شعرالنقائض:
النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصلمن نقَض البناء إذا هَدَمَه ،
قال تعالى: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدقوة أنكاثا"
وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أنيتكلم بما يتناقض معناه ، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ماقال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض .
تمثل النقائض مصطلحاًأدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي ، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بينعدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق ، وكان الشاعريكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفسالوزن والقافية ، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيثكان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً .
نشأفن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلميصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم : جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرتنقائض الفرزدق وجرير والأخطل ، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا ، فيعمدالآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذياختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد :
- من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءًأو غيرهما , ولابد
- من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذبإليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك
- من وحدة الرَّوي لأنهالنهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأولفي ميدانه وبأسلحته نفسها.
ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكانالناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح ، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيراواضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة .
الأصل فيالنقائض هو المقابلة والاختلاف ؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعرالأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانتفخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكونرَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني،وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر فيالوقت نفسه.
نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانتفي البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنونالعامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنهاكثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّمالفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية ، حتى قوي واكتملواتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتملالملامح تام البناء الفني ، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التيعرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدقوالأخطل.
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء،منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بهاالشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانتالمناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه فيرتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكروالبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراءالمناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبيةالقبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية .
ومنها أيضًا أيامالعرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منهاموضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسنتصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس،
ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليدالتي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة , فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلموالوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومهالفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتهاوتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
ومن الواضح ان جريرا والفرزدق درسا تاريخالقبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكنالشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائلالتي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعانما وصلت النقائض الى العصر الاموي ليس في مجال المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الىالنسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بدا الهجاء بين جرير والفرزدق حين استعاناحد الشعراء من قبيلة الفرزدق به للرد على جرير فقام الفرزدق بالانتصار لصاحبه فردعليه جرير واشتعلت بينهما نار هجاء لم تنطفئ الا بموت الفرزدق وقد كان الهجاءبينهما يركز على ذم القبيلة وذم النسب وتحقير صفات الخصم , ومن قول الفرزدق فيجرير:
ووجـدت قومك فقّؤوا مـن لـؤمهم***عينيك عنـــــد مكارم الاقوام
صغــــــــرت دلاؤهمفما ملأوا بها***حوضــــــا ولاشهدوا عراك زحام
فأجابه جرير :
مهلا فرزدق إن قومك فيــــهم***خور القلوب وخفة الاحلام
الظاعنون على العمىبجميعهم***والنازلـــــــون بشر دار مقام
اما الاخطل فقد ارسل اليه احد اسياد قبيلة مجاشع (قبيلة الفرزدق) بألف درهموكسوة وبغلة لكي يدعم الفرزدق في حربه ضد جرير فقال قصيدة يهجو جريرا ويفضل الفرزدقعليه منها :
أجرير إنـك والذي تسمـو لـه***كأسيفة فخرت بحدج حصـان
تاج الملوك وفخرهم في دارم***ايام يـــــــــربوع مع الرعيان
فأجابه جرير :
ياذا الغباوة إن بشراً قد قضى***ألا تجوز حكومة النشوان
فعوا الحكومة لستم منأهلهـا***إن الحكومة في بني شيبان
واتصلالهجاء بين الاخطل وجرير وتناقلت الناس اشعارهما .
ولابد من ملاحظة الدوافعالقبلية والشخصية لهذا التهاجي فالفرزدق ميلا لم يهج دفاعا عن القبيلة فقط بل لانهاراد منافسة جرير على زعامة تميم الشعرية , كما ان الاخطل سخط ايضا على جرير لانهمدح قبيلة قيس المعادية لبنى تغلب رهط الاخطل كما خاف الاخطل ايضا ان يزاحمه جريرعلى مكانته في بني امية .
