تَمتازُ روايات حَبيبة بالوصف، فسنجد أنها قد بدأت الوصف برواية أنا أكرهكم:
"جائع، شارد، طريد، بردان ومرتجف، وخائر القوى! أمشي دون أن أعي إلى أين، سأظل هكذا حتى أموت. نظرتُ إلى قدماي الملوثة بالوحل، وقد اتسخت اتساخًا عظيما حتى صارت سوداء."
لَكنها رغم وصفها الكثير لثياب الشخصيات، منازلهم، شخصياتهم.. إلخ، إلا أنها لم تنسى
الجزء الوفير مِن السرد، فَروايات حَبيبة هي مزيجٌ مِن الوصف الدقيق والسرد الوفير
فَأعطتهُ حقه في الرواية، فستجدون الكثير مِن السرد على لسان البطل، أو على لسان
أحد الشخصيات لكنهُ حتمًا سيتواجد شئتم أم أبيتم xD، وكما نعرف أن ما يُميز الرواية
هو الحوار لذلك لم تسلم رواية أنا أكرهكم مِنه، ستجدون الكثير والكثير مِن الحوار، لِكنهُ
حوار تُبنى عليه مواقف وصراعات وأحداث أي وجب حدوثه ليصلكم معنى الكاتبة بشكل
واضح ومبسط وعلى ألسنة الشخصيات. لذا حينما تطلعون على رواياتها، بالتحديد
أنا أكرهكم لن تملوا أبدًا مِن الوصف كما في رواية "زينب" لمحمد هيكل ولن تنزعجوا
من السرد كما في رواية "عودة الروح" ولا مِن الحوار كما بروايات العصر الحديث.
كما أنكم ستجدون ضالتكم في رواية شَملت السرد والوصف والحوار دون أن يطغى أحد
العناصر على الآخر
هُنا العقدة مُعقدةً بعض الشيء -كُل ما سيُكتب هُنا هو من رأيّ الشخصي-
ففي البداية كانت العقدة الصُغرى هي توضيح فكرة الانتحار لدى المجتمع، فكثيرٌ مِنا
لا يَعرف أن الانتحار هو أسرع طريقٌ للضلال، فللأسف هُم يظنون أنهم بعد انتحارهم سيذهبون للجنة
-طبعًا ذلك في علم الغيب ونحنُ حتى ليس لدينا الحق في قول أي شيء- ولكن كما ذكرت جُوري في روايتها
فهناك الكثير مِنالأحاديث الشريفة الصحيحة التي تتحدث عن الانتحار، أحدهم نصهُ صريح وواضح بشأن أن
مَن مات منتحرًا فهو كافر.
ثم تبدأ العقدة تَكبرُ شيئًا فشيئًا، وهي كَيف لشخص أن يُلام بذنب شخص آخر؟ وهذا ما حدث مع بلال ورقية
حينما اعتدى عليهم سُكان القرية وعمدتهم لأن والدهم لم يكن شخصًا محبوبًا بين الناس لا بشخصه ولا بأفعاله
فانهالوا على بلال ورقية بالتُهم الجازفة، وبدأوا بنسب كل ماضي وحاضر والدهم الأسود لهما، مع أنهما لم
يسلما مِن والدهما بل طالهما بطشه وجشعه وشخصه الكريه. وهُنا نرى أن المُذنب في وجه المجتمع هو ضحيةً
بالأساس! لَكن الناس دائمًا تُحب ايجاد شخصًا لتُعلق عليه اخطائهم، وإن لم يجدوه بدأوا بنسب أسباب تعثرهم
إلى المجتمع والقانون والعُرف، والآن بدأ البعض ينسب هذه الامور للدين الاسلامي -معاذ الله أن نكون منهم-
لَكن بالحقيقة كُل هذا ماهو إلا جزء صغير مِن الرسالة التي أرادت جُوري ايصالها -بالنسبة إلي أرى الأمر هكذا-
كَيف يُمكن للمعاملة الطيبة أن تَفعل بالآخرين، فبلال الذي أتى لمنزل دكتور بكر وهو كارهٌ للحياة، متذمرًا مِن كل
شيء وتصرفاته الغليظة مع دكتور بكر وعبير، عناده المستمر وتصلبه، هو ليس بلال الذي وصل لنهاية الرواية وهو
يقول "أنا أحبكم"! حتمًا ليس هو! هناك فرق شااااسع للغاية، لقد عاش مع والده خمسة عشر عامًا -مِن الذل والمهانة-
وعاش مع دكتور بكر عامين فقط، عامين استطاع بهم محو خمسة عشر عامًا مِن العذاب بالمعاملة الطيب الحَسنة فقط.
