تمهيد :
كان للنشاط التجاري في بلاد اليمن والحجاز اثر كبير في قيام دويلات عربيه على تخوم الشام والعراق في العصر السابق على ظهور الإسلام فقد كانت بادية الشام وجنوبي فلسطين مركزا لهجرات متتابعة من جنوب الجزيرة العربية منذ أوائل التاريخ المسيحي مثل قبيلة بني تنوح وقبيلة بني سليح وال جفنه وكانت قرية بوريكة باللغة يطلق عليها في العصر الروماني اسم بوريكه السبئيين إلا أن استقرار قبائل عربية في بادية الشام يرجع في حقيقة الأمر إلى عصور سابقة للعصر الروماني ومن أقدم الشعوب العربية التي استقرت في جنوب فلسطين شعــب الأنباط
موقع الانباط :
مملكة لأنباط قامت في شمال الحجاز وتنسب إلى شعب من شعوب العرب يعرف عند اليونان باسم nabataeiأو النبط وقد سكنوا في بادية الشام وجنوبي سوريه في القرن السادس قبل الميلاد تقريبا ولم نعثر في مصادر العربية على أخبار عن الأنباط كما لم نعثر على إخبار عنهم في الوثائق الخاصة بحملات الأشوريين على الشام ومـصـر وإنما وفقنا على أخبارهم من كتابات الإغريق ومن نتائج والكشوف التي أسفرت عنها الأبحاث الأثرية في البتراء وحوران .
لغة الانباط :
اتخذ الأنباط اللغة الآرامية لغة للكتابة النبطية والخط النبطي على هذا النحو خط آرامي ولكنه متطورة من الخط الآرامي القديم وقد عرف لذلك بالخط النبطي تمييزاً
له عن بقية الخطوط الآرامية ومن أقدم الرقم النبطية رقم المنارة في شرقي حوران ويرجع إلى سنه 238م ولقد أرخ به قبر امرئ ألقيس بن عمرو من ملوك الحيرة وعثر على كتابات نبطيه مؤرخه أيضا في جرش وماديا والخط النبطي قريب من الخط الكوفي القديم والأمر الذي دعا كثير من العلـماء إلى القول بأن هذا الخط مشتق من الخط النبطي.
التضاريس وتأثيرها في تاريخ الأنباط :
تتميز تضاريس الأنباط بأنها بلاد جبليه قفراء قليله المياه وتكثر فيها المرتفعات الصخرية الوعرة والشعب وقد انعكست هذه الطبيعة الوعرة على النبط فطبعتهم بطابعها ولذلك عرف الأنباط بشده الماس والعنف كما عرفوا بميلهم إلى الغزو وساعدتهم هذه البيئة الصخرية على مقاومة أعدائهم فصعب على هؤلاء قهرهم وإخضاعهم لهمولهذا السبب لم يتمكن الأشوريين أو الفرس أو الإغريق من قهر هذا الشعب ولقد سمي الإغريق بلادهم للسبب نفسه باسم بلاد العرب الصخرية كما سميت عاصمتهم بالبتراء Petraeaأي الصخرة وهي تقارب في معناها كلمه سالع العبرانية المذكورة في التوراة وتعني الشق في الصخر والتسمية العربية مترجمه من اليونانية ونلاحظ أن التسمية العبرانية أكثر دقه لان مدخل البتراء يتسم بوجود أخدود عميق بين جبلين يعرف اليوم باسم السيق ولعله لفظ نبطي متوارث حرفه الناس من كلمه الشق في السبئية القديمة .
العاصمة البتراء :
شهرتها :اشتهرت أطلالها في العصر الأموي بوجه خاص وكان ينزلها الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك أما اليوم فالبتراء تعرف باسم وادي موسى أو البتراء وهو الاسم اليوناني .
موقعها :وتقع موقعاً استراتجياً هاماً على سطح هضبة قاحلة يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من 3000قدم وتحيط بها الجبال من سائر الجهات بحيث يتعذر الدخول إليها إلا من الممر الضيق المعرف بالسيق .
