مرحبًا جميعًا، أتمنى تكونوا بأفضل حال عدتُ إليكم مرةً أُخرى، لكن هذه المرة بRصة بلا موت XD -أردت قتل شخصية ما وكانت لتكون القصة أفضل لكن شعرتُ أنني سأُقتل بعدها لذا تراجعت- XD على كلٍ، أتمنى أن تستمتعوا بها . شكرًا لحلم على هذا التصميم الخرافي @حُلم . وأُريد شكر وولف بشدة على مساعدتي بشان التعامل مع القطط XD @The Wolf Sf صوت هذا المطر يُذكرني... لطالما كان الأمر مشابهًا. منذ ثلاث سنوات، التقيتُ بها. ومنذ سنة، عثرتُ عليها. جميع تلك الذكريات المميزة تربطها صوت هطول المطر... في عامي العاشر، قابلتُ صديقي الصغير. لم أظن يومًا أنني سأعتني بأحد، لم أتوقع أنني كفؤ لهذه المسئولية. كنتُ صغيرًا خجولًا، وبالإجماع... كنتُ مغفلًا لا يستطيع الإعتناء بنفسه. أٌطلق عليّ "مغفل العام" حين حاولتُ مساعدة كلبٍ صغير على عبور الطريق فإذا بي أًسبِبُ حادثًا سير لأنني لا أعرف قراءة الإشارات. وعلى الرغم من هذا، إلا أنني وقعتُ في شباك المسئولية... -ميلو، اسرع! الأمطار شديدة للغاية! صدري يُصارع أنفاسي في انتقاء الأكسجين، أٌهرول مسرعًا إلى المنزل حتى لا أغرق بمياه الأمطار، بالرغم من أنني مبتل بالفعل. عقلي توقف عن العمل... فقط قدماي تقُودني إلى طريقي حتى صُدمت هي الأُخرى بصوتٍ ضئيل قادم من إحدى الطرقات الضيقة. مواء قطة صغيرة تستغيث... تراجعت بضع خطوات حتى أرى مصدر هذا الصوت المرتجف، صندوق صغير رث امتص من الأمطار ما يكفي لإغراق هذا الصغير المُحتضر. ربما تركها أحدهم هنا بغاية التبني، ولربما تم التخلي عنها. تناسيت هذا المطر المنهمر وقريبي الذي أظنه قد وصل للمنزل بالفعل. استعاد عقلي رشده وذهبتُ مسرعًا لإخراج القطة الصغيرة من صندوق بركة الماء. خلعتُ سترتي ولففتها بها. أكملت طريقي وأنا أسير بهدوء متقوس الظهر لأحميها من قوة سقوط الأمطار. وصلتُ لمنزلي أخيرًا بعد الكثير من الدقائق الطويلة. ذهبت أُجففها وجلستُ أُتابعها في صمت. كيف لقلب بشري أن يترك تلك اللطيفة في صندوق متهري. يا لكم من حفنة من الأشرار! حسنًا، لا يهم. منذ متى وأنا أعتبر البشر لطفاء. -ماذا تفعل، ميلو؟ اوه، ما تلك الصغيرة؟ من أين جئت بها؟ -وجدتُها في طريقي... أجبتُ وأنا أحاول بكل الطرق تجفيفها برفق. -دعني أُساعدك. -شكرًا، أمي. هل سنحتاج للذهاب للطبيب؟ -لا أعلم، لننتظر قليلًا. لكن إن لم تذهب لتجفيف نفسك، أظننا سنحتاج لطبيبين. ذهبتُ لتبديل ملابسي وتركتُ عقلي في الغرفة الأُخرى. "يا تُرى هل ستصمد الليلة؟" مكثت تلك الجملة في عقلي حتى ذهبنا بها إلى الطبيب وانتهى الأمر ببعض الأدوية مع الاهتمام. -أتنوي تبنيها؟ سألني أبي مع تعابير محايدة، لا أعلم ماذا يجب أن أقول. دائمًا ما كنتُ أتبع تعابيرهم في الموافقة والرفض. إذا راق له الأمر، سأقبل وإن كانت تعابير تدل على الاستياء، سأرفض... هكذا اعتدتُ دائمًا. لذا ترددتُ لبعض الوقت ثم أجبته... -لا أعلم. يمكننا الإعتناء بها حتى نبحث عن متبني لها. ابتسمت أمي ونظرت لأبي فقال بدوره... -لا بأس، ولكن ما رأيك بتوفير جهود البحث؟ -أتعني... -يمكنك الإحتفاظ بها، يا صغيري. لكن يجب أن تهتم بها. لا يجوز اهمالها بعد يومين! -حسنًا، أمي. أعدك!! وهكذا كان لقائي مع صديقي الصغير. كان لقائًا مُظلمًا قليلًا. تم التخلي عنها في اليوم الذي تم نعتي فيه بالمغفل إحدى عشر مرة... كان رقمًا قياسيًا هذا اليوم. لا أعلم لمَ قررتُ فجأة الإعتناء بها... هل لأثبت لشخصي المدفون داخلي أنني لستُ هذا المغفل؟ أم لأنني وجدتُها على حافة الموت؟ كانت هناك الكثير من الأسباب الغامضة التي جمعتنا، لكنها لم تكن بقدر أهمية أنني أخيرًا وجدتُ من يُمضي معي أيام طفولتي التي قد فقدت أملي بأنها ستُصبح ذكريات سعيدة كبقية الأطفال. أمضيتُ معها العطلة بأكملها تقريبًا، ليس وكأنني أمتلك أصدقاء للتسكع معهم... لذا كنتُ أملك الكثير من الوقت لأجلها. خُدشتُ عشرون مرة على مدار ثلاثة أيام فقط، تم الصراخ عليّ عشر مرات في أول أسبوع. أظنني ركضتُ خلفها بعد هروبها من المنزل سبع مرات طوال العطلة. كانت عطلة مليئة بالمشاغبات بيني وبينها في جميع أرجاء المنزل. لكن بنظرة أُخرى، كانت أول عطلة أقضيها برفقة صديق. أظننا تقربنا بما فيه الكفاية حتى أنها لم تحاول الهرب مؤخرًا. بدأت ترخي دفاعها تجاه أمي، لكنها مازالت غير معتادة على أبي. نومها الكثير مع مرور الوقت يجعل الأجواء هادئة. طبيتعها كانت حذرة تجاه البشر، ربما كان بسبب الغدر الأول منهم. إذا لم تُترك في هذا الصندوق في ذلك اليوم، هل كانت لتُصبح أقل حذرًا؟ أم تلك طبيعتها كحيوان أصله بري كما يزعمون؟ انتهت تلك الأيام المسالمة وها أنا ذاهبٌ إلى عامي الأول في المرحلة الإعدادية... -أمي، سأذهب الآن. تيسي، تمني لي الحظ! -مياو. -أحسنتِ يا فتاة! أسميتُها تيسي، أظنه أنه لم يكن للاسم معنى. فقط شعرتُ بالحروف تتدفق حين نظرتُ لعينيها الحادتين. ذهبتُ في طريقي للمدرسة على أمل ألا ألتقي ببعض المشاغبين من المرحلة السابقة. نظرتُ للأسفل محاولًا إبعاد ذكرياتي الأليمة ببعض اللحظات مع تيسي. وفي ظل هروبي من الأمر أسمع أصواتًا لا تُنبئُوا بخير... -انظر من وجدنا في طريقنا. ماذا كان اسمه مجددًا؟ -أظنه ميلـ... لكمه في معدته مقاطعًا إياه... -أعلم بالفعل أيها الأبله! ثم وجه كلامه إليّ قائلًأ... -مرحبًا، مغفل العام الماضي. أم يجب أن أقول، مغفل هذا العام أيضًا؟ هاهاها. لمَ لا تضحك؟ أتظنني لستُ جيدًا في إلقاء النكات؟ ثم صفعني على ظهري. لا أعلم إن كان مسموحًا له بفعل هذه الأشياء، لكن الأمر استمر عامًا كاملًا حتى أنني نسيتُ ما هو المسموح. -المعلمة روز قادمة، فلنذهب قبل أن يبدأ بالبكاء لها! -سنتقابل مجددًا، أيها المغفل! "مغفل"... مرتان... أو ثلاث مرات... لم يعد الأمر بتلك الأهمية. سأتجاهله كما العام الماضي. توالت الأيام وكان جل ما يُصبرني على تلك المضايقات هو أنني سأحتضن تيسي بعد عودتي حتى موعد النوم. كنتُ أشكي لها الكثير، كم