" قسط من الراحة .. "
أوصلنا جهاز تحديد المواقع إلى بيت كبير مؤلف من طابقين، دخلت المراب الكبير الذي كان بابه قد فتح لنا بالفعل ثم نزلت من السيارة بعد أن أطفأت محركاتها وتوجهت نحو باب المراب لأغلقه.. عدت بعدها إلى يوكي الذي كان بالكاد قد وقف على قدميه وأخذت آتسو منه .. تقدمني هـو نحو ذلك الباب الصغير يمين المرآب ثم دخله فتبعته إلى داخل المنزل.. استقبلنا ممر طويل ممتلئ باللوحات العملاقة المختلفة والزهريات الكبيرة والأنيقة والذي انتهى بدخولنا في الصالة الرئيسة .. جلس يوكي على إحدى الأرائك البنية مرتعداً من البرد وبصوت متقطع نادى في البيت قائلاً .. "ر - رينا .. انتِ هنا ..؟" وماهي إلا لحظات حتى طلت فتاة شقراء من سلالم الدور العلوي برأسها لتقول باستغراب "يوكي! متى دخلت إلى المنزل؟""
بخطوات سريعة نزلت تلك الفتاة من السلالم لتتفقد يوكي وقبل أن تطرح عليه أي سؤال أخبرتها أنه قد سقط في النهر للتو .. فردت بأنها قد جهزت الحمام بالمياه الساخنة كما طلب يوكي منها .. بدون قول أية كلمة وقف يوكي وأخذ آتسو الذي لم يكن في وعييه مني ثم توجه لدورة المياه التي كانت أمامنا مباشرة ..
"يا إلهي .. لم أرٓ يوكي هكذا من قبل" قالت تلك الفتاة وهي تتأمل باب الحمام قبل تتسع عينيها نتيجة إدراكها المتأخر لشىء ما .. نظرت لي بصدمة وسألتني بصوت مرتفع "مهلاً!! من ذلك الطفل الذي معه؟!! انه يشبهه..!!" بقيت أتأملها بهدوء .. فتاة في عمرنا تقريباً، ذات شعر أشقر يصل إلى كتفيها وعينان زرقاوتين صغيرتان اما بشرتها فقد كانت بيضاء شاحبة نوعاً ما .. "إنه أحد أقربائه" .. هكذا أجبتها باختصار قبل أن تعاود النظر إلي باستغاراب وتكمل سرد أسئلتها "ومن تكون أنت؟"
- شيجيرو روي، أنا زميل يوكي في الجامعة ..
- أوه، تدرس معه إذاً .. وكيف سقط يوكي في النهر .. حتى الأطفال يعلمون خطورة الخروج في العاصفة..!!
- امم .. أفضل أن تسألي يوكي عن ذلك بنفسك .. لست متأكداً ما إن كان يريد الإفصاح بذلك لأحد ~
- ههههههه، لابد أنه سقط بسبب أمر مضحك، أوه.. نسيت التعريف بنفسي .. أدعى كازامي رينا .. أنا جارة يوكي وصديقة طفولته .. تشرفت بمعرفتك ..
- وأنا أيضاً ..
"يوكي!! أنت على قيد الحياة؟!" هكذا صرخت كازامي ليجيب عليها الذي في الحمام "أحضري بعض المناشف من غرفتي".. صعدت كازامي إلى الأعلى بسرعة ونزلت حاملة في يديها بعض الناشف، علقتها على مقبض الحمام وعادت إليّٓ .. "يوكي، المناشف على الباب..!"
- شيجيرو .. أتريد شرب شيء ساخن؟
- أجل .. من فضلك ..
صعدت كازامي السلالم مجدداً واختفت عن ناظري، وما هي الا لحظات حتى سمعت صوت يوكي يناديني، توجهت إليه على الفور وطلب مني ان اخذ اتسو منه .. حملت اتسو بين ذراعي وعدت به الى تلك الاريكة، لا يبدو انه استعاد وعيه حتى ولكن على الاقل توقف عن الارتجاف، تفحصت غرفة المعيشة سريعا بعيني وسقطت انظاري على تلك المدفأة سارعت في تشغيلها وماهي الا لحظات حتى خرج ذلك الاخر من الحمام وقد لف تلك المنشفة الكبيرة على جسده، لاحظ وجود المدفأة فجلس بجوارها على الأرض ليدفأ نفسه ..
