بقلم: د. حسين حسين شحاتة
- مقدمة:
ينادي الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بأن يتركوا الربا، ومَن لم يفعل فليأذن بحربٍ من الله ورسوله.. فيقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)﴾ (البقرة)، فهل لبينا نداء الله؟ فهل اتقينا شرَّ الحرب معه ومع رسوله؟ للأسف الشديد أصممنا آذاننا وأصبحنا نأكل الربا؟ ومَن لم يأكله يناله غباره، فما هو حكم الله فينا في ضوء القرآن والسنة؟ وما آثار تعاملنا بالربا نفسيًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا؟ وما السبيل للتوبة وتطهير معاملاتنا من الربا وخبائثه؟ هذا ما سوف نناقشه في هذه الورقة إن شاء الله على أننا سوف نخصص مقالة أخرى عن صورة الربا في المعاملات المعاصرة والبديل الإسلامي لها.
- ما هو الربا:
يتمثل الربا في الزيادة المشروطة والمحددة سلفًا في أصل المال سواء أكان نقدًا أو عرضًا نظير الزيادة في الأجل أو الانتظار؛ أي مبادلة مالٍ بمال وزيادة بدون وساطة سلعة.
ويختلف الربا عن الربح الحلال الذي ينتج عن عمليات البيع المشروع، والذي يتمثل في الزيادة في أصل المال نظير تقليبه وتحريكه وتعرضه للمخاطر المختلفة خلال دورته أي الربح الذي يخضع لقاعدة الغنم بالرغم، والكسب بالخسارة والأخذ بالعطاء.. وهكذا يتبين الفرق بين الربا الخبيث والربح الطيب الحلال.
وكل أنواع الربا محرم شرعًا سواء أكان ربا ديون أو ربا بيوع أو ربا قروض استهلاكية أو ربا قروض إنتاجية، هذا وتعتبر الفائدة المعروفة في هذه الأيام من الربا المحرم شرعًا مهما اختلفت تسمياتها، وهذا ما أقرَّه مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمر الثاني المنعقد في القاهرة في المحرم عام 1385هـ مايو 1965م.
- لماذا حرَّم الله الربا؟
لم يُحرِّم الله سبحانه وتعالى شيئًا إلا لحكمةٍ بالغة، ولو درسنا حكمة تحريم الربا من النواحي النفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لوجدناه ضارًّا وله آثار سيئة، ومن يحلل ويدرس النظام الربوي دراسةً متأنيةً ينتهي أن له آثارًا سيئةً على الفرد والمجتمع والبشرية، ومن أجل ذلك ندَّد الله ورسوله بمَن يتعامل بالربا، وسوف نُوضِّح في السطور التالية أهم هذه الآثار السيئة.
الربا شرٌّ وفسادٌ وحربٌ على الإنسانية؛ لأن له آثار ضارة من أهمها ما يلي:
أولاً: يَعْصي مَن يتعامل بالربا الله ورسوله؛ ولذلك فهو عاصٍ أو كافر خرج من رحمة الله، وجزاؤه- إذا لم يتب- جهنم وساءت مصيرًا، ومن ناحيةٍ أخرى نجد أن المربي سيطر عليه حب المادة والدنيا، وبذلك أصبح ماديًا تجرَّد من الروحانية ونسي نداء وتحذير ربه الذي أنعم عليه بهذا المال؛ ولذلك فهو كفار أثيم، كما أنه نسي يوم الحساب يوم يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ليسأله عن مالة الربوي الخبيث من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
ثانيًا:يؤدي التعامل بالربا إلى التجرُّد من القيم الإنسانية والأخلاق السامية، فالمرابي يعبد المال, ولقد تعوَّد على الجشع والشراهة والبخل وقلبه أشد قسوةً من الحجارة، لا يتورع من أن يضحي بكل المثل والمبادئ من أجل درهم ربا، وقد وصفه القرآن بأنه سوف يبعث يوم القيامة مجنون ومسعور وقلق، كما أنه يتصف بالأنانية والكذب.
ثالثًا: يحطم النظام الربوي نظام التكافل الاجتماعي بين المسلمين ويساعد على نشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، فالمرابي دائمًا وأبدًا ينسى العلاقات الاجتماعية، ويحاول استغلال الفرص لتحقيق أكبر فائدة ممكنة، ولو كان ذلك على حساب المروءة والتعاون، ونجد أنه بمضي الزمن تتكدس الأموال لدى المرابين، ويزداد الغني غنًى ويزداد الفقير فقرًا.. ويؤدي ذلك إلى تفكك المجتمع وانعدام المودة والمحبة والتكافل والتضامن والآخر والتآلف، وهذا ما نشاهده في أيامنا هذه.
