أظهرت بعض الدراسات الحديثة لأول مرة من خلال تصوير خلايا المخ، أن مخ الإنسان يدخل في مرحلة تطور ظاهرة على الخلايا خلال فترة المراهقة حيث تطرأ العديد من التغيرات على تركيبه، لكن العلماء لم يحددوا بدقة بعد كنه هذه التغيرات.
لكن رغم عدم تحديد طبيعة هذه التغيرات بدقة، فإن الباحثين يرجحون أن تكون موازية للطفرة التي يشهدها مخ الإنسان في مرحلة الطفولة المبكرة، والتي تكون في صورة قدرات ومهارات إذا استخدمها الإنسان ونماها تبقى وتظل متواجدة أثناء نموه، وإذا أهملها انطمست وضمرت واختفت.
ومن المعروف أن الجينات والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان يلعبان دورا رئيسيا في تحديد شكل تطور خلايا مخه في المراحل السنية المبكرة وكذلك في المراهقة، لكن العلم مازال في طور البحث والتقصي عن مدى تأثير هذين العاملين على المخ في مراحل الشباب والنضوج من عمر البشر.
التجارب المعملية التي أجريت على الحيوانات أثبتت أن الخبرات الحياتية تؤثر بشكل ما وتلعب دورا في تطور خلايا المخ في مراحل النضوج من العمر، لكن هذا لا يمكن اعتباره قاعدة يمكن تطبيقها على البشر لأنه لا توجد أي سلالة حيوانية تمر بخبرات حياتية يمكن مقارنتها بمثيلتها لدى البشر.
لذا فليس واضحا حتى الآن إذا كانت الخبرات والتجارب الحياتية في المراحل السنية التي تلي المراهقة تسهم في تكوين خلايا عصبية جديدة أو تغيرات في وظائف المخ من عدمه. لكن الأمر يستحق في جميع الأحوال أن يحاول المراهقون بكل قواهم استثمار هذه الطفرة المخية التي يمرون بها في اكتساب مهارات جديدة تستمر معهم في مراحل حياتهم القادمة، وكذلك استغلال القدرات الجديدة التي يكتشفونها في أنفسهم.
وقد تم اكتشاف حدوث تلك الطفرة الدماغية من حيث نشاط خلايا مخ المراهقين من خلال إجراء تجارب تم فيها متابعة نمو وتطور المخ لدى الأطفال بعمل مسح بأشعة الرنين المغناطيسي مرة كل عامين من عمرهم. تم عمل هذه التجربة على أكثر من طفل في نفس العمر - حوالي 145 عينة- ومع استبعاد الفروق الفردية بين إنسان وآخر، وجد العلماء من خلال المقارنة بين صور الأشعة لكل هؤلاء الأطفال المشاركين في التجربة، أن المخ يمر بمرحلة طفرة في النمو والتطور وإنتاج المزيد من الخلايا الرمادية مرتين، إحداهما في سن الطفولة المبكرة، والأخرى في مرحلة المراهقة.
وكان أمر طفرة النمو الأولى في مرحلة الطفولة معلوما للعلماء منذ البداية، لكن أمر الطفرة الدماغية الثانية في سن المراهقة أدهش العلماء المشاركين في الدراسة وجاء مفاجئا لهم، ففي هذه المرحلة تعود خلايا المخ لتتكاثر بشكل كبير وتنمو وتتطور مما ينعكس إيجابا على القدرات الذهنية والمهارات المعرفية للإنسان. ويحدث ذلك في حوالي عمر 11 عاما بالنسبة للفتيات، و12 عاما بالنسبة للفتيان.
وهذا العمر هو تقريبا عمر البلوغ، لذا مال الكثير من العلماء عند محاولة تفسير هذه الطفرة في أنشطة المخ إلى ربطها بتأثير هرمونات الأنوثة والذكورة التي تسري في دماء المراهقين لتنقلهم من عالم الصغار إلى أعتاب عالم الكبار والبالغين.
ويرى الباحثون أن هذا الأمر لا يزال بحاجة لمزيد من البحث والتقصي وإجراء المزيد من الدراسات لتحديد ماهية القدرات الذهنية والنشاطات الدماغية والمعرفية التي تتأثر إيجابا بهذه الطفرة في نمو المخ، لكنهم ينصحون الأهل بمحاولة استغلال هذه الحقيقة العلمية في حد ذاتها في مساعدة أبنائهم المراهقين في تطوير مهاراتهم الفكرية والعقلية ومواهبهم المختلفة خلال هذه المرحلة حتى يمكنهم التمتع بهذه القدرات وترسيخها بداخلهم لما بقي لهم من العمر، بدلا من ضمور المهارات والقدرات الإضافية وانقراض الخلايا الجديدة مع الوقت لعدم استغلالها وتوظيفها بالشكل المناسب والمفيد.