"أنت بخير؟!" سألته متفقدا ليجيب ببرود "أجل!" حملت آتسو بين ذراعي ثم توجهت إلى يوكي وجلست قرب تلم المدفأ بجواره، وبعد بضعة دقائق نزلت كازامي حاملة معها صينية فيها ثلاثة اكواب قهوة ووضعتها امامنا على الارض قبل ان تجلس هي بدورها أمامنا ، ناولتنا الاكواب فشكرناها بلطف ..
خيم بعدها ذلك الصمت المريع علينا رغم كل محاولات كازامي في تلطيف الجو، يوكي غارق في التفكير كما هو حالي ايضاً .. حتى كازامي .. بدت عيناها ممتلأتان بالتساؤلات التي لا تعرف كيف تجيب عليها ، نظرت الى يوكي بهدوء قبل ان تسأله واصبعها يشير إلى آتسو "يوكي، من هذا؟!" رفع يوكي عيناه السارحتان في اتجاهها قبل أن يجيب ببروده المعتاد "قصة طويلة! لا اظنكِ ستكونين مهتمة بها!" لا يبدو ان كازامي صدمت برده أو ما شابه فلم يتحرك ساكناً فيها .. ولكنها ما لبثت إلا وان قالت بلهجة ساخرة ..
- اوه! لم أعلم انك مشغول بحل مشاكل العالم! عذراً على مقاطعة تفكيرك .. !
- ها قد بدأنا .. كالعادة ~
- ماذا تعني؟
- ألم تلاحظي يوماً أنكِ تصنيعين مشاكلاً من لا شيء!
-أنت من يصنعها..!! سألتك من هذا، أجب فقط!
- لست في مزاج للجدال يا رينا! لو كان الامر يستحق اخبارك به لاخبرتكِ!
-هه .. أنت لا تخبرني بأي شيء.. دائماً هكذا!!
-وأنتِ تكبرين المواضيع هكذا بدون سبب =="
- لا أكبرها أبداً .. هممف .. أياً يكن، لا تطلب مساعدتي عندما يكون مزاجك المختل هذا في الجوار ~
- بربكم!! ما بال الجميع غاضب مني اليوم ، أنا متعب للغاية، متتتتتععععب!!
- حسناً، حسناً .. آسفه!
- إنه أحد اقاربي ، وانا اعتني به لفترة ،، راضية الآن؟!
- كان عليك قول ذلك من البداية، عنيد!
- يا إلهي ارحمني!!
ما هي الا لحظات حتى اختفى ذلك الجو المشحون وعاد الصمت ليخيم علينا مجدداً، نظرت كازامي الى آتسو الذي في أحضاني، مدت يدها وعبثت بشعره قليلا "مسكين! هل سقط في النهر أيضاً؟!" نظرت إلى يوكي بطرفة عين "يالك من مهمل!" لم يرد يوكي عليها متجنباً للمشاكل فأعادت النظر إلى آتسو ثم سألت:
- مهلاً! أين ملابسه؟! لا يمكنكما تركه هكذا..!!
- وما المشكلة ؟
- يوكي، إنه طفل! سيصاب بالبرد!
- حتى ولو، لا ملابس عندي له ~
- ماذا؟! ألم تقل أنك تعتني به ..
- أقلت ذلك؟
- يا إلهي ~ لا أعرف أحداً من الجيران لديه طفل او ما شابه ..
- لا بأس ، لنتركه هكذا، البيت دافئ أصلاً ~
- عديم الإحساس، متحجر القلب، ميت الضمير!! كيف يطاوعك قلبك!! اكاد أبكي لدى رؤيتي له هكذا!!
- تشييييه، حسناً حسنا، فهمت، أوقفي هذه الدراما حالاً..!!
قام يوكي بتثاقل من مكانه حاملا كوب قهوته معه، اتجه إلى تلك اللوحة الجدارية ليأخذ مفتاحاً كان موضوعاً فوقها، نظر إلى كازامي بهدوء وأضاف: "رينا، تعالي وساعديني" .. فقامت تلك الاخرى بخطوات سريعة واتجها معاً إلى السلالم، فتح باب المخزن الموجود أسفلهه فدخله ثم لحقت به تلك الأخرى، وماهي الا ثوانٍ حتى خرج يوكي قائلاً "خذي ما يناسب منها، وأنا سأذهب لتغيير ملابسي" صعد يوكي السلام بعدها وتوارى عن انظارنا ..
