تعتبر الأخلاق، بالمفهوم العام، الركيزة الأساسية في حياة الأمم، باعتبارها الموجه الرئيسي للسلوك الإنساني والاجتماعي والتربوي، نحو التضامن والتعايش والاحترام المتبادل، وما يترتب عنها من قيم ومبادئ، تسهر على تنظيم المجتمع من أجل الاستقرار وتحقيق السلام. فبدون الأخلاق لا يمكن الحديث عن سلامة واستقرار المجتمع وتقدمه ورقيه. قال الشاعر الكبير أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ..... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فتخليق الحياة ضرورة إنسانية واجتماعية لا مناص منها. لذا فأخلاقية المهنة في المجال التربوي، يعتبر في صميم التوجه الأخلاقي العام في حياة الشعوب والأمم. فبدون تخليق الحياة العملية نكون قد حكمنا على أنفسنا بالضياع والانحطاط والتخلف.
لذا يمكن تعريف أخلاقيات مهنة التدريس بأنها السجايا الحميدة والسلوكيات الفاضلة التي يتعين أن يتحلى بها العاملون في حقل التعليم العام فكراً وسلوكاً أمام الله ثم أمام ولاة الأمر وأمام أنفسهم والآخرين ، وترتب عليهم واجبات أخلاقية.
يبقى أن نتساءل. لماذا الاهتمام بموضوع أخلاقيات المهنة في المجال التربوي ؟ و ما مفهوم أخلاقيات المهنية هذه وأهميتها ؟ وكيف يتحقق اتجاه المدرس نحو المهنة؟ وما هي نتائج هذا الاتجاه إيجابا وسلبا نحو مهنة التدريس؟
لماذا الاهتمام بموضوع أخلاقيات المهنة في المجال التربوي ؟
يحض المدرس قديما، في المجتمع العربي عموما باحترام وتقدير كبيرين، حيث كان يلعب دور المرشد والموجه والمؤطر لجميع الأنشطة التي تتردد على المدرسة أو الجامعة او المجتمع؛ ويعلمهم مبادئ المعرفة والأخلاق، ويشاطر السكان أفراحهم وأحزانهم، وكان المدرس مقابل هذا الحضور الإيجابي محط تقدير واعتزاز باعتباره أمينا على القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى كونه قدوة للصغار بسلوكه وإشعاعه داخل المؤسسة وخارجها، حتى كاد أن يرتقي إلى مرتبة الرسول، كما قال الشاعر أحمد شوقي:
قـم للمعـلم وفـه التبجيـلا..... كـاد المعلم أن يكـون رسـولا
لقد اقترنت التربية عند سائر الأمم بتنشئة الأطفال وفق القواعد الأخلاقية والقيم التي يقرها المجتمع، إلا أن البعد الأخلاقي اضمحل في العقود الأخيرة، بحيث أن المدنية المعاصرة فرضت قيما أخرى غير القيم الأخلاقية، فسادت النزاعات المادية على العقول فبدأ المركز الاجتماعي للمدرس يتقلص في العقود الأخيرة بفعل عدة عوامل وضغوط، واهتزت مكانة المدرس في المجتمع، وانتقلت من التقدير والاحترام إلى اللامبالاة والإهمال في غالبيتها لدا لابد من ضرورة بعث ثقافة أخلاقية جديدة، مبنية على مبادئ النزاهة والاستقامة والتفاني والإخلاص في خدمة الصالح العام وفي مايلي بعض البنود التي اكد عليها المؤتمر العام التامن لوزارة التربية والتعليم والمعارف الدي عقد بالدوحة :المادة (1):التعليم مهنة ذات قداسة خاصة , توجب على القائمين بها أداء حق الانتماء إليها إخلاصا في العمل , وصدقا مع النفس والناس , وعطاء مستمر لنشر العلم والخير والقضاء على الجهل والمرض
المادة (2):المعلم صاحب رسالة يستشعر عظمتها , ويؤمن بأهميتها , ولا يفرض على أدائها بغال ولا رخيص , ويستصغر كل عقبة دون بلوغ غايته من أداء رسالته .
المادة (3):اعتزاز المعلم بمهنة وتصوره المستمر لرسالته , ان ينئيان به عن مواطن الشبهات , ويدعوانه الى الحرص على نقاء السيرة وطهارة السرية حفاظا على مهنة التعليم ودفاعا عنه .