واستمر الحقد متصلا فعندما مات الاخطل في حياة جريرقال فيه :
زار القبور أبو مالك***فكـــان ألأم زوارها
كما هجا الفرزدق بعدموته فقال :
مات الفرزدق بعدما جدّعته***ليت الفرزدق كان عاش طويلا
ولما لامه الناسفي ذلك رثاه ببيتين من الشعر , ولم يلبث بعده ان مات بعد بضعة اشهر .
الخاتمة:
وفي الختامنقول ان النقائض لم تكن تمثل فقط ثأرا شخصيا بل كانت مجالا للمنافسة بين الشعراءطلبا للجوائز وشجعها الخلفاء لصرف الانتباه عن مظالمهم ورغب فيها الناس لما وجدوهفيها من تسلية وترويح ولكن خصائصها الفنية وتأريخها لماضي القبائل وايام العربالمشهورة وقوة اسلوبها ومبالغتها في الخيال جعلها تقدم للغة العربية ثروة ادبيةعظيمة وسجلا تاريخيا لكثير من الوقائع والعادات في العصر الاموي وما قبله , أمامايعيب النقائض فهو دعوتها الى العصبية القبلية وخروجها على روح الاسلام السمحةالتي تنهى عن التفاخر بالاحساب والهجاء الفاحش .
النقيضة مصطلح مأخوذ في الأصلمن نقَض البناء إذا هَدَمَه ،
قال تعالى: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدقوة أنكاثا"
وناقَضَه في الشيء مناقضةً ونِقَاضًا خالفه , والمناقضة في القول أنيتكلم بما يتناقض معناه ، وفي الشعر أن ينقض الشاعر ما قال الأول، حيث يأتي بغير ماقال خصمه , والنقيضة هي الاسم المفرد يُجمع على نقائض .
تمثل النقائض مصطلحاًأدبياً لنمط شعري نشأ في العصر الاموي ، وهي عبارة عن معارك شعرية دارت رحاها بينعدد من الشعراء في العصر الاموي، وكان فرسانها الاخطل وجرير والفرزدق ، وكان الشاعريكتب قصيدة في هجاء خصمه، فيرد الخصم (ناقضا) هذه القصيدة بقصيدة اخرى لها نفسالوزن والقافية ، و قد تركزت النقائض في العصر الاموي على غرض الهجاء تحديدا حيثكان الشاعر لايصبر على هجاء خصمه فيجيبه بقصيدة أخرى اكثر اقذاعا وافحاشاً .
نشأفن النقائض في العصر الأموي واشتدت المهاجاة الشعرية بين الشعراء المتهاجين فلميصمد في الميدان سوى ثلاثة من فحول الشعر هم : جرير والفرزدق والأخطل. وقد اشتهرتنقائض الفرزدق وجرير والأخطل ، وقد كان احدهم يتجه نحو خصمه بقصيدة هاجيًا ، فيعمدالآخر إلى الرد عليه بشعر مثله هاجيًا ملتزمًا البحر والقافية والرَّوِيَّ الذياختاره الشاعر الأول , ومعنى هذا أنه لابد :
- من وحدة الموضوع فخرًا أو هجاءًأو غيرهما , ولابد
- من وحدة البحر، فهو الشكل الذي يجمع بين النقيضتين ويجذبإليه الشاعر الثاني بعد أن يختاره الأول , ولابد كذلك
- من وحدة الرَّوي لأنهالنهاية الموسيقية المتكررة للقصيدة الأولى، وكأن الشاعر الثاني يجاري الشاعر الأولفي ميدانه وبأسلحته نفسها.
ونمو شعر النقائض له اسبابه الاجتماعية والعقلية وكانالناس يجدون فيه نوعا من التسلية والترويح ، اما النقائض بحد ذاتها فقد كانت تعبيراواضحا عن نمو العقل العربي ومرانه على الحوار والجدل والمناظرة .
