الهجرة تضحية في سبيل المبدأ
الهجرة هِجرتان:
أولاهما: حسيَّة مُؤقَّتة، وهي انتقالُ المسلمين الأولين مِن مكة إلى المدينة؛ فرارًا بدينهم مِن الفتن، وكانتْ هذه الهجرة مَنْقَبة كريمة يسمو بها السابقون الأولون، وأُمنية عظيمة يتمنَّاها الآخرون، وكانتْ فرضًا محتومًا على كل مسلم قادر عليها، منذ صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته امتثالًا لأمر ربه، ولقي مِن المشركين هو وأصحابه ما لقوا مِن ضُروب الكيد والاستهزاء والإيذاء، ما لا تحتمله الجبال الراسيات، إلى أن جاء نصرُ الله والفتح.
وقال صلواتُ الله وسلامه عليه فيما رواه البخاري ومسلم: ((لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنُفِرتُم فانفِروا))، فارتفع حُكمها، ولكن بقي بدلها، وهو الجهادُ والنية، وعلى هذا فلا حرَجَ على مَن أقام في بلاد الكفر وهو مسلم قادر على عبادة ربه، سالم مِن الأذى في دينه.
بل قال الماوردي: إنَّ إقامة مِثْل هذا أفضل مِن هجرته؛ إذ يرجى مِن وراء إقامته دخول غيره في دين الله تعالى.
وهذا قول حق تُؤَيِّده دلائل الشرع الحنيف، ولكن لمَن نوى بإقامته في بلاد الكفر إظهارَ الحق والدعوة إليه، وكان أهلًا لذلك، وإلا فهجرته مُؤكدة لتكثير المسلمين ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن مِن غدرهم وخيانتهم.
ويَذهب كثيرٌ مِن العلماء إلى أنَّ هجرةَ المسلم مِن بلاد الكفر واجبة عليه مطلقًا، متى كان قادرًا عليها، مُستندين إلى قوله صلوات الله عليه وسلامه: ((أنا بريء مِن كل مسلم يُقيم بين أظهر المشركين))، هذه هي الهجرة الحِسيَّة المؤقتة بظهور الإسلام إلى فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
• فأمَّا الهجرة الثانية المَعنويَّة، فهي المعجزةُ الباقيةُ الدائمة بدوام الشريعة الإسلامية العامَّة الخالدة، وهي الهجرة كل الهجرة، ولا ريب أنها أعلى مِن الهجرة المؤقَّتة شأنًا، وأجلُّ عند الله تعالى ذخرًا وأجرًا، وهي هجرة الروح التي نوَّه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بشأنها ومكانها؛ حيث يقول: ((المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمهاجر مَن هجَر ما نهى الله عنه))؛ رواه البخاري وغيره.
فمَن فاتته الهِجرةُ الحسِّيَّة الأولى بجلالها وعظيم شأنها، فلْيَهنَأْ بالهجرة الرُّوحية الدائمة بفَضْلِها عند الله عز وجل، فلقد شرَح النبي صلى الله عليه وسلم صدور المؤمنين الصادقين الذين كانوا - ولا يزالون - يتمنَّون أن لو كانوا مِن السابقين الأولين بالمهاجرة، أو مِن التابعين لهم باللقاء الكريم والمناصرة، وبيَّن لهم بهذا الحديث أنَّ الهجرةَ الأولى قد ارتفع حكمها، ولكن بقي بدلها وهو الجهادُ والنية، فليأخذوا مِن العدو حذرهم، وليعدوا له ما استطاعوا مِن قوة، فإذا جدَّ الجد، واسْتَنْفَرَهم الإمام - وهو الحاكمُ الأعلى - لإعلاء كلمة الله وحماية دين الله، فلا يهنوا ولا يجبنوا، وليجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، فإنْ فاتهم الجهادُ فلا تفتهم نيته، فرُبَّ نية خير مِن عمل، ولكل امرئ ما نوى.
وإذا فاز المهاجرون السابقون بالهجرتين كلتيهما، فإنَّ في النية الصادقة والعمل الخالص لوجه الله عز وجل عِوضًا كثيرًا، وغنمًا عظيمًا، فليهنأ المهاجر الحق - مِن الأولين والآخرين - بهجرتِه الباقية الدائمة، ونيته الصادقة العظيمة، وليستبشر بفضل الله ورضوانه، ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174].