مرة تم نعتي بالمغفل، صفعي، تجاهلي من الأساتذة بحجة أن هذا "مزاح أصدقاء" وأنا أعلم أن الأمر واضح وضوح الشمس. ربما لم تفهم كلماتي، لكنها كانت تُصدر هذا الصوت المريح. كان يبدو وكأنها تقول "لا بأس، أنا معك". كان يومي يجري ببطء شديد في الدوام المدرسي وأنا على أحر من الجمر للقاء تيسي. كنت أذهب للتمشي معها قليلًا واللعب ببعض الألعاب المليئة بالخدوش. كنتُ أجلسُ معها من منتصف النهار وحتى موعد النوم. كان الأمر يهون على قلبي عناء اليوم. حتى جاء يوم يتم الإعتراف بي كطالب طبيعي في هذا العالم. وكأسوء صديق على الإطلاق... كنتُ أسير في الطابق و وجدتُ ماكس، الفتى الذي يصفعني، يقوم بإثارة الشغب -كما العادة- مع أحد الزملاء. ومما سمعته، فقد كان يتنمر عليه بأن والدته ماتت من كثرة غباء ابنها. كان الفتى الآخر قد توفيت والدته العام الماضي بسبب مرض على الأرجح. "هذا الفتى البغيض أصبح يتخطى حدوده مؤخرًا" رددتُ الكلمات في عقلي وأنا أسير بخطوات هادئة نحوهما حتى لا يُلاحظ ماكس اقترابي المقصود ثم صفعته في أعلى ظهره وأنا أُردد... -ربما تكون بغيضًا، لكن ليس لدرجة أن تسخر من موت أحدهم. -وما دخلك أنت، أيها المغفل!؟ كيف تتجرأ على ضربي!؟ ستتمنى لو لم ترفع عينك للأعلى اليوم! -بالمناسبة، كنتُ أُريد سؤالك منذ فترة. هل وُلدتَ بذيل كلب؟ لأنني لم أسمع قبلًا عن اسم ماكس سوى للكلاب. استشاط غضب ماكس واندفع إلىّ بكل قوته يلكمني في وجهي وبطني واستعدتُ غضبي مرة أُخرى لأُبادله اللكمات. اجتمع الصبية حولنا بعضهم يشاهد والآخر يحاول تفكيك هذا العراك حتى جاء المدير بنفسه ليُعلن أن أجلنا اقترب... -كلاكما أثرتما عراكًا في منتصف اليوم الدراسي وفوق كل هذا تسببتما بالكثير من السوء لرفاقكم. عودا للمنزل الآن ولا تعودا حتى تجلبا أولياء أموركما. انتهى الأمر بالاعتذار المتبادل مع الوعد بعدم تكرارها، والتكرار سيصحبه عقاب أشد صرامة. وعند خروجي من مكتب المدير وجدتُ صبيًا ينتظرني... -لا أعلم كيف أشكرك، ميلو. أن تواجه ماكس لأجلي... شكرًا جزيلًا لكَ لدفاعك عن والدتي. -لا أستحق الشكر، أي شخص في مكاني سيبرحه ضربًا. وأيضًا، كانت مواجهتي له نوعًا ما متعلقة ببعض الأمور الأُخرى. -آه، أجل... إذن، ميلو! ما رأيك بالخروج معنا عندما تكون متفرغًا؟ -معكم...؟ -أقصد أنا وأصدقائي. سنذهب في نهاية الأسبوع لمشاهدة مباراة كرة القدم التي ستُقام في الحي المجاور، نادي الحي ضد النادي المحلي. أتريد المجيء؟ أظنها المرة الأولى التي يُعرض عليّ الخروج في نهاية الأسبوع. ولعلها المرة الأولى التي أحظى بها بمحادثة هادئة مع زميلٍ. لم ينادني بالمغفل، لم يلكمني بلا هدف، لم يتجاهلني. قام بمد يده لشكري ودعوتي للخروج معهم... معهم.... ضمير الجمع يجعلني أشعر وكأن الكوكب سينهار غدًا، لا بل اليوم! كيف يقومون بالرد على هذه الدعوة؟ ما هي الكلمات المناسبة؟ أعليّ أن أبتسم فقط؟ أم أقول موافق؟ هل يجب أن أُحضر بعض الخطط لهذا اليوم؟ أم أكتفي فقط بشراء بعض الهدايا؟ لا أعلم لكن لنتوقف التفكير الآن لنرد عليه... -اوه، حقًا؟ سيكون هذا رائعًا! أتمنى ألا ينزعج أصدقاؤك. -لا تقلق! سأخبرهم بذلك. ومرة أُخرى، شكرًا جزيلًا لك! عُدت للمنزل أبحث عن تيسي لأُخبرها سبب انهيار العالم هذا العام. لأُخبرها أنني سأخرج برفقة بعض "الأصدقاء"! جلستُ طوال الليل بجانبها أثرثر عن الأمر وماذا يجب أن أفعل وهي كالعادة نائمة بجواري. لا أعلم أتسمعني أم أنها نائمة بالفعل. كنتُ في أقصى حالات سعادتي وتوتري. لأول مرة، سأُرافق صديقًا للخارج. أصبحتُ أُلقي التحية على صديقي الجديد، دان. أصبحتُ أرفع عينيّ براحة حينما أسمع صوت أحدهم. توقف ماكس عن مضايقتي، مؤقتًا على ما أظن. وها قد حانت نهاية الأسبوع المنتظرة. -مرحبًا، اسمي ميلو. دعاني دان في يومٍ سابق للخروج معكم اليوم، أتمنى أن نحظى بوقتٍ لطيف سويًا. -مرحبًا، ميلو. أخبرنا دان بالفعل. وقوفك بوجه ماكس كان موقفًا جريئًا ورائعًا! -مرحبًا بك يا صاح! ستحظى بالكثير من المرح معنا لا تقلق! هاها كان يومًا مليئًا بالكثير من الضحك. على الرغم من عدم مقدرتي على مواكبتهم في بعض الأحيان إلا أنني قد استمتعت قليلًا. رجعتُ من اليوم مرهقًا من كثرة اللعب. ذهبتُ لفراشي فإذا بتيسي تتسلل خلفي وتشاغبني. لم أكن قادرًا على اللعب معها، فقد كان يومًا ممتلئًا. لذا تجاهلتها وذهبتُ للنوم وأنا أُفكر كيف سيكون المرح في المرة القادمة. تعاقبت الأيام وأصبحتُ كثير الحديث، كثير الابتسام. أخرج يوميًا تقريبًا مع مجموعة دان، نقابل أشخاصًا أكثر، نلعب أكثر، نتحدث أكثر. الأمر أشبه بالطفولة التي يزعمونها كثيرًا. كنتُ أعود للمنزل حتى أحظى ببعض الراحة لأجل اليوم الذي يليه وبمجرد عودتي تزعجني تيسي بالنوم فوق وجهي بمجرد أن أتمدد على الفراش. بجرح يداي حينما أكون غير منتبهًا. كانت كثيرة الشغب هذه الفترة حتى أنني أخرجتها من غرفتي آخر مرة وأغلقت الباب. لا أعلم ما حل بها كانت دائمًا تنفر مني. أظن أنني سأتركها برفقة أمي لبعض الوقت حتى تعتاد على عدم إزعاجي. وبعد فترة ليست بطويلة، كنتُ أسير معهم في طريق عودتنا من الملعب... -آآه، لقد انتهينا اليوم! كيف لهؤلاء الحمقى أن يفوزوا! -كان هناك الكثير من النقاط غير المحسوبة، لا تهتم. يبدو أن الحكم كان صديقهم. -لو رأيتُ هذا الفتى المخادع مرة أخرى فقط...! سأقوم بلكمـ.... لم يُكمل الجملة حتى قفزت قطة من قطط الشوارع نحوه بعد سقوطها من علو منزل ذو طابق واحد. -آآآآه...!! أيتها القطة اللعينة!!! فلتموتي، فلتموتوا جميعًا!! -هي لم تقصد أن... حاولتُ تهدئته حتى لا يؤذي القطة المسكينة فرد عليّ باهتياج... -هؤلاء القطط مجرد حيوانات قذرة! اركلها حتى لا تأتي نحونا مجددًا! صُدمت من رد فعله قليلًا... حسنًا القفزة كانت موجعة لكن ليس لدرجة أن أركل قطة بهذا الضعف. -لا أظن أن ركلها فكرة جيدة... -هاهاها، أمازلت مغفلًا كما أنت! وأنا من اعتقدتُك تحليت ببعض الشجاعة. ماذا؟ انتظر... ماذا؟ أقال مغفلًا للتو؟ -ماذا...؟ -ما سمعت! كنا نظنك تغيرت ولو قليلًا بعد موقفك مع ماكس وأنك ستهيمن على الفصل بعدها. لكنك مازلت مغفلًا يخاف أن يؤذي قطة، فقط كما اعتدت أن تكون، أيها المغفل. أنا الآن فقط... لا أستطيع استجماع شتات أفكاري فما بالك بكلماتي للرد عليه. هل سيُنشب شجارًا؟ هل سيتآمرون عليّ ويضربونني؟ ماذا عن دان!؟ حينما التفت لدان وجدته ينظر للأرض وكأن من يُوبخ الآن لا يمتُ له بصلة. يبدو أن الأمر سيعود كما كان... أو... يبدو أن الأمر كان هكذا منذ البداية. لا أدري هل ستلتصق تلك الكلمة بي مدى الحياة... هل سينفر مني الجميع إلى الأبد... -لم... لم أقصد أن أكون مغفلًا كما تزعم! القطط كائنات هشة ضعيفة، لا يجب إيذاؤها بتلك الطريقة، هذا كل ما في الأمر! حاولتُ استجماع شُتات نفسي لأرد عليه... أو على الأقل، لتكون محادثة من طرفين وليس تنمر من طرفٍ واحد. -يبدو أن روح والدتي قد حضرت بداخله الآن لتُلقي عليّ محاضرة، هيا يا رفاق! خطا خطوتين ثم توقف والتفت... -يا صاح، ألن تأتي؟ رفعت رأسي لأندهش بكلامه وإذا به يوجه كلامه لدان الذي لم يتحرك، أظنه تردد قليلًا لأجلي، أو شفقة عليّ أيهما أقرب. نظر إليّ دان بنظرات تردد ثم أدار وجهه بعيدًا عني ليلحق بأصدقائه. وتُركتُ وحيدًا مرةً أُخرى. تجولت بخطوات عشوائية... تارة أُسرع وتارة أمشي كالسلحفاة. لا أعلم ماذا حل بي لكن إن كان مذاق الوحدة بهذا السوء، فلم أكن أبدًا لأُجرب طعم الصداقة. على الأقل كانت مرارتُها بألم. وأنا أسبح في أفكاري المظلمة إذ بيد توضع على كتفي... -آسف يا صاح، لم أقصد عدم الدفاع عنك سابقًا. لكن كما تعلم، لو خسرتُ صداقتهم سيسخرون مني مدى الحياة... -آه، لا بأس. لا تهتم، دان. -جئتُ لأُخبرك أنك حتى وإن نعتوك بالجبان أو المغفل. ستظل أقوى منهم، على الأقل كنتَ الوحيد الذي يقف بوجه ماكس حينما كان الجميع يرتعد خوفًا. لا تُسقط من رأسك هكذا! -هاها... شكرًا لكَ، دان. لقد كنتَ صديقًا رائعًا أيضًا. وشكرًا على سماحك لي بالخروج معكم. بعد جملي لمصاعب اليوم الذي أثقلت كاهلي، ذهبتُ أبحث عن والداي. فوجدتهما في الحديقة الخلفية... -سأصعدُ الآن لأرتاح. -حسنًا يا بُني. اترك باب المنزل مفتوحًا. -لا تنسى تبديل ملابسك، ميلو! وبعد ذهابي... -ألن تهرب تيسي؟ -لا تقلق، لقد تخلصت من هذه العادة. أظنها نائمة في غرفة ميلو الآن. ذهبتُ مترنحًا إلى غرفتي أشعر أن قلبي يحتاج لمن يُخبره أن غدًا سيكون بأفضل حال. بعد سماع مواء تيسي في الخارج بعد أن أغلقت الباب بوجهها، أظنني احتجتُ لقرقرتها... لكن سيصحبها الكثير من الخدوش وأنا أُريد الغوص في سُباتٍ عميق لذا تراجعت عن فتح الباب. استيقظتُ للذهاب للمدرسة وكما توقعتُ، مجموعة دان بدأت بإثارة الشغب ولا يتوجب عليّ الرد حتى لا أُعاقب. دان يتجنبني حتى لا يتم السخرية منه هو الآخر، وماكس مستمتع بالمشهد. انتهى اليوم وعدتُ منهكًا، انهيت واجباتي وصعدتُ للسرير لاستجماع شتات أفكاري. أشعر أن هناك حلقة مفقودة لكن عقلي كان مليئًا لدرجة أنني أشعر أنني أبحث عن إبرة في كومة قش. وفي اليوم الثاني، قرر والداي الذهاب في نزهة وحينما كنتُ أُراجع نفسي إذا نسيتُ شيئًا إذا بي أتذكر أهمهم... تيسي! -أمي، أين تيسي؟ -لابد أنها نائمة في غرفتك، ميلو. -غرفتي؟ لكنني أغلقت باب غرفتي منذ فترة حتى لا تصعد لها. -ماذا؟ لكنها تركتني منذ يومان لذا توقعتُ أنك أخذتها لغرفتك مرةً أُخرى. اوه، لا... لالالا! أين يمكن أن تكون إذا لم تكن في غرفتي أو مع أمي...! بحثت عنها في أرجاء المنزل، وفي الحي بأكلمه ولم أجدها. أين فقط ستكون؟! تم إلغاء النزهة وذهبنا جميعًا للبحث عنها. تيسي مميزة، ليست جيدة في التعامل مع القطط الأخرى أو البشر. لا أظنها تعلم الكثير في هذه المنطقة، هي فقط تعلم الأماكن التي نذهب إليها عادةً. حفظتُ جميع طرقها للهرب لمدة عام كامل. طوال اليوم وأنا أجري هنا وهناك وكل ما أُردده هو "أيها الأبله! كيف لك أن تنسى تيسي!". -لم أعثر عليها في أي مكان. -لم يرها أحد من الجيران في الفترة الأخيرة أيضًا. -ماذا نفعل؟ هل نقوم بطباعة بعض المنشورات؟ -لننتظر حتى يحل الليل، إذا لم تأتي، سأتوجه غدًا للمطبعة. كيف لي أن أنسى صديقي الصغير الأول بسبب حفنة من الحمقى؟ كيف لي أن أنسى تيسي، صديقتي ذات الفرو الأملس والعيون الحادة؟ كيف لي أن أطردها خارج الغرفة بالأيام وهي لديها كامل الحق في الدخول وقتما تشاء؟ كيف لي أن أنسى وضع الطعام لها فقط لأنني وجدتُ بعض الرفقة وأردت أن أخرج معهم طوال الوقت؟ كيف لي ألا أتنزه معها لأسبوعان وهي التي اعتادت أن نخرج سويًا كل يوم؟ كيف يمكن لقلبي الحجري أن يتخلى عنها ويتجاهلها بتلك القسوة وأنا أكثر من يعلم بما مرت به مع قساوة قلوب البشر؟ لا يوجد فرق بيني وبين هذا الوضيع الذي ألقاها خارجًا منذ عام في قسوة الشتاء. ها هو يعود الشتاء مرةً أُخرى وهي ترتجف خارجًا تبحث عن مأوى لها، وكله بسبب برودة قلبي. لابد أنها تشعر بما شعرتُ به قبلًا حين تم التخلي عني لأنني "مغفل". لابد أنها تنتظر من يحتضنها بين كفيه حتى تخدشه وتتشاغب معه ثم يلتقطها إلى منزله فتكون هي "صديقه الصغير". كنتُ أنام كل ليلة وعقلي مليء بتلك التساؤلات التي تثير حنقي ولا أجد لها جوابًا غير أنني بالفعل، مجرد مغفل... مرت الأيام وجميعها متشابهة باسثتناء عدد كلمة "مغفل" والتي ازداد عليها "حقير". قمنا بطباعة المنشورات و وضعتها في جميع المناطق المجاورة. وفي إحدى الأيام أثناء الإستراحة، سمعتُ بعض الحديث المتهامس الذي كاد يخترق طبول أُذني ولعله كان هذا هو سبيله منذ البداية... -أتعلمون يا رفاق ما قرأته أمس؟ قرأتُ أن القطط كانت حيوانات برية حتى فترة قصيرة! يبدو أن البشر كانت طيبة لدرجة أنها التقطت تلك الحيوانات القذرة من الغابات لتعتني بها. -بجدية!؟ إذًا لهذا دائمًا ما كانت شرسة في التعامل وتؤذي يدي على الدوام! هاهاها -كم أبغض تلك الكائنات المقرفة. هي لا تساوي ذرة من لطافة الكلاب. كلبي يأتي معي للاصطياد دائمًا ونذهب للنوادي للعب. أما قطة جاري لا تفعل سوى المواء طوال الوقت وتُثير المتاعب فقط. -سمعتُ أيضًا أنها تتخلى عن صاحبها حينما لا يملك الوقت لرعايتها أو تقديم الطعام لها على طبق من ذهب. فمجرد أن تجده مشغولًا أو مفلسًا أو حتى يحتضر، تذهب لرؤية سبيلها لصاحب آخر يعتني بها. هم فقط كائنات مستغلة ذات ميكروبات لعينة. -وعلى ذكر هذا، أظن أن المغفل كان ينشر مطبوعات عن قطته مؤخرًا. يبدو أنها هي الأُخرى اكتشفت أنه مغفلًا! هاهاها -الحيوان الأليف كصاحبه، فقط حقيران! على الرغم من عدم إهتمامي بأمر الحيوانات الأليفة، على الرغم من أنني اعتنيت بـ تيسي عن طريق الصدفة، لكن لم استطع الصمت أمام كلامهم الذي نهش كبريائي قبل بني القطط. وقفت قدماي وحدهما بسرعة حتى أوقع جسدي الكرسي الماكث عليه وبدأت أحبالي الصوتية بالعمل على ترنيم الهواء في كلمات خرجت من أعماق قلبي لدرجة أدهشتني قبلهم. -من تكونون لتتحدثوا عن القطط بتلك الطريقة؟! صُدم الجميع من أن "المغفل الحقير" قرر التخلي عن شخصيته مطأطأة الرأس ليُلقي على مجموعة دان وماكس بعض الاتهامات بأنهم حثالة بلا قلب يرأف بكائن هش. -اوه، ألم تأكل القطة لسانك؟ اعتقدت أنها أكلته قبل أن تتخلى عنك نظرًا لأنك لم ترفع صوتك هكذا من قبل. -بل لأن نُباح الكلاب لا يفهمه سوى أمثالك. -أيها الـ... كاد يلكمني لولا أن أوقفه ماكس لينظر إلى نظرة سخط... -أيها المغفل، لا تضع عينك بعيني. أشعر بالغثيان لمجرد أن أتذكر أنني قد عوقبت لأجل شيء مثلك. -اتركه ماكس، هذا المغفل لا يُجيد سوى الدفاع عن الحيوانات، يبدو انه بدأ يشعر بالإنتماء لفصيلته أخيرًا. -لعلمك، قطتك البرية تلك مقرفة للغاية. حينما نظرت لشكلها في المطبوعات، تيقنت من أين تأتي لي الكوابيس. كدتُ أنقض عليه تاركًا لغضبي العنان حتى سمعت صوت قطرات المطر التي تطرق زجاج النافذة بجانبي. أمطار تثور بالخارج وتيسي مازلتُ أجهل حالها. لم أُفكر لثانية، فقط اندفعت نحو الباب، صُدمت بالمعلم وقبل أن ينطق حرفًا كنتُ خارج المبنى بالفعل. ذهبتُ راكضًا لا أعلم إلى أين، فقط عقلي بأكمله يستحوذ عليه جملة "يجب أن أجدها". بدأ المطر يهطُل، كذلك اليوم. تنزلق قدماي ثلاث مرات كل نصف ساعة تقريبًا. أنادي اسم تيسي عشر مرات كل دقيقتان. جميع الشوارع متشابهة في نظري، لا أراها في الأرجاء. المطر يُصبح أقوى وهي مازالت في الخارج تُصارعه. يجب أن أجدها قبل أن يتمكن منها المطر. أخاف أن أراها بهذا المشهد مرةً أُخرى... تُصارع الموت. نظرتُ بعيناي في الطريق قبل أن أنتقل إلى الشارع القادم وإذ بعيني تلمحها بين الأقدام المسرعة من المطر. تسير ببطء وكأنها تفرض على قدميها السير. وقفت للحظات استجمع تركيزي حتى لا أظن أن هذا مجرد خيالي. انطلقت نحوها بأقصى سرعة حتى انزلقت أمامها مباشرةً. رفعتُ وجهي مبتسمًا مع الدموع، القليل منها لأجل هذا