فتاة لم يكن اليوم يومها ولا النهار نهارها ولا الشهر شهرها ، كانت
فتاة تحمل بين ثنايا جسدها قوة كبيرة ونفسا كبيرا يسيرعلى قدمين ثابتتين لكن للأسف كان حظها دائما
متعثرا . كانت دائما تتساءل متى سينتهي هذا البؤس وهذا الشؤم الذي يتبعها كظلها ويرافقها أينما حلت وارتحلت .
كانت رغم كل ما تتحمله من كل هذه المآسي تنتظر متى سينتهي هذا الشهر ، لأنها وفي عز هذه الحالة
تنتظر مناسبة عيد ميلادها ككل سنة ، هذه المناسبة كانت تنسيها ولو نسبيا ما تعيشه من معاناة لأنها كانت
تحب الحياة والحياة تحبها وتحب أن تقيم حفلة عيد ميلادها ككل سنة وهي مبتسمة وسعيدة
بتلقي الهدايا من كل الناس سواء كان ذلك من عند عائلتها أو من عند صديقاتها .
توالت السنون وتوالت مناسبات عيد ميلادها ، لم يكن تتابع السنين يعني لها شيئا
ولكنها اليوم تعرف أنها تجاوزت سن السابعة والعشرين ، وماذا بعد ؟ لا شئ ، إنها مازالت صغيرة
وكل المستقبل ما زال أمامها وينتظرها.
قررت في ذلك اليوم أن تجلس في إحدى المقاهي ، هي ليست عادة لديها ولكنها أرادت أن
تخرج عن روتين أيامها ، أرادت أن تشرب كأس قهوة ، جلست ولم تبالي بالحضور ولا بالوقت الذي قضته
بالمقهى إلى حين أخرجتها النادلة من أفكارها .
- آنستي ماذا تطلبين حضرتك ؟
- قهوة مرة وبدون سكر من فضلك
- سمعا وطاعة آنستي ، أتريدين شيئا آخر؟
- لا تنسي قنينة ماء
- حاضر ، دقائق وأعود إليك
أخذت نفسا عميقا وكأن رئتيها احتاجت إلى هواء أكثر ، بعد هذا النفس العميق
عادت إلى أفكارها التي تؤرقها والذي بسببه
أرادت المجئ إلى المقهى لتفكر في الموضوع ، موضوع زواجها من رجل يكبرها بسنين عديدة ،
رجل في سن أبيها تقريبا ، المسكينة ليس بمقدورها فعل أي شئ
ليست قادرة على تحدي العائلة ، لقد تربت دائما على طاعة والديها ، فوالدتها حسمت أمر زواجها مع والدها .
الأمر الذي عكر صفو حياتها ، لم يكلفوا أنفسهم عناء سؤالها إن كانت موافقة أو غير موافقة
وكأن الأمر لا يعنيها البتة .
في أحد الأيام حين عادت من الثانوية وجدت الرجل الذي ستتزوجه وافقا أمام المنزل قرب سيارة فاخرة
وهو في كامل زينته وكأنه يقول للجميع ، أنا خطيب الفتاة ، كان كالطاووس يستعرض ألوانه بكبرياء.
كانت الأم تبتسم له وكأن لسان حالها يقول للجيران هذا هو زوج ابنتي ، نحمد الله ونشكره.
دخلت بدون أن تلقي التحية لكن والدتها جذبتها بقوة وقالت لها مخاطبة :
- ما بك يا ابنتي؟ أين السلام ، أليس من ديننا ؟
- أمي اتركيني من فضلك.
- هذا خطيبك وزوجك مستقبلا ، قليل من الحياء
- أمي أنا لم أستشر ، أنا أريد إكمال دراستي ، أنا ما زلت صغيرة.
بادرها الأب :
- وبماذا ستنفعك هذه الدراسة ؟ هل ستجلب لك سيارة مثل هذه ؟ أو ستحصلين على فيلا كبيرة كالتي عنده
لم يلق أي أحد أي اهتمام لما قالته الفتاة.
تزوجت الفتاة رغما عنها الرجل الذي اختاره لها والديها ، عاشت في تعاسة كبيرة وكانت كالدمية في يد زوجها
لا حول لها ولا قوة ، رغم ما كانت تتوفر عليه من مال زوجها وجاهه ، لم تكن ترغب
بالفساتين والنقود والبهرجة ، كانت حياتها حزينة وأيامها تتشابه .
تركها زوجها في الفيلا وحيدة كالغراب الأسود لم يعد ينتظر منها أي شئ ، لأنه مل عدم تجاوبها معه ،
ولم تعد تعني له شيئا ، هي زوجته فعلا ولكن الذي يبعدهما عن بعضهما البعض أكبر مما يجمعهما
لم يكن ازدياد الإبن الأول مناسبة التقرب من بعضهما أو فرصة لمحو الفوارق ولكن كل هذا كان كمن يسير في طريق مسدود
حملت المرأة من جديد رغما عنها وبدون رضاها ولكن يد القدر تدخلت وماتت المسكينة وهي تضع مولودها الثاني
التحقت بالرفيق الأعلى ، إنه مصيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلمي
تمت