كتابات المؤرخين عنها :
وقد أشار المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم إلى موضع البتراء كما وصف الاصطخري بعض أبنيتها المنحوتة في الصخور ولعله يقصد بهذه الأبنية الصخرية البناء المعروف باسم الخزنة وهو بناه منقور في الصخر شأنه شان بقيه منشآت البتراء .
ويتميز الطابق العلوي منه بوجود إفريز مثلث الشكل يتوسطه جوسق مستدير ويعلو الإفريز جره كبيره أحدثت فيها كسور كثيرة نتيجة لتعرضها لرصاص البنادق إذ كان كثير من الناس يعتقدون أن بداخلها كنز من الذهب ولهذا عرف البناء كله بالخزانة والواقع أن الجرة المذكورة هي قطعه منحوتة من الصخر الأصم إما الطابق الأدنى فمتوج بإفريز ذي أشرطة بارزه تؤلف مثلثا على نحو نظام واجهات المعابد الإغريقية وتقوم الواجهة على أعمده ضخمه وتزدان بنقوش وكتابات نبطيه وكانت الخزنة فيما يظهر معبدا لكثره ما كانت تزدان به من تماثيل
وقد استغل الأنباط الانقسام بين قواد الاسكندر ومدوا مملكتهم من غزه إلى أبله في مناطق صخريه وازدهرت البتراء في نهاية القرن الرابع ق.م.وظلت زهاء أربع مائه سنه تشغل مكاناً هاما على طريق القوافل الذي يمتد ما بين الشام ومـصـر.
نشاط السكان الاقتصادي :
وأصبحت البتراء في القرن الأول قبل الإسلام أهم مراكز التجارة القادمة من جزيرة العرب وساعد موقع البتراء على ازدياد أهميتها كمحطة تجاريه في ملتقى الطرق التجارية من العراق شرقاً إلى اليمن جنوبا وسوريا وفلسطين شمالا ومصر غرباً وقد أثرى الأنباط ثراء فاحشا بسبب اشتغالهم بالتجارة فلما عمل البطالمة على احتكار التجارة البحرية والسيطرة على البحر الأحمر عن طريق إنشاء محطات ومواني على سواحله وإقامة علاقات مع عرب الجنوب الذين يشتغلون بالتجارة في البحر الأحمر.
وقد أدرك الأنباط مدى الخطر الذي يتهددهم كما أدركوا الأضرار الفادحة التي يمكن أن تصيب مصالحهم التجارية بسبب ذلك فاضطروا إلى التحرش بسفن البطالمة وقطع الطرق البحرية عليها والاستيلاء على حمولاتها الأمر الذي دفع بطليموس الثاني (285-246ق.م.) إلى إنشاء قوة بحريه لحراسه السفن التجارية البطلمية وتمكن بذلك من السيطرة على شمال البحر الأحمر وخليج العقبة ولكن النبط انتهزوا فرصه اشتغال بطليموس بالحرب مع سلوقيي سوريه فعادوا مهاجمة سفن البطالمة .
أشهر ملوك الأنباط :
الملك اريتاس الأول أو الحارث (169ق.م.-146ق.م.)
أول ملوك النبط الذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ وفي الفصل الخامس من أسفار المكابيين وقد كان معاصراً لأنطيوخوس الرابع السلوقي ملك سوريا وبطليموس فيلوماتر ملك مصر وقد حالف الحارث النبطي جيرانه المكابيين بني حشمناي ضد السلوقيين ففي سنه 168ق.م.قام يهوذا المكابي بالثورة على السلوقيين ونجح في احتلال بيت المقدس .
الحارث الثاني 110ق.م و96ق.م.
من اشهر ملوك الأنباط وكان يعرف باسم ايروتيموس وفي عهده طلب يوتاثان الذي تولى الأمر بعد مصرع أخيه يهوذا المكابي سنه 161ق.م من النبط أن ينصروه على أعدائه وقد سير لهذا الغرض أخاه يوحنا ليسأل النبطيين أولياءه أن يعيروهم عدتهم الوافرة مما يدل على أن علاقة الأنباط بالمكابيين كانت حسنه للغاية وأن الأنباط كانوا على درجه كبيره من القوه إلا أن جماعه من العرب الذين يسكنون ميدبا ويعرفون ببني يمري غدروا بيوحنا المكابي وقتلوه .
