تزوجا..
وكانا أسعد زوجين..
وفاض حبهما، حتى شمل كل الناس.. أحبا كل الناس، وأحبهما كل الناس..
وكان يجلس بجانبها ويقول بصوت حالم:
-عندما يرزقني الله بولد سأسميه عمراً على اسم أبي..
وإذا رزقني بنتاً سأسميها فاطمة على اسم والدتك..
وكانت تتنهد في فرحة وتقول:
-إذا كان ولداً أرجو أن يكون شبهك،
وإذا كانت بنتاً أرجو أن تشبه أختي..
ومرت الأيام..
أيام كثيرة..
وفي كل يوم يجلس بجانبها ويقول:
-لو كان ولداً سأدخله مدرستي.. مدرسة الإبراهيمية..
وإذا كانت بنتاً سأدخلها الألمانية، إنها خير مدرسة لتنشئة البنات.
وترد قائلة:
-إذا كان ولداً سأشتري له دراجة عندما يبلغ السادسة،
وإذا كانت بنتاً سأعلمها الطبخ والتدبير حتى تكون زوجة صالحة..
ومرت الأيام..
مرت عشر سنوات..
وذهب إليه اصدقاؤه وقالوا له:
-لقد مرت عشر سنوات ولم تنجب من زوجتك، إن من حقك أن تتزوج غيرها..
لماذا لا تتزوج غيرها، وتنعم بالأولاد..؟
ورد عليهم بهدوء:
-ماذنبها؟.. ثم إني أحبها..
وعادا يجلسان ساعة العصر في الشرفة، أحدهما ملتصق بالآخر
ويقول وهو يسرح بعينيه في السماء:
-عندما يكبر ابني أريده أن يكون ضابطا في الجيش..
وتقول وعلى شفتيها ابتسامة حلوة:
-عندما تكبر ابنتي سأزوجها رجلاً تحبه..
ومرت الايام..
ويئس أصدقاؤه من إقناعه بالزواج من غيرها..
مرت أيام كثيرة..
وأصبح في الستين من عمره، وأصبحت في الخمسين،
وكانا يجلسان ساعة العصر في الشرفة، أحدهما ملتصق بالآخر، وكان يقول:
-عندما يكبر ابني سأطلب منه أن يعيش هو وزوجته معنا..
وكانت تقول:
-عندما تكبر ابنتي لن أتدخل بينها وبين زوجها.
ومرت السنون..
ودخل عليهما الاصدقاء يومًا فإذا هما بجانب بعضهما.. أحدهما ملتصق بالآخر..
وعيونهم مغمضة إلى الأبد.. وشفاهم منفرجة انفراجة الأمل، وكأنه لازال يقول:
-عندما يكبر ابني!
وكأنها لا تزال تقول:
-عندما تكبر ابنتي!