الالوكة
الهجرة هِجرتان:
أولاهما: حسيَّة مُؤقَّتة، وهي انتقالُ المسلمين الأولين مِن مكة إلى المدينة؛ فرارًا بدينهم مِن الفتن، وكانتْ هذه الهجرة مَنْقَبة كريمة يسمو بها السابقون الأولون، وأُمنية عظيمة يتمنَّاها الآخرون، وكانتْ فرضًا محتومًا على كل مسلم قادر عليها، منذ صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته امتثالًا لأمر ربه، ولقي مِن المشركين هو وأصحابه ما لقوا مِن ضُروب الكيد والاستهزاء والإيذاء، ما لا تحتمله الجبال الراسيات، إلى أن جاء نصرُ الله والفتح.
وقال صلواتُ الله وسلامه عليه فيما رواه البخاري ومسلم: ((لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنُفِرتُم فانفِروا))، فارتفع حُكمها، ولكن بقي بدلها، وهو الجهادُ والنية، وعلى هذا فلا حرَجَ على مَن أقام في بلاد الكفر وهو مسلم قادر على عبادة ربه، سالم مِن الأذى في دينه.
بل قال الماوردي: إنَّ إقامة مِثْل هذا أفضل مِن هجرته؛ إذ يرجى مِن وراء إقامته دخول غيره في دين الله تعالى.
وهذا قول حق تُؤَيِّده دلائل الشرع الحنيف، ولكن لمَن نوى بإقامته في بلاد الكفر إظهارَ الحق والدعوة إليه، وكان أهلًا لذلك، وإلا فهجرته مُؤكدة لتكثير المسلمين ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن مِن غدرهم وخيانتهم.
ويَذهب كثيرٌ مِن العلماء إلى أنَّ هجرةَ المسلم مِن بلاد الكفر واجبة عليه مطلقًا، متى كان قادرًا عليها، مُستندين إلى قوله صلوات الله عليه وسلامه: ((أنا بريء مِن كل مسلم يُقيم بين أظهر المشركين))، هذه هي الهجرة الحِسيَّة المؤقتة بظهور الإسلام إلى فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
• فأمَّا الهجرة الثانية المَعنويَّة، فهي المعجزةُ الباقيةُ الدائمة بدوام الشريعة الإسلامية العامَّة الخالدة، وهي الهجرة كل الهجرة، ولا ريب أنها أعلى مِن الهجرة المؤقَّتة شأنًا، وأجلُّ عند الله تعالى ذخرًا وأجرًا، وهي هجرة الروح التي نوَّه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بشأنها ومكانها؛ حيث يقول: ((المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويده، والمهاجر مَن هجَر ما نهى الله عنه))؛ رواه البخاري وغيره.
فمَن فاتته الهِجرةُ الحسِّيَّة الأولى بجلالها وعظيم شأنها، فلْيَهنَأْ بالهجرة الرُّوحية الدائمة بفَضْلِها عند الله عز وجل، فلقد شرَح النبي صلى الله عليه وسلم صدور المؤمنين الصادقين الذين كانوا - ولا يزالون - يتمنَّون أن لو كانوا مِن السابقين الأولين بالمهاجرة، أو مِن التابعين لهم باللقاء الكريم والمناصرة، وبيَّن لهم بهذا الحديث أنَّ الهجرةَ الأولى قد ارتفع حكمها، ولكن بقي بدلها وهو الجهادُ والنية، فليأخذوا مِن العدو حذرهم، وليعدوا له ما استطاعوا مِن قوة، فإذا جدَّ الجد، واسْتَنْفَرَهم الإمام - وهو الحاكمُ الأعلى - لإعلاء كلمة الله وحماية دين الله، فلا يهنوا ولا يجبنوا، وليجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، فإنْ فاتهم الجهادُ فلا تفتهم نيته، فرُبَّ نية خير مِن عمل، ولكل امرئ ما نوى.
وإذا فاز المهاجرون السابقون بالهجرتين كلتيهما، فإنَّ في النية الصادقة والعمل الخالص لوجه الله عز وجل عِوضًا كثيرًا، وغنمًا عظيمًا، فليهنأ المهاجر الحق - مِن الأولين والآخرين - بهجرتِه الباقية الدائمة، ونيته الصادقة العظيمة، وليستبشر بفضل الله ورضوانه، ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174].
الالوكة