الإنزلاق الشديد والكثير لأجل تيسي. -أخيرًا وجدتكِ، أيتها القطة المغفلة. خلعت سترتي المبللة وغطيتها بها. لم يكُن عليّ تجاهلها لمجرد أن تلاقيت بغيرها. لم يجب عليّ إخراجها من غرفتي فلديها الحق بها مثلي تمامًا. نقدتُ وعدي لوالدتي بعدم إهمالها... وها أنا الآن ألتقطتها بين مياه الأمطار بعد أن تخليتُ عنها، فقط كما السابق. عدتُ مسرعًا في خطوات متزنة حتى لا أنزلق وهي معي. ذهبتُ للطبيب ليفحصها واتصلتُ بوالداي من هناك. -يبدو أنها لم تأكل لأيام سوى القليل وكان بعضُها سيئًا لمعدتها. أظن أنها اعتادت على الطعام المعلب لذا كان طعام الشارع صعبًا لها. -إذن، هي بخير أليست كذلك؟ لن تموت، صحيح؟ -بالطبع، هي فقط تحتاج للرعاية. للرعاية، ميلو. فهمت ما كان يقصده بالتأكيد على "الرعاية"، فلقد كنتُ مغفلًا حتى النهاية، لم أستطيع الإعتناء بصديق. حملتُها وعدتُ إلى منزلي وإذا بي أتفاجئ بشخص يحمل أغراضي ويقف منتظرًا أمام المنزل. -دان! ما الذي تفعله هنا؟ -ميلو، أخيرًا عُدت! كنتُ أنتظرُك هنا لأُعطيك حقيبتك، فلقد تركتها وخرجتَ مسرعًا. -آه... بشأن هذا... لم يتوجب عليك هذا، إذا رآك أصدقاؤك سيسخرون... -لا تهتم. فلقد قمت بتسوية الأمور اليوم، هاهاها. حكى لي دان ما حدث بعد ذهابي. اعتقدَ الجميع أني هربت من مواجهتهم فبدأوا بالسخرية مني. وقف دان وصرخ بهم مدافعًا عني. انتهى الأمر بإنذار للفصل والامتناع عن حضوري لثلاثة أيام. وهكذا انتهى الأمر بوجود مغفلين في الفصل الآن. كان دان يروي لي الأمر وهو يسخر، لكنني أعلم أن بداخله الكثير من الحزن فلقد تخلى عنه أصدقاؤه بطرفة عين. فقط كما فعلتُ لتيسي، يا له من أمر مثير للسخرية ومحزن. عرفته عليها ورويتُ له علاقتي معها وكيف أنني وجدتها ثم قامت بجرحه كعربون لبداية الصداقة. كانت تلك المرة الأُولى التي أتحدث فيها عن تيسي، كانت لحظات سعيدة للغاية. استغرق الأمر بعض الوقت حتى شُفيت تيسي بالكامل، حتى ذلك الوقت كان يزورني دان. اعتادت عليه تيسي مع الوقت حتى أنه حصل على ثلاثة عشر خدشًا فقط خلال النصف الأول من العام. يبدو أن تيسي بدأت تعتاد على البشر أكثر. وبعد مرور عامان، ها نحنُ الآن في يومٍ ممطر، ننتظر تيسي حتى تأتي بثلاث قطط صغيرة لهذا العالم. وبعد مرور ثلاثة أعوام، سأحظى بالكثير من تيسي في المنزل. كلما أمطرت السماء، لا أنفكُ عن تذكر هذه الأيام الممطرة. شعوري في اليوم الأول كان وكأنني حصلتُ على صديقٍ فريد من نوعه. والثاني كان فقداني لهذا الصديق، شعرتُ بذنب لا يُغتفر، وفراغٍ لا يُعوض. الأمر شبيه بالإبرة في كومة القش، لكنني كنتُ الإبرة هذه المرة وليست تيسي. -ميلو، انظر! هناك واحدًا مشابهًا لتيسي تمامًا! -اوه، يا له من لطيف صغير. ساحتفظ به أنا! -مهلًا، دان! لم أُوافق بعد على اقتنائك لأحدهم! -لا تكن جشعًا، ميلو. لديك تيسي وسأترك لك اثنان أيضًا. -حسنًا حسنًا، لا تبدأوا بالشجار الآن. حتى وإن تكدست حياتي بشرًا، ستظل صديقي الصغير. |