ولكن سياسة حسن الجوار والتحالف القائمة بين الأنباط والمكابيين لم تلبث أن تبدلت إلى سياسة عداء فقد تبين للأنباط أنهم بسياستهم السابقة أضروا بمصالحهم الخاصة فلم تكن سياسة المكابيين مقتصرة على الطلب الاستقلال التام والخلاص من الحكم الأجنبي بل كانت تستهدف الاستيلاء على الأردن والتوغل في المناطق النبط نفسها وإنشاء حكومة قويه قد تزاحم حكومتهم في يوم من الأيام فرأى الأنباط أن من الخير لهم أن يدعوا هذا التأييد وأن يقاوموا إن احتاج الأمر إلى مقاومه وقد أدت المنافسة بين المكابيين والأنباط إلى اصطدامات مسلحه .
وهرع الحارث الثاني لمساعده غزه في سنه 96ق.م عندما بلغه أن اسكندر جينوس المكابي (103-76)ق.م يحاصرها وتمكن عباده الأول النبطي من إلحاق الهزيمة باسكندر جينوس وجيشه المرتزقة في سنه 90ق.م في معركة وقعت على الضفة الشرقية من الأردن وقد مهد انتصاره لاستيلائه على منطقه حوران أما اسكندر فعاد منهزما إلى البيت المقدس واقترن وصوله إليها بقيام فتنه في كل مكان وزمان من دولته وتحرج موقف اسكندر ورأى أن يكسب ود العرب على الخصومة فتنازل لعباده النبطي عن مأرب وجلعاد ليأمن على ما تبقى من مملكته .
الحارث الثالث النبطي (87-62)ق.م
يعتبر اشتهر ملوك الأنباط على الإطلاق فاسمه يقترن بفتوحات كبرى وانتصارات هيأت المجال للأنباط أن يوسعوا نطاق أملاكهم على حساب السلوقيين واليهود في أن واحد ولذلك يعتبر الحارث الثالث المؤسس الحقيقي لسلطه الأنباط واستغل الحارث ضعف السلوقيين عند بداية ظهور رومه على أعتاب الشرق وعندما بدأ أنطيوخوس ديونيسوس هجومه على الأنباط اصطدم مع الحارث الثالث 86ق.م في معركة عنيفة حدثت عند قرية الواقعة على سواحل يافا وفيها انهزم السلوقيين هزيمة نكراء وسقط ملكهم سريعاً .
استجاب الحارث بعد هذا الانتصار الكبير إلى دعوة سكان دمشق ليقيم نفسه حاكما عليها وعلى الأقاليم الملحقة بها بما فيها من سهول مثل سهل البقاع وذلك في سنه 85ق.وتخلص سكان دمشق بذلك من أسوأ مصير ينتظرهم فيما لو سقطت في يد الأمير الإيتوري الذي كان يطمع في عرش سوريه.