رابعًا: يؤدي النظام الربوي إلى ارتفاع نفقات إنتاج مستلزمات الحياة من السلع والخدمات، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار والصناع يضيفون فائدة القروض إلى الأثمان، وبذلك يتحمل المستهلك الفائدة الربوية في السعر الذي يدفعه، وهذا ما يعاني منه الناس في هذه الأيام، ومن ناحية أخرى تؤدي الفائدة الربوية إلى عرقلة انسياب الأموال في الأسواق المالية ثم اتجاهها نحو المشروعات الاقتصادية التي تحقق عائدًا أعلى من الفائدة، والتي غالبًا لا تفيد المجتمع بل تساعد على فساده مثل مشروعات اللهو والفسوق والعصيان، بالإضافة إلى ما سبق يؤدي النظام الربوي إلى الاكتناز والبطالة والأزمات الاقتصادية، وهذا بشهادة علماء الاقتصاد غير المسلمين مثل كينز وشاخت.
خامسًا: يؤدي النظام الربوي إلى وقوع الدول الفقيرة تحت سيطرة الدول الغنية بسبب تراكم فوائد القروض.. ويقود هذا إلى الاستعمار العسكري والاقتصادي والفكري، وهذا ما نشاهده واضحًا في أيامنا هذه، ومن ناحيةٍ أخرى نجد المرابين يسيطرون على سياسات الدول ومؤسساتها وحكامها وليست إنجلترا وأمريكا منا ببعيد.
- التنديد بالمتعاملين بالربا في القرآن والسنة:
يتبين مما سبق أن الربا كله شر وضار بالفرد والمجتمع والبشرية؛ لذلك حرَّمه سبحانه وتعالى تحريمًا قطعيًا, ولو علم أن فيه خيرًا للناس لأباحه في ظروفٍ معينة، بل إنه سبحانه وتعالى ندَّد بمَن يتعامل به تنديدًا فظيعًا.
فقد وصف الله ورسوله مَن يتعامل بالربا على النحو التالى:
- آكل الربا مجنون ومسعور، مصداقًا لقوله: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ (البقرة: من الآية 275)، ولقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: "آكل الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق"، وتشاهد في أيامنا هذه آكل الربا مثل المجنون المسعور على حبِّ المال حتى درجة العبادة.
- آكل الربا مغالط محاور ومنافق مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ (البقرة: من الآية 275).
- آكل الربا كفَّار بأنعم الله، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾ (البقرة).
- آكل الربا يحارب الله ورسوله مصداقًا لقوله: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)﴾ (البقرة).
- آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه ملعونون، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه"، كما عدد الربا من السبع الموبقات التي أمرنا الله باجتنابها فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: ما هي يا رسول الله؟, فقال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (متفق عليه).
- آكل الربا أقبح من الزاني، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".
- نداء.. يا أيها الناس طهروا أنفسكم وأموالكم من الربا:
أيها الناس، قد تبيَّن لكم شرور الربا ومدى التنديد بمَن يتعامل به بالرغم من ذلك ما زال كثير منا يتعامل به إما بجهل أو تجاهلاً، كما يحاول بعض الكُتَّاب إيجاد ذرائع دنيوية أن كل أنواع الربا حرام، والفائدة المعاصرة بكل صورها حرام لا فرقَ بين الودائع أو فائدة القروض أو فائدة شهادات الاستثمار أو فائدة الكمبيالات أو الفائدة التي يدفعها الأفراد للدولة أو التي تدفعها الدولة للأفراد أو الفوائد بين الدول.. كل هذا مُحرَّم تحريمًا قاطعًا، وإن كان كثير الربا حرام فقليله حرام.
أيها الناس، لا تتحدوا الله ورسوله، وطهروا أنفسكم ومجتمعكم من خبائث الربا، وأنقذوا أنفسكم من العذاب الأليم يوم القيامة يوم يخرج المرابي من قبره مثل المسعور المجنون، الذي أصابه مسٌّ من الشيطان، ويقال له خذ سلاحك وحارب الله، وهذا يقول: "رب ارجعني اعمل صالحًا" فيقول الله له: "كلا".
أيها الناس، إن سُبل استثمار المال عن طريق الحلال متعددة وسهلة ومتاحة وطيبة، منها على سبيل المثال: استثمار المال عن طريق نظام المضاربة الإسلامية أو عن طريق المصارف الإسلامية أو عن طريق نظام الاستثمار للتأمين الإسلامي أو عن طريق نظام التكافل الاجتماعي هذا، ولقد نجحت هذه السبل وحققت لأصحاب الأموال كسبًا طيبًا مباركًا.. وإن شاء الله سوف نتناولها بالتفصيل في مقالةٍ تالية.