حددت المواد( 8،7،6،5،4) طبيعة العلاقة بين المعلم وطلبته :
المادة (4):العلاقة بين المعلم وطلابه صورة عن الأب بابنائه لحمتها الرغبة في نفعهم , وسداها الشفقة عليهم والبر بهم , أساسها المودة, وحارسها الحزم الضروري , وهدفها تحقيق خير الدنيا والآخرة للجيل المأمول للنهضة والتقدم .
المادة (5):المعلم قدوة لطلابه وللمجتمع عامه , وهو حريص على ان يكون أثره في الناس حميدا باقيا لذلك فهو متمسك بالقيم الخلقية والمثل العليا , ويدعوا إليها ويبثها بين طلابه والناس كافة , ويعمل على شيوعها واحترامها ما استطاع .
المادة (6):المعلم احرص الناس على نفع طلابه , يبذل جهده كله في تعليمهم وتربيتهم , وتوجيههم , ويدلهم بكل طريق على الخير ويرغبهم فييه , ويبين لهم الشر ويذودهم عن , في إدراك كامل ومتجدد , إن أعظم ما في الخير ما امر الله ورسوله به , وان اسو الشر هو ما نهى الله ورسوله عنه .
المادة (7):المعلم يسوي بين طلابه في عطائه ورقابته وتقويمه لأدائهم , ويحول بينهم وبين الوقوع في براثن الرغبات الطائشة , ويشعرهم دائما ان أسهل الطرق - وان بدا صعبا- أصحها واقومها , وان الغش خيانة وجريمة لايليقان بطالب العلم ولا بالمواطن الصالح .
المادة (8):المعلم ساع دائما الى ترسيخ مواطن الاتفاق والتعاون والتكامل بين طلابه , تعلما لهم , وتعويد على العمل الجماعي , والجهد المتناسق وهو ساع الى إضعاف نقاط الخلاف , وتجنب الخوض فيها ومحاولة القضاء على أسبابها دون إثارة نتائجها.
حددت المواد (12،11،10،9) طبيعة العلاقة بين المعلم والمجتمع:
المادة (9):المعلم موضوع تقدير المجتمع , واحترامه وثقته , وهو لذلك حريص على ان يكون في مستوى هذه الثقه , وذلك التقدير والاحترام , يعمل في المجتمع على ان يكون دائما في مجال معرفته وهبرته دور المرشد والموجه , يمتنع عن كل مايمكن ان يؤخذ عليه من قول او فعل , ويحرص على ان لايؤثر عنه الامل يؤكد ثقة المجتمع ببه واحترامه له
المادة (10):سعى الجهات المختصه الى توفي اكبر قدر ممكن من الرعاية للعاملين في مهنة التعليم , بما يوفر لهم حياة كريمة تكفيهم عن التماس وسائل لاتتفق وما ورد في هذا الإعلان لزيادة دخولهم او تحسين ماديات حياتهم.
المادة (11):المعلم صاحب رأي وموقف من قضايا المجتمع ذلك عليه توسيع نطاق ثقافته , وتنويع مصادرها والمتابعة الدائمة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , يكون قادر على تكوين رأي ناضج مبني على العلم والمعرفة والخبرة الواسعة , بقدر مكانته الاجتماعية ويؤكد دوره الرائد في بالمدرسة وخارجها
المادة (12):المعلم مؤمن بهذه الاية (( الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)) , وهو لا يدع فرصة لذلك دون ان يفيد منه, اداء لهذه الفريضة الدينية , وتقوية اواصر المودة بينه وبين جماعات الطلاب خاصة , والناس عامة , ويلتزم في ذلك في غير ضعف والشدة في غير عنف , يحدوه اليهما وده لمجتمعه وحرصه علية , وايمانه بدوره البناء في تطوير وتحقيق نهضته.
حددت المواد( 16،15،14،13) كون المعلم رقيب نفسه:
المادة (13):المعلم يدرك , ان الرقيب الحقيقي على سلوكه بعد الله سبحانه وتعالى هو ضمير يقظ , ونفس لوامة , وان الرقابة الخارجية مهما تنوعت اساليبها لاترقي الى الرقابة الذاتية لذلك يسعى المعلم بكل وسيلة متاحة الى بث هذه الروح في طلابه ومجتمعه , ويضرب بالاستمساك بها في نفسه المثل والقدوة .
