يرى أولياء اللاعبين الشبان الذين ينشطون في المدارس الكروية حديثة النشأة في بلادنا أن هذه المدارس تعتبر الملاذ الوحيد لأبنائهم، لأنها تمكنهم من ممارسة هوايتهم المفضلة بعيدا عن الخطر الذي يشكله عليهم اللعب في الشوارع، خصوصا بعد تناقص المساحات الخضراء شيئا فشيئا، وانعدام الملاعب الجوارية التي كانت في وقت سابق مدارس مصغرة يلجأ إليها المناجرة والباحثون عن المواهب الشابة .
فقد عبر لنا عدد من أولياء هؤلاء اللاعبين عن رضاهم بالعمل الذي يقوم به أبناؤهم في المدارس الكروية، خاصة وأنها تمكنهم من مزاولة دراستهم، إضافة إلى أنها تمكنهم من تطوير مستوياتهم، دون أن يفوتوا الفرصة لتوجيه نداء للسلطات العليا في البلاد لتقديم يد المساعدة وفتح المزيد من المدارس الكروية في جميع أنحاء الجزائر، حتى تكون الخزان الأول للأندية، ومن ثم المنتخبات الوطنية .
الإصابات .. وخطر الشوارع
وأكد لنا أحد أولياء اللاعبين المنظمين لإحدى المدارس الكروية في العاصمة أنه فضل تسجيل ابنه في هذه المدرسة على تركه يواصل اللعب في الشارع، نظرا للخطر الذي يمثله عليه اللعب بين الطرقات المخصصة للسيارات، إضافة إلى إمكانية تعرضه للسقوط أو لإصابة قد تحرمه من متابعة دراسته لمدة طويلة .
واستشهد محدثنا بما وقع لابنه في العام ما قبل المنصرم، لما اضطر للمكوث لفترة طويلة في البيت، وهذا بسبب إصابته على مستوى أصبع رجله، جعله يبتعد عن مقاعد الدراسة طالما كان محروما من التنقل مثل بقية زملائه.
وأضاف "تصوروا أنني أجبرت على حمل ابني في بعض الأحيان حتى يتمكن من رؤية زملائه وهو يلعبون في الحي، وعندها أقسمت أنني لن أتركه هكذا، وصممت على تسجيله في مدرسة لكرة القدم، حتى نتفادى مثل هذه الأمور"
غياب المساحات الخضراء والملاعب الجوارية
كما أن غياب المساحات الخضراء، أو حتى الملاعب الجوارية التي كان مقرر أن تجمع بين أطفال وشبان الأحياء زاد من تعقد المشكلة، واندفاع أولياء اللاعبين نحو المدارس .
فقد أكد لنا المسؤولون على هذه الأندية أنه من بين الأسباب التي تجعل الأولياء يلجأون إليهم تخوفهم من الإصابات التي تحدث لأبنائهم في الشوارع، إضافة إلى أنها تمكنهم من التنقل في بعض الحالات إلى الملاعب لمتابعة أبنائه، وهو ما يحدث لأكاديمية بارادو التي أصبحت تستقطب أعدادا غفيرة من العائلات في مبارياتها .
الدراسة والرياضة مهمان لأبنائنا
أما والد أحد لاعبي الثانوية الرياضية، فقد صرح لنا أن الدراسة هي الأهم بالنسبة له، نظرا لإيمانه وعمله بمقولة " العقل السليم في الجسم السليم "
وأوضح لنا ذات الشخص أنه يحاسب ابنه على الدراسة في المقام الأول، قبل أن يشدد عليه على بذل قصارى جهده خلال التدريبات حتى ينجح في المجالين الدارسي والرياضي على حد سواء، نظرا لرغبته في أن يكون ابنه ملما ببعض الجوانب التي يراها مهمة له في حياته.
الآفات الاجتماعية منتشرة بكثرة في شوارعنا
وأكد محدثنا أنه لن يسمح لابنه باللعب في الشوارع مستقبلا، مشيرا إلى أن الآفات الاجتماعية التي أصبحت متداولة بكثرة في شوارعنا في السنوات القليلة المنصرمة جعلته يقرر تسجيل ابنه في الثانوية الرياضية بدرارية حتى يتمكن من ممارسة كرة القدم بطرق مدروسة من قبل المسؤولين على هذه الثانوية، والذين قال إنهم يقومون بعملهم على أتم وجه، سيما وأنه تأكد من كل ذلك بعد كل حديث له مع ابنه الذي قال إنه تعلق بهذه الثانوية وبزملائه ومدربيه كثيرا نظرا للأجواء الأخوية التي تسودها.
