بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم هو الكتاب الذي يؤمن المسلمون بأنه كلام الله لفظا ومعنا، وآخر الكتب السماوية بعد صحف إبراهيم والزبور(1) والتوراة والإنجيل، نزله على خاتم الأنبياء والرسل مُحَمَّد بنِ عَبد الله بنِ عَبدِ المُطَّلِب بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ (من كنياته أَبُو القَاسِم، ولد في 22 أبريل 571 وتوفي في 8 يونيو 632م).
ولما كان محمد آخر الأنبياء والمرسلين للبشرية فقد تعهد الله بحفظ القرآن كاملا غير ناقص، فيخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال الله عز وجل: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر، الآية 9). والقرآن منقول بالتواتر عن صحابة الرسول الذين حفظوه في الصدور (قبل حفظه في السطور) مع نزوله التدريجي وعملوا به وفهموه بعد أن تلقوه من الرسول إما تلقيا مباشراَ وإما عن بعضهم البعض(2)، وانتشر تعلمه وتعليمه بين الصحابة وغيرهم لحث النبي(3)، وممن كانوا يحفظون القرآن زوجات النبي وكثير من الصحابة(4) من المهاجرين والأنصار وغيرهم. وثبتت معجزة الله رغم محاولات الماكرين والعابثين.
وتعد تلاوته عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه فقد قال صلى الله عليه وسلم : "أفضل العبادة القرآن". وهو نور لصاحبه في الدنيا وشفيع في الآخرة فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا مَلَك ولا غيره". أما هجرانه، وقد يكون ذلك بعدم تلاوته وسماعه أو عدم العمل به وتحكيمه أو ترك تدبره وفهمه، فهو عمل مذموم وتفريط كبير. لقد قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) و (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
وقد سماه الله بالقرآن والكتاب والفرقان والسراج والنور والتنزيل والهدى والتذكرة والعظيم والعزيز والعدل والحكيم والمجيد والعزيز والروح والكريم والذكرى والذكر والنعمة والرحمة والشفاء والشافي والمنادي والمهيمن والبشير والنذير والكتاب المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم والحق اليقين والقصص الحق والموعظة الحسنة والآيات البينات والمتبينات والبيان والتبيان والبينة وحبل الله وصراط الله وغيره. ومن أسماء القرآن الكريم الأخرى: أحسن الحديث، الكتاب المتشابه، المثاني، القيّم.. الخ.
ويعد القرآن عند العرب من فصيح الألفاظ وبليغ الكلام وعظيم البيان وتعود لذلك قيمته اللغوية. وعليه بنيت وتطورت اللغة العربية وعلومها كالنحو والصرف والأدب والبلاغة فهو المرجع والأساس لجميع اللغويين العرب من القدماء والمعاصرين. وإلى جانب إثراء اللغة، فإن للقرآن فضل توحيد اللغة العربية بل وحتى حفظها من التلاشي والضياع.
وجاء القرآن الكريم في 30 جزءاً، كل جزء فيه حزبين فيكون الكل فيه 60 حزباً، و114 سورة تقسم إلى مدنية ومكية أولها الفاتحة وآخرها الناس. نزلت الآيات المكية قبل هجرة الرسول إلى المدينة (أي في مكة)، أما الآيات المدنية فهي تلك التي نزلت في المدينة. مع ذلك، فإن كثيراَ من السور في القرآن الكريم نزلت آياتها في مكة ثم توالى نزول بقيتها في المدينة. إلا أن الفارق الأساسي يكمن في الجوهر عند محاولة تصنيف السورة ككل، فالسور المكية (كالفاتحة والإخلاص والكهف) تركز على التوحيد والإيمان والآخرة والجنة والنار والشرك والكفر وبعض قصص الأنبياء والأمم السابقة. أما السور المدنية (وعددها 28 سورة) فتذكر التشريعات والتنظيمات، ومثل ذلك السبع الطوال سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف. أما عدد الآيات فقد كان 6236 آية. وعندما توفي النبي محمد، كان القرآن محفوظاَ في الصدور ومكتوبا على الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ واللخاف ولكن لم يكن مجموعا في مصحف حتى جاءت خلافة أبو بكر الصديق -وما معها من أحداث- فأشار إليه عمر بن الخطاب بجمعه خشية الضياع.
أما أول نزول للقرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد أن بلغ سن الأربعين) وهو يتعبّد بغار حراء عندما جاءه جبريل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أَوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرؤيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارٍ حِرَاءٍ؛ فَجَاءَهُ الْمَلِكُ فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنَّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِيءٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ). فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ، مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِين عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا). والغط هنا يعني العصر والكبس الشديد (ولكنه ليس أول نزول لجبريل على محمد). واستمرّ نزول الوحي على مدى 23 سنة تقريبا حتّى قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فكانت خاتمة الرسالات السماوية وآخر المعجزات.
(1) (نزل على نبي الله داود).
(2) (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشْغَل، فإذا قدِم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن) رواه أحمد.
(3) كان يقول: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري.
(4) كالخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وابن عمر، وعمرو بن العاص، وابنه عبد الله، وطلحة، ومعاوية بن أبي سفيان. وقد ثبت في "صحيح البخاري"، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب) وهو لذلك متواتر فقد ذكر في كثير من الروايات أسماء كثيرة لمن نقله: أبيُّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبو الدرداء، وسعد، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وعثمان بن عفان، وتميم الداري، وأبو عبيدة، وعقبة بن عامر، ومجمع بن جارية.
(5) يؤمن المسلمون بأن الكتب القديمة حرفت أو ضيعت. ورغم أن التوراة نصت على أنه "جاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام، فأجاب جميع الشعب بصوت واحد، وقالوا: كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل. فكتب موسى جميع أقوال الرب" إلا أنها ضاعت من بني إسرائيل بعد أن تسلط عليهم أعداءهم فأعاد كتابته بعض أحبار اليهود، ولهذا هي متناقضة كما نراها الآن، فالتوراة اليونانية وقعت في أربعة وأربعين سفراً، أما التوراة العبرية ففي تسعة وثلاثون سفراً، كما أن بينهما اختلافات كثيرة وعديدة مما يدل على أنهما من مصدرين مختلفين، فضلاً عن وجود حديث عن موسى عليه السلام بصيغة الغائب وعن موته، مما يؤكد أن هذه المواضع مقحمة على توراة موسى وأنها كتبت بعده. أما الإنجيل فقد تعددت نسخه حتى بلغت 300 إنجيل، لكن في مجمع نيقية (325م) تم اعتماد الأناجيل الأربعة فقط دون ما سواها: متّى، مرقس، لوقا، يوحنا. ولا يعرف إذا كان قد كتب في زمنه، ولكن يقول الباحثين أن إنجيل اليوم لم يعرف إلا بعد المسيح عليه السلام بمدة تتراوح بين 100–170 سنة. والأخيرات أساساَ متناقضات حتى في أصول العقيدة.