ذات يوم مررت بإحدى المدارس الإبتدائية لأ تَفَقُّدَ أخبار وأحوال صديق لي
كان يشغل منصب المدير في تلك المدرسة
فإذ به غضبان , يتمتم بشفتيه بكلام غير معلوم ، لبعد المسافة التي كانت بيني وبينه
فمن عادتي لا أحبذ الإقتراب في مثل هذه المواقف , لا سيما في ساعات الغضب الشديد
حتي يهدأ الغضوب ويصفي مزاجه
فبينما أنا كذلك إذ رآني , فأشار لي بيده أن تعال , فاقتربت منه وقلت له
مالي أراك َغضْبَانَ أَسِفا يا صاحبي , قال لي : أن إحدى المعلمات اللّواتي التحقن بالمدرسة مؤخراً
خرجت من المدرسة مع بعض صديقاتها , فقاطعته علي الفور , و قلت له متسرعاً قبل أن ينهي حديثه
هذا ما كان يغضبك ويعكر مزاجك ...!
لعلها أنهت جدول حصصها اليومي , وبقي لها متسع من الوقت قبل نهاية الدوام
فانتهزت تلك الفرصة , للخروج مع بعض أقرانها لتبضع , قال : الأمر ليس كذلك
والمسألة ليست مسألة خروج أو دخول , بل ما أثار حفيظتي وأقض مضجعي
هو عدم كتابة أسمها بالشكل الصحيح عند خروجها , فكما هو معلوم أن لكل مدرسة ولكل دائرة حكومية
دفتر أو سجل حضور وانصراف خاص بالموظفين , يعني لابد للموظف أو المعلم أن يمر عليه في اليوم مرتين
عند حضوره في الصباح , فيكتب أسمه تليه توقيعه , وهكذا دواليك عند نهاية الدوام
قلت : ربما كان ذلك الخطأ من قبيل الإستعجال فلم تنتبه لذلك
قال : لا وأحضر لي الدفتر اليومي , وبدأ بتقليب الصفحات , وإذ به نفس الخطأ من نفس المصدر .. !!
حينها نظرت إليه , وقلت له من باب المزاح والمداعبة , محاولةً مني لإخراجه مما هو فيه
لا عليك , أكتب علي جدار المدرسة بالخط العريض هذا العنوان ، ستقوم منظمة محو الأمية بزيارة لمدرستنا
لإجراء مقابلات مع بعض المعلمين والمعلمات , وأجعل أسم تلك المعلمة يتصدر المجموعة المختارة
فحدق بي وبدا لي أنه يتظاهر بالضحك
وقال : لكن قل لي يا صديقي ما الحيلة , فأن لا أريد أن أناقشها الموضوع خشية الإحراج
قلت : الحيلة يسيرة بإذن الله , غداً عند نهاية الدوام , نادي عليها , وقل (علي سبيل التلميح) يا فلانة لعلكِ
كنتِ في عجلة من أمرك , فلم تنتبهي لسقوط بعض الحروف من أسمك , لربما تنتبه في المرة القادمة
ثم سكت قليلاً وقال : إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
قلت : و ما المغزي من ذلك ؟!! قال : المصيبة التي لم أخبرك بها هي
أن تلك المعلمة , معلمة قراءة ونحو و تربية إسلامية .. !!!
بصراحة أصابتني الدهشة , وذهلت جداً من سماع ذلك الخبر المفزع
فتذكرت قول النبي صلي الله عليه وسلم (من غشّ فليس مني)
وبدأت تساورني بعض التساؤلات
يا تري لوكنت في مثل موقف المدير وأبتليت في مكان عملك بمثل هذه الآفات ماذا كنت فاعلاً ؟
هل ستدفن رأسك في الرمل مثل النعام وكأنَّ شيئاً لم يكن ويمضي الحال علي ما هو كائن عليه ؟
أم تعالج الأمر بطريقة سلبية فتقوم بنقلها إلي مؤسسة تعليمية أخري ؟
أو تواجه تلك الحقيقة الفضيعة أو البشعة سميها ما شئت بغض النظر عما قد تسببه من إحراج لطرف الثاني ؟
كيف هي نظرتك وتقييمك للأ شخاص المتعلمين اقصد أصحاب (الألقاب) والشهادات العليا ؟
أهي بفرض علمه (الصافي) الذي لا تشوبه شائبة عليك
أم هو الإعجاب بالمقدمة التي تسبق الأسم ؟
برأيك هل اللقب أو الشهادة هي فقط ما تؤهل صاحبها لكي يقوم مثلاً بدور الدكتور أو القاضي أو المفتي ؟
أم أن هناك أمور اخري يجب أخذها بعين الإعتبار ؟
إذا كان الجواب نعم إذن فما هي ؟
ما سر شكوي بعض الطلاب في جميع المراحل سواء طلبة المدارس أو المعاهد أو الجامعات
من سوء الشرح ورداءة توصيل المعلومة ؟
لماذا يوبخ الأب والأم الأبن أو البنت عند الرسوب ما دام هذا حال بعض معلميهم ؟
ما دور الموجهين إزاء ذلك ؟ وهل سيساهم دورهم تجاه ما نحن بصدده الأن بالإيجاب أم السلب ؟
الواسطة والمحسوبية قد تلعب دور في مثل هذه القضايا فهل ذلك كذلك ؟
ساكتفي بهذا القدر من الأسئلة بالرغم من التساؤلات العديدة التي خلقها لي هذا الموضوع
وأكون بالقرب للأستماع إلي أرائكم ، ووجهات نظركم تهمني أل ماجدة الكرام
وإلي حين ذلك لكم مني تحية طيبة عطرة
همسة لو اجتمع العلماء من جميع أقطار الأرض وبدأ كل واحد منهم يتحدث بلغة بلده لم يفهم أحدهم علي الآخر
فالحديث الذي دار بيني وبين صديقي كان باللهجة العامية المحضة
لهذا الفصحي تجمعنا وتلم شملنا وبقايا شعثنا