رواية عيون لا ترحم [31] تحقيق في جريمة قتل! -1- [ياسر] كنت أظن أن هيثم مجرد وغد حقير يهتم لشأن المال وحسب، لكن ما اكتشفناه بعدها بخصوصه كان مفاجأة حقيقية، مفاجأة مذهلة ومرعبة جدا! كانت تلك الجملة التي جعلتْ قمر تنتبه إليّ بشدة وقد علا وجهها البيضاوي التوتر والترقب، وقالت بتساؤل حذر: ماذا؟! قلتُ بلهجة جادّة: ما اكتشفناه هو أن هيثم.. جاسوس إسرائيلي! فوجئت بردة فعل هادئة نوعًا ما، حيث قالت باهتمام: وكيف عرفتم ذلك؟ قلتُ ضاحكًا: يبدو أنه قد قال عني هذه المعلومة صحيح! وأنت صدقتيه تمامًا دون أية أدلة! ولكن عندما أقول أنا ذلك تطالبينني بالدليل؟! ظهر على وجهها البرود وهي تقول: لم أسأله عن دليل لأنني أعلم يقينا أنك من قتلتَ أبي! فظننتُ أن قتلك لأبي هو تفسير كونك جاسوسًا! قلتُ مهوّنا: لا بأس، سوف أخبرك بالدليل، وسأقص عليك كل ما حدث! ثم أكملتُ القصة: مبدئيا، عن بداية تعرف هيثم على أخي، كانت بدايتهما مع بعض حيث بدأ أخي بتنفيذ مشروعه، وهو إنشاء مركز رعاية الأيتام كما قلتُ، ولفعل ذلك كان هناك بعض التصاريح الضرورية التي يجب أن تؤخذ من عدة أماكن حكومية متنوعة، وكان هيثم رجلًا يملك شركة مقاولات، وتعاقد أخي معه لبناء تلك المراكز، وبالفعل بدأ التعاقد بينهما وبدأ العمل حتى أوشك على الانتهاء. كان هيثم يظن أن والدك مجرد رجل أعمال غني يريد فقط أن يعمل بعض الخير التطوعي وانتهى الأمر. فساعده في إصدار التراخيص المطلوبة من جميع المنشآت الحكومية، وكان لهيثم عدة علاقات مما جعل الأمر سهلًا وقد ساعد ذلك والدك كثيرًا. وقد كانت علاقتهما جميلة في البداية حيث كانا شبه أصدقاء! لكن مع الوقت، بدأ هيثم يفهم أن والدك لم يكن غرضه مجرد عمل إنساني وحسب، بل كان يريد إنشاء مسلمين حقيقين أقوياء.. حاول هيثم إقناعه عدة مرات عن التراجع عن ذلك، إذ أن هذا سيعرضه للكثير من المخاطر، وعرض عليه أن يطبق عليهم تعليمًا أمريكيا أو بريطانيًّا، سيكون هذا أفضل لحياتهم العملية المستقبلية، لكن والدك لم يكن حينها يدرك أن هيثم كان هو العدو الأول الذي يجب أن يحذر منه، فأخبره أنه ماضٍ في خطته، بل وحاول إقناعه بها حيث أخبره المزيد من التفاصيل! لكن هيثم لم يزدد إلا رفضًا، وانقطعت علاقة الاثنان بعدها. وعندما أنشأت أنا وباسم تلك المنظمة السرية للتحري عنه، أنشأنا قائمة مزيفة بأعضاء منظمتنا، لم يكن فيها أي اسم حقيقي إلا جابر الطيب، الذي تقابلتِ أنت وابنته في شقته وجرحتك في خدك. ثم نظرت إلى قمر التي ظهر على وجهها المفاجأة وهي تحاول التهرب من نظراتي، فقلت باسمًا: لقد كان هذا فخًّا نصبناه لهيثم كي نستطيع كشف حقيقته، فبعد إنشائنا لتلك المنظمة، ضممنا إلينا أعضاءً معدودين لا يزيدون عن خمسة، كل واحد منهم كنا نعرف ماضيه التفصيلي لنضمن ولاءه لنا، ومع ذلك أخذنا حذرنا بشدة في إفصاح أية معلومات عن القائد الحقيقي للمنظمة الذي هو أنا وباسم، واظهرنا أن قائد المنظمة هو جابر. جابر من ضمن الأشخاص المميزين الذي كان متعاونًا مع أبيك إلى أقصى درجة في إدارة مركز رعاية الأيتام، بل إنه كان يحضر ابنته وسن دائمًا إلى المركز للتدرب مع الأطفال على الرماية! ثم تنهدتُ وأنا أكمل: المهم أن خطتنا كانت تقتضي أنه إذا انكشف جابر، فسيافر إلى أمريكا، حيث إحدى فروع شركتنا، وسيكمل العمل فيها من هناك، منعًا لأي خطر من حياته قد يحدث على يد هيثم. وهذا ما حصل بالفعل، حيث سافر جابر بمجرد كشف وجهه إلى أمريكا واختفى تمامًا. وحينئذ توقفنا مؤقتا عن نشاط المنظمة إلى حين استقرار الوضع. فلا يمكننا المخاطرة. فما اكتشفناه منذ إنشاء منظمتنا حتى سفر جابر، كان كفيلًا أن يجعلنا ندرك خطر هيثم ومن وراءه! عقدت قمر حاجبيها باهتمام ونظرتْ إلي بعينيها الرماديتين قائلة: وما الذي اكتشفتموه؟ قلتُ بلهجة جادة: هيثم له علاقات متعددة وواضحة وأكيدة مع جنود إسرائيلين ويهود يعيشون في مصر، والمنظمة التي أنشأها معظم أفرادها كذلك، فمثلا جاسم وكريم.. لديهما جذور إسرائيلية! بل إن جاسم أسرته تقيم في إسرائيل وهو يسافر لهم في كل إجازة صيفية! أتظنين أفرادًا كهؤلاء يقفون بجانب والدك أم ضده؟! ظهر على وجه قمر الشرود والوجوم وصدرها يرتفع وينخفض ببطء مما يدل على أنها تعاني من صدمة، فقلتُ بقوة: وهذا يعني أن المنظمة التي قد أنشأها هيثم وأنتِ وسامي منضمان لها، هي منظمة مزيفة، ظاهرًا هدفها الخير لكن باطنها الشر. وكل ما يفعله هيثم هو ضد أهداف والدك تمامًا! -2- [قمر] الآن عمي يقول أن هيثم هو جاسوس إسرائيلي، وهيثم يقول عن عمي أنه جاسوس إسرائيلي! من الصادق إذن؟! صحيح أنني لحد الآن محتارة، لكنني أصبحت أميل إلى تصديق عمي بشكل كبير، خاصة بعد موقف هيثم الأخير مع بدر، حيث كان سببًا في إصابته ولولا لطف الله لكان بدر الآن في عداد الأموات! وكل هذا فقط لأنه تبعني! شردتُ ساهمة في جملة عمي الأخيرة: "كل ما يفعله هيثم هو ضد أهداف والدك تمامًا" معك حق يا عمي! فبالطبع لم يكن أبي رحمه الله ليرضى أن يحصل شيء كهذا لبدر! وما يفعله من ابتزاز مالي لعمي وفي المقابل يخفي جريمته..! يا للحقارة! بدأ صدري يمتلأ بالغضب العارم الذي وددتُ أن أفرغه في هيثم ذاك الآن! لكنني تماسكتُ أمام عمي الذي قام من على كرسيه بهدوء ووقف أمامي قائلًا: هل عرفتِ الآن يا قمر لماذا أريدك أن توقفي التعامل مع هيثم نهائيًّا؟ نظرتُ له بضيق ولم أرد، لا أريد أن أظهر أمام عمي أنني كنت خاطئة وكنت أقف في الجانب المضاد لوالدي دون أن أدري! لكنني الآن أظهر خاطئة من رأسي حتى قدمي.. أطرقتُ برأسي أرضًا وقلت بصوت مختنق: فهمت! سمعتُه يتنهد قائلًا: لم أخبرك هذه القصة لتكتئبي يا عزيزتي، كل ما أريده منك الآن أن تعديني أنك لن تذهبي إلى هيثم وسامي مجددا! شعرتُ بالاختناق أكثروأنا مجبرة الآن على إعطاء وعد له قد لا أستطيع تحقيقه! فأنا عازمة في داخلي أن أذهب إلى هيثم وأنفجر فيه بكل ذلك الغضب الذي في داخلي! قال عمي بإصرار: هل ستعدينني بذلك؟ أغمضتُ عيني وقلتُ بقوة: لا أستطيع! تفاجأ عمي وقال: لماذا؟ هل تنوين العودة إليهم مجددا بعد ما سمعتيه؟! قلتُ وصوتي يرتعش من الغضب: عليّ أن أذهب لأواجههم.. بكل ذلك الكلام الذي قلتَه لي! ظلّ عمي يتأملني طويلًا ثم قال بيأس: أي أنك تنوين الذهاب إليهم مرة ثانية ؟! أطرقتُ أرضًا وأنا آخذ نفسًا عميقًا، ثم سكتتُ، وفهم عمي أنني أنوي ذلك فعلًا.. أمسك عمي رأسه بإجهاد قائلًا بخيبة أمل: حسنًّا، لا أدّعي أنني سأكون لطيفًا معك هذه المرة يا قمر، لكن اعذريني.. فمسألة عودتك لهيثم أصبحت مستحيلة من وجهة نظري، وسأحاول منعك منها بالإجبار إذا لزم الأمر..! تفهمتُ قول عمي، وفي نفس الوقت أنا مقتنعة جدا بالفكرة التي بداخل رأسي! أكمل عمي قائلًا بحزم: صحيح أنني لا أدري هدف هيثم الحقيقي من ضمك لمنظمته، لكنني أظن أنه هدف خبيث بكل تأكيد! وإذا كان والدك رحمه الله حيا الآن.. لما سمح لك بهذا إطلاقًا! بمجرد ذكر أبي، دمعت عيناي وشعرتُ بتلك الغصة الرهيبة في حلقي.. وغطيتُ وجهي بكفيّ، وددتُ لو أقول له بكل تلك الانفعالات التي داخل نفسي: أنت السبب في كل ما أنا فيه! وبالفعل، مجرد أن سألني عمي بقلق: قمر.. ما بكِ؟ التفتتُ له بعينين منهارتين هاتفة بغضب: أنت السبب.. في كل ما وصلتُ إليه! لو لم تقتلْ أبي.. لما انضممتُ إلى هيثم! سكت عمي ثم قال بصوت آسف حزين: نعم.. أعترف بهذا، ولذلك سوف أصلح خطئي! أنا آسف جدا. وكأن الأسف سيصلح شيئًا! راقبته وهو يمشي خطواته باتجاه الباب ثم قال بصوت منخفض دون أن يلتفت: تصبحين على خير! وأغلق الباب خلفه، وتركني في تلك العواصف التي تفتك برأسي.. تأنيب الضمير الذي شعرتُ به تجاه ما حصل لبدر قد تضاعف الآن، ولوم النفس على أنني سلكتُ طريقًا معاديا لأبي قد اشتد، ولا أدري كيف يمكنني إصلاح خطئي إلا بمواجهة هيثم.. ذلك الوغد الحقير! الذي خدعني.. واستغل حماستي للانتقام لموت أبي وجعلني أنضم لمنظمته! كيف سأنتقم منه الآن وأردّ اعتباري وكرامتي أمام نفسي وأمام عمي؟ الغيظ والغضب والقهر وكل تلك المشاعر السيئة ملأت رأسي، دفنتُ وجهي في وسادتي وبكيتُ بألم وأنا لا أدري ما المفترض بي أن أفعل الآن؟؟! لماذا لا يوجد شخص واحد ألجأ إليه في مثل تلك المواقف؟! وتذكرت.. إنه خالقي! الوحيد الذي يعلم ما بي. سبحانه وتعالى. وتوأضتُ وأنا أنظر لوجهي الباكي والمحمر في المرآه، لماذا ياربي كتبتَ علي هذه المعاناة وأنا مجرد طفلة صغيرة؟ أستغفر الله! لا أقصد الاعتراض على قضاءك، لكنني متألمة حقا.. وأود أن أموت لكي أرتاح! بدأت أصلي وأنا أخرج كل تلك المشاعر في مناجاة طويلة، شعرتُ بها غسلتني من الداخل، دعوت الله أن يُريني الحق، وأن يهديني.. بعدها نمتُ في سلام نفسي شديد، وكأن أحداث اليوم كلها لم تحدث! __ في الصباح كنت قد عرفتُ جيدًّا ما سأفعله! هذا سيكون يومًا حافلًا جدا بالنسبة لي.. للأسف سأضرب بتعليمات عمي ضرب الحائط، لكنني مضطرة.. وآمل أن تكون هذه هي المرة الأخيرة لي لمخالفة تعليماته! جهزتُ حقيبتي ووضعتُ فيها بعض الشطائر السريعة والماء، وتمشيتُ في الحديقة حتى البوابة، ووقفت أمامها أنادي على عم فرج كي يفتح لي.. لكن عم فرج ظهر من غرفته نعسانًا وهو يغمغم: ماذا يا آنسة قمر؟ إلى أين ستخرجين في هذا الصباح الباكر؟! قلتُ: سأذهب إلى دار تحفيظ القرآن. مط عم فرج شفتيه ثم قال متأسفًا: للأسف السيد ياسر طلب مني ألا أسمح لك بالخروج أبدًا إلا بإذن منه! ثم استدرك بسرعة: ولكن إن كنت ذاهبة لدار التحفيظ فأظن أنه سيوافق بدون شك. لذا يمكنني الاتصال به الآن! قلتُ أنا بسرعة هذه المرة: كلا، سوف أستأذنه أنا! لا تقلق يا عم فرج، وآسفة على ازعاجك. وقفلتُ عائدة وأنا أتظاهر بدخول البيت مرة أخرى، لكنني تخبأت بسرعة في وسط الحديقة وتلفتتُ حولي.. كي أتأكد ألا أحد يتبعني أو يراني. تبًّا! كنت أريد الخروج من البوابة بشكل عادي لتجنب مشقة تسلق كل هذا السور! أفِ لك يا عمي! رغم ضيقي إلا أنني بدأت بتسلق السور بهمة وعزم.. فما خططتُ له اليوم لن يعرقله شيء كهذا! ابتعدتُ عن المنزل بشكل كافٍ وبدأت الركض، وقفت في منتصف الطرق لآخذ أنفاسي ثم أكملتُ، فلا يوجد وقت للراحة. توقفتُ أمام كوخ مهترئ مندمج مع بيت أسمنتي حتى صار الاثنان شيئًا واحدًا. طرقتُ الباب عدة طرقات وانتظرت.. خرج ذلك الولد الأسمر ذو العينين الخضروايتين، وهو يقول منزعجًا: ماذا تريد؟! وبمجرد أن وقع نظره عليّ حتى اعتدل وظهر على وجهه الاهتمام وهو يقول: ماذا جاء بكِ يا قمر؟! تلفتتُ حولي بتوتر ثم قلتُ بصوت منخفض: عبيدة.. أريدك في مهمة ضرورية اليوم! نظر إلي باستغراب ثم قال بلهجة شبه ساخرة: لماذا؟ لا تقولي لي ضرب سـمير أو.. قاطعته بعصبية: ليس شيئًا كهذا الهراء بالطبع، إنه أمر عاجلٍ! وأريد منك المجيء معي.. الآن! رفع حاجبيه بدهشة وردد: الآن؟ إلى أين؟! رغمًا عني فقد تلفتتُ حولي للمرة الثانية بتوتر لأرى الشوارع الفارغة، ثم أمسكتُ يده بقوة وجررته خلفي مبتعدة عن بيته.. وهو تساءل بتضايق: أخبريني ماذا تريدين بدلًا من اقتيادي هكذا! اطمئننتُ إلى أننا وصلنا إلى زقاق ضيق لا أحد يرانا، ثم تركتُ يده وقلتُ بجدية هامسة: أريدك في مهمة تحقيق في جريمة قتل! انقلب وجهه المنزعج إلى وجه هادئ وقال بحذر: أية جريمة؟! قلت بجمود: جريمة قتل والدي! عقد يديه أمام صدره وقال بتفكير: تقصدين السيد آسر؟ لكنه توفي منذ 6 سنوات، فكيف يمكنك التحقيق في جريمة حدثت منذ زمن طويل كهذه؟ قلتُ بضيق: هل ستساعدني في التحقيق أم لا؟ قال بسرعة: بالتأكيد سأساعدك ولكن أخبريني كيف ستفعلينها! ثم ابتسم نصف ابتسامة قائلًا: وماذا عن المقابل أيضًا؟ كنتُ أنتظر هذه الجملة لذا أخرجت ورقة من حقيبتي، وبسطتُها أمامه قائلة في ثقة: يمكنك كتابة المقابل في هذا الشيك البنكي. وصرفه من البنك! رفع حاجبيه بدهشة وهو يصفر بشفتيه قائلًا بإعجاب: أووه، يمكنني تقرير المقابل بنفسي إذن. قلتُ بقوة: نعم، لكن بعد انتهاء المهمة بالطبع! قال وقد علا وجهه الحماسة فجأة: رائع، إنها مختومة بختم السيد ياسر رجل الأعمال الشهير بنفسه! ابتسمتُ بثقة وأنا أتذكر كيف حصلت على هذا الشيك، فقد أخذته من فوق مكتب عمي ذات مرة دون أن يدري! شعرتُ أنني قد أحتاجه إذا رفض عمي رد أموالي إليّ في المستقبل! لا أدري ما حكم ما أفعله الآن، لكن عمي معه أموالي على أية حال! ثم نظر إلي بعدها بشك: لكن أليس من الممكن أن يرفض البنك إعطائي هذا المبلغ؟ قلتُ بثبات: كلا، لا تقلق، انظر مكتوب في الأسفل "يُصرف هذا الشيك لحامله" ابتسم باطمئنان وإن ظل يقلبه قليلًا في يده ثم رفع رأسه وقال: حسنًا، ما هي مهمة التحقيق تلك؟ قلتُ: هل أنت مستعد للذهاب الآن؟ نظرتُ إلى ملابسه المنزلية فقال: آه.. بالطبع لن أذهب هكذا.. هل أنت مستعجلة؟ قلتُ بلهجة رجاء: نعم. أرجو أن تنتهي من تجهيز نفسك خلال دقائق وسأكون بانتظارك هنا. تنهد بحرارة، ونظر إلي نظرة أخيرة ثم قال: حسنًا. سأجهز في خلال دقيقتين! ابتسمتُ براحة وأنا أنتظر مكاني. لم أستطع خلال الليلة الماضية التفكير في حل يريحني سوى هذا! سأحقق في جريمة أبي بنفسي. فقد انتبهتُ لشيء مهم جدا وأنا أتذكر الفيديو الذي رأيتُه لعمي وهو يقتل أبي. لقد كان عمي فيه يمشي بطريقة ثابتة وطبيعية، وعندما طعنه بالخنجر لم يطعنه على عدة مرات وإنما في مرة واحدة كان قد أنهى عليه. إذا كان عمي سكرانًا فمن الطبيعي أن يكون مظهره مختلف قليلًا، أن يترنح مثلًا في مشيه، وحتى إذا طعن أبي فقد لا يكون لديه القوة الكافية للإنهاء عليه من أول مرة، سيحتاج الكثير من الطعنات حتى يموت على يده وهو سكران. هذه النقطة خطرتْ لي وأنا أتقلب ليلًا ومنذ تلك اللحظة لم أنم! أيمكن أن يكون عمي.. ليس هو القاتل؟!! لكنني قد رأيتُه بأم عيني، فكيف إذن؟ أيمكن أن يكون عمي قد مثل أنه قد سكر وتظاهر بالنوم ثم ذهب ليقتل أبي؟ ولكن ماذا سيستفيد إذا فعل ذلك؟ فقد التقطه الفيديو بالفعل، وكذلك إذا كان يتظاهر بأنه سكران فلماذا يعود مع هيثم لشقته وهكذا سيجعل هيثم شاهدًا على جريمته!؟ ولهذا عزمتُ على التحقيق في الأمر بنفسي. كي أكتشف أي خيط يقودني إلى الحقيقة. بعد دقائق قليلة وجدت عبيدة يقف أمامي، وقد ارتدى قميصًا أبيضًا فوقه سترة زرقاء على بنطال أسود، وقد مشط شعره الأشقر إلى الخلف وابتسم ابتسامة سمجة لي وهو يقول: آسف على تأخري! نظرتُ له نظرة عابرة وأنا أقول: لا بأس! والآن هيا بنا! مشى خلفي وهو يقول: ألن تخبريني عن الوجهة على الأقل! قلتُ: بسرعة سأخبرك كل شيء في الطريق، لكن يجب أن نبتعد قليلًا عن هنا! -- وقفنا أمام تلك العمارة الطويلة، ذات المدخل الواسع الرخامي، ينتصفها مصعد كبير، أتذكرون هذه العمارة؟ إنها عمارة الدكتور سالم! أجل ذلك الدكتور الوغد الذي تحرش بي! لم أكن لآتي هنا لوحدي بطبيعة الحال، فكان الحل المثالي الذي فكرتُ فيه هو أن أطلب هذا من عبيدة! كنت قد حدثت عبيدة عن مهمته بالتفصيل وما ينبغي عليه فعله، وتفهم بسرعة كل شيء، صحيح أنني كنت محرجة من طلب هذا منه بعد أن كنتُ ضده في البداية، لكنه لم يعلق على ذلك أصلًا. في خلال دقائق كنتُ أنا وعبيدة قد صعدنا المصعد ووقفنا أمام شقة ذلك الطبيب. نظرتُ لعبيدة بتوتر فبادلني نظرة مطمئنة وضغطتُ الجرس. بعد عدة دقائق فُتح الباب، فاختبئتُ خلف عبيدة الذي وقف أمامه الدكتور السالم الذي ظهر من خلف الباب بشعر مُهمل وهو يقول ساخطًا: هذا ما ينقصني، طفل يوقظني من أعز نومي! قال عبيدة بصوت طفولي أكثر من اللازم: أنت الدكتور سالم صحيح؟ أريدك أن تفحص أختي. فحلقها ملتهب جدا! عبس الدكتور سالم وقال وهو يهم بإغلاق الباب: تعالى في أوقات العيادة يا فتى. لا تأتِ في الصباح الباكر هكذا! هتف عبيدة: أرجوك أيها الطبيب، سأعطيك أجرتك مضاعفة ثلاثة مرات. لكن افحصها الآن فهي مريضة جدا. فكر الدكتور مليا ثم قال على مضض: حسنًا، لا بأس. آمل فقط أن يكون معك المبلغ كله حقا! أخرج عبيدة على الفور بضع ورقات مالية وكشفها أمام وجهه، فلمعت عينا الدكتور وقال بابتسامة: إذا كان هكذا فتفضلوا على الرحب والسعة! دخلتُ خلفه أخبئ وجهي، دخلنا خلف الدكتور سالم للصالة وهناك التفت إليّ وهو يحاول النظر إلى وجهي: والآن أخبرني منذ متى بدأ التهاب حلق أختك هذا و... ثم سكت وهو يحملق في بذهول: مهلًا أنتِ.. كان عبيدة حينها قد وقف خلفه تمامًا، وكال له ضربة قاضية على رأسه من الخلف جعلته يجثو على ركبته وهو يتأوه، ثم قيده بيده وأمسك رأسه ورفعها ليضع على رقبته خنجرًا صغيرًا، كان ذلك الدكتور ضعيف البنية فلا عجب أن يهزمه عبيدة بضربة واحدة. هتف الدكتور سالم متفاجأ بألم: ما هذا؟ من أنتم؟! جلستُ أمامه محاولة الثبات على الرغم من التوتر الذي كان يكتسحني، قلتُ بلهجة قوية: أنت تذكرني بلا شك! نظر إلى وجهي بحنق ثم قال: نعم..أنتِ ابنة الوغد ياسر على ما أذكر صح؟ أجئتِ للانتقام أم ماذا؟ ألا يكفي ما فعله عمك بي؟! لقد أبرحني ضربًا قبل رحيله! ابتسمتُ في داخلي وأنا أقول: لقد كنتَ تستحق هذا حتمًا. على كل حالٍ لم آت لهذا! وإنما جئتُ لشيء آخر. نظر إلي بتململ وقال بحدة: آمل أن يكون شيئًا يستحق ما تفعلانه الآن، وإلا ندمتما على ذلك حين أطلب لكما الشرطة! ضغط عبيدة بحد السكين على رقبته قائلًا بسخرية: وكيف ستطلب الشرطة يا هذا بعد موتك؟! عبيدة عنيف جدا حقا، لكن هذا يعجبني بكل تأكيد! فنحن نحتاج هذا العنف ليجيب عن أسئلتي بكل استسلام! قلتُ بجدية: أريدك أن تجيبني على عدة أسئلة فقط، بعدها سنتركك ونرحل ولن نصيبك بأي سوء! قال غاضبًا وهو ينظر إلى ذلك السكين الذي يلمس رقبته: وما هي تلك الأسئلة التي تجعلكم تتعاملون معي بهذه الطريقة أيها الأوغاد؟ ابتسمتُ قائلة: هذا فقط لكي نضمن أنك ستجيب عنها.. قال بحنق متهكم: اطمئني سأجيب عنها لكي تغربوا عن وجهي بأسرع ما يمكن! قلتُ بحزم: إذن.. سأبدأ بأول سؤال: أنت كنت مع عمي في تلك الليلة التي قتُل فيها السيد آسر صح؟ ابتسم بسخرية قائلًا: هكذا إذن.. تحاولين التحقيق في موت والدك! أنصحك ألا تتدخلي في أشياء أكبر منك أيتها الطفلة! قلتُ بانفعال: لا شأن لك بهذا! أجب عن السؤال الذي سألته لك وحسب! ابتسم بخبث وقال: نعم، كنتُ معه! ماذا إذن؟ قلتُ باهتمام: هل شرب عمي فعلًا حتى سكر؟ أغمض الدكتور سالم عيناه وهو يقول بعدم اهتمام: نعم! سألتُ مرة أخرى بإصرار: ماذا كان عمي يفعل عادة إذا كان سكرانًا؟ ضحك دلالة على استخفافه بالسؤال وقال: كان ينام بالطبع! قلتُ: أعني هل كان من الممكن أن يستيقظ مثلًا بعد نومه؟ قال ضاحكًا بسخرية: بالتأكيد كان يستقيظ، إنه لن ينام إلى الأبد! قلتُ غاضبة حيث شعرتُ به يسخر مني: أقصد أن يستقيظ بعد فترة قصيرة، ساعة مثلا، ويكون السكر قد زال عنه ورجع إلى طبيعته؟ نظر لي شزرًا ثم قال: كلا بالطبع، حالة السُكر قد تزول بعد خمسة ساعات على الأقل وبعدها يعود الشخص إلى طبيعته. وقع كلامه في نفسي وقعًا مفاجئًا، أهذا يعني أن الفيديو كان مستحيلًا؟! فمن المستحيل أن يعود عمي إلى طبيعته في خلال ساعة فقط! اضطربتُ كثيرًا وسكتتُ أفكر، فقال بضجر: هل عليّ أن أنتظر حتى تكتشفي الحقيقة وأنا على هذا الحال؟ إليّ بالسؤال التالي أيتها الطفلة! انتبهتُ له فقلتُ بتردد: إذن هل تذكر تلك الليلة؟ هل يمكنك أن تخبرني ما حصل بالضبط؟ ظهر على وجهه الملل لكنه سرعان ما قال: حسنًا، لقد كنت كعادتي أشرب الخمر برفقة ياسر وهيثم، وكأي ليلة عادية شربنا حتى أصابنا السُكر، وكان أسرعنا هو ياسر، فهو أول من يضع رأسه على المنضدة ويغرق في النوم.. وإذا حاولنا إيقاظه كان يهذي ويهلوس، فكان الحل دائمًا هو إسناده حتى شقة أحدنا.. ثم يعود لشقته إذا استيقظ صباحًا. قلتُ بتركيز: هل كان هيثم يُسند عمي دائمًا ويأخذه إلى شقته؟ قال مفكرًا: كلا، كنتُ أنا أفعل ذلك في بعض الأحيان، لكن في الغالب كان هيثم هو من يفعل ذلك! سألته بتمهل: عندما كنتَ تأخذ أنت عمي إلى شقتك، هل كان يقوم في أثناء الليل مثلا ويعود إلى طبيعته؟ فكر قائلًا: لا، كان في الغالب يهذي ويهلوس كثيرًا وهو نائم، حتى إذا أراد دخول الحمام فإنه كان يمشي إليه مترنحا، وفي بعض الأحيان كان يسقط أرضًا ويحتاج لمن يعاونه لدخول الحمام. ازداد يقيني حينها أن هناك أمرًا ما في ذلك الفيديو، لكن كيف وأنا رأيت الموقف بأم عيني؟! فسألته السؤال الأخير: في تلك الليلة هل شرب هيثم معكم؟ حاول التذكر قائلًا: على الأغلب كان هيثم يشرب كأسًا صغيرًا مثلًا معنا ولا يشرب أكثر من ذلك، أما نحن فكنا نشرب كثيرًا. لكن في تلك الليلة على وجه التحديد، لا أذكر هل شرب معنا أو لا! لكنه على الأغلب لم يشرب. سكتتُ وأنا آخذ نفسًا عميقًا، وكل تلك المعلومات تدخل رأسي لتكمل الصورة النهائية التي يحاول عقلي رسمها للحقيقة. قال الدكتور سالم عابسًا: والآن هل اكتفيتِ؟ هل لكم أن تغربوا عن وجهي الآن؟ قلتُ بصرامة: سوف نفعل ذلك، ولكن أرجو أن تجيب عن آخر سؤال: أين هي تلك الحانة التي كنتم جميعًا تسكرون فيها؟ عقد حاجبيه قائلًا بسخرية: لماذا هل تنوين الذهاب لتشربي بعض الخمر؟! قلتُ بضيق: أجب وحسب! قال بلا مبالاة: إنها في آخر الشارع! اسمها "حانة العمر" أشرتُ إلى عبيدة أن يطلق سراحه، لكنه قال له وهو يضرب رأسه بقوة بمرفقه: والآن يمكنك العودة إلى نومك! نظرتُ إلى الدكتور سالم الذي أغمي عليه من ضربة عبيدة، قلتُ بقلق: لماذا فعلتَ هذا؟ قال بلهجة واثقة: حتى لا يلاحقنا أو يتصل على الشرطة كما قال! أومأت برأسي موافقة وخرجنا سريعًا من شقته بعد أن تركنا له الأجرة مضاعفة ثلاثة مرات كما وعدناه، مع أن عبيدة كان معترضًا وقال لي أن الأفضل توفير مالي لشيء أهم! لكنني كنتُ مشفقة على ذلك الدكتور حقا. وركضنا فورًا مبتعدين عن المكان خوفًا من أن يلمحنا أي شخص نعرفه. وصلنا إلى أخر الشارع لأجد ذلك المحل الذي احتل مكانًا صغيرًا جدا وكُتب عليه لافتة بخط مزخرف صغير للغاية: حانة العمر. هممتُ بالدخول لولا أن أوقفني عبيدة وقال لي بتوتر: انتظري يا قمر.. سأدخل أنا فقط! أخبريني بالأسئلة التي تريدين أن تسأليها لهم وسأفعل أنا ذلك.. قلتُ باعتراض: لكن هذا لم يكن اتفاقنا، فأنا أريد أن أرى الكاميرات في ذلك اليوم! قال عبيدة بقلق: أنا خائف عليك يا قمر. فلا أدري أي حثالة قد يكونون موجودين بالداخل، ولست واثقًا بقدرتي على حمايتك منهم، فأنا أعلم جيدا أي نوعية من الناس يكونون روّاد هذه الأماكن! تجاهلتُ قلق عبيدة وقلتُ بانفعال: لا تقلق يا عبيدة، فلستَ مطالبًا بحمايتي، أنا من اخترتُ هذه المهمة وأنا من سأسعى لإكمالها، كل ما طلبته منك هو المساعدة فقط! ثم قلتُ أطمئنه: كما أنه لن يكون هناك أي رواد الآن، فلن يشرب الناس الخمر في الساعة التاسعة صباحًا بكل تأكيد! الموجودون الآن هم أصحاب الحانة أو العاملون فيها. اقتنع بتردد وقال: حسنًا، لندخل معًا. أمسك عبيدة بيدي بقوة ودخلنا- على الرغم من أنني معترضة على هذا لكن لا بأس-، كان هناك ممر قصير يشع بعدة أضواء مزعجة، وبعدها قاعة صغيرة ممتلئة بالطاولات القصيرة والطويلة وحولها الكراسي الفخمة من كل جهة، كانت الكراسي فارغة، وحول إحدى الطاولات وقف نادل يمسح زجاجها، وهناك طاولة عريضة أخرى من الرخام الأسود يصطف أمامها رجلان يرتبان زجاجات الخمر على تلك الرفوف الطويلة التي ملأت الجدار المقابل. بمجرد أن رأونا هتف النادل الذي كان يمسح الطاولات: ممنوع دخول الأطفال، هذا ليس مكانًا لكم أيها الصغار. قال عبيدة بسرعة: أريد مقابلة مالك المحل من فضلكم! نظر إليه النادل باستنكار: ماذا تريد منه؟ توقف أحد الرجلان اللذين كانا يرتبان زجاجات الخمر ونظر باتجاهنا متسائلًا: ماذا هناك؟ اتجه عبيدة مباشرة إلى ذلك الرجل الذي بدا من منظره أنه ليس مجرد نادل وحسب، وقال له مباشرة بجدية: هل أنت مالك المحل؟ عقد الرجل حاجبيه قائلًا: كلا ولكنني مدير هذا المكان! ماذا تريد من مالك المحل؟ قال له: أريد أن أطلب منه طلبًا غاية في الأهمية، وسأعطيه مقابله ما يريد من المال! ابتسم الرجل بسخرية قائلًا: وما هو ذلك الطلب المهم؟ بل وما هو المقابل المالي الذي تتصوره؟ تضايق عبيدة من نظرات السخرية فقال بلهجة حادة: أرجوك دعني أقابل مالك المكان أولًا، وسأقول كل شيء. زمجر الرجل معترضًا: لقد قلتُ لك أنني مدير المكان! قل ما عندك الآن وإلا طردناك من هنا! نظر إلي عبيدة بنظرات مترددة فأومأتُ برأسي لكي أشجعه على الكلام، فقال بلهجة شديدة الأهمية: أريد مراجعة الكاميرا ليوم معين قبل 6 سنوات. رفع الرجل إحدى حاجبيه باستنكار وهو يقول: ما هذا الطلب العجيب؟ أخرج عبيدة رزمة مالية من حقيبته ووضعها أمامه قائلًا بحسم: سأدفع مقابله ما تريدون! المهم أن.. قاطعة الرجل وهو ينظر بانبهار للمبلغ: كيف يكون طفل مثلك يملك مثل هذا؟ ثم نظر بخبث إلينا وصفر الرجلان الباقيان قائلان بمتعة: يبدو إبن أحد الأغنياء.. أمسك الرجل الذي أمامنا رزمة المال وهو يقول بإعجاب: يبدو أننا سنستمتع معًا أيها الطفلان! وألقى نظرة على عبيدة الذي تحفز مكانه وتخشب جسمه، وشعرت بيده تضغط على يدي بقوة، والرجل يقول: الطفل ثري ومعه الكثير من الأموال على ما يبدو! ثم نظر إليّ نظرة صفراء اقشعر لها جسمي وهو يقول: والفتاة جميلة باهرة الجمال حقا! وهتف بالنادل قائلًا بلهجة مخيفة: أغلقوا باب الحانة، فلا نريد لأحد أن يقاطعنا! -3- [نور] أمسك فيجو ذقني وهو ينظر إلى عنقي بابتسامة صفراء، راودني الخوف في البداية منه لكنني أبعدتُ يده عني بحركة سريعة وتراجعتُ إلى الخلف وأنا أنظر إليه بضيق متوترًا، سمعتُ صوت الزعيم يقول: فيجو.. لا تزعجه هكذا، ودعنا نتكلم معه في حوار ودّي.. فقد أعجبني هذا الفتى! ونظر إلي باستمتاع قائلًا: والآن أيها الطفل. أخبرني ما هو الثمن المناسب الذي ستعطينا إياه وفي المقابل سوف نترك أمك وشأنها؟ شعرتُ بتوتر رهيب في داخلي، وأنا أفكر في معنى سؤاله، هل سيرضى إذا قلتُ له مثلا الثمن سيكون مبلغًا من المال؟ قلتُ بتردد: سوف أدفع لكم الثمن الذي تريدونه، صحيح أنه ليس معي الآن، لكنني سأعمل في المستقبل، يمكنكم كتابة أي وصولات علي لتضمنوا تسديدها! نظر الزعيم إليّ مليًّا ثم قال بعمق: لا نريد الانتظار حتى نحصل على الثمن، نريده منك في الوقت الحالي! نظرتُ إليه بحيرة وحذر: أتقصد أنك تريد قتلي؟! أهذا هو الثمن المناسب لك؟ ابتسم ضاحكًا: كلا، قد يكون قتلك ثمنًا جيدًّا، لكنني أريد حياتك بدلًا من موتك! قلتُ متسائلًا: ماذا تعني بحياتي؟ فقال فيجو بلهجة مستهترة عابثة كعادته: يعني أن تنضم إلينا أيها الفتى! وتكرس حياتك للمافيا! اتسعت عيناي بذهول ونظرتُ للزعيم الذي أومأ بوجهه موافقًا في رضا تام وهو يقول: نعم، أظن أن هذا هو أكثر ثمن مناسب! بدأ الجو يتكهرب في حين سكتتُ أنا مذهولًا، لأنني لم أتوقع طلبًا كهذا منهم.. ثم قال الزعيم وهو يرفع حاجبيه متساءلًا بنصف ابتسامة: والآن ماذا تختار؟ القرار قرارك. ولكن يجب أن تختار الآن! إما أن نقتل والدتك، وسيكون هذا هو المقابل العادل تجاه طلبك بطردها من المافيا. وإما أن نقتلك أنت، ولكنني لا أفضل هذا. وإما أن تنضم إلينا، وتكون قد أنقذت حياتك وحياة والدتك أيضًا، وخلصتها من التعامل معنا. وقفتُ مشدوهًا لا أدري ماذا أقول؟! حقا هل وصل الأمر لهذا؟ كلها خيارات أسوأ من بعض!! هل يمكنني أن أندم الآن على الموقف الذي ورطتُ نفسي فيه؟! . . فهرس رواية عيون لا ترحم |