لم , الحال , يُسعد , هو
إن لم يُسعد الحال
لاخيل عندك تُهديها ولا مال فليُسعد النطقُ إن لم يُسعد الحال
لايُدرك المجد إلا سيدُ فطِن لما يشق على السادات فعالُ
توقفت كثيراً عند هذه الأبيات الطيبة والدُّرر السَنِيَّة لأبي الطيب المتنبي
لما تحمل بين طياتها من معانٍ عميقة وفوائد جليَّة
نعم .. هَرِمْنَا ونحن نردِّد عن أسلافنا أمثالاً جميلة
لم نمنحها حقها من الفهم والتطبيق ، ومنها قولهم ( لاقيني ولا تغدِّيني )
فليست الروعة في أن تكون كثير المال أو العيال
ولا الفطنة في طلاقة اللسان وفصاحة البيان
بل هي قلوبٌ نقيَّة تتصرف بعفوية فتأسرك أياً كنت
وإلى أي طبقة انتميت
هم أناس بُسطاء يتصدَّرُون القلوب قبل المجالس
ويُتحِفون الأرواح قبل الأبدان بخُلُقٍ سَوِيّ
ومقالٍ حَسَن يردُفُه طيبُ الفِعَال
وفي المقابل .. فبيننا من يملك القصور والأموال
ويتأبط ما لا يُعَدْ ولا يُحْصِى من الشهادات والخبرات
بل ويملك ألقاباً وأطروحات ، ولكنك برفقته
لا تشعر بأي نوعٍ من الراحة ، بل لا تشعر بأنك ( أنت )
شَتَّان بين هذا وذاك ، ولكنها الطِبَاع التي جُبِلَ الناسُ عليها
ووُهِبُوا منها درجات متفاوتة ، وهي والحق يُقال أرزاق وُزِّعت
بين العباد فَنَال كلٌ مِنَّا نصيبه منها بلا زيادة ولا نُقصان.
والفارِق أن هناك مَنْ أدرك ذلك فكان ايجابياً مع نفسه
ومع الآخرين فتعلَّم وتحلَّم واجتهد في التغيير منتهجاً نَهْج
المقولة الشهيرة وإن لم تكن حديثاً
( إنَّما العلم بالتعُّلم ،وإنَّما الحِلمُ بالتحَلُّم ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخيرَ
يُعْطَه ،ومَنْ يَتَوَقَّ الشَرَّ يُوقَه)
ومثل هؤلاء لن يتعذَّر بتأخر الوقت وفوات أوان التغيير
واضعاً نَصْبَ عينيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( إنكم لن تَسَعُوا النَّاس بأموالكم ولكن يَسَعهُم
منكم بَسْطَ الوجه وحُسْنَ الخُلُق)) رواه مسلم
نعم ..هناك مَنْ تصرَّف بمنتهى الوعي فاعترف
بأن عدم الوصول أسوأ حالاً من الوصول متأخراً
وأنَّ الحسناتُ يُذهِبْن السيئات ، والعِبرة كل العِبرة في الخواتيم
ويبقى الذِكرُ الطيب تتوارثه الأجيال ، وفي ذاكرة كل منكم
من ذلك الكثير من القصص والأمثال
لقد كان المتنبي - في نظري - مُلِمَّا بذلك كله حين
قال في نهاية قصيدته:
لولا المَشَقَّة سَادَ النِّاسُ كلهم الجودُ يُفْقِرُ والإقدامُ قَتَّالُ
ثم ختمها بحكمة تستحق أن تتصَدَّر المجالس والدواوين
في كل عصرٍ وأوان فقال بكل عُنفوان:
ذِكْرُ الفَتى عُمْرُهُ الثاني وحاجتُهُ ما قَاتُه وفُضُولِ العَيشِ أشغالُ
يا تُرى - وهو جنوح خيالٍ مني
هل كان أبو الطيب المتنبي ينظر إلى زماننا هذا بعين
البصيرة الثاقبة والتي تشبه ( الليزر المعاصر )
فتراءت له حياتنا اليوم وما يُشغِلنا فيها من كماليات
وتُرَّهَات لا طائل منها سوى ضياع الأوقات ، وهدر الطاقات
وتدمير العلاقات ، ولو نسيناها أو غَفَلنا عنها لم يتعلق بها حياة أو ممات
لن أوضِّح أكثر ، ولن أعدِّد ، ففي الإجمال ما يُغني عن التفصيل
وفي التلميح ما يكفي مغبَّة التصريح ، واللبيب بالإشارة
( يلْقِطْها ) و يفهم
قبل الختام:
قالت مُحَدِّثتي:
يُسيءُ البعض فَهمَ مقاصِدنا بالرغم من حُسْن نوايانا
ووضوح عباراتنا .. فلماذا ؟!
فقلت : لأن سَوَاد قلوبهم غَطَّى بياض عيونهم فلم يُشاهدوا بِحَق
إلا ما يجول بداخلهم ، فأنَّى لهم أن يتفهموا ما لم يتطهَّروا
بإرادتهم لا بإرادة غيرهم.