و رجلين ، و منها ما يُشبه الإنسان تماماً ، و منها ما يتكلم أو يبكي أو يمشي ، فما حكم صنع أو شراء مثل هذه الأنواع للبنات الصغار للتعليم و التسلية ؟
فأجاب رحمه الله :
أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل ، و إنما يوجد فيه شيء من الأعضاء و الرأس و لكن لم تتبيّن فيه الخلقة فهذا لا شك في جوازه ، و أنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بهن .
و أما إذا كان كامل الخلقة و كأنما تُشاهد إنسانا و لاسيما إن كان له حركة أو صوت فإن في نفسي من جواز هذه الأشياء شيئاً ، لأنه يُضاهي خلق الله تماماً …. و إذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس أو يُحميه على النار حتى يلين ثم يضغطه حتى تزول معالمه . انتهى .
و إن كان للشيخ رأي حول التصوير الحديث بالآلة ( الكاميرا ) فإن المؤدّى و الحصيلة واحدة طالما أن الشيخ - رحمه الله - يرى أنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى و لا وضعها على ملابس الصغار .
كتبه / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم