اتهام الناس بالباطل
يجب أن يحرص المسلم على عدم تجاوز حقّه من خلال الاعتداء على النّاس،
سواء في الأعراض، أو الأموال، أو الأنفس، فكلّ ما للمسلم معصوم، وهو ما حرص
رسول الله على الوصاية عليه في حجّة الوداع حين قام خطيباً بالنّاس فقال :
(فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا)
ثمّ بعد أن أوصاهم أشهدهم على هذه الوصية وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، فمن اعتدى على
أخيه المسلم بشيء من ذلك فقد ظلمه، وهذه المظلمة إثمها عظيم كونها متعلّقة بالعباد.
اتهام الناس في أعراضهم
أنزل الله الآيات الدالّة على عقوبة من يقذف النّساء المُحصنات، المؤمنات، العفيفات،
فقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)،
فقد لعن الله هذه الفئة من النّاس وتوعّدهم بالعذاب العظيم في الدنيا والآخرة.[٤] وحدّه في الدنيا ثمانون جلدة،
ولا تُقبل له شهادة أبداً، وعدّ رسول الله القدف من السّبع الموبقات، فقال:
(اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟) وقال منهنّ: (وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ).
اتهام الناس في نواياهم
إنّ اتهام النّاس في نواياهم ومقاصدهم وتحليل أفكارهم ومُراداتهم يعدّ من أكبر آفات اللّسان، فالأمر فيه لا يتوقّف على ذلك؛
بل يمتدّ ليصل إلى تصنيف النّاس وتقسيمهم ثمّ وضعهم في أحزاب لا يمتّون لها بصلة، وفي ذلك يقول رسول الله:
(إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ). وقال -تعالى- محذّرا من الوقوع في اتّهام النّاس بنواياهم:
(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فطالما أنّ الآخر لم يُفصح عن مُراده
ونيته يبقى الحكم على نيّته هو اتّهام له فيها.
حكم اتهام الناس بالباطل
حرّم الله -عزّ وجلّ- التحدّث عن النّاس في غيابهم بما يسيء لهم، كما يحرّم تحدّث الإنسان بينه وبين نفسه فيما يخصّهم بما يضرّهم،
وقد وردت الآيات والأحاديث الدالّة على النّهي عن ذلك، فمن الآيات قول الله -تعالى-: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ).
ومن أحاديث رسول الله ما رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ)،
والمقصود بذلك هو الحديث الذي يستقرّ بالنّفس، أمّا الخاطر وحديث النفس الذي لا يستمر فلا إثم فيه باتّفاق العلماء.[١٣] وقد وصف السمرقندي البهتان فقال:
لا شيء من الذنوب أعظم منه، كما أنّ الله قرن بينه وبين الكفر في قوله -تعالى-: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)
وقال النووي: البهت حرام، وعدّه الهيتمي من كبائر الذنوب، وعلى المسلم أن يتثبّت من الأخبار التي يسمعها، لا سيّما إن كان قد سمعها من فاسق،
فيكون قد صدّقها وفي ذات الوقت حين ينقلها يكون كاذباً، ثمّ يتعرّض للندامة بعد ذلك.