مدرسة سوناطراك :
21 ألف ممارس، 230 مدرسة و450 مؤطر
تعد مدرسة سوناطراك التي استحدثت قبل ثلاث سنوات عينة حقيقية للمدارس الكروية في الجزائرية بالنظر لعدد الشبان الممارسين والإطارات الرياضية المؤطرة وحتى من جانب الممارسة النسوية. وتشير الإحصاءات الرسمية أن عدد الشبان الممارسين على الصعيد الوطني وصل حاليا إلى21 ألف ممارس من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الـ12سنة موزعين على 230 مدرسة في كل التراب الوطني، أي في الـ48 ولاية، منها 48 مدرسة على مستوى الجزائر العاصمة فقط، بينما فيما يتعلق بالتأطير فيقدر على الإطارات المكلفة بالإشراف على هؤلاء الشبان بـ 959 مؤطر جلهم من خريجي المعاهد والجامعات، حيث نحصي 450 إطار من أصحاب شهادات الماجستر والليسانس في الرياضة والتقنيين السامين ومستشارين في كرة القدم. أما البقية فهم من حاملي الدرجات الأولى، الثانية والثالثة في التدريب واللاعبين الدوليين السابقين
العنصر النسوي في تزايد ملحوظ
وعلى صعيد آخر تعرف الممارسة النسوية لكرة القدم تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة ومدرسة سوناطراك تشكل عينة حقيقية لذلك التطور، فقد بلغ عدد الممارسات 944 أمام 19102ممارس، ومن المنتظر أن يتضاعف العدد في السنوات المقبلة بحكم الإقبال الكبير على متابعة كرة القدم من قبل الجنس اللطيف.
من حلم "إبني الطبيب" إلى حلم "إبني نجم كرة"
تأهل الخضر للمونديال ألهب تهافت الأولياء على مدارس الكرة
في أواخر الثمانينات وفي بداية التسعينات عندما التهبت الأزمة الأمنية وخاصة الاجتماعية في الجزائر بسبب تدهور سعر المحروقات صار الجزائريون يتداولون من باب التنكيت على واقعنا المعاشي المقولة الشهيرة .. "إذا أردت أن تنجح في حياتك في الجزائر فعليك أن تختار إما أن تكون تاجرا أو تهاجر أو تفعل مثل ماجر"..
وكانت التجارة أو ما يسمى بالطرابندو ظاهرة أواخر الثمانينات من القرن الماضي بعد أن بدأت مختلف المؤسسات العمومية في تسريح عمالها، فبحث الشباب عن الحلول الفردية في ممارسة التجارة، وكانت الهجرة أيضا واحدة من الحلول المقترحة على مشارف قانون التأشيرة الذي بدأت بعض الدول في تطبيقه، وإفرازات البيريسترويكا التي جعلت دول الغرب أمام خيارات أهم، وهي استقبال المهاجرين من دول شرق أوربا التي هاجر شبابها بالآلاف نحو الدول الرأسمالية.. وبقي أمامهم خيار النجومية الذي حققه النجم العالمي رابح ماجر عندما أحرز في ربيع 1987 كأس أوربا للأندية البطلة وكان نجم اللقاء النهائي من دون منازع كما أحرز كأس مابين القارات في طوكيو وأنهى مشواره بتتويج إفريقي بلقب الأمم كقائد للتشكيلة.. ويبدو أن من الخيارات الثلاثة بالنسبة للجزائريين الذين عاشوا الأزمة لم يبق الآن سوى الخيار الأخير، وهو أن تصبح نجم كرة خاصة بعد تأهل المنتخب الجزائري إلى كأس العالم وشغف عامة الناس بعالم الكرة وبنجوم الكرة .. ورغم يقين جميع الأولياء بأن رحلة النجومية العالمية لا تمر سوى عبر أوربا والدليل على ذلك أن كل لاعبي الخضر باستثناء حراس المرمى هم من المغتربين الذين ولدوا في فرنسا أو الذين اختاروا الهجرة في سن مبكر مثل رفيق حليش ورفيق صايفي، إلا أن الكثير من الأولياء متشبثون بأمل أن يصبح أحد أبنائهم نجم كرة ينال بفضلها الشهرة والجاه وتنال معه عائلته الكثير أيضا.