ولم يتردد الحارث في التدخل في شؤون مملكه يهوذا مره ثانيه عندما دب الشقاق بين الأخوين ارسطوبولس الثاني وهركانوس الثاني أبنى اسكندر جينوس للظفر بعرش المملكة وانقسم الشعب شيعاً و أحزابا حزب مؤيد لهذا أو ذاك وحزب معارض له واستعان أرسطو بولس بجنود مرتزقة
وجماعات من العرب لمحاربه أخيه فاضطر هذا إلى استنصار الأنباط ووسط لهذا الفرض احد أصدقاء الحارث يدعى انتيباتر الذي أسفر تدخله عن نجاح كبير في مهمته وعلى اثر ذلك لجأ هركانوس إلى البتراء وطلب من الحارث أن يساعده في إعادته على العرش ووعد في مقابل ذلك أن يرد إلى الحارث عدداً من المدن كان اسكندر جينوس قد اغتصبها من العرب ومن بينها ميديا ونبالو وليباس زاو ريبا وكان من الطبيعي أن يوافق الحارث لسببين أن يوسع أملاكه على حساب مملكه يهوذا وان يستغل الفرصة الانقسام الداخلي ليقضي نهائيا عليها ثم إنه هاجم جيش ارسطوبولس في سنه 66ق.م بجيش كثيف عدته 50 ألف مقاتل وانهزم ارسطوبولس وفر إلى بيت المقدس ولم يتركه الحارث يهرب فأرسل وراءه فرقه من الأنباط حاصرت عاصمة اليهود وكادت تفتتحها لولا تدخل الرومان وقتئذ هذا النزاع فقد حدث أن استولى القائد الروماني بومبى على دمشق وسوريه وأرسل حمله عسكريه بقياده القائد اسكاوروس لجمل الحارث على رفع الحصار عن بيت المقدس وقد استجاب الحارث لذلك رغبه في أقامه علاقة طيبه مع الرومان واغتنم الفرصة ارسطوبولس وهاجم الحارث في موضع يعرف باسم بابيرون وتمكن من إحراز النصر عليه ثم زحف ارسكاوروس بعد ذلك متجها إلى البتراء بقصد الاستيلاء عليها فأسكته الأنباط بهداياهم .
وهكذا ضيق الأنباط على مملكه يهوذا المتداعية من الشرق والجنوب وأصبحك من الطبيعي بعد ما ناله الحارث من انتصارات على اليهود و السلوقيين أن يدس انفه في شؤون المكابيين في بيت المقدس ولم يلبث أن اشتبك معهم في معركة حدثت عند موضع يعرف باسم الحديثة على مقربه من اللد فيها تمزق جيش اليهود وانهزم هزيمة نكراء أرغمته على طلب الصلح بما يرتضيه الأنباط من شروط .
وشهد الحارث الثالث استيلاء بومبى على دمشق في سنه 64ق.م فكانت فتره تبعيتها له فتره قصيرة وقد أحبه أهل دمشق ولقبوه بلقب محب الهللينيين ونستنتج من أسلوب البناء في البتراء أن الحارث كان مغرما بالفن الهللنستي الشائع في سوريا وقد تابعه خلفاؤه في هذا السبيل وعثر على عملات نبطيه نقش عليها اسم الحارث الثالث وهي عملات متأثرة بنظائرها التي ضربت بدمشق في أيام ديمتريوس الثالث
عباده الثاني (62-47ق.م)
تولى مملكه الأنباط بعد الحارث ابنه الملك عباده وفي عهده امتدا نفوذ الرومان على الشرق فاستولوا على أسيا الصغرى وسوريه ومصر وانتزع الرومان في الشام ماكان الحارث الثالث قد استولى عليه من قبل ويبدو أن سياسة الأنباط بعد الحارث الثالث كانت تهدف إلى المحافظة على استقلال مملكتهم وحمايتها من العواصف والأنواء التي أثارها الغزو الروماني لسوريه فارتبطوا منذ عهد عباده الثاني مع الرومان برابطه الحلف والولاء فاشتركوا في عهد مالك الاول (47-30ق.م)بفرقه من الفرسان في حمله يوليوس قيصر على الاسكندريه في سنه 47ق.م وفي عهد مالك الأول تمكن الرومان من إسقاط المكابيه اليهودية في بيت المقدس ووضعوا مكانها الاسره الهيروديه الموالية لهم .
عبادة الثالث (30ق.م -9ق.م )
وفي عهده اشترك النبط في الحملة التي أرسلها أغسطس قيصر بقيادة اليوس جالوس لغزو بلاد اليمن , واشترك الأنباط في هذا الحملة في سنة 24 ق.م , وتولى صالح syllaeus وزير عبادة مهمة إرشاد الجيش الروماني إلى الطرق التي يسلكها في بلاد العرب , ولكن الحملة انتهت بكوارث تعرض لها الجيش الروماني , وأخفق الرومان في الاستيلاء على اليمن ويعزو استرابون هذا الفشل إلى خيانة سايلوس (صالح) دليل الحملة , الذي سار بالجيش في أكثر مناطق العرب وعورة وأشدها جفافا حتى أن عددا كبيرا من الرومان ماتوا عطشا .
