فَلا يَعلِقَنكُم مِهصَرُ النابِ عَنبَسٌ
عَبوسٌ لَهُ خَلقٌ غَليظٌ غَضَنفَرُ
مُبِنُّ بِأَعلى خَلِّ رَمّان مُخدِرٌ
عَفَرنِي مذاكي الأَسَدِ مِنهُ تَحجرُ
لَهُ زُبَرٌ كاللبد طارَت رَعابِلاً
وَكَتِفانِ كَالشَرخَينِ عَبَلٌ مُضَبَّرُ
كَأَنَّ غُضوناً مِن لَهاهُ وَحَلقِهِ
مُغارٍ هَيامُ عُدمُلِيٌّ مَنهورُ
يُعَرِّدُ مِنهُ ذو الحِفاظِ مُدَجَّجاً
وَيَحبِقُ مِنهُ الأَحمَرِيُّ المدورُ
رَحيرُ مَشَقِّ الشِدقِ أَغضَفُ ضَيغَمٌ
لَهُ لَحَظاتٌ مُشرِفاتٌ وَمَحجَرُ
وَعَينانِ كَالوَقبَينِ في قُبلِ صَخرَةٍ
يُرى فيهِما كَالحَمرَتَينِ التَبَصُّرُ
مِنَ الأسد عادِيُّ يَكادُ لِصَوتِهِ
رُؤوسَ الجِبالِ العادِياتِ تَقَعَّرُ
كَأَنَّ اِهتِزامَ الرَعدِ خالَطَ جَوفَهُ
إِذا حَنَّ فيهِ الخَيزَرانُ المُثَجَّرُ
يَظَلُّ مُغِبّاً عِندَهُ مِن فَرائِسٍ
رُفاتُ عِظامٍ أَو غَريضٌ مُشَرشَرُ
وَخَلقانُ دَرسانٍ حَوالي عَرينِهِ
وَرَفضُ سِلاحٍ أَو قُنانِ مُقَتَّرُ
أَقَلَّ فَأَقوى ذاتَ يَومٍ وَخَيبَةٌ
لِأَوَّلِ مَن يَلقى وَغَيُّ مُيَسَّرُ
فَأَبصَرَ رَكباً رائِحين عَشِيَّةً
فَقالوا أَبَغلٌ مائِل الجَلِّ أَشقَرُ
بَلِ السَبعُ فَاِستَنجوا وَأَينَ نَجاؤُكُم
فَهَذا وَرَبِّ الراقِصاتِ المُزَعفَرُ
فَوَلّوا سِراعاً يَندَهونَ مَطِيَّهُم
وَراحَ عَلى أَثارِهِم يَتَقَمَّرُ
فَساراهُم ما إِن لِحَسِّ حَسيسِهِ
مَدى الصَوتِ لا يَدنو وَلا يَتَأَخَّرُ
فَلَمّا رَأَوا أَن لَيسَ شَيءٌ يُريبُهُم
وَقَد أَدلَجوا اللَيلَ التَمامَ وَأَبكَروا
وَقَد بَرَّدَ اللَيل الطَويل عَلَيهِم
وَمَرَّ بِهِم لَفحُ مِنَ القَرِّ أَعسَرُ
تَنادوا بِأَن حَلّوا قَليلاً وَعَرّسوا
وَحَفّوا الرِكابَ حَولَكُم وَتَيَسَّروا
بِعَينَيهِ لَمّا عَرَّسوا وَرِحالَهُم
وَمَسقِطَهُم وَالصُبحُ قَد كادَ يَسفرُ
فَفاجَأَهُم يَستَنُّ ثاني عَطفِهِ
لَهُ غَبَبٌ كَأَنَّما باتَ يَمكُرُ
فَنادوا جَميعاً بِالسِلاحِ مُيَسَّراً
وَأَصبَحَ في حافّاتِهِم يَتَنَّمَروا
وَنَدَّت مَطاياهُم فَمِن بَينِ عاتِقٍ
وَمِن بَينِ مودٍ بِالبَسيطِ يَعجرُ
وَطاروا بِأَسيافٍ لَهُم وَقَطائِف
وَكُلُّهُم يَخفي الوَعيدَ وَيَزجُرُ
فَأَوَّلُ مَن لاقى يَجولُ بِسَيفِهِ
عَظيمِ الحَوايا قَد شَتا وَهوَ أَعجَرُ
فَقَضقَضَ بِالنابَينِ قُلَّةَ رَأسِهِ
وَدَقَّ صَليفَ العُنقِ وَالعُنقُ أَصعَرُ
وَوافى بِهِ مَن كانَ يَرجوإيابَهُ
فَصادَفَ مِنهُ بَعضَ ما كادَ يَحذَرُ