السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الرجولة لا تعني كبر السن وتقدمه، فكم من رجل بلغ السبعين من عمره،
وهو لا يزل صغيرا في تفكيره وسلوكه، وفي تصرفاته وحركاته وسكناته،
فهو في الحقيقة غلام صغير، ولكنه في نظر الناس رجل كبير.
وكم من صغير في السن، ولكنه في الحقيقة رجلاً بما تعنيه كلمة رجل
من معنى.
فهو رجل في سلوكه وتصرفاته، وفي حركاته وسكناته، وفي تصوراته وأخلاقه،
مثله كمثل ذلك الغلام الذي مر عليه عمر رضي الله عنه
وهو مع ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا جميعهم، وبقي ذلك الصبي
لمفرده في مكانه، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟
فقال: يا أمير المؤمنين!لم أقترف ذنباً فأخافك،
ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!.
وكمثل ذلك الغلام العربي الذي دخل هو وجماعة من قومه على أحد الخلفاء الأمويين، فتقدم ذلك الغلام ليتحدث مع الخليفة فقال له الخليفة:
ليتقدم من هو أسن منك،
فرد عليه ذلك الغلام الفطن بقوله: يا أمير المؤمنين! لو كان التقدم بالسن؛ لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة.
والرجولة كذلك ليست بضخامة الجسم، وطول القامة، ونظارة الوجه،
وحسن الهندام، فإنها لو كانت كذلك لما ذم الله المنافقين، فقال تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}[المنافقون: 4]،
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ وقال: اقرءوا إن شئتم: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}[الكهف: 105]))1،
ولكن الرجولة الحقة هي قوة الإرادة التي تحمل صاحبها على امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، وهي كذلك رجولة تحمل صاحبها على التحلي بمعالي الأخلاق، والابتعاد عن سفسافها، وقد تحققت تلك الرجولة في عصور الإسلام الأولى الزاهرة، فلقد كانوا يكثرون عند الحرب والخوف، ويقلون عند السلم والأمن، لم تلههم الدنيا بزخارفها الفانية، ومراكبها الفارهة، وقصورها العالية، ولم يصيبهم العجب بالنصر، ولم تهونهم الهزيمة، فهم الرجال الذي تمناهم عمر رضي الله عنه،
فإنه جلس ذات يوم إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا؟ فقال أحدهم: أتمنى لو أنَّ هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله.
ثم قال عمر: تمنوا؟ فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.
ثم قال: تمنوا؟ فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر:
ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
إنهم رجال رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبحمد نبياً ورسولاً، فبذلوا وضحوا في سبيل ذلك، وصفهم الله بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 23].
إنهم رجال عمروا بيوت الله حساً ومعنى، فلم تشغلهم الدنيا الزائفة بحطامها الفاني عن العمل للحياة الآخرة الباقية، قال الله واصفاً إياهم: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[النور: 36 - 37].
إنهم رجال يقولون الحق في وجه الجبارين والطغاة والمتسلطين، ولا يخافون في الله لومة لائم، ولو أدى ذلك إلى فقدان مناصبهم وجاههم، ولو أدى ذلك إلى تعذيبهم وسجنهم، بل ولو أدى إلى قتلهم،
قال تعالى عن رجل منهم: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر: 28].
وأما اليوم فإننا نرى أشباه الرجال ولا رجال، ونرى أشباه الشباب ولا شباب، وإلا فأين الشباب، بل أين الشباب من قصة ذينك الشابين اللذَين عملا عملاً يتفوق التصور، ورسما أمثلة رائعة!
هذا الغلامان هما معاذ ومعوذ ابنا عفراء، فقلد تصديا لقتل فرعون هذه الأمة، وأعتى شخصية وجدت على هذه البسيطة في تلك الحقبة، فعن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل؟ فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟! قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء2.
فهلا عاهد الله فتياننا وفتياتنا وغلماننا وشبابنا بل رجالنا ونسائنا على ترك المحرمات، والمحافظة على الفرائض والواجبات، ومنها المحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة؟ وهلاَّ.. وهلاَّ..
وهذا أسامة بن زيد يقود جيشاً جراراً لقتال الكفار وتحت إمرته كبار الصحابة، فهلاَّ قدنا أنفسنا إلى الانصياع إلى أوامر الله ورسوله، والابتعاد عما نهى الله عنه ورسوله؟..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وهيئ لنا من أمرنا رشدا
إن الرجولة لا تعني كبر السن وتقدمه، فكم من رجل بلغ السبعين من عمره،
وهو لا يزل صغيرا في تفكيره وسلوكه، وفي تصرفاته وحركاته وسكناته،
فهو في الحقيقة غلام صغير، ولكنه في نظر الناس رجل كبير.