"أين نحن؟" تفاجأت لدى سماعي ذلك الصوت الرقيق الذي قد غالبه الارهاق والتعب، نظرت برفق إلى آتسو الذي كان قد فتح عينيه أخيراً لأجيبه بابتسامة دافئة "في البيت! استرح قليلاً يا عزيزي" .. ما هي إلا لحظات إلا ونزل يوكي مرتدياً بنطالاً أسود وكنزة رمادية طويلة تصل إلى ما فوق ركبتيه، انتبه لآتسو وسأل برود "استيقظ؟!" لأومئ له بالإيجاب .. اقترب منا ثم مد يده ناحية آتسو الذي أغمض عينيه فزعاً على الفور، أزاح شعره من على جبينه حتى ترآءا لنا جرح قديم وعميق نوعاً ما في مقدمة رأسه، "ما هذا أيها الصغير؟!" .. هكذا سأله يوكي بحزم ليجيب عليه آتسو بالصمت .. تنهد يوكي بعمق ثم أضاف "سنتحدث فيما بعد .. عد للنوم الآن" قبل أن يستجيب لما قاله يوكي أتت كازامي حاملة معها بعضاً من الملابس نظرت إلى يوكي وباستخفاف قالت:
- هههههههه ملابسك وأنت صغير لطيفة للغاية، لم أعرف حتى ما سأختارمنها ~
- =="
- لا أظنها بمقاسه ولكن هذا افضل من لا شيء!
مد يوكي يده إلى كازامي وقال بهدوء "شكراً جزيلاً لك، انا سألبسه، العاصفة اشدت اكثر وينبغي أن تعودي للمنزل الآن!" تنهدت كازامي بعمق وأجابت "معك حق! اراكما فيما بعد" .. خرجت كازامي من المنزل بعد أن ارتدت معطفها الأبيض مباشرة، اما يوكي فقد بقي يراقبها من النافذة حتى وصلت إلى منزلها، عاد يوكي إلينا حاملا معه الملابس وطلب من أتسو برفق أن يحاول معاونتنا بنفسه قليلاً ، انتبهت الى اشارة يوكي بان اراقب ما سيحدث جيداً، استجاب الاخر لمطلب يوكي.. وقف على قدميه فساعده يوكي في لبس بنطاله وبحركة رقيقة جعل يوكي وجه اتسو مقابلاً له وظهره مقابلاً لي لأصدم أنا الآخر بكل آثار تلك الجروح والحروق عليه ...
بقيت أحدق به بصمت دون أن أنطق بكلمة واحدة حتى انتهى يوكي من إلباسه قميصه، وقف بعدها واقترح أن نصعد للدور الأول، حملت آتسو بين ذراعي وصعدنا كلنا إلى هناك، وقفت بهدوء أتأمل ذلك الدور صالة فتوحة وضعت فيها بعض الأثاث بالونين الأبيض والبني بطريقة منمقة يقابلها تلفاز كبير بحجم الجدار تقريباً .. توجه يوكي إلى باب إحدى الغرف يمين الصالة دخلها بهدوء فتبعته مع آتسو ..
كانت غرفة كبيرة بحمامها، ذات أثاث فاخر للغاية، تحتوي على سريرين منفصلين عن بعضهما ، خزانة ملابس ومكتب عليه حاسوب مكتبي .. ستائر الغرفة كانت ذات لون أحمر غامق كلون الأرضية تماماً أما الجدران فقد كانت بلون سكري نقشت عليه رسومات ذات لون بني ..
أجلست آتسو على أحد السريرين ورحت أساعد يوكي الذي بدأ بإخراج ملاءات الأسرة والبطانيات من خزانة الملابس تلك وشرعنا في ترتيبها على الأسرة بهدوء .. بدا يوكي متعباً للغاية لذا تكفلت بأغلب العمل ، بعد مدة قصيرة لا تتجاوز الربع ساعة استلقيت على أحد السريران ثم تنهدت براحة، استرقت النظر إلى آتسو الذي غط بالنوم بينما كنا نعمل ثم التفت إلى يوكي الذي جلس على كرسي ذلك المكتب يعبث بهاتفه بهدوء .. لوهلة تداركت بعد بضع دقائق أننا لم نخبر آلن والبقية بعثورنا على آتسو لذا أخرجت هاتفي من جيبي بسرعة وأرسلت رسالة نصية [عثرنا على آتسو .. كلنا بخير] ثم وضعته على وضع "الصامت" واستلقيت على الفراش .. انتبه يوكي إلي فوقف بصمت ثم حدق بآتسو قليلاً ، تنهد بتعب و قال :
- حسناً، علينا أن نخلد للنوم نحن أيضاً ..
- معك حق، طابت ليلتك ..
- وليلتك ~