أم المؤمنين خديجة (رض)
كانت امرأة عاقلة ، فاهمة مدبرة وسخية، تؤثرالآخرين
على نفسها ، وهي عفيفة طاهرة ، ورغم دلالها وجمالها
وثروتها الطائلة وموقعها الاجتماعي ، الا انها لم تترك
السجايا والفضائل والصفات الانسانية الرفيعة ، ففي الوقت
الذي كانت الجزيرة العربية غارقة في الاعراف الجاهلية
والوثنية ، كانت تحترم القضايا المعنوية والانسانية وموحدة
في عبادتها وتحترم الكتب السماوية ، فقد كانت قبل تسيير
قوافلها التجارية للمدن والبلدان القريبة والبعيدة من جزيرة
العرب ، كانت تذهب الى بيت الله الحرام وتطوف ، مستمدة
العون من رب ابراهيم الخليل(ع) ليبارك لها في تجارتها
واموالها ، حتى عرفت في عهدها بأنها امراة عفيفة خيرة ،
وكان المؤرخين عندما يتطرقون لسيرتها الذاتية ، يؤكدون
انها "كانت تدعى في الجاهلية بـ "الطاهرة"، لشدة عفافها .
وكانت قريش تسميها (سيدة قريش) ، ورغم انها كانت من
التجار الناجحين ، فان ذلك لم يمنعها ذلك من متابعة المسيرة
العبادية والانسانية ، كالطواف حول الكعبة ، وفتح ابوابها
على الدوام للسائلين والمعوزين ، ولم يخرج محتاجاً من بيتها
غاضباً او مطروداً ، ففي الوقت الذي كان فيه ابناء الجزيرة
العربية ، منهمكين بعبادة الاصنام والاوثان ، كانت السيدة
خديحة(رض) توحد الله سبحانه وتعالى وتاخذ عن ابن عمها
ورقة بن نوفل الذي كان يعتبرأحد العبّاد الأربعة في زمانه ،
تأخذ منه معالم دينها ودنياها ، كما انها كانت تعقد اجتماعات
وحلقات دينية تدعو لها كبار الشخصيات المرموقة من الكتابيين
من الرجال والنساء وتستمع إلى تعاليمهم ونصائحهم السماوية
التي كانوا يطرحونها ، حتى تمكنت من تحديد شمائل نبي آخر
الزمان وكانت متيقّنة بانه سيبعث على ارض الجزيرة العربية .
وسبق أن تقدم العديد من زعماء القبائل والشخصيات المرموقة
امثال عقبة بن ابي معيط ، و السلت بن ابي ايهاب ، وابو جهل ،
وابو سفيان لخطبتها ، لكنها كانت ترى ان هؤلاء لايرتقون الى
درجة الاقتران بها ، ولا يليق بها ان تلتحق بهذا النمط من
الشخصيات في المجتمع .
وقد ذكر بعض المؤرخين بأن السيدة خديجة تزوجت مرتين
قبل ان تتزوج من النبي محمد(ص).. وفي المقابل أكد
الكثير من المؤرخين ومن بينهم ابو القاسم اسماعيل بن
محمد الاصفهاني من علماء الجمهور وابو القاسم الكوفي
واحمد البلاذري وعلم الهدى ، والسيد المرتضى في كتابه
"الشافي"، والشيخ الطوسي في كتابه تلخيص الشافي ،
بأن السيدة خديجة(رض) عندما تزوجت النبي محمد(ص)
كانت عذراء ولم تتزوج بأحد قبله .
ولكل من هؤلاء المؤرخين دلائله ، ومن هذه الدلائل :-
1- الحديث المنقول عن ابن عباس ، والذي يؤكد ان السيدة
خديجة(رض) كانت تبلغ من العمر 28 عاما عند زواجها
من الرسول(ص) وانها لم تتزوج من أحد قبله .
2- اختلاف المؤرخين في ذكر اسماء الزوج الاول والثاني
للسيدة خديجة خاصة وان السيدة خديجة لم تكن من النساء
المجهولات كي تبقى اسماء ازواجها محل اختلاف او نسيان .
3- اختلاف المؤرخين في ذكر اسماء وعدد ابناءها من
ازواجها السابقين .
4- الحالة المادية والموقع الاجتماعي للسيدة خديجة (رض)
لم يسمحا لها بأن تتزوج من افراد نكرة وغير معروفين
(امثالالحطاب او حفار القبور) كما ذكر لزوجَيها السابقَين .
5- اختلاف المؤرخين في ذكر عمرها حين زواجها .
في أحد الأيام حلمت برؤيا غريبة ، (فكأن الشمس طلعت في
سماء مكة على هيئة انسان ، واخذت تقترب من منزلها شيئاً
فشيئاً ! ومن منزلها بدأت تضيء العالم بأشعتها الذهبية ،
وأخذ الناس يأتون جماعات الى منزلها ، ليشاهدو الشمس عن
كثب) ، فاستيقظت فزعة من تلك الرؤيا ، فسارعت الى منزل
ابن عمها ورقة بن نوفل ، وقصت عليه الرؤيا ، فارتسمت
ابتسامة عريضة على شفاه ورقة وهو يقول لها:-
(البشرى يا ابنة العم ، فان صدقت الرؤيا ، فان نور النبوة
والرسالة سيدخل منزلك ومنه سيسطع ذلك النورالى العالم) .
هذه العبارات جعلتها تردُ كل خطيب يتقدم لخطبتها ، وكلما
كان الخطيب لا يتوائم مع الشخصية التي تجسدت في تلك
الرؤيا ، كانت ترد طلبه بكل ادب واحترام .
ويوماً زارها في بيتها أحد العلماء اليهود وأخبرها بأنه قد
قرأ صفات نبي آخر الزمان في التوراة ، وأن هذه الصفات
تنطبق على محمد الصادق الأمين .
ثم خاطبها قائلاً: (ياخديجة إحفظي ذلك عني ولا تنسيه)
(يا خديجة حاولي ان لايفوتك محمد ، فالزواج منه سيجلب
لك سعادة الدنيا والاخرة).
شارك النبي (ص) في تجارة خديجة وحقق أرباحاً طائلة ،
وبعد بضعة ايام التقت السيدة خديجة بالنبي محمد (ص)
واخبرته برغبتها في الزواج منه ، وفي التاسع من شوال
في العام الثامن والعشرين قبل الهجرة النبوية (خمسة عشر
عاماً قبل البعثة النبوية) الشريفة قام ابو طالب بارتداء ملابس
العيد ، وتقدم كبار بني هاشم مصطحباً اياهم الى بيت عمرو
بن أسد ، عم السيدة خديجة الذي كان من المقرر ان تجري
فيه مراسم عقد قران السيدة خديجة مع النبي محمد(ص).
وقام ابو طالب وخطب خطبة في وحدانية الله سبحانه وتعالى
ثم عظّم شأن مكة وابن اخيه محمد(ص).
ثم جرت مراسم عقد القران واصبحت خديجة زوجة للنبي
محمد(ص) رسمياً ، وقام ابو طالب بنحر عشرة جمال
ودعا اهالي مكة لمائدته فتمت مراسم عقد القران وزواج النبي
محمد(ص) وخديجة (رض).