أيها الناس، إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
أيها الناس، تذكروا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ...﴾ (الطلاق)، والله وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
------------
* الأستاذ بجامعة الأزهر- خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية
- مقدمة:
ينادي الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بأن يتركوا الربا، ومَن لم يفعل فليأذن بحربٍ من الله ورسوله.. فيقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)﴾ (البقرة)، فهل لبينا نداء الله؟ فهل اتقينا شرَّ الحرب معه ومع رسوله؟ للأسف الشديد أصممنا آذاننا وأصبحنا نأكل الربا؟ ومَن لم يأكله يناله غباره، فما هو حكم الله فينا في ضوء القرآن والسنة؟ وما آثار تعاملنا بالربا نفسيًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا؟ وما السبيل للتوبة وتطهير معاملاتنا من الربا وخبائثه؟ هذا ما سوف نناقشه في هذه الورقة إن شاء الله على أننا سوف نخصص مقالة أخرى عن صورة الربا في المعاملات المعاصرة والبديل الإسلامي لها.
- ما هو الربا:
يتمثل الربا في الزيادة المشروطة والمحددة سلفًا في أصل المال سواء أكان نقدًا أو عرضًا نظير الزيادة في الأجل أو الانتظار؛ أي مبادلة مالٍ بمال وزيادة بدون وساطة سلعة.
ويختلف الربا عن الربح الحلال الذي ينتج عن عمليات البيع المشروع، والذي يتمثل في الزيادة في أصل المال نظير تقليبه وتحريكه وتعرضه للمخاطر المختلفة خلال دورته أي الربح الذي يخضع لقاعدة الغنم بالرغم، والكسب بالخسارة والأخذ بالعطاء.. وهكذا يتبين الفرق بين الربا الخبيث والربح الطيب الحلال.
وكل أنواع الربا محرم شرعًا سواء أكان ربا ديون أو ربا بيوع أو ربا قروض استهلاكية أو ربا قروض إنتاجية، هذا وتعتبر الفائدة المعروفة في هذه الأيام من الربا المحرم شرعًا مهما اختلفت تسمياتها، وهذا ما أقرَّه مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمر الثاني المنعقد في القاهرة في المحرم عام 1385هـ مايو 1965م.
- لماذا حرَّم الله الربا؟
لم يُحرِّم الله سبحانه وتعالى شيئًا إلا لحكمةٍ بالغة، ولو درسنا حكمة تحريم الربا من النواحي النفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لوجدناه ضارًّا وله آثار سيئة، ومن يحلل ويدرس النظام الربوي دراسةً متأنيةً ينتهي أن له آثارًا سيئةً على الفرد والمجتمع والبشرية، ومن أجل ذلك ندَّد الله ورسوله بمَن يتعامل بالربا، وسوف نُوضِّح في السطور التالية أهم هذه الآثار السيئة.
الربا شرٌّ وفسادٌ وحربٌ على الإنسانية؛ لأن له آثار ضارة من أهمها ما يلي:
أولاً: يَعْصي مَن يتعامل بالربا الله ورسوله؛ ولذلك فهو عاصٍ أو كافر خرج من رحمة الله، وجزاؤه- إذا لم يتب- جهنم وساءت مصيرًا، ومن ناحيةٍ أخرى نجد أن المربي سيطر عليه حب المادة والدنيا، وبذلك أصبح ماديًا تجرَّد من الروحانية ونسي نداء وتحذير ربه الذي أنعم عليه بهذا المال؛ ولذلك فهو كفار أثيم، كما أنه نسي يوم الحساب يوم يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ليسأله عن مالة الربوي الخبيث من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
ثانيًا:يؤدي التعامل بالربا إلى التجرُّد من القيم الإنسانية والأخلاق السامية، فالمرابي يعبد المال, ولقد تعوَّد على الجشع والشراهة والبخل وقلبه أشد قسوةً من الحجارة، لا يتورع من أن يضحي بكل المثل والمبادئ من أجل درهم ربا، وقد وصفه القرآن بأنه سوف يبعث يوم القيامة مجنون ومسعور وقلق، كما أنه يتصف بالأنانية والكذب.
ثالثًا: يحطم النظام الربوي نظام التكافل الاجتماعي بين المسلمين ويساعد على نشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، فالمرابي دائمًا وأبدًا ينسى العلاقات الاجتماعية، ويحاول استغلال الفرص لتحقيق أكبر فائدة ممكنة، ولو كان ذلك على حساب المروءة والتعاون، ونجد أنه بمضي الزمن تتكدس الأموال لدى المرابين، ويزداد الغني غنًى ويزداد الفقير فقرًا.. ويؤدي ذلك إلى تفكك المجتمع وانعدام المودة والمحبة والتكافل والتضامن والآخر والتآلف، وهذا ما نشاهده في أيامنا هذه.