المادة (14):المعلم في مجال تخصصه طالب علم وباحث عن الحقيقة , لايدخر وسعا في التزود من المعرفة والاحاطة بتطورها في حقل تخصصه , تقوية لامكاناته المهنية موضوعا واسلوبا ووسيلة .
المادة (15):يسهم المعلم في كل نشاط بجد , ويتخذ من كل موقف سبيلا الى تربية قويمة , او تعليم عادة حميدة ايمانا بضرورة تكامل البناء العلمي العقلي والجسماني والعاطفي للانسان , من خلال العملية التربوية التي يؤديها المعلم
المادة (16):المعلم مدرك ان تعلمه عبادة , وتعليمه الناس زكاة , فهو يؤدي واجبه بروح العابد الخاشع , الذي لايرجو سوى مرضاة الله تعالى وباخلاص الموقن ان عين الله ترعاه وان قوله وفعلة يكون شهيدا له او عليه.
حددت المواد(19،18،17) علاقة المعلم مع المدرسة والمجتمع:
المادة (17):الثقة المتبادلة واحترام التخصص والاخوة المهنية , هي اسس العلاقات بين المعلم وزملائه وبين المعلمين جميعا والادارة المدرسية المركزية , ويسعى المعلمون الى التفاهم في ظل هذه الاسس فيما بينهم , وفيما بينهم وبين الادارة المدرسية والمركزية حول جميع الامور التي تحتاج الى تفاهم مشترك , او عمل جماعي , لتنسيق الجهود بين مدرسي المواد المختلفة , او قرارات إدارية لايملك المعلمون اتخاذها بمفردهم .
المادة (18):المعلم شريك الوالدين في التربية والتنشئة والتقويم والتعليم , لذلك فهر حريص على توطيد اواصر الثقة بين البيت والمدرسة وإنشائها اذا لم يجدها قائمة, وهو يتشاور كلما اقتضى الامر مع الوالدين حول كل امر يهم مستقبل الطلاب او يؤثر في مسيرتهم العلمية .
المادة (19):يؤدي العاملون في مهنة التعليم واجباتهم كافه ويصبغون سلوكهم كله , بروح المبادئ التي تضمنها هذا الإعلان ويعملون على نشرها وترسيخها وتاهليها , والالتزام بها بين زملائهم وفي المجتمع بوجه عام .
يتضح ان النشاط الذي يقوم به جماعة من الناس ينظر إليه أنه مهنة يجب ان تنطبق كل أو أغلب هذه الشروط ، من أهم تلك الشروط ما يلي:
(1) وجود كفاءات مهنية محددة ينبغي توافرها لدى أعضاء المهنة.
(2) وجود مؤسسات تعنى بالتأهيل المهني وإكساب الأعضاء الكفاءات المهنية المطلوبة.
(3) وجود دراسات وتدريبات بغرض النمو المهني في أثناء العمل.
(4) وجود أخلاقيات مهنية تقيد الانتساب لمهنة أو الخروج منها.
وان رسالة التعليم هي :
1- التعليم رسالة تستمد أخلاقياتها من هدي شريعتنا ومبادئ حضارتنا ، وتوجب على القائمين بها أداء حق الانتماء إليها إخلاصاً في العمل ، وصدقاً مع النفس والناس ، وعطاءً مستمراً لنشر العلم وفضائله .
2- المعلم صاحب رسالة يستشعر عظمتها ويؤمن بأهميتها ، ويؤدي حقها بمهنية عالية.
3- اعتزاز المعلم بمهنته وإدراكه المستمر لرسالته يدعوانه إلى الحرص على نقاء السيرة وطهارة السريرة ، حفاظاً على شرف مهنة التعليم .
لذا يجب تعزيز انتماء المعلم لرسالته ومهنته ، والارتقاء بها والإسهام في تطوير المجتمع الذي يعيش فيه وتقدمه ، وتحبيبه لطلابه وشدهم إليه ، والإفادة منه وذلك من خلال الآتي:
1- توعية المعلم بأهمية المهنة ودورها في بناء مستقبل وطنه
2- الإسهام في تعزيز مكانة المعلم العلمية والاجتماعية
3- حفز المعلم على أن يتمثل قيم مهنته وأخلاقها سلوكاً في حياته .
وهو ما أكدت عليه المؤتمرات المحلية والعربية حول أهمية مهنة التدريس كونها مهنة المهن والتأكيد على أخلاقيات هذه المهنة.