الحارث الرابع (9ق.م40م)
وقد بلغت دوله الأنباط ذروه عظمتها في عهده وكان عهده عهد رخاء وسلام وقد تزوج هيرودس انتيباس ابن هيرودس الكبير ابنه الحارث الرابع ولكنه أراد أن يطلقها ليتزوج هيروديا زوجه أخيه فيلبس ولهذا قامت الحرب بين الحارث وانتيباس فانهزم هذا الأخير غير أن الرومان أرادوا الانتصار لاتيباس فشرعوا في الزحف إلى البتراء ولكن ذلك لم يسبب وفاه الإمبراطور طببايوس في سنه 37ق.م وقد قتل انتيساس يوحنا المعمدان في سجنه وقدم رأسه على طبق إلى ابنه هيروديا استجابة لرغبتها وقد ورد اسم الحارث في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنشوس اذايقول "في دمشق والى الحارث الملك كان يحرس مدينه الدمشقيين يريد أن يمسكني فتدليت من طاقه في زنبيل من السور ونجوت من يديه"ونستدل من ذلك على أن الحارث الرابع استولى على دمشق فيما يقرب من سنه 37ق.م إبان الحرب التي قامت بينه وبين هيرودس انتيباس .
"مالك الثاني "(40-71او 75م)
خلف أباه الحارث الرابع ويبدو إن الأنباط قد فقدوا على أيام هذا الرجل مدينه دمشق وان كانت مجاوراتها من الناحية الشرقية والجنوبية الشرقية ظلت تحت السيادة النبطية هذا وقد وصلتنا من عهد مالك الثاني عملات فضيه وبرنزيه نقشت عليها صورته وصورة زوجته التي وصفت بأنها "شقيقة الملك "مما يشير إلى أن بعض الملكات كن زوجات شقيقات للملوك الحاكمين متبعين في ذلك عاده البطالمة والذين نقلوها بدورهم عن الفراعنة وتشير كتابه أثريه على تمثال للملك عباده بان إحدى زوجات الحارث كانت أخته كذلك ولعل ذلك كله بجانب ظهور التماثيل النصفية المزدوجة للزوجين منذ عهد عباده الثالث وحتى نهاية عهد الملكية يشير إلى أن المرأة النبطي هانما قد وصلت إلى المنزلة رفيعة إثناء عهد الملكية .
وهناك ما يشير إلى أن النبط قد اشترك بفرقه من جيشه بلغ عددها خمسه آلاف من المشاة فضلاً عن ألف من الفرسان في هجوم الذي شنه (تيتوس)في عام 70م أورشليم والذي انتهى أخر الأمر بتدمير المدينة المقدسة وبانتهاء اليهود ككيان سياسي له وزن في فلسطين وجاء بعد مالك الثاني ولده "رب إيل"الثاني (سوتر)وقد حكم في الفترة (70-106م)أو (70-101م)ويبدو إن حكمه كان تحت وصاية أمه (شقيله )وان أخاه (أنيس)(انيشو)كان يساعده أمه في شؤون الحكم وحينما بلغ الصبي رشده تزوج من أخته (جميله)التي نقشت صورتها بجانب صورته على إحدى العملات واستغل بالحكم ويبدو انه هو الذي وصف بأنه الذي جلب الحياة والخلاص لشعبه .
ويبدو إن الظروف السياسية بدأت تتغير عند وفاه "رب إبل الثاني "وذلك إن الامبراطوريه الرومانية التي كانت قد ابتلعت الدويلات الصغيرة في سوريا وفلسطين بدأت تعد العده لجولة فاصله مع (الفريتيين)ومن ثم فقد بدا القادة الرومان يرون ضرورة إخضاع كل الدول التي كانت تفصل يبنهم وبين أعدائهم وهكذا أمر (تراجان)(98-117م)نائبه في سوريه "كورنيليوس بالما"في عام 106م بان يزحف على البتراء وان يضم دوله إلى إمبراطوريه الرومانية وهكذا أصبحت تعرف فيما بعد باسم (المقاطعة العربية )وغدت "بصرى"عاصمة لها .