الأصل فيالنقائض هو المقابلة والاختلاف ؛ لأن الشاعر الثاني يجعل همّه أن يفسد على الشاعرالأول معانيه فيردها عليه إن كانت هجاء، ويزيد عليها مما يعرفه أو يخترعه، وإن كانتفخرًا كذَّبه فيها أو فسَّرها لصالحه هو، أو وضع إزاءها مفاخر لنفسه وقومه وهكذا. والمعنى هو ركيزة النقائض ومحورها الذي عليه تدور، ويتخذ عناصره من الأحساب القبلية، والأنساب والأيام والمآثر والمثالب. وليست النقائض شعرًا فحسب، بل قد تكونرَجَزًا أو تكون نثرًا كذلك. ولابد أن تتوفَّر فيها وحدة الموضوع وتقابُل المعاني،وأن تتضمن الفخر والهجاء ثم الوعيد أيضًا، وقد تجمع النقائض بين الشعر والنثر فيالوقت نفسه.
نشأت النقائض مع نشأة الشعر، وتطورت معه وإن لم تُسمَّ به مصطلحًا. فقد كانت تسمى حينًا بالمنافرة وأخرى بالملاحاة وما إلى ذلك من أشكال النفار. وكانتفي البداية لا تلتزم إلا بنقض المعنى والمقابلة فيه، ثم صارت تلتزم بعض الفنونالعامة دون بعضها الآخر، مما جعلها لا تبلغ درجة النقيضة التامة، وإن لم تبعد عنهاكثيرًا، ولاسيَّما في جانب القافية. ولاشك أن النقائض نشأت ـ مثل أي فن من الفنون ـضعيفة مختلطة، وبمرور الزمن والتراكم المعرفي والتتبُّع للموروث الشعري، تقدَّمالفن الجدلي وأخذ يستكمل صورته الأخيرة قبيل البعثة المحمدية ، حتى قوي واكتملواتضحت أركانه وعناصره الفنية , فوصل على يد الفحول من شعراء بني أمية إلى فن مكتملالملامح تام البناء الفني ، اتخذ الصورة النهائية للنقيضة ذات العناصر المحددة التيعرفناها بشكلها التام فيما عُرف بنقائض فحول العصر الأموي وهم جرير والفرزدقوالأخطل.
اعتمدت النقائض في صورتها الكاملة على عناصر أساسية في لغة الشعراء،منها النَّسَب الذي أصبح في بعض الظروف وعند بعض الناس من المغامز التي يُهاجِم بهاالشعراء خصومهم حين يتركون أصولهم إلى غيرها، أو يدَّعون نسبًا ليس لهم. وقد كانتالمناقضة تتخذ من النسب مادة للتحقير أو التشكيك أو نفي الشاعر عن قومه أو عدّه فيرتبة وضيعة، وكذلك كان الفخر بالأنساب وبمكانة الشاعر من قومه وقرابته من أهل الذكروالبأس والمعروف أساسًا، تدور حوله النقائض سلبًا أو إيجابًا. فاعتمد الشعراءالمناقضون على مادة النسب وجعلوها إحدى ركائز هجائهم على أعدائهم وفخرهم بأنفسهم. ومن أسباب ذلك أن المجتمع العربي على عصر بني أمية رجع مرة أخرى إلى العصبيةالقبلية التي كان عصر النبوة قد أحل محلها العصبية الدينية .
ومنها أيضًا أيامالعرب التي اعتمدت النقائض عليها في الجاهلية والإسلام، فكان الشعراء يتَّخذون منهاموضوعًا للهجاء ويتحاورون فيه، كما صور جزء من النقائض الحياة الاجتماعية أحسنتصوير، ووصف ماجرت عليه أوضاع الناس،
ومنها العادات المرعية والأعراف والتقاليدالتي يحافظ عليها العربي أشد المحافظة , فكانت السيادة والنجدة والكرم، وكان الحلموالوفاء والحزم من الفضائل التي يتجاذبها المتناقضون، فيدعي الشاعر لنفسه ولقومهالفضل في ذلك. وقد أصبحت النقائض سجلاً أُحصيت فيه أيام العرب ومآثرها وعاداتهاوتقاليدها في الجاهلية وفي الإسلام.