وكم من صغير في السن، ولكنه في الحقيقة رجلاً بما تعنيه كلمة رجل
من معنى.
فهو رجل في سلوكه وتصرفاته، وفي حركاته وسكناته، وفي تصوراته وأخلاقه،
مثله كمثل ذلك الغلام الذي مر عليه عمر رضي الله عنه
وهو مع ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا جميعهم، وبقي ذلك الصبي
لمفرده في مكانه، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟
فقال: يا أمير المؤمنين!لم أقترف ذنباً فأخافك،
ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!.
وكمثل ذلك الغلام العربي الذي دخل هو وجماعة من قومه على أحد الخلفاء الأمويين، فتقدم ذلك الغلام ليتحدث مع الخليفة فقال له الخليفة:
ليتقدم من هو أسن منك،
فرد عليه ذلك الغلام الفطن بقوله: يا أمير المؤمنين! لو كان التقدم بالسن؛ لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة.
والرجولة كذلك ليست بضخامة الجسم، وطول القامة، ونظارة الوجه،
وحسن الهندام، فإنها لو كانت كذلك لما ذم الله المنافقين، فقال تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}[المنافقون: 4]،
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ وقال: اقرءوا إن شئتم: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}[الكهف: 105]))1،
ولكن الرجولة الحقة هي قوة الإرادة التي تحمل صاحبها على امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، وهي كذلك رجولة تحمل صاحبها على التحلي بمعالي الأخلاق، والابتعاد عن سفسافها، وقد تحققت تلك الرجولة في عصور الإسلام الأولى الزاهرة، فلقد كانوا يكثرون عند الحرب والخوف، ويقلون عند السلم والأمن، لم تلههم الدنيا بزخارفها الفانية، ومراكبها الفارهة، وقصورها العالية، ولم يصيبهم العجب بالنصر، ولم تهونهم الهزيمة، فهم الرجال الذي تمناهم عمر رضي الله عنه،
فإنه جلس ذات يوم إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا؟ فقال أحدهم: أتمنى لو أنَّ هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله.
ثم قال عمر: تمنوا؟ فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.
ثم قال: تمنوا؟ فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر:
ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
إنهم رجال رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبحمد نبياً ورسولاً، فبذلوا وضحوا في سبيل ذلك، وصفهم الله بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 23].
إنهم رجال عمروا بيوت الله حساً ومعنى، فلم تشغلهم الدنيا الزائفة بحطامها الفاني عن العمل للحياة الآخرة الباقية، قال الله واصفاً إياهم: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ}[النور: 36 - 37].
إنهم رجال يقولون الحق في وجه الجبارين والطغاة والمتسلطين، ولا يخافون في الله لومة لائم، ولو أدى ذلك إلى فقدان مناصبهم وجاههم، ولو أدى ذلك إلى تعذيبهم وسجنهم، بل ولو أدى إلى قتلهم،
قال تعالى عن رجل منهم: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر: 28].
وأما اليوم فإننا نرى أشباه الرجال ولا رجال، ونرى أشباه الشباب ولا شباب، وإلا فأين الشباب، بل أين الشباب من قصة ذينك الشابين اللذَين عملا عملاً يتفوق التصور، ورسما أمثلة رائعة!
هذا الغلامان هما معاذ ومعوذ ابنا عفراء، فقلد تصديا لقتل فرعون هذه الأمة، وأعتى شخصية وجدت على هذه البسيطة في تلك الحقبة، فعن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل؟ فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟! قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله، قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء2.
فهلا عاهد الله فتياننا وفتياتنا وغلماننا وشبابنا بل رجالنا ونسائنا على ترك المحرمات، والمحافظة على الفرائض والواجبات، ومنها المحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة؟ وهلاَّ.. وهلاَّ..
وهذا أسامة بن زيد يقود جيشاً جراراً لقتال الكفار وتحت إمرته كبار الصحابة، فهلاَّ قدنا أنفسنا إلى الانصياع إلى أوامر الله ورسوله، والابتعاد عما نهى الله عنه ورسوله؟..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وهيئ لنا من أمرنا رشدا