نجاح الابن في عالم الكرة هو نجاح لكل العائلة
والد زياني أشهر من وزراء الجزائر
الأولياء الذين يبحثون عن نجاح فلذات أكبادهم في عالم الكرة كثير منهم لهم نظرة أنانية للأمور فنجاح الابن كنجم وطني أو عالمي يرفع قيمة العائلة ككل، والملفت للانتباءه أن والد لاعب الكرة عندنا نراه أحيانا ضيفا على الصحف أكثر من اللاعب نفسه، وأحيانا يلعب الأشقاء دور المناجير أو الجسر الرابط بين النجم والصحافة وبين النجم ومعجبيه، كما هو حاصل بقوة مع نجوم المنتخب الوطني الحالي، حيث يعرف كل الجزائريين والد كريم زياني السيد رابح زياني، كما يعرفون ابنه، وربما قرأوا له من الحوارات أكثر من ابنه لاعب فورفسبورغ وحتى عندما عاد في آخر جولة كريم زياني للعب ضد هرتا برلين وخسر ناديه بخماسية أطل الوالد عبر الصحافة التي طلبته، ولم يطل ابنه كريم .. ويعرف الناس الآن أسماء شقيق مراد مغني وأشقاء مجيد بوڤرة ووالده ووالدة رفيق صايفي وهم ملمون بالسيرة الذاتية وعدد الأفراد في عائلة كل لاعب وأحيانا بأسمائهم وميولاتهم في الحياة، وهذه الظاهرة ليست حكرا على الجزائر، فقد فتح مارادونا أبواب الثراء على عائلته منذ أن أصبح نجم كرة كبير فأخرج عائلته من الأكواخ القصديرية ببوينس آيرس وصاروا يعيشون في أوربا وفي القصور وأخرج ميسي ورونالدو أهاليهما من ظلمات الفقر إلى عالم الثراء، وصار شقيق رونالدو أحد نجوم البرتغال.. والأولياء يدركون أن نجاح ابنهم في عالم الكرة سيجعلهم يقطفون بعض الثمار لصالحهم ولذرية الابن أيضا لأن نجوم الكرة أحيانا، خاصة في عالم الاحتراف يتهربون من الضرائب باستثمار أموالهم بأسماء وبقيادة أوليائهم وأشقائهم.
وما زاد في سيطرة هذا الاتجاه على المشهد الاجتماعي عندنا أن البطالة فعلت الأفاعيل في المجتمع ولم يسلم منها أصحاب الشهادات العليا المتفوقين في دراستهم في كل الأطوار، فالأم التي كانت تحلم بأن يصبح ابنها طبيبا أو مهندسا حققت الأمل فنال ابنها الشهادة ونال معها الخيبة بالبقاء بدون عمل، وإذا حقق العمل لم يسلم من أنياب الفقر ونلاحظ جميعا كيف يدخل الأطباء والمهندسين في إضرابات من أجل المطالبة بتحسن حالتهم المادية والاجتماعية، ولم نسمع أبدا عن إضراب شنه نجوم الكرة لتحسين وضعيتهم الإجتماعية وهم الأثرياء الذين تفوق مرتباتهم الشهرية ما يحصل عليه أي طبيب مشهور خلال عام كامل .. وما حصل عليه لاعبو الخضر ومنهم من لعب مباراة أم درمان فقط أي تسعين دقيقة يفوق ما يجمعه أي طبيب خلال العمر كله.
يكفي القول أن الأطباء الجزائريين يشنون هذه الأيام إضرابا يشل قطاع الصحة في الجزائر لم ينل من اهتمام الصحافة جزءا مما نالته إصابة خفيفة تعرض لها نجم الكرة مجيد بوقرة .. بل أن الأطباء وهم معتصمون أمام المستشفيات تجدهم يتحدثون عن نجوم الكرة أكثر مما يتحدثون عن حالتهم البائسة ومطالبهم المسافرة في الهواء.. وحتى في عالم الهجرة يحدث ذات الشغف لدى مغتربينا بعد أن نجح بلحاج وعبدون وغيرهما في إخراج أهاليهم من دائرة العنصرية والفقر في فرنسا.