ومن الواضح ان جريرا والفرزدق درسا تاريخالقبائل العربية في الجاهلية والاسلام وهذا ما يعد وثائق تاريخية طريفة ولم يكنالشاعر يدرس تاريخ القبائل التي يدافع عنها فحسب وانما كان يدرس ايضا تاريخ القبائلالتي يهجوها ليقف على الايام التي انهزمت فيها حتى يستطيع ان يبدع في هجائه وسرعانما وصلت النقائض الى العصر الاموي ليس في مجال المدح والهجاء فحسب وانما امتدت الىالنسب والغزل والفخر والولاء وغيره .
بدا الهجاء بين جرير والفرزدق حين استعاناحد الشعراء من قبيلة الفرزدق به للرد على جرير فقام الفرزدق بالانتصار لصاحبه فردعليه جرير واشتعلت بينهما نار هجاء لم تنطفئ الا بموت الفرزدق وقد كان الهجاءبينهما يركز على ذم القبيلة وذم النسب وتحقير صفات الخصم , ومن قول الفرزدق فيجرير:
ووجـدت قومك فقّؤوا مـن لـؤمهم***عينيك عنـــــد مكارم الاقوام
صغــــــــرت دلاؤهمفما ملأوا بها***حوضــــــا ولاشهدوا عراك زحام
فأجابه جرير :
مهلا فرزدق إن قومك فيــــهم***خور القلوب وخفة الاحلام
الظاعنون على العمىبجميعهم***والنازلـــــــون بشر دار مقام
اما الاخطل فقد ارسل اليه احد اسياد قبيلة مجاشع (قبيلة الفرزدق) بألف درهموكسوة وبغلة لكي يدعم الفرزدق في حربه ضد جرير فقال قصيدة يهجو جريرا ويفضل الفرزدقعليه منها :
أجرير إنـك والذي تسمـو لـه***كأسيفة فخرت بحدج حصـان
تاج الملوك وفخرهم في دارم***ايام يـــــــــربوع مع الرعيان
فأجابه جرير :
ياذا الغباوة إن بشراً قد قضى***ألا تجوز حكومة النشوان
فعوا الحكومة لستم منأهلهـا***إن الحكومة في بني شيبان
واتصلالهجاء بين الاخطل وجرير وتناقلت الناس اشعارهما .
ولابد من ملاحظة الدوافعالقبلية والشخصية لهذا التهاجي فالفرزدق ميلا لم يهج دفاعا عن القبيلة فقط بل لانهاراد منافسة جرير على زعامة تميم الشعرية , كما ان الاخطل سخط ايضا على جرير لانهمدح قبيلة قيس المعادية لبنى تغلب رهط الاخطل كما خاف الاخطل ايضا ان يزاحمه جريرعلى مكانته في بني امية .
واستمر الحقد متصلا فعندما مات الاخطل في حياة جريرقال فيه :
زار القبور أبو مالك***فكـــان ألأم زوارها
كما هجا الفرزدق بعدموته فقال :
مات الفرزدق بعدما جدّعته***ليت الفرزدق كان عاش طويلا
ولما لامه الناسفي ذلك رثاه ببيتين من الشعر , ولم يلبث بعده ان مات بعد بضعة اشهر .
الخاتمة:
وفي الختامنقول ان النقائض لم تكن تمثل فقط ثأرا شخصيا بل كانت مجالا للمنافسة بين الشعراءطلبا للجوائز وشجعها الخلفاء لصرف الانتباه عن مظالمهم ورغب فيها الناس لما وجدوهفيها من تسلية وترويح ولكن خصائصها الفنية وتأريخها لماضي القبائل وايام العربالمشهورة وقوة اسلوبها ومبالغتها في الخيال جعلها تقدم للغة العربية ثروة ادبيةعظيمة وسجلا تاريخيا لكثير من الوقائع والعادات في العصر الاموي وما قبله , أمامايعيب النقائض فهو دعوتها الى العصبية القبلية وخروجها على روح الاسلام السمحةالتي تنهى عن التفاخر بالاحساب والهجاء الفاحش .