بينما أخذت البتراء تتضاءل شيئا فشيئاً حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي مجرد مكان ضئيل الشأن وإن احتفظت بمكانها كمركز ديني مسيحي هام على إن نشاط الأنباط الاقتصادي رغم ضياع نفوذهم السياسي لم يتوقف وظلوا يمارسون التجارة وقياده القوافل بين مصر وبلاد العرب ومؤانئ البحر الأحمر وبخاصة تلك التي تواجه السواحل المصرية كما تدلنا على ذلك كتابات نبطيه من سيناء ومن داخل مصر ومنها تلك الكتابة التي ترجع إلى عام 266م وأخيرا فإن بعضاً من المستشرقين إنما يظن أن"عرب الحويطات"القاطنين في منطقه "حسمى"في شمال الحجاز إنما هم من بقايا النبط .
حضارة الأنباط وآثارهم :
حضارة الأنباط حضارة مركبه على حد قول الدكتور فيليب حتى فهي عربيه في لغتها ارميه في كتابتها سامية في ديانتها ويونانيه رومانيه في فنها وهندستها المعمارية ولكنها مع ذلك عربيه في جوهرها فالأنباط عند مؤرخي اليونان والرومان عرب ويؤكد هذه الحقيق هان اغلب الأسماء التي كانت شائعة عندهم تشبه الأسماء التي كان يستعملها عرب الجنوب وعرب الشمال في شبه الجزيرة العربية من هذه الأسماء حارثه ومالك و جذيمه وكليب ووائل ومغيره لاوقصي وعدي وعائذ وعمرو ويعمر ومعن ووهب الله وعلى وحبيب وسعيد وجميله وهاجر وشقيله وهاني وجدله وعبد الملك وسعد الله وحميد وحوشب.
وممالا شك فيه أن لغة الأنباط لهجة عربيه شماليه فكثير من الكلمات الواردة في النقوش النبطية المكتشفة عربيه خالصة مثل قبر بل إننا نلاحظ في بعض النقوش أن عبارات بأكملها تكاد تكون عربيه .
ومن حيث الديانة شارك الأنباط العرب في عبادة بعض الأصنام المعروفة في الحجاز في العصر الجاهلي مثل "ذي الشري"المعروف عندهم "بذو شري"وهو الإله الرئيسي عندهم وهو اله الشمس ، ومن إلهتهم اللات "آلت"إلهة القمر وهي أم الالهه وقد تحولت إلى أثينا ومنها أيضا مناه "منوتن"وهبل ""هبلو""وشيع القم" أي حامي القوم وهواله القوافل ومنها العزي ومعظمها إلهه ورد ذكرها في القران الكريم وبعض هذه الالهه انتقلت عبادتها إلى مكة على يدي عمرو بن لحي الخزاعي .
وحضارة الأنباط تقوم اساساً على التجارة إذا أن البتراء كانت المركز التجاري والاقتصادي الرئيسي للطرق التجارية مابين غزه وبصري ومابين دمشق وأيله وقد امتد النشاط التجاري للأنباط إلى مناطق نائية فقد عثر على اثأر تجارتهم في سلوقيه والاسكندريه ورودس وديلوس ومؤانئ سوريه بل أن بعض الآثار الكتابية عثر عليها مبعثره عند مصب الفرات وكانت أهم السلع التي يقومون بالتجارة فيها العطور والطيوب اليمنية والمنسوجات الحريرية من دمشق والصين والحناء العسقلاني واللآلئ من الخليج العربي هذا بالإضافة إلى بعض المنتجات المحلية كزيت السمسم والذهب و الفضة ومن الناحية الصناعات كانت صناعه الأواني الفخارية أهم ما كانوا يشتغلون به من الصناعات وكان فخارهم من الرقة ودقه الصناعة بحيث كان لا يقل في الجودة عن الخزف الصيني وكانت الجفان الفخارية تزدان بنقوش دقيقه تدهن باللون الأسود وتعبر القطع الخزفية التي أسفر عنها الكشف الأثري سواء كانت هذه القطع خاصة بالكؤوس أو الصحون عن تفوق هذه الصناعة فهي من الرقة بحيث تشبه قشر البيض.
