بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هو صاحب القلب المنيب
قال تعالى (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ )ق
بقلب تائب من ذنوبه،راجع مما يكرهه الله إلى ما يرضيه،كما ذكر عن قتادة،أي منيب إلى ربه مقبل،
وقال تعالى(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)غافر،
القلب المنيب، هو الذي يرى آيات الله،لأنه يؤمن بها،وصاحب القلب المنيب دائماً منشرح الصدر،لأنه عندما ينيب الإنسان ويرجع إلى ربه ينشرح صدره وقلبه(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجاً)الأنعام،
القلب المنيب، صاحبه يعيش في سعادة دائمة،قلبة لا يستطيع الشيطان أن ينفذ إليه بألاعيبه الملعونة،فهو ليس له سلطان على الذين آمنوا(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ،إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)النحل،
قلب رقيق ورحيم،ذاق طعم رحمة الله،فهو يرحم خلق الله،لأنه عرف أن الله تفضل عليه برحمته ليرحم هو من حوله من خلق الله،قال تعالى(اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)
والقلب المنيب، قلب قد هداه الله،قلب لايعرف الحقد ولا الحسد ولا الضغينة ولا النفاق،
صاحب هذا القلب دائماً يتمتع بحيوية بالغة،وذاكرة قوية،وفراسة قوية إيجابية،
بعكس القلب المريض، فصاحبه لا يتكلم إلا بكل ما هون سلبي ، ثم إنه دائماً حزين،وفي شك، ومتردد.،ويسبب المتاعب لنفسه وللآخرين،
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ،هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ،مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ،ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ)ق،
إنّ الله سبحانه وتعالى،يبيّن معنى قوله(لِكُلِّ أَوَّابٍ)، فهو الذي يخشى الله في عذابه ومن نار جهنّم،
فيأتي الله بقلبٍ منيب يرجع إليه في كلّ أموره وطول حياته،راسخة، تتجلّى آثارها عند الموت، فيدخل الجنّة بسلام آمن، ليخلّد فيها متنعّماً بلا لغوب، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، وما لم يخطر على قلب البشر،فمن أذنب فليرجع سريعاً إلى ربّه، ويتوب ممّا فعل ولا يعود، فإنّ الله هو التوّاب الرحيم يقبل التوبة من عبده المنيب الخائف، ومن تاب الله عليه فإنّه يدخل الجنّة بسلام خالداً فيها أبداً،وهذه بشرى تفرّح قلوب المؤمنين والمتّقين، وتهوّن عليهم مصائب الدنيا وهوانها، وتسهّل عليهم مشاكلها وصعابها،وذلك بالتوبة والإنابة إلى الله سبحانه، وإن كان عزّ وجلّ يغفر الذنوب جميعاً إلّا ما أُشرك به، فإنّه ستّار العيوب غفّار الذنوب،
تعني أنّ العبد مهما أذنب فإنّه لو رجع وتاب واستغفر فإنّ الله هو الغفّار الرحيم، وإنّه كريم الصفح، بل يمحي كلّ الآثار ويكون الإنسان كيوم ولدته أُمّه، له قلب طاهر سليم، وصفحة بيضاء، فعليه أن يستأنف العمل وأن يمليها بالصالحات،فإنّه سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب لا إلى الصور والأموال،
فعلينا أن لا نغفل عن ذكره، فإنّه من غفل قيّض الله له شيطاناً يغيّره ويضلّه ويغويه، ومن نسى
الله نسي نفسه، فيشتغل بغير الذي من أجله خُلق، أي بغير العبادة فيصاب بالخفض والهوان والتوقّف عن المسير إلى الله سبحانه، وإنّما يفتح القلب لبركات الله لو رضي عن الله، وإنّما يرفع في أعلى علّيين(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)النّور،
فكذلك القلوب كما ورد عن الإمام الصادق،على رضي الله عنه، قال،إعراب القلوب على أربعة أنواع،رفع وفتح وخفض ووقف،
فرفع القلب، في ذكر الله،
وفتح القلب، في الرضا عن الله،
وخفض القلب، في الاشتغال بغير الله،
ووقف القلب، في الغفلة عن الله،
فهلمّ،إلى العلم النافع والعمل الصالح، ولنعرف الهدف في حياتنا ومماتنا،
ثمّ حياته لها مبدأ ومنتهى والمبدأ الأوّل هو الله سبحانه والمعاد إليه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فهو الأوّل وهو الآخر،وقد جعل للإنسان صراطاً مستقيماً يوصل الإنسان لو سار فيه إلى المليك المقتدر، وإلى جنّة النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ونصب له في هذا الصراط الأضوية الوهّاجة والشموع المضيئة وهم الأنبياء والأوصياء وورثتهم العلماء الصلحاء، كما علّمه أن يكون له الهمّة العالية وأودع فيه ذلك، فلا يكتفي بالأدنى ولا تغرّه الدنيا الدنيّة، فإنّها دار ممرّ وليس دار مستقرّ، عليه أن يتزوّد منها بخير الزاد، وخير الزاد التقوى،ولا نرضى بالدون،
فالإنسان إذا كان هدفه الله،ولا يفتر من عبادة ربّه، فينيب إليه بقلب منيب، ويهتدي إليه بكتب الله ورسله، ويدخل الطرق والسبل الإلهية التي تنتهي إلى الصراط المستقيم،
ويجاهد في الله جلّ جلاله(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)العنكبوت،
وإذا انقطع السبيل عن الصراط فإنّه يكون من سُبل الشيطان ،كما رسم النبيّ ،صلى الله عليه وسلم،يوماً لأصحابه على الأرض خطاً مستقيماً، وخطوطاً أخرى عن اليمين وعن الشمال مقطوعة من الخطّ الأوّل، فسأل عن ذلك فقال،هذا طريق الله وصراطه المستقيم، وهذه سبل الشيطان،
فالإنسان إمّا أن يكون في خطّ الشيطان وله أهداف شيطانية وعاقبة أمره الذلّ والخسران في الدنيا والآخرة،
وإمّا أن يكون في خطّ الرحمن ذو أهداف إلهية، وعاقبة أمره النصر والفوز بالجنان،وتزلف الجنّة للمتّقين، هذا ما وعد الله كلّ أوّاب إليه وحافظ لعهوده الذي يخشى الله بالغيب وجاء بقلبٍ منيب، فيدخل الجنّة بسلام، وذلك يوم الخلود،
اللهم ثبت قلوبنا على دينك،واجعل قلوبنا من القلوب السليمة المنيبة،المخبتة الوجلة التقية،المطمئنة،البيضاء وثبتنا على الهدى والايمان،
اللهم آمين يارب العالمين