غزوة بدر :: تُعدُّ هذه الغزوة التي وقعت في العام الثاني للهجرة المعركة الفاصلة بين الحقّ والباطل والتي رسّخت قيام الدولة الإسلامية، وقد كانت بقيادة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بين جيش المسلمين وقبيلة قريش بقيادة عمرو بن هشام المخزوميّ القرشيّ، والتي تحالفت مع الكثير من العرب، وقد سميت بهذا الاسم بسبب حدوث الغزوة في المنطقة التي تسمى ببدر التي تقع بين المدينة المنورة ومكة المكرمة داخل المملكة العربية السعودية، كما سميت هذه المعركة بيوم الفرقان، وبدر القتال أيضًا. أسباب غزوة بدر :: أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالحق من عند الله تعالى داعيًا قريش إلى نبذ عبادة الأصنام لكنهم تمسّكوا بالباطل وأبوا ترك ما ورثوه من عاداتٍ عن آبائهم وأجدادهم، فكان لا بُد في وقتٍ ما من حدوث التصادم بين القوتيْن لإحقاق الحق وإزهاق الباطل وتمثل ذلك في غزوة الفرقان والتي وقعت نتيجة عدة أسبابٍ منها: 1- تطلُّع الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه من المهاجرين إلى الاستيلاء على قوافل قريش التجارية من مكة إلى الشام والتي ازدهرت بسبب استيلاء سادة قريش على أموال المهاجرين وممتلكاتهم حين هاجروا إلى المدينة من أجل إعادة الحق إلى أصحابه وإضعاف قدرة قريش الاقتصادية مما يؤثر سلبًا على قدرتهم العسكرية وهو السبب الرئيس في خروج رسول الله وأصحابه من المدينة. 2- إثارة حفيظة قريش ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب إرساله السرايا مما شكل تهديدًا على أمن قريش والقبائل الموالية لها. 3- رغبة قريش في الانتقام من أهل المدينة من الأوس والخزرج بسبب احتضانهم للإسلام والمسلمين. 4- الرغبة الجامحة لدى قريش في كسر شوكة الإسلام لذا أصرت على القتال رغم فرار القافلة من بين يدي المسلمين. أهداف غزوة بدر :: أذِن الله -سبحانه وتعالى- لهذه الغزوة أن تقع بين المسلمين وكفار قريشٍ على الرغم من اختلال التوازن العسكري عددًا وعتادًا بين الجانبيْن إذ كانت كفة الميزان تميل لصالح قريشٍ كي تتحقق الأهداف التي خلدها التاريخ الإسلامي على مرّ العصور وهي: 1- التأكيد على نُصرة الله للمظلومين والمضطهدين وكسر شوكة الظلم والباطل قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 2- أثر الإيمان الحق في إمداد أتباعه بالقوة النفسية والمادية للوقوف في وجه الباطل دون وجلٍ أو خوفٍ. 3- التأكيد على أنّ غاية المسلمين في خوض غمار هذه الحرب للظفر بالشهادة أو النصر إحقاقًا للحق ونُصرةً للمظلومين. 4- غزوة الفرقان رسخت أقدام المسلمين في شبه الجزيرة العربية كقوةٍ فاعلةٍ يُحسب حسابها قبل الإقدام على الاعتداء عليهم في مدينتهم. 5- أنهت وجود قوة قريش التي لا تُقهر وكانت السبب في مقتل معظم زعامات قريش الذين ناصبوا العداء للإسلام والمسلمين. 6- رفع كافة العقبات في وجه نشر الدعوة الإسلامية بين القبائل العربية. 7- هدف قريش من الغزوة القضاء على الإسلام والمسلمين في أول مواجهةٍ بينهما من خلال التأثير على الروح المعنوية للمسلمين لو تلقوا الهزيمة الأولى كما خططت قريش. موقع غزوة بدر وتاريخها :: حقق المسلمون نصرهم الساحق الأول على أقوى القبائل العربية آنذاك ومن حالفهم في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، ووقعت المعركة قُرب آبار بدرٍ أسفل وادي الصفراء على بُعد 155 كلم من المدينة المنورة و310 كلم من مكة المكرمة. قوات المسلمين وقريش في غزوة بدر :: معركة بدرٍ لم تكن متكافئة من حيث التعداد والقوة، حيث فاق تعداد المشركين وعتادهم تعداد المسلمين وعتادهم، فقد بلغ عدد المشركين ثلاثة أضعاف عدد المسلمين كما ذكر أهل السير والتاريخ في كتبهم: المسلمون: بلغ عدد المقاتلين من الصحابة إلى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا وأرجح الأقوال ثلاثمائة وستة رجالٍ، ومعهم سبعون من الإبل، واثنان من الخيل. قريش: بلغ عدد المقاتلين من قريشٍ ألف رجلٍ على أرجح الأقوال، ومعهم حوالي مئتان من الخيل. أحداث غزوة بدر :: جاء ذِكر معركة بدرٍ وما فيها من أحداثٍ وأقوالٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- في عدة سورٍ من القرآن الكريم إلا سورة الأنفال والتي أسماها بعض الصحابة سورة بدر هي التي انفردت بالحديث عن تفاصيل المعركة والإشارة إلى عدم التكافؤ بين الفريقين وتأييد الله تعالى للمسلمين بالملائكة الذين قاتلوا في صف المسلمين. أحداث ما قبل غزوة بدر :: هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة فارًّا من أذى قريش بعدما نكلوا به وقرروا قتله في بيته ورفضوا الإيمان بالله تعالى لكن الخوف من القوة الإسلامية القادمة بقيت الهاجس الذي يتهدد وجود قريش وحلفائها من القبائل العربية إلى جانب تآمر اليهود على الإسلام وأهله، في خضم ذلك سعى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فرض قوةٍ جديدةٍ في شبه الجزيرة العربية عن طريق توجيه ضربات قاسمة إلى الاقتصاد القُرشي عن طريق استهداف قوافلهم التجارية القادمة من الشام. بدء أحداث غزوة بدر :: بدأت قصة معركة بدر بشكلٍ متصاعدٍ حين تواترت الأنباء إلى المسلمين بقدوم قافلةٍ تجاريةٍ لقريش بقيادة أبي سفيان بن حربٍ، حينذاك قرر النبي وأصحابه اعتراض تلك القافلة والاستيلاء عليها كردٍ على استيلاء سادة قريشٍ على ممتلكات المهاجرين في مكة، فوصلت الأنباء إلى أبي سفيان بخروج المسلمين فأرسل طالبًا النجدة من قريش والتي رأت في ذلك الفرصة المواتية للقضاء على الإسلام والمسلمين بتحريضٍ من أبي جهلٍ، فخرجت قريش بكامل عددها وعتادها للقاء المسلمين. حين تأكد خبر خروج قريشٍ لقتالب المسلمين، طرح رسول الله الأمر للتشاور فرد المهاجرون على لسان الصحابي المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- بأنهم معه، لكن سؤال الرسول الكريم كان موجهًا للأنصار لتبيُن موقفهم حيث إن البيعة بينهم وبين رسول الله كانت على الحماية والمنعة وليس على القتال خارج المدينة المنورة حينها قال سعد بن معاذ -رضي الله عنه- أحد سادات الأنصار:"فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوًا غدًا، وإنا لصُبر في الحرب صُدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله"، فخرج الرسول الكريم بجيشو وإلتقى الفريقان عند آبار بدرٍ، وبدأت المعركة بالمبارزة إذ خرج ثلاثة نفرٍ من قريش هم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ومن جانب المسلمين خرج لهم: حمزة بن عبد المطلب و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب هؤلاء الثلاثة من قتل مبارزي قريشٍ مما ساهم في رفع معنويات المسلمين، وسرعان ما اشتبك الطرفان ودارت رحى الحرب. نتائج غزوة بدر :: كان لمعركة بدرٍ الكثير من التداعيات حيث إنهم أسهمت في ظهور المسلمين كقوةٍ حقيقيةٍ قادرةٍ على إلحاق الهزيمة بأعتى الجيوش في شبه الجزيرة العربية بعدما كانوا في نظر أعدائهم من القبائل العربية واليهود رهطٌ لا حول لهم ولا قوة مما زاد من ثقة المسلمين بأنفسهم وزاد من عزيمتهم في توسيع رقعة الإسلام، وفي نفس الوقت وُجِهت ضربة قاتلة إلى قريشٍ بعد هزيمتها ومقتل سادتها بين القبائل العربية مما أثر على مكانتها الدينية والحربية في المنطقة، كما زاد ذلك من اضطراب اقتصادها حيث أصبحت قوافلها هدفًا سهلًا للمسلمين، كما ساهم انتصار المسلمين في ظهور فئة المنافقين في المدينة المنورة والذين اعتنقوا الإسلام خوفًا ورهبةً لا رغبةً. |