تغيرت صورة الدوري الفرنسي الشاحبة، من بطولة عادية إلى منافسة ووجهة مرغوبة لنجوم كرة القدم العالمية، بفعل الاستثمارات الأجنبية في الأندية الفرنسية.
لا يخفى على أحد أن الدوري الفرنسي لكرة القدم لم يكن قادراً على منافسة الدوريات الأوروبية الأخرى في سلم أقوى منافسات الكرة بالقارة العجوز، لكن الأمر تغير مع دخول ثقافة الاستثمار الرياضي في الأندية الفرنسية.
قبل ما يقارب الثلاثة أعوام لم يكن الدوري الفرنسي لكرة القدم يحظى بمتابعة إعلامية كبيرة لعدة اعتبارات أهمها غياب النجوم عن سماء "ليغ 1" لكن مع دخول الاستثمار الأجنبي فضاء كرة القدم الفرنسية توجهت عدسات كبرى المؤسسات الإعلامية إلى بلاد الفن والثقافة، وباتت كرة القدم حديث الكل هناك بعد أن فقدت بريقها مع ذبول زهرة المنتخب الفرنسي.
استقطاب النجوم
باكورة الانفتاح الفرنسي على الاستثمارات الأجنبية، كانت مع مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية، إذ انتقلت ملكية نادي باريس سان جيرمان إلى المؤسسة التي أعلنت منذ البداية عن نيتها الانتقال بالفريق إلى مصاف الفرق الأوروبية الكبرى، وسرعان ما بدأت أحلام الجماهير الباريسية تكبر، فالمؤسسة التي تملك الطموح والاستراتيجية الواضحة بدأت في استقطاب النجوم وفرضت نفسها رقماً صعباً وسط زحمة الأندية الأوروبية العملاقة، واستقطبت المواهب والأسماء الرنانة حتى صار الفريق الباريسي واحداً من أكثر الفرق التي تعج بالنجوم.
كثرة الأسماء الكبيرة في سان جيرمان أعادت الأضواء إلى العاصمة الفرنسية التي كانت تفتقد لواجهة رياضية على خلاف العواصم الأوروبية الأخرى كلندن ومدريد، فشهرة العاصمة كانت تتأتى من دور الموضة ومتحف اللوفر وقوس النصر وغيرها من المعالم، أما الآن فبات ملعب "بارك دي برانس" معلماً مهماً في عاصمة الأنوار.
بإتمام التعاقد مع الفرنسي يوان كاباي من نيوكاسل يكون الفريق الباريسي قد ضم 16 لاعباً منذ انتقال ملكيته إلى مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية، واللافت في الأمر أن الأسماء التي وقّعت عقوداً لسان جيرمان تتمتع بزاد فني وخبرة كبيرة في عالم الساحرة المستديرة بالإضافة إلى أن جل الأسماء تشارك بانتظام مع منتخباتها الوطنية وهو أمر لا يحصل إلا في نخبة فرق القارة العجوز.
القيمة الفنية للنجوم التي باتت تؤثث مسرح الأمراء أعطت الفريق بعداً عالمياً وصار سان جيرمان محطة صعبة في سماء كرة القدم الأوروبية ممثلة في أقدم بطولاتها دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ففي موسمه الثاني فقط مع حقبته الجديدة بلغ باريس سان جيرمان الدور ربع النهائي للمسابقة العريقة وغادر البطولة دون أن يخسر مع العملاق الكتالوني برشلونة (2-2) ذهاباً و(1-1) إياباً، وكان هذا حدثاً في فرنسا التي بات لها فريق ينافس في أوروبا بعد أن كان الفرنسيون يعيشون على أمل حدوث مفاجأة كما حصل مع موناكو 2004 عندما بلغ الفريق نهائي البطولة أو 2010 عندما وصل ليون إلى نصف النهائي.
ولم يكتف النادي بضم نجوم المستطيل الأخضر بل عمدت إدارة النادي الباريسي برئاسة ناصر الخليفي إلى إعطاء الفريق دعامة فنية ضخمة من خلال التعاقد مع المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي الذي يتمتع بسجل تدريبي رائع، فكانت العلاقة بين الطرفين بداية لعهد جديد بين الدوري الفرنسي ونجوم اللعبة خارج فرنسا، فأنشيلوتي المتوّج بلقبين في دوري أبطال أوروبا مع ميلان والفائز بالدوري الإنكليزي مع تشلسي قبل التدريب في فرنسا لدواعي مهمة أولها الطموح غير المحدود لإدارة سان جيرمان في جعل الفريق رقماً صعباً بين عمالقة القارة الأوروبية.
ولأن النجاح الرياضي لا يكفي لجعل الفريق علامة تجارية معروفة في كامل أنحاء الأرض، بادرت إدارة الفريق إلى التوقيع مع النجم الإنكليزي ديفيد بيكهام الذي يتمتع بشهرة عالمية استثنائية فكانت الاستفادة التسويقية من الظاهرة الإنكليزية كبيرة دوناً عن الاستفادة منه من الناحية الفنية بعد أن شهد على تتويج الفريق بلقب الدوري الفرنسي بعد غياب طويل.
تجربة ثانية مع موناكو
في العام الماضي اشترى رجل الأعمال الروسي ديمتري ريبولوفليف نادي موناكو الفرنسي وهو أمر أقام الدليل على أن العالم بات ينظر للدوري الفرنسي بطريقة مختلفة بعد أن أصبح يتمتع بشهرة أكثر في السنوات الأخيرة.
ريبولوفليف قام بذات الاستراتيجية، إذ حاول استقطاب النجوم لفريق الإمارة فكانت أولى صفقاته الكولومبيان جيمس رودريغيز وراداميل فالكاو، إضافة إلى البرتغاليين جواو موتينيو وريكاردو كارفاليو، قبل الفرنسيين إيريك أبيدال وجيريمي تولالان.
أسماء كبيرة أعادت الاعتبار لموناكو بطل فرنسا 7 مرات فدخل الفريق الموسم بشراسة وبقي يلاحق الفريق الباريسي على صدارة الدوري حتى الآن.
أرقام كبيرة واستثمارات شجاعة وطموحة جعلت الدوري الفرنسي يشهد نقلة نوعية خاصة على مستوى السمعة، إذ بات واحداً من أكثر الدوريات مشاهدة بين الدوريات الأوروبية، كما تقدم ترتيب الدوري الفرنسي إلى المركز السادس على سلم أقوى الدوريات العالمية بعد أن كان التاسع عام 2012، ومن المؤكد أن الترتيب سيتحسن مع تنامي التنافس في الدوري، إذ إن المنافسة اشتدت في السنوات الأخيرة ولم تكن المباريات سهلة في أغلب الأحيان على سان جيرمان وموناكو فالجميع يرغب في الوقوف أمام النجوم، وكل ذلك يعطي الدوري الفرنسي بعداً تنافسياً كبيراً، ومن يدري ربما يزيد الاستثمار الأجنبي داخل أسوار "ليغ 1" خاصة مع نجاح سان جيرمان وموناكو في جعله وجهة مرغوبة للنجوم.