الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ -قَالَ:» كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ اَلنَّاسَ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) متفق عليه
شرح الكلمات:
فضيلة لمعاذ رضي الله عنه، وفضائله كثيرة، وهو معاذ بن جبل الخَزْرَجي الأنصاري، أحد أَوْعِيَة العلم، وأعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما فتحها قاضياً ومعلِّماً، ثم أرسله- أيضاً- في السنة التاسعة أو العاشرة إلى اليمن قاضياً ومعلِّماً- كما سيأتي-، ثم جاء من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله عمر إلى الشام قاضياً ومعلِّماً، وتوفي هناك- رضي الله تعالى عنه- في الشام في طاعون عُمْوَاس المشهور.
( كنت رديف النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رديف : بمعنى رادف ، أي راكب خلفه .
ـ جواز الإرداف على الدابة إذا لم يشق عليها .
فيه فضيلة لمعاذ ( من جهة ركوبه خلف النبي ( ، وقد قال النبي ( لمعاذ : ( إني أحبك في الله ) . رواه أبو داود
( على حمار ) فيه تواضع النبي ( والركوب على الحمار خلاف ما عليه أهل الكبر .
( فقال لي : يا معاذ ، أتدري ) أتدري : أتعلم .
( ما حق الله على العباد ) حق الله على العباد : هو ما يستحقه عليهم ، ويجعله متحتماً ، وما يجب أن يعاملوه به .
( حق العباد على الله ) أي : ما يجب أن يعاملهم به ، والعباد لم يوجبوا شيئاً ، بل الله أوجبه على نفسه فضلاً على عباده .فأهل السنة يقولون : هو الذي كتب على نفسه الرحمة ، وأوجب هذا الحق على نفسه لم يوجبه عليه مخلوق .
المعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق ، وغلطوا في ذلك .
( قلت : الله ورسوله أعلم ) : فيه حسن أدب المتعلم ، وأنه ينبغي لمن سُئل عما لا يعلم ، أن يقول ذلك ، خلاف أكثر المتكلفين .
( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) أي يوحدوه بالعبادة وحده ولا يشركوا به شيئاً .
وفائدة هذه الجملة : بيان أن التجرد من الشرك لا بد منه في العبادة ، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله وحده .
( وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ) وهذا حق تفضل الله به على عباده ، ولم يوجبه عليه أحد .
المعنى الإجمالي للحديث :
أراد النبي ( أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله فألقى ذلك بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم ، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد ، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا ، فمنعه النبي ( من ذلك خوفاً من أن يعتمد الناس على ذلك فيقللوا من الأعمال الصالحة . وأن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئا، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى صلى الله عليه وسلم عن إخبارهم، لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها، لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي، لأن المعاصي صادرة عن الهوى
فوائد الحديث :
1- يستحب للعالم أو المدرس أن يطرح بعض المعلومات على وجه الاستفسار ليكون أوقع في النفس ، وأبلغ في فهم المتعلم ، فإن الإنسان إذا سُئل عن مسألة لا يعلمها ، ثم أخبر بها بعد الامتحان بالسؤال عنها ، فإن ذلك أوعى لفهمها وحفظها ، وهذا من حسن إرشاده وتعليمه ( ، والأمثلة من السنة كثيرة جداً .
2- ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم .
3- استحباب بشارة المسلم بما يسره ، سواءً كان من أمر الدنيا أو الدين .ولذلك بشرت الملائكة إبراهيم ( ، قال تعالى : ( وبشروه بغلام عليم ) والبشارة: هي الإخبار بما يسر. وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
4- جواز كتمان العلم للمصلحة ، أما كتمانه على سبيل الإطلاق فلا يجوز .
لقول النبي ( : ( من سُئِل عن علمٍ فكتمه أُلجم بلجامٍ من نار )
وأما كتمه أحياناً أو عن بعض الأشخاص فجائز إذا ترتب على إظهاره مفسدة متحققة ، ولذلك قال ( لمعاذ : ( لا تبشرهم فيتكلوا ) ، وقد أخبر بها معاذ عند موته متأثماً ، أي : تحرجاً من الإثم .
5- أن هذه المسألة لا يعرفها كثير من الصحابة ، وذلك أن معاذ أخبر بها عند موته خروجاً عن إثم الكتمان بعد أن مات كثير من الصحابة .
6- الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله ، لأن الاتكال على سعة رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي : الأمن من مكر الله .
7- فضيلة معاذ ومنزلته من العلم ، لكونه خُص بما ذكر
8- استئذان المتعلم في إشاعة ما خُص به من العلم .
9- فضل التوحيد وفضل التمسك به .
10- أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة: وذلك أن معاذا أخبر بها تأثما، أي خروجا من إثم الكتمان عند موته، بعد أن مات كثير من الصحابة، وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يفتتن الناس بها، ويتكلوا، ولم يرد صلى الله عليه وسلم كتمها مطلقا؛ لأنه لو أراد ذلك لم يخبر بها معاذا ولا غيره.
11-جواز كتمان العلم للمصلحة: هذه ليست على إطلاقها، إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا ولم يكتم ذلك مطلقا، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق، فجائز للمصلحة، كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة؛ خشية أن يتكلوا عليه، وقال لمعاذ: " لا تبشرهم فيتكلوا ".ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: " بشر الناس أن من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة .
12-الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله: وذلك لقوله: " لا تبشرهم فيتكلوا "؛ لأن الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله.وكذلك القنوط من رحمة الله، يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "ينبغي أن يكون سائرا إلى الله بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه"، فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله.
13- قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم: وذلك لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم معاذا لما قالها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، حيث عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله بالواو، وأنكر على من قال: " ماشاء الله وشئت، وقال:أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده
فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على معاذ، بخلاف العلوم الكونية القدرية، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم منها.
فلو قيل: هل يحرم صوم العيدين؟ جاز أن نقول: الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل؛ ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبينها لهم، ولو قيل: هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر؟ لم يجز أن نقول: الله ورسوله أعلم؛ لأنه من العلوم الكونية.
14- جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض،.
15- تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه: النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق جاها، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعا، حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع، إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب صلى الله عليه وسلم الحمار، ولو شاء لركب ما أراد، ولا منقصة في ذلك، إذ إن من تواضع لله- عز وجل- رفعه.
16-جواز الإرداف على الدابة: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف معاذا، لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق، لم يجز ذلك.
17- عظم شأن هذه المسألة: حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا، وجعلها من الأمور التي يبشر بها.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ -قَالَ:» كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ اَلنَّاسَ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) متفق عليه
شرح الكلمات:
فضيلة لمعاذ رضي الله عنه، وفضائله كثيرة، وهو معاذ بن جبل الخَزْرَجي الأنصاري، أحد أَوْعِيَة العلم، وأعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما فتحها قاضياً ومعلِّماً، ثم أرسله- أيضاً- في السنة التاسعة أو العاشرة إلى اليمن قاضياً ومعلِّماً- كما سيأتي-، ثم جاء من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأرسله عمر إلى الشام قاضياً ومعلِّماً، وتوفي هناك- رضي الله تعالى عنه- في الشام في طاعون عُمْوَاس المشهور.
( كنت رديف النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رديف : بمعنى رادف ، أي راكب خلفه .
ـ جواز الإرداف على الدابة إذا لم يشق عليها .
فيه فضيلة لمعاذ ( من جهة ركوبه خلف النبي ( ، وقد قال النبي ( لمعاذ : ( إني أحبك في الله ) . رواه أبو داود
( على حمار ) فيه تواضع النبي ( والركوب على الحمار خلاف ما عليه أهل الكبر .
( فقال لي : يا معاذ ، أتدري ) أتدري : أتعلم .
( ما حق الله على العباد ) حق الله على العباد : هو ما يستحقه عليهم ، ويجعله متحتماً ، وما يجب أن يعاملوه به .
( حق العباد على الله ) أي : ما يجب أن يعاملهم به ، والعباد لم يوجبوا شيئاً ، بل الله أوجبه على نفسه فضلاً على عباده .فأهل السنة يقولون : هو الذي كتب على نفسه الرحمة ، وأوجب هذا الحق على نفسه لم يوجبه عليه مخلوق .
المعتزلة يدعون أنه واجب عليه بالقياس على الخلق ، وغلطوا في ذلك .
( قلت : الله ورسوله أعلم ) : فيه حسن أدب المتعلم ، وأنه ينبغي لمن سُئل عما لا يعلم ، أن يقول ذلك ، خلاف أكثر المتكلفين .
( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) أي يوحدوه بالعبادة وحده ولا يشركوا به شيئاً .
وفائدة هذه الجملة : بيان أن التجرد من الشرك لا بد منه في العبادة ، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتياً بعبادة الله وحده .
( وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ) وهذا حق تفضل الله به على عباده ، ولم يوجبه عليه أحد .
المعنى الإجمالي للحديث :
أراد النبي ( أن يبين وجوب التوحيد على العباد وفضله فألقى ذلك بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم ، فلما بيّن لمعاذ فضل التوحيد ، استأذنه معاذ أن يخبر بذلك الناس ليستبشروا ، فمنعه النبي ( من ذلك خوفاً من أن يعتمد الناس على ذلك فيقللوا من الأعمال الصالحة . وأن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئا، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى صلى الله عليه وسلم عن إخبارهم، لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها، لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي، لأن المعاصي صادرة عن الهوى
، وهذا نوع من الشرك، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ }
فوائد الحديث :
1- يستحب للعالم أو المدرس أن يطرح بعض المعلومات على وجه الاستفسار ليكون أوقع في النفس ، وأبلغ في فهم المتعلم ، فإن الإنسان إذا سُئل عن مسألة لا يعلمها ، ثم أخبر بها بعد الامتحان بالسؤال عنها ، فإن ذلك أوعى لفهمها وحفظها ، وهذا من حسن إرشاده وتعليمه ( ، والأمثلة من السنة كثيرة جداً .
2- ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم .
3- استحباب بشارة المسلم بما يسره ، سواءً كان من أمر الدنيا أو الدين .ولذلك بشرت الملائكة إبراهيم ( ، قال تعالى : ( وبشروه بغلام عليم ) والبشارة: هي الإخبار بما يسر. وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
4- جواز كتمان العلم للمصلحة ، أما كتمانه على سبيل الإطلاق فلا يجوز .
لقول النبي ( : ( من سُئِل عن علمٍ فكتمه أُلجم بلجامٍ من نار )
وأما كتمه أحياناً أو عن بعض الأشخاص فجائز إذا ترتب على إظهاره مفسدة متحققة ، ولذلك قال ( لمعاذ : ( لا تبشرهم فيتكلوا ) ، وقد أخبر بها معاذ عند موته متأثماً ، أي : تحرجاً من الإثم .
5- أن هذه المسألة لا يعرفها كثير من الصحابة ، وذلك أن معاذ أخبر بها عند موته خروجاً عن إثم الكتمان بعد أن مات كثير من الصحابة .
6- الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله ، لأن الاتكال على سعة رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي : الأمن من مكر الله .
7- فضيلة معاذ ومنزلته من العلم ، لكونه خُص بما ذكر
8- استئذان المتعلم في إشاعة ما خُص به من العلم .
9- فضل التوحيد وفضل التمسك به .
10- أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة: وذلك أن معاذا أخبر بها تأثما، أي خروجا من إثم الكتمان عند موته، بعد أن مات كثير من الصحابة، وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخشى أن يفتتن الناس بها، ويتكلوا، ولم يرد صلى الله عليه وسلم كتمها مطلقا؛ لأنه لو أراد ذلك لم يخبر بها معاذا ولا غيره.
11-جواز كتمان العلم للمصلحة: هذه ليست على إطلاقها، إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا ولم يكتم ذلك مطلقا، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق، فجائز للمصلحة، كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة؛ خشية أن يتكلوا عليه، وقال لمعاذ: " لا تبشرهم فيتكلوا ".ونظير هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: " بشر الناس أن من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة .
12-الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله: وذلك لقوله: " لا تبشرهم فيتكلوا "؛ لأن الاتكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله.وكذلك القنوط من رحمة الله، يبعد الإنسان من التوبة، ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: "ينبغي أن يكون سائرا إلى الله بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه"، فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله.
13- قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم: وذلك لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم معاذا لما قالها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، حيث عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الله بالواو، وأنكر على من قال: " ماشاء الله وشئت، وقال:أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده
فيقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على معاذ، بخلاف العلوم الكونية القدرية، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم منها.
فلو قيل: هل يحرم صوم العيدين؟ جاز أن نقول: الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل؛ ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبينها لهم، ولو قيل: هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر؟ لم يجز أن نقول: الله ورسوله أعلم؛ لأنه من العلوم الكونية.
14- جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض،.
15- تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه: النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق جاها، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعا، حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع، إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب صلى الله عليه وسلم الحمار، ولو شاء لركب ما أراد، ولا منقصة في ذلك، إذ إن من تواضع لله- عز وجل- رفعه.
16-جواز الإرداف على الدابة: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف معاذا، لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق، لم يجز ذلك.
17- عظم شأن هذه المسألة: حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا، وجعلها من الأمور التي يبشر بها.