هذا ليس كُل شيء، فبالرغم مِن كونه شحاذًا وأعتاد أن يشمئز الناس مِن مظهره أو ملامسته أو حتى حينما يحاول ركوب
سياراتهم.. إلا أنه أستطاع أن يُظهر معدنه الأصيل بسبب فرصة حقيقة، بسبب شخص واحد قَدم لهُ يده بدلًا مِن التقزز
مِنه. بسبب شخص يَعرف معنى الدين الاسلامي بشكل صحيح، شخص انتكس وعاد للحياة مليئًا بالإيمان استطاع أن يَكسب
ثقة بلال وبل أن يُظهر شخصه الحقيقي، وهُنا نأتي لنقطة مُهمة وهي أبدًا لم يكن الجوهر متعلقًا بالظهر، فالمشفى الخاصة
برغم رفاهيتها ومظهرها النظيف إلا أن كُل هَمهُم المال، والشحاذ الفقير كُل أمانيه أن يجتمع مع أهله على طبق صحن مِن
الطعام، وكما رأينا سكان القرية الذين هُم مِن المفترض مِن الطبقة المتعلمة المثقفة إلا أن أفكارهم رجعية جدًا و"متخلفة"
عَكس الطالب الذي يُبدو عليه "أنه شخص مريب"، الذي ساعد بِكل جوارحه طفلان لا يعرف عنهم أي شيء وبل كان
مستعدًا أن يَتدبر لهم مبلغ المشفى، وبل وقع سريعًا على انه المسئول عن بلال في حال لم تنجح العملية.. صحيح أن المظهر
لديه نسبة ما في تكوين الانطباع ولكَنه قط لم يَكن النسبة الأكبر، فلن تَعرف أحدًا إلا عِندما تٌعاشره، وكما حُكيَ لنا أن أحدهم
جاء يتمختر لأرسطو وهو منمق الثياب فقال له أرسطو:"تَحدث حتى أراك".
والآن لدينا عُقدتان صغيرتان وعَقدة كبيرة، ولكن بالحقيقة هذا كان مجرد تمويه للعقدة العُظمى -إما أن حَبيبة حَولت تغطيتها
بتلك العُقد، أو أننا كُنا مُغيبين للدرجة حتى لانلحظها-، ولكن دعوني اسألكم، ماذا برأيكم هي العقدة الكبرى؟ حتى إن لم تقرأوا
الرواية حاولوا التخمين -هذا إن وصل أحدكم لهذا السطر مِن الموضوع -، حَسنًا بالنسبة إلي هُناك عُقدتان عظمتان
اندمجتا ليُصبحا الفكرة المُطلقة للرواية وألا هُم:
-الاولى والتي تتَحدُث عن الاسلام، وهي بُكل بساطة تَعرض لنا جزئين مِن البشر: الأول والذي يستغل الدين بشكل سيء كما
حدث مع بلال، حَيث استغل والده الدين للوصول لمراتب دُنيوية وهي المال.
الثاني وهو يتجسد في دكتور بكر وعائلته "عبير ومَريم" حَيث أنه شخص يُطلق اللحى، يرتدي الفتيات النقاب، يعيشُ حياة عادية
ولكنها مملوءةً بالايمان والتقوى، يأكل مثلنا لكنه مثلًا يقول "بسم الله" قبل الطعام، يُحسن للجار، يُطعم المسكين، يأوي الغريب
وبل يَتعلمُ مِنه الغير الدين بشكل صحيح كما تعلم بلال أهمية الصلاة وألا يتجاوز الغرباء الحدود مع الفتيات.
حتى هو دكتور بكر حاول توضيح هذه النقطة لبلال، مهما استغل الناس الدين يظل بريئًا مما يفعلون، فمثلًا إن اذنبت منتقبة
هل يكون النقاب مذنبًا؟ هل يكون الاسلام مذنبًا؟ بالحقيقة لا الذنب يُلحق صاحبه لا دينه وشعائره.
-الثانية والتي تتَحدثُ عن الحياة بشكل عام، وكيف أن رُغم الظلام يُولد النور، وأنه بدون الظلام ما أضاءت النجوم، ولطالما
أحببتُ هذه الأمور المُبهجة التي تُعلمك أنه رغم الصعاب حتمًا هُناك حل، فكما ترون بدأت الرواية واستمرت لمدة في اكتئاب
وماضي البطل المحزن المأسي التراجيدي بجدارة، ولكنها أتت في النهاية لتنتشلنا مِن الكآبة وترمينا عُرض الأمل والحُب
والوفاء والاخاء، وكم هو جميل أن تتعلم من دروسك المظلمة كَيف تُنير قلبك.. هذا ما أتمناه لنا جميًعا، فكُل ما هو مُر سيمر
لطالما عشقتُ روايات جُوري كثيرًا، ولكن أنا أكرهكم كان لها رونقها الخاص.. ليس لانها نفسية وهذا أول
مرة لحَبيبة بهذا المجال وقد ابهرتنا فيه، ولكن لأنه بالوقت الذي كانت تطرحُ فيه الرواية بالفيس قبل المنتدى
كنتُ اتابعها أول بأول بل نتناقش بالخاص حول الاحداث وأتوقع وهكذا، كأنك تُشاهد فلمك المفضل مِن مقعد
VIP لقد كنتُ جدًا متحمسة وقتها لانني كنتُ اقرأ الرواية مرتين -مرة بالخاص ومرة بصفحتها-
لذا هي تملك معزة في قلبي -لكنها لن تفوق معزة بهابيهو طبعًا- -إن صح القول لكل منهما معزةً خاصة-
عليكم ترك أنفسكم لحَبيبة مرة، وستلاحظون الفرق حينها ~