تسجيل الأبناء في الكرة بدل الروضة
عندما يصبح رئيس نادي أهم من مدير سوناطراك
منذ الفوز التاريخي على المنتخب المصري في الثامن عشرة من نوفمبر الماضي تغيرت أحوال المجتمع الجزائري بشكل لافت وصارت الكرة من اهتمامات الجميع بما في ذلك الأمهات.. لكن الآباء صاروا يفكرون بطريقة مغايرة »ماذا لو يصبح ابني مثل مطمور؟" .. سؤال نقلناه إلى بعض القائمين على شؤون الكرة عندنا، خاصة المشرفين على مدارس الكرة التي تعوّدنا أن تمنحنا نجوما ومشاهير ومنها جمعية وهران التي أنجبت مدرستها ومازالت خيرة لاعبي البطولة الجزائرية وبعضهم نجح في عالم الاحتراف مثل عبد الحفيظ تاسفاووت .. الشروق اليومي اتصلت بالسيد محمد مورو رئيس نادي جمعية وهران وسألته عن شغف الأولياء بمدرسة جمعية وهران لكرة القدم منذ تأهل الخضر للمونديال فاعترف بارتفاع الطلب ووصف ما يحدث هذه الأيام بالضغط الكبير المفروض على ناديه من قبل الأولياء، وقال وهو يحدثنا هاتفيا من وهران أنه قبل اتصالنا به بدقائق استوقفه أبوان مستفسران عن كيفية إدخال أبنائهم الكتاكيت عالم الكرة، ووصف ما يحدث من تهافت الأولياء على مدارس الكرة بالبديل الذي رآه الأولياء لأبنائهم، فهم يؤمنون أن الكرة بإمكانها أن تمنح الإبن ما عجز عن تحقيقه في مجالات أخرى وقال السيد مورو إنه يتلقى يوميا حوالي أربع طلبات لضم أطفال لمدرسة الكرة، كما يتلقى زملاءه من أعضاء مكتب جمعية وهران يوميا ما لا يقل عن خمسين طلبا للانضمام لمدرسة الفريق وأحصى ارتفاع النسبة بما يقارب 500 بالمئة مقارنة بالسنوات الماضية.. فالجزائري عاشق للكرة بطبعه والناس يبحثون عن مدارس الكرة الشهيرة، لكن مع تأهل المنتخب الوطني إشتعل الطلب، وهناك من يفرض على ابنه ممارسة الكرة حتى وإن كان لا يمتلك الموهبة والميولات.. وكان في زمن سابق الولي يبعد ابنه عن الكرة، بحجة أن لا تشغله عن دراسته، والآن صار هو من يفرض عليه الكرة حتى وإن ضحى بدراسته.. ولا أحد الآن يسأل عن المستوى الدراسي لزياني ويبدة وغزال وإنما يسألون عن الأندية التي طلبتهم للعب معها، وكم يتقاضون نظير هذه الانتدابات.
السيد محمد مورو قال إن صناعة نجم ممكنة، لكن عليه أن يمر عبر مدارس الكرة التي تطبق النظريات العلمية الحديثة، من صنف الهواة إلى صنف الاحتراف، وافتخر بكون مدرسة جمعية وهران بها حوالي 500 طفل تمكنت هذا العام من تزويد المنتخب الوطني للأصاغر بلاعبين دوليين اثنين، والمنتخب الوطني للأشبال بذات العدد، والمنتخب الوطني للأواسط أيضا بذات العدد، ومعنى ذلك حسب تقييم السيد مورو أن المدرسة ناجحة وعندما تتمكن مدرسة كرة من إيصال ستة لاعبين إلى رتبة الدوليين من ضمن الـ500 الموجودة فيها، فمعنى ذلك أن نسبة النجاح تفوق الواحد بالمئة أي أنها تكاد تصل لذات رتبة النجاح بالنسبة لبقية المدارس التي تصنع لنا أطباء ومحامين ومهندسين، واعترف على بعد حوالي ألف كيلومتر عن وهران السيد عبد اللطيف بن مخلوف السكريتير العام لنادي مولودية قسنطينة بكثرة الطلب على مدرسة النادي بشكل جنوني في المدة الأخيرة، رغم أن التأهل لكأس العالم بالنسبة للمنتخب الوطني لم يتحقق في زمن التسجيلات التي هي عادة في شهر جويلية وليس نوفمبر وما بعده، ولكنه طالب بتوفير الإمكانيات لأجل أن لا يتبخر شغف الناس أمام العراقيل المحتملة في مشوار أطفال الكرة .. لكنه أعاب على الأولياء بمجرد أن يضمنوا انضمام أبنائهم لمدرسة الكرة حتى يهملوهم فيتبخر المشروع في مهده .. السيد عبد اللطيف قال إن كل إدارة مولودية قسنطينة أحست باهتمام الناس والأولياء بالخصوص بالكرة وحلم الجميع أن يصبح ابنهم نجما كبيرا يفتخرون به، وربما يحققون من خلاله ما عجزوا هم عن تحقيقه.
لا وجود لإحصاءات دقيقة عن عدد الأطفال الوافدين على عالم الكرة لأول مرة، مادام زمن التسجيلات مؤجل إلى شهر جويلية، لكن التقرب من مختلف الأندية اشتعل في المدة الأخيرة، ويوحي بارتفاع رقم ممارسي الكرة أربعة أضعاف على الأقل، على أمل أن لا يكون رؤساء الأندية والمشرفون على مدارس الكرة عندنا مثل المدراء التنفيذيون الذين لا يمنحون المكان العلمي والعملي المناسب للإطار المناسب.