[b]المرأة الصالحة وتزكية النفس
عصام بن محمد الشريف
[/b]
عصام بن محمد الشريف
[/b]
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
إن المرأة الصالحة حين تأخذ بخطوات إصلاح نفسها وتزكيتها، فلا بد أن تظهر آثار ذلك عليها، ومن أهمها:
1-إحسان العبادة:
وأعني بها أداء العبادة على أكمل وجه، فمثلًا إذا صلت؛ صلت بخشوع واطمئنان، وإذا صامت؛ صامت عن كل ما هو محرم، كما تصوم عن الأكل والشراب، وإذا أخرجت زكاة مالها؛ أو اعتمرت، أو حجت إلى بيت الله الحرام؛ تؤدي كل ذلك وغيره على أكمل وجه.
وإليك بعض الأحاديث الصحيحة المرغبة في بعض أنواع العبادات:
•روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة".
•وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من غدا إلى المسجد؛ لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه، كان له كأجر حاج، تامًا حجته"[1].
•وروى مسلم وغيره عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره".
•وروي أيضًا عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين، يقبل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجبت له الجنة".
•وروى البخاري ومسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة".
•وروى ابن ماجة وغيره عن أبي سعيد قال: (كانت سوداء تقم المسجد، فتوفيت ليلا، فلما أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، فقال:" ألا آذنتموني؟"، فخرج بأصحابه فوقف على قبرها، فكبر عليها والناس خلفه، ودعا لها، ثم انصرف)[2].
•وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله".
•وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى الأمانة...."[3].
•وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم إني صائم"[4].
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تحضالمسلمةعلى إحسان العبادة وتمامها، فمن أخذتنفسهابالإصلاح والتطيب والتزكية: نالت ثمرة ذلك بإذن الله.
2- حفظ الجوارح:
لقد عاب الله على قوم لم يستفيدوا من جوارحهم، فقال فيهم: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
فلتنتبه المسلمة لجوارحها وتحفظها من الوقوع فيما يغضب الله تعالى.
أماالقلب: فلتراقبه، ولتحذر من أمراضه، ولتعلم أن الأعمال الصالحة إنما تعظم بقدر ما قام القلب به من تعظيم الله تعالى.
إن المرأة الصالحة هي: التي يسلم قلبها من الشك والشرك، من الرياء والنفاق، من الكبر والعجب، من الحقد والحسد، من كل داء، ويمتلئ بتوحيد الله تعالى.
فأما اللسان، فلتتق الله تعالى فيه، ولا تستعمله إلا في ذكر الله تعالى، أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، أو كلام الدنيا الذي تحتاج إليه لا محالة،
ولتتذكر دائمًا قبل أن تتكلم قوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.
وأما السمع، فتوجهه إلى ما ينفعها ويفيدها في أخراها ودنياها، ولتحذر الاستماع إلى اللغو، واللهو الباطل، وسماع ما يحرم من الكلام كالغيبة والنميمة والكذب وغيرها، ولا يغيب عن عينيها وقلبها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
وأما البصر، فيجب على المرأة الصالحة: أن تجنبه النظر إلى الحرام، قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.
قال أحد الصالحين:" كم من نظرة أودت في حفرة، وكم من عين أدخلت في نار، وكم من التفاتة أعقبت ندما يوم القيامة".
وعلى المرأة الصالحة: أن توجه بصرها للنظر في ملكوت السماوات والأرض، والتفكر بها فيهما من الآيات العظيمة.
وأما البطن: فتحفظ بطنها من المطعم الحرام، ولا تأكل إلا ما أباحه الله تعالى، وتتخلى عن كل مصدر للمال محرم: كربا البنوكوالغش ونحوهما.
ثم إن على المرأة الصالحة: أن تحفظ بقية أعضائها بلا استثناء، فإذا هي حفظت أعضاءها وجوارحها، وسخرتها لطاعة الله، فإنالله يحفظها.
3-الزهد في الدنيا:
فمن ثمار النفس الطيبة المطمئنة: تطلعها إلى ما عند الله من النعيم المقيم، وزهدها في متاع الدنيا الزائف، وشعارها دائما هو: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة..."[5].
وروى مسلم عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾؛ قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت).
4- تذكر الموت والتفكر في الآخرة:
وهذا لا يكون إلا للقلوب الحية، والنفوس الزكية الطاهرة من آفاتها وأمراضها، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
5-استثمار الوقت:
لا بد أن الوقت هو:" العمر"، ومن تضيعه، فإنما تضيع في الحقيقة عمرها، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"[6].
ولعل من أهم العوامل التي تصرف المرأة عن الاستفادة بوقتها:
1-طول الأمل، قال الحسن البصري:" ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل".
2-الانشغال بأمور تافهة أو محرمة، كسماع الغناء الباطل، ومشاهدة المحرمات، وقراءة المجلات الهابطة.
3-الصحبة الفاسدة، التي لا تدعها لحظة تفكر فيما ينفعها في دينها أو دنياها؛ لذا فإني أنصح المسلمة بمراقبة الله تعالى وتقواه، فإن ذلك يدفعانها إلى التفكير بجدية في هذه النعمة المهدرة منها، ولتختار الجليسة الصالحة، والصديقة المحبة لله تعالى، التي تذكرها إذا غفلت، وتنصحها إذا قصرت.
6-الحرص على التفقه في الدين، والإكثار من تلاوة القرآن وذكر الله تعالى، والإكثار من النوافل:
فما يمنع المرأة الصالحة: أن تقرأ في كتاب أو كتيب تتفقه منه في دينها.
وما يمنعها من سماع دروس العلم الشرعي في بيوت الله، أو عن طريق المواقع الإسلامية الموثوقة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"[7].
وما يمنع المرأة المسلمة - طالبة كانت أو موظفة أو ربة بيت-: أن تجعل لنفسها وردا يوميا من القرآن لا تتأخر عنه لأي سبب إلا للضرورة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه"[8].
وما يمنع المسلمة: أن يكون لسانها رطبًا بذكر الله تعالى بدلا من ألسنة النار المشتعلة بغيبة الناس، والطعن فيهم، وغير ذلك منآفات اللسان.
والله تعالى يقول: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وما يمنع أي مسلمة ترجو الله والدار الآخرة: أن تكثر من النوافل، فيحبها الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي:" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به".
إن أثر هذه الأمور عظيم في معالجة أدواء النفس وأمراضها، إذ يتكون في القلب من الاستمرار عليها، شعور بالرقابة الإلهية على كل ما تتلبس به المسلمة من التصرفات والأعمال والنيات، فما تكاد تهم بعمل شيء أو تنطوي على قصد محرم، حتى يدفعها هذا الشعور إلى تقويم عملها وتصحيح نيتها.
وفق الله كل مسلمة لحسن طاعة ربها بجميل تزكيتها لنفسها.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
هوامش:
[1]قال الحافظ العراقي: إسناده جيد (صحيح الترغيب والترهيب).
[2]صححه الألباني - المصدر السابق.
[3]حديث حسن - المصدر السابق.
[4]رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم, وصححه الألباني (صحيح الجامع 5252).
[5]متفق عليه.
[6]رواه البخاري.
[7]متفق عليه.
[8]رواه مسلم.