وقد تبقت من عمائر الأنباط آثار كثيرة أهمها البناء المنقور في الصخور المعروف باسم الخزانة وقد اشرنا إيه من قبل ومنها اثأر المسرح الذي يفضي إلى سهل فسيح تتناثر فيه الكهوف الطبيعي هاو المحفورة في الصخر ولبعض هذه الكهوف واجهات منقوشة ومن أهم اثأر الأنباط أيضا بناء يعرف بالدير وهو بناء ضخم يبلغ عرضه 50متراًويصل ارتفاعه حتى قمة الجرة إلى 45متراًويزدان بواجهة من الطراز الهللنستي وبداخل الدير قاعه فسيحة زود جدارها الخلفي بجوفه أقيم فيها نصب حجري يمثل الإله ذا شري ويرجع تاريخ بناء الدير إلى القرن الثالث الميلاديكذلك تبقت آثار بناء يعرف بقصر البنت واقصر بنت فرعون وهو بناء مشيد غير منقور في الصخر لعله أقيم في العصر الروماني ومن اثأر البتراء اثأر ضريح يقال له ضريح الجرة يزدان بواجهة من أروع ما تبقى من الآثار ذات الطابع الهللنستي وأثار ضريح القصر وأثار ضريح سكستوس المشيد في سنه 140م.
ومعظم آثار البتراء تدل على تأثر فن البناء النبطي بالفن الهللنستي أما النقوش الكتابية النبطية فقد عثر عليها في مناطق مختلفة ومعظم النقوش النبطية عثر عليها في مدينه الحجر وفي البتراء وفي منطقه حوران وفي سيناء الأمر الذي يدل على امتداد نفوذ الأنباط جنوبا في الجزيرة العربية حتى الحجر وغربا حتى سيناء وشمالا حتى حوران .
منقول
كان للنشاط التجاري في بلاد اليمن والحجاز اثر كبير في قيام دويلات عربيه على تخوم الشام والعراق في العصر السابق على ظهور الإسلام فقد كانت بادية الشام وجنوبي فلسطين مركزا لهجرات متتابعة من جنوب الجزيرة العربية منذ أوائل التاريخ المسيحي مثل قبيلة بني تنوح وقبيلة بني سليح وال جفنه وكانت قرية بوريكة باللغة يطلق عليها في العصر الروماني اسم بوريكه السبئيين إلا أن استقرار قبائل عربية في بادية الشام يرجع في حقيقة الأمر إلى عصور سابقة للعصر الروماني ومن أقدم الشعوب العربية التي استقرت في جنوب فلسطين شعــب الأنباط
موقع الانباط :
مملكة لأنباط قامت في شمال الحجاز وتنسب إلى شعب من شعوب العرب يعرف عند اليونان باسم nabataeiأو النبط وقد سكنوا في بادية الشام وجنوبي سوريه في القرن السادس قبل الميلاد تقريبا ولم نعثر في مصادر العربية على أخبار عن الأنباط كما لم نعثر على إخبار عنهم في الوثائق الخاصة بحملات الأشوريين على الشام ومـصـر وإنما وفقنا على أخبارهم من كتابات الإغريق ومن نتائج والكشوف التي أسفرت عنها الأبحاث الأثرية في البتراء وحوران .
لغة الانباط :
اتخذ الأنباط اللغة الآرامية لغة للكتابة النبطية والخط النبطي على هذا النحو خط آرامي ولكنه متطورة من الخط الآرامي القديم وقد عرف لذلك بالخط النبطي تمييزاً
له عن بقية الخطوط الآرامية ومن أقدم الرقم النبطية رقم المنارة في شرقي حوران ويرجع إلى سنه 238م ولقد أرخ به قبر امرئ ألقيس بن عمرو من ملوك الحيرة وعثر على كتابات نبطيه مؤرخه أيضا في