رابعًا: يؤدي النظام الربوي إلى ارتفاع نفقات إنتاج مستلزمات الحياة من السلع والخدمات، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار والصناع يضيفون فائدة القروض إلى الأثمان، وبذلك يتحمل المستهلك الفائدة الربوية في السعر الذي يدفعه، وهذا ما يعاني منه الناس في هذه الأيام، ومن ناحية أخرى تؤدي الفائدة الربوية إلى عرقلة انسياب الأموال في الأسواق المالية ثم اتجاهها نحو المشروعات الاقتصادية التي تحقق عائدًا أعلى من الفائدة، والتي غالبًا لا تفيد المجتمع بل تساعد على فساده مثل مشروعات اللهو والفسوق والعصيان، بالإضافة إلى ما سبق يؤدي النظام الربوي إلى الاكتناز والبطالة والأزمات الاقتصادية، وهذا بشهادة علماء الاقتصاد غير المسلمين مثل كينز وشاخت.
خامسًا: يؤدي النظام الربوي إلى وقوع الدول الفقيرة تحت سيطرة الدول الغنية بسبب تراكم فوائد القروض.. ويقود هذا إلى الاستعمار العسكري والاقتصادي والفكري، وهذا ما نشاهده واضحًا في أيامنا هذه، ومن ناحيةٍ أخرى نجد المرابين يسيطرون على سياسات الدول ومؤسساتها وحكامها وليست إنجلترا وأمريكا منا ببعيد.
- التنديد بالمتعاملين بالربا في القرآن والسنة:
يتبين مما سبق أن الربا كله شر وضار بالفرد والمجتمع والبشرية؛ لذلك حرَّمه سبحانه وتعالى تحريمًا قطعيًا, ولو علم أن فيه خيرًا للناس لأباحه في ظروفٍ معينة، بل إنه سبحانه وتعالى ندَّد بمَن يتعامل به تنديدًا فظيعًا.
فقد وصف الله ورسوله مَن يتعامل بالربا على النحو التالى:
- آكل الربا مجنون ومسعور، مصداقًا لقوله: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ (البقرة: من الآية 275)، ولقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: "آكل الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق"، وتشاهد في أيامنا هذه آكل الربا مثل المجنون المسعور على حبِّ المال حتى درجة العبادة.
- آكل الربا مغالط محاور ومنافق مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ (البقرة: من الآية 275).
- آكل الربا كفَّار بأنعم الله، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾ (البقرة).
- آكل الربا يحارب الله ورسوله مصداقًا لقوله: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)﴾ (البقرة).
- آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه ملعونون، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه"، كما عدد الربا من السبع الموبقات التي أمرنا الله باجتنابها فقال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: ما هي يا رسول الله؟, فقال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" (متفق عليه).
- آكل الربا أقبح من الزاني، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".
- نداء.. يا أيها الناس طهروا أنفسكم وأموالكم من الربا:
أيها الناس، قد تبيَّن لكم شرور الربا ومدى التنديد بمَن يتعامل به بالرغم من ذلك ما زال كثير منا يتعامل به إما بجهل أو تجاهلاً، كما يحاول بعض الكُتَّاب إيجاد ذرائع دنيوية أن كل أنواع الربا حرام، والفائدة المعاصرة بكل صورها حرام لا فرقَ بين الودائع أو فائدة القروض أو فائدة شهادات الاستثمار أو فائدة الكمبيالات أو الفائدة التي يدفعها الأفراد للدولة أو التي تدفعها الدولة للأفراد أو الفوائد بين الدول.. كل هذا مُحرَّم تحريمًا قاطعًا، وإن كان كثير الربا حرام فقليله حرام.
أيها الناس، لا تتحدوا الله ورسوله، وطهروا أنفسكم ومجتمعكم من خبائث الربا، وأنقذوا أنفسكم من العذاب الأليم يوم القيامة يوم يخرج المرابي من قبره مثل المسعور المجنون، الذي أصابه مسٌّ من الشيطان، ويقال له خذ سلاحك وحارب الله، وهذا يقول: "رب ارجعني اعمل صالحًا" فيقول الله له: "كلا".
أيها الناس، إن سُبل استثمار المال عن طريق الحلال متعددة وسهلة ومتاحة وطيبة، منها على سبيل المثال: استثمار المال عن طريق نظام المضاربة الإسلامية أو عن طريق المصارف الإسلامية أو عن طريق نظام الاستثمار للتأمين الإسلامي أو عن طريق نظام التكافل الاجتماعي هذا، ولقد نجحت هذه السبل وحققت لأصحاب الأموال كسبًا طيبًا مباركًا.. وإن شاء الله سوف نتناولها بالتفصيل في مقالةٍ تالية.
أيها الناس، إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
أيها الناس، تذكروا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ...﴾ (الطلاق)، والله وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
------------
* الأستاذ بجامعة الأزهر- خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية