لطالما تميزت نيكول بارنز بذكاء حاد، و قد اعتُبرت المراهقة معتلة اجتماعيا في مدرستها نظرا لاهتماماتها و تصرفاتها المتطرفة، لم تكن بفتاة أنثوية مطلقا، يصعب عدم ملاحظة ملابسها الفضفاضة و الصبيانية، فعلها ذلك عمدا جعلها تبدو أغرب بنظر طلاب ثانويتها، لذا عندما اكتشفوا يوما أنها بدأت تواعد الشاب المثاليّ جيمس مايرز لم يتمالكوا غيرتهم و حسدهم، ناهيك عن صدمتهم، و الأهم من ذلك تساؤلاتهم التي لا تنتهي، فقد تبدو نيكول كأي شقراء جميلة إن حاولت ذلك، لكنها تظل نيكول بارنز! فأنّى لها أن تظفر بأحد أوسم فتيان الثانوية و أكثرهم سحرا بينما يمكن لهذا الأخير الحصول على أي فتاة يريدها تقريبا؟ ثم رغم أن الاثنان يتواعدان منذ حوالي الشهر إلا أن الجماهير بالكاد تراهما يتشابكان الأيدي، إن نتج من ذلك خير فهو تحسين نيكول لمظهرها، في النهاية يبدو أن جيمس خرج معها بدافع الشفقة بعد كل شيء...ذلك هو الاستنتاج الغبي المبتذل الذي خرج به طلاب المدرسة. كانت تلك الليلة ما قبل الذكرى الشهرية الأولى لهما عندما جلست نيكول في غرفتها تقوم بأبحاث على حاسوبها، حينها رن هاتفها، التقطته لتقرأ 'جيمس' على الشاشة و تجيب فورا، بادرت بالكلام ملقية التحية فردها عليها حبيبها من الطرف الآخر، ثم استطرد قائلا بنوع من التردد: -كما تعلمين...غدا ذكرانا الشهرية الأولى و فكرت بأنه يمكننا القيام بشيء ما حيال ذلك؟ باعتدال ردت نيكول: -أنا منصتة. أكمل جيمس و قد بدت نبرته أكثر ثقة الآن: -ما رأيك بمشاهدة فلم معا؟ رغم تلك الابتسامة الماكرة التي مرت على ملامح وجهها إلا أنها حافظت على اعتدال نبرتها عندما قالت: -أنت في الحقيقة تريد مشاهدة المسلسلات طوال اليوم برفقة أختك الكبرى، أليس كذلك؟ -و هل يعد تخصيص بعض الوقت لحبيبتي جريمة؟! رد جيمس ببعض العدوانية. ضحكت نيكول ضحكة قصيرة لم تسمح لجيمس بسماعها، ثم أردفت: -ردة فعلك دائما مثيرة للاهتمام... فكرت لبعض الوقت ثم أضافت: -تقلّني من المنزل على السابعة؟ و أنا أختار الفلم، حسنا؟ -اتفقنا. -جيمس... -نعم؟ رد الشاب في حيرة لاعتقاده بأن محادثتهما انتهت. بصوت حريري طلبت نيكول: -هلّا ضفرت شعرك لأجلي؟ سمعته يضحك مطولا في الجانب الآخر من الهاتف ليجيب بحيوية: -هذا كل ما في الأمر؟ طبعا سأفعل! جيمس مايرز تميز عن باقي فتيان المدرسة بشعره الأسود الطويل، أطول من شعر معظم الفتيات، بالنسبة لفئة من الناس فقد أضاف ذلك إلى سحره، أما الفئة الأخرى فقد اعتبرت هذا الطاووس المزعوم مجرد نرجسي مستفز يرغب بلفت الانتباه غير الضروري، نيكول لم تنتمِ لأي من الفئتين حقا... ••• حل الغد بسرعة، وصل بسيارته الجميلة مساءً ليقلّ فتاته الأكثر جمالا، بدت رائعة بحق حين اعتنت بمظهرها لمرّة، كان والدها يقف عند الباب كالرقيب العتيد يرمق جيمس بنظراته المرعبة، يحلل الشاب تحليلا، أما أمها ابتسمت مرحبة به، ألقى التحية عليهما بأدب ثم أخذ نيكول كرجل نبيل في تلك الأمسية الخريفية الممطرة، سرعان ما نطق جيمس ساخرا عندما ركبا: -أريد التأكد فقط إن كانت حياتي بأمان مع تواجد والدك في الأرجاء. -جيفري ليس والدي. ذلك التصريح المفاجئ جعل جيمس يتوقف عندما كان على وشك الانطلاق ليوجه نظرات التساؤل نحو نيكول، بابتسامة خفيفة استطردت مجيبة تساؤله: -والداي تطلقا منذ بضع سنوات، ثم تزوجت أمي من جيفري. لم يتحدثا كثيرا في السيارة بعدها، ظلت نيكول تحدق في قطرات المطر المنزلقة على زجاج النافذة بينما يتكئ رأسها عليها، و أثناء ذلك سمع الاثنان صوت تلك المرأة على الراديو تقول: "...الضحية الخامسة لقاتل النساء المتسلسل خلال شهرين، ميغن والاس البالغة من العمر أربعا و عشرين سنة وُجدت في شقتها و قد اقتلع قلبها..." ثم ذكرت المراسلة أمرا عن كون عائلتها مكونة من أبوين و ابن بالإضافة للضحية التي كانت على وشك الزواج في غضون بضعة أشهر، و تم التأكيد أن شعر الضحية ضُفر بعد الموت كما هو الحال عند البقية...عندما بدأ وصف الجريمة بشكل أدق أطفأ جيمس الراديو و قال معتذرا: -ليس عليكِ الاستماع لذلك. اعتدلت نيكول في جلستها مبعدة رأسها عن النافذة و ردت: -لا بأس، فأخي الصغير يجعلني أشاهد أفلام الرعب معه طوال الوقت. بدا جيمس مصدوما و فقد تركيزه على المقود للحظة، سأل حينما استعاد إدراكه: -جايك، أليس كذلك؟ كم كان عمره؟ أجابت دون النظر لحبيبها: -بالكاد في الثالثة عشر، و لهذا علي أن أتواجد بجانبه عند متابعته تلك الأفلام. ضغط بيديه على المقود و قال: -لكنكِ لن تكوني متواجدة معه دائما، ستغادرين حينما تتزوجين... ابتسمت نيكول ببراءة و ردت: -سيكون حينها قد بلغ السن المناسب ليعتمد على نفسه. جيمس ابتسم بدوره لكن ابتسامته كانت حزينة تخفي ورائها غضبا عارما، ثم استطرد: -أنا واثق من أنه سيحتاجك على الدوام مهما بلغ من العمر. ببرود جليدي قالت نيكول: -عليه التعامل مع الأمر فمن الطبيعي أن تكون الأولوية لزوجي حينها. -لا تقولي ذلك ببساطة! انفعال جيمس الشديد لم يهزّ نيكول و لو حتى قليلا، تفادت النظر في عينيه اللتان التهمهما الغضب الآن، كان ذلك خيارا حكيما، نيكول غالبا ما اتخذت أكثر القرارات حكمة و لم تفكر يوما بقلبها، حتى عندما رغبت بالبقاء مع والدها بعد الطلاق علمت أنه ليس من الحكمة أن تقضي أيامها مع مدمن خمر، و عليه فلا هي و لا جيمس تحدثا بكلمة أخرى حتى وصلا إلى السينما، حيث سألها إن أرادت شراء الفشار و كأن شيئا لم يكن، رفضت نيكول بحجة أنها تفضل التركيز على الفلم، حينها تنهد جيمس ثم اقترب منها ممسكا بكلتا يديها، و عندما اعتذر على انفعاله سابقا هزت الفتاة رأسها بالنفي لتقول مطمئنة إياه: -أتفهم سبب غضبك...أعلم أن الأمر صعب عليك و أختك التي لازمتك طوال حياتك توشك على الرحيل لأجل رجل غريب. ابتسم جيمس ابتسامة ساحرة و رد بصوت رقيق: -أنتِ حقا تفهمينني يا نيكول. ابتسمت هي الأخرى، ابتسامة غريبة لم يفهم جيمس مغزاها، بدت الفتاة للحظة خاطفة و كأنها تسخر منه، لكنه طرد تلك الفكرة من ذهنه، فبعد كل شيء من الصعب على المرء أن يفهم وجهة نظر نيكول بارنز، لقد اعتقدها فتاة منطوية و خجولة لا يمكنها الوقوف بمفردها في حضور إنسان غريب حتى، لكنها و قبل شهر طلبت محادثته على انفراد في المدرسة وقت الغداء، لم تعر انتباها لازدراء رفاقه بها، و سرعان ما أصبحا وحدهما في أحد رواقات المدرسة اعترفت له بمشاعرها دون أدنى تردد و قالت أنها تريد مواعدته، جيمس كان مدركا لحقيقة كونه شابا وسيما و محبوبا، لكنها نيكول بارنز التي لم يعهدها مهتمة بمثل هذه الأمور مطلقا! شعر بأنه أكثر تميّزا من أي أحد آخر، و قد عشق ذلك الشعور كونه لطالما أحب تلقي الانتباه و الاهتمام، الآن و قد مر شهر على مواعدته إياها فقد يجرؤ على القول بأنه يملك مشاعر حقيقية نحوها. مر الثنائي أثناء مسيرها بعدة شاشات تلفاز كلها تسرد قصة الضحية الجديدة لسفاح النساء ذاك، قالت الفتاة الممسكة يد حبيبها بهدوء: -آمل أن يتمكن منه 'نيكس' قريبا... نظر إليها جيمس مستغربا ليرد: -تفضلين أن يقع بيد مقتص على أن تمسكه الشرطة؟ بنبرة صارمة أجابت: -نيكس قد اكتشف و قتل ثلاثة سفاحين، كانوا ليقضوا بقية حياتهم مرتاحين في السجن لو أن الشرطة قبضت عليهم. -إذن تشجعين قتل هذا الخارج عن القانون للمجرمين ببساطة؟! عندما لاحظت عدوانيته هدّأت من حدة نبرتها لتسأل: -ألا تشجع ذلك؟ أتفضل محاولة فهم القتلة المتسلسلين و دوافعهم؟ قبل أن يتمكن من الإجابة أضافت سؤالا آخر و قد لمعت عيناها لمعانا غريبا: -ما رأيك بقاتل النساء هذا يا جيمس؟ ضحك جيمس ضحكة قصيرة لا سعادة فيها و أجاب: -لا فكرة لدي حقا، ما رأيكِ به أنتِ؟ أخفضت الفتاة بصرها لتقول بصوت لا يكاد يُسمع: -إنه طفل... حظيت بتلك العبارة على انتباه جيمس الكامل حيث التفت إليها و الحيرة كُتبت على ملامح وجهه، ابتسمت نيكول بعذوبة، ثم نظرت في عينيه لتضيف ببرود يقشعر له البدن: -طفل يائس للفلت الانتباه. شعرت بقبضته تشتد على يدها ثم ترتخي بينما دخلا لقاعة العرض ليتخذا مقعدين متجاورين مجلسا لهما بعد نزع معطفيهما، تذكر جيمس المُلقب بـ 'نيكس' مرة أخيرة قبل عرض الفلم، ذلك الذي أخذ تطبيق العدالة على عاتقه كأنه ديكستر مورغان أو ما شابه، "حتى إن لقبه سخيف" فكر جيمس، لقبه الذي ينقشه على أجساد ضحاياه و الذي يعود في الأصل لمقتصة مثله عُرفت بمساعدة المشردين، ربما يعتقد نفسه يساعد أولئك القتلة على إيجاد ضالتهم بسلب حيواتهم، مجددا "يا للسخافة". شرع عرض الفلم الذي بدا من أول وهلة رومانسيا كوميديا، من الجيد مشاهدة واحد من حين لآخر كراحة للذهن، لم يكن جيمس متفاجئا، فذلك هو ما يشاهده العشاق معا في المواعيد، هكذا يسير المجتمع على الأقل... مرت أول نصف ساعة بسلاسة، كلاهما استمتعا بوقتهما، ضحكا كما يفعل أي ثنائي آخر متواجد في القاعة، كانت نيكول قد أخبرت جيمس بأنها لم تشاهد الفلم من قبل لكنها معجبة بالممثلين الرئيسيين المعروفين بأدوارهما الرومانسية، و حتى لا يتوقع أي منهما مجريات الأحداث فضّلت أن لا تنتقي الفلم سوى بناء على ذلك، و عليه فإنها لم تشاهد العرض الدعائي، و جيمس لم يفعل أيضا امتثالا لمطلبها. تمنى الشاب لو أن بإمكانه وصف الدقائق التي بعد ذلك بنفس ما وصف النصف الساعة الأولى به، لم يتوقع أن تؤول الأمور لهذا، أن يتحول ما اعتقده كوميديا رومانسية إلى مأساة حقيقية تحل ببطلة الفلم، و ذلك كان آخر همه، فـنيكول التي بجانبه أخذت ترتجف أكثر مع كل دقيقة إضافية تمر، عيناها الزرقاوتان اللتان اعتادهما مسترخيتين توسعتا توسعا، و كأنها تشعر حرفيا بكل قطرة ألم من التعذيب الذي تتعرض له البطلة التي على الشاشة، و كأنها رأت نفسها هناك... -نيكول... ثم كانت القطرة التي أفاضت الكأس، تحطمت نيكول قبل أن يتمكن جيمس من التصرف حتى، انهار جسدها على كتفه و حينها تيقن بأنه من المستحيل لهما أن يظلا هنا في الداخل، ساعدها على النهوض ثم ألبسها معطفها، أخرجها من القاعة كالمريضة محاولا تجاهل النظرات التي رمقته بها فئة من الجمهور و التركيز على الابتعاد بأسرع وقت، مباشرة عندما خرج الاثنان إلى الهواء الطلق رددت نيكول بصوتها المرتجف: -الناس...الناس! فهم قصدها و أخذها مباشرة إلى أقرب زقاق خال من بني البشر و راقبها تحاول استعادة وتيرة تنفسها الطبيعية ملتفتتة يمنة و يسرى، يداه كانت على كتفيها عندما قال في محاولة عقيمة لتهدأتها: -نيكول، انظري إلي، نيكول! لم يتغير شيء من حالتها المضطربة، يداها اللتان تعبثان بشعرها بعشوائية لم توقفهما كلماته، لذا قرر التصرف بأفعاله، شعرت الفتاة بجسدها يرتفع في الهواء فجأة، تلك المفاجآة وحدها كانت كافية لترخي ذراعيها حتى تتحرر خصلاتها الشقراء منها، رفعها جيمس كالرضيعة، و كأنها لا تزن شيئا، تلاقت أعينهما أخيرا و لأول مرة منذ بداية الفلم، نظرت إليه تتمتم بصوتها الخافت: -جيمس... -هل لي بانتباهك الكامل الآن؟ قالها بإصرار لم تعهده منه. أومأت برأسها موافقة لينزلها إلى الأرض من جديد، خلال ذلك لم تفارق عيناه الحالكتين عيناها و كأنه خشي فقدانهما إن فعل، بنفس إصراره و صرامته السابقين سأل: -ما الخطب؟ يمكنك أن تبوحي لي بأي شيء! انهمرت دموعها فجأة و ارتفعت وتيرة بكائها شيئا فشيئا، عندما أرادت أن تشيح بنظرها حاصرت يداه وجنتيها لتمنعها من ذلك، فهو لا يريد أن تبعد عينيها عن عينيه بعد أن التقتا أخيرا، بدا أنها و أخيرا أدركت بأن لا خيار أمامها سوى الكلام، فنطقت، بصوت منكسر و نبرة محطمة صرحت: -لست بعذراء! ••• بعد ساعة و نصف... صوت باب البيت يُفتح بعنف، دخلت نيكول المنزل و الغضب مرتسم بوضوح على ملامحها، هرع إليها والداها، سألت الأم بتفاؤل: -كيف كان موعدك يا حبيبتي؟ -هل فعل ذلك الوغد شيئا أغضبك؟! سارع جيفري بالسؤال قبل أن ترد نيكول على أمها. قطبت الفتاة حاجبيها و رفعت أنفها للهواء كأميرة مدللة لتقول باستياء: -لقد تشاجرنا! -ماذا حصل؟! نطق الوالدان في آن واحد. لوحت بذراعها في غضب لتضيف: -اضطررت للعودة بمفردي إلى هنا! الأحمق! تنهدت الأم في ارتياح عندما تذكرت أنهما مراهقان و لا بد أن سبب الشجار تافه مع أنها تخطط للحصول على التفاصيل لاحقا، أما زوجها فقد قال بصرامة: -سألقنه درسا في الأدب، ذلك الشقي! -سآخذ حماما. صرّحت نيكول متجاهلة جيفري و قد هدأت قليلا. في صباح الغد و عندما استيقظت الجميلة النائمة وجدت والدتها الغالية تقف مصدومة أمام شاشة التلفاز، يداها تغطيان فمها، التفتت إلى ابنتها عندما لاحظت وجودها و أسرعت لتحتضنها بينما تبكي بحرقة، نيكول لم تتحرك كثيرا و قالت بهدوء: -أمي؟ وسط الشهيق تمكنت الأم من إخراج تلك الكلمات بحذر و كأن نيكول ستنكسر: -حبيبتي...إنه جيمس! تحررت نيكول من ذراعي أمها اللتان خنقتاها لتتوجه نحو شاشة التلفاز، و إذا بها تبصر ما بدا لها جثة حبيبها محاطة بالشريط الأصفر... ••• علمت بعدها أنه قد وُجد ليلية أمس مقتولا في نفس الزقاق الذي شاهدته فيه آخر مرة، قُتل على طريقة سفاح النساء لكن ليس على يديه! اقتُلع قلبه و ضُفِر شعره...لا، شعره كان مضفورا منذ البداية، نيكول متأكدة لأنها طلبت منه أن يفعل ذلك لأجلها! لم تكلم أحدا و لم تنظر لوجه أحد، توجهت الفتاة إلى غرفتها مباشرة و أغلقت على نفسها، استلقت في سريرها تسترجع ما حصل ليلة البارحة... -لست بعذراء! جيمس بدت عليه الحيرة و الصدمة أكثر من أي وقت مضى، ليس لأن نيكول بارنز تخبره بأنها فقدت عذريتها، بل لأنها تبكي بشأن الأمر، قرر أن يلتزم الصمت و يدعها تكمل الحديث، و هذا ما فعلته حيث و من دون أن تنقطع دموعها استطردت: -عندما تعرضت بطلة الفلم للاغتصاب...فتح ذلك باب ذكرى قديمة لدي، باب أردته مغلقا للأبد! جيمس يتذكر الآن، كان ذلك هو المشهد الذي جعل نيكول تنهار تماما...و قبل أن يقول شيئا تفوهت الفتاة بتلك الكلمات المتقطعة: -كنتُ في الثامنة...جيفري...لذا أتجنب الملابس الأنثوية... مازال الشاب لم يستوعب تماما ما يسمعه، كل هذه المعلومات الصادمة في آن واحد كثيرة عليه، لحسن الحظ نيكول سكتت، لم تعد بحاجة لمواصلة الكلام لأجل أن يفهمها فقد فهم كل شيء، لكن مجددا و قبل أن تسنح له الفرصة بالكلام قالت نيكول: -جيمس، هل سأتخلص من هذه العقدة إن سلّمتك نفسي؟ اتسعت عيناه غير مصدق لما يسمعه، لم يكن منه سوى أن نطق اسمها متفاجئا: -نيكول! أغلقت قبضتها و ضربت صدره ضربة خفيفة لتضيف بينما تجف دموعها: -رجاءً، خذني بعيدا عن هنا... استعاد الشاب رباطة جأشه و سأل بحزم: -ماذا عن والدتك؟ ماذا عن أخيكِ؟! -لا أهتم، فمن أجلك يا جيمس أنا... حدق الشاب في عينيها السماويتين مطولا دون أن يرمش و لو لمرة، ثم قال بهدوء: -لكِ ما تريدين. ••• في اليوم التالي كانت عينا نيكول منتفختين من البكاء عندما استجوبتها الشرطة، أخبرتهم كيف أنها و جيمس ذهبا للسينما، كيف أنها طلبت منه ضفر شعره لأجلها، و كيف أنها خافت أثناء العرض و خرجت من القاعة، ثم قالت بأنهما تشاجرا... حينها عادت بذكرياتها إلى الليلة الماضية مجددا، كان جيمس واقفا على بعد أمتار منها يدير ظهره إليها كما طلبت منه، بعد قليل شعر بلمسة رقيقة في كتفه فالتفت و يا ليته ما فعل، فما كاد يأخذ نفسا آخر حتى أحس بشيء في عنقه، أبعد ما يكون عن لمسة رقيقة... رأى دماءه تتطاير أمام عينيه بينما استشعر الألم الذي قطّع جلده، و عندما لمح المشرط في يد حبيبته أدرك أخيرا ما حصل.... نيكول بارنز قد نحرت عنقه. ••• الشيء التالي الذي يتذكره هو جسده المستلقي على الأرض المبتلة الباردة، و نيكول التي فوقه ترتدي بذلة سائقي دراجات نارية؟ كانت بذلة حالكة السواد ملتصقة بجسدها، لا بد أنها ارتدتها تحت ملابسها فهو لم يسمع صوت إغلاق الزمام، قبل أن تمر بذهنه فكرة أخرى اقتربت منه الفتاة حتى كاد أنفاهما يتلامسان، شعرها الذي أسدلته سابقا رُبط الآن على شكل كعكة فوق رأسها، حدقت في عيني الشاب الداكنتين لتسأله بابتسامة ماكرة: -هل رغبت بضفر شعري يا جيمس؟ "سحقا" تلك هي الكلمة التي بدت أنها تدور في رأس جيمس عندما رسم تعبيرا متفاجئا على ملامحه الجميلة، و هنا باغتته نيكول بسؤال آخر بينما تراقب عينيه بحذر شديد: -هل أنت من قتل الفتيات الخمس؟ لم يظن يوما أن عينيه يمكنهما الاتساع لهذه الدرجة، هذا هو شعور الفزع و الصدمة المطلقة إذن؟ أم أن هذا اعتراف؟ -كنتُ متأكدة على أية حال. لم يقل شيئا لكن ابتسامة نيكول اتسعت، ابتسامة فخر مستفزة، كان يضع يده على جرح عنقه في محاولة لإيقاف النزيف، لماذا لا يمكنه النهوض؟ بل لِمَ لم يمت على أية حال؟! و كأن تلك الفتاة قرأت أفكاره حيث قالت بنوع من السخرية: -إنه قطع جراحيّ، لن تموت بسببه لكنك ستفعل إن استمر النزيف. أراد أن يتكلم الآن لكنه لم يقدر، ظل يرتجف في مكانه إثر تلك الإصابة المفاجِئة، مما أعطى نيكول فرصة لتقف و تقدم شرحا بسيطا: -أولا و قبل كل شيء، أنا هي نيكس. قالت و هي تلوح بيدها في تحية ساخرة. نظرت إليه بازدراء للحظة ثم أكملت على سخريتها: -كان من السهل اكتشافك و كأنك كتبت اعترافا على جبهتك! لم تتوخى الحذر إلا في ارتكابك للجرائم! اتسعت عيناها عندما تذكرت أمرا لتقول بحيوية: -بالمناسبة أمر كوني غير عذراء و أن جيفري قد مسّني بأذى...تلك كانت كذبة! أعلم أنك لا تقتل العذروات لذا... انقلبت تعابيرها للجدية حينما استطردت: -هذا كله بسبب مغادرة أختك البيت لأجل رَجُلِها، أنت لم تتحمل ذلك ببساطة و قتلت الفتيات اللواتي فعلن نفس الأمر بإخوتهن. ابتسمت و أكملت: -أردت قتلي أيضا بعد قولي أنني سأقوم بالمثل. أتعلم؟ التحديق في العينين لمدة تتجاوز الست ثوانٍ يشير إلى الرغبة في القتل...أو أمر آخر، لكن-- قاطعت نفسها بضحكتها الخافتة ثم أردفت: -كل الأدلة السابقة اشارت إلى أن رغبتك هي القتل، و ما قطع الشك باليقين هو اتساع بؤبؤ عينيك عند سؤالي إن كنت المجرم... قد لا يكون دليلا كافيا بالنسبة للمحكمة، لكن ذلك سبب وجودي على أية حال، لا يمكنني تركك طليقا و أنا أعرف ماهيتك. لاحظت قبضته على جرحه ترتخي و عيناه بالكاد مفتوحتان، يبدو أنه استسلم لحقيقة أن لا مهرب له، فتى مطيع... جثت على ركبة واحدة بجانبه و أطبقت مشرطها الشيطاني على عنقه، رآى و لأول مرة منذ أن وقعت عيناه على نيكول بارنز تعابيرها الحزينة، و ما أجملها من تعابير على وجهها! فتح فاهه، استغرق الأمر عدة ثوان لكنه استطاع التكلم قائلا بصوته المبحوح: -عندما قلتِ أنكِ مستعدة للتخلي عن أخيكِ...غضبت لأن الفتاة الوحيدة التي قد أتمكن من حبها تتضح بأنها مجرد ساقطة أخرى... لم ينمسح الحزن من وجهها، لكن فمها انفتح قليلا هي الأخرى و عيناها اتسعتا أكثر من أي وقت مضى، تلك تعابير يراها لأول مرة أيضا، ابتسم ابتسامة خفيفة عندما أدرك بأنه تسبب في فقدان نيكول لبرودة أعصابها، و لو للحظة واحدة. أضاف و لم تفارقه تلك الابتسامة: -يبدو أنكِ لستِ مجرد ساقطة أخرى بعد كل شيء يا نيكول بارنز، بل أنتِ الأسوأ على الإطلاق! كلماته لم تحمل أي حقد...تمعنت الفتاة في وجهه المبتسم بعينيّ نيكول بارنز لا عينا نيكس المقتصّة، حتى أغلق هو عينيه، حينها حرّكت المشرط و قطعت شريانه السباتي معلنة نهاية جيمس مايرز و جرائمه. أنجزت اللمسات الاخيرة على الجثة و اختتمت ذلك بكتابة نيكس على معصمه بمشرطها. قلبت بذلتها السوداء و ارتدتها بحيث لطخت دماء الشاب بشرتها الآن، و ذلك حتى لا تمس ملابسها التي ارتدتها فوقها، ثم عادت للبيت متظاهرة بأنهما تشاجرا، أمامها يوم حافل في الغد عندما يغزو خبر موت جيمس مايرز على يد نيكس وسائل الإعلام، حين تنتشر تلك العبارة: 'مجددا، نيكس يحقق العدالة التي لم تستطع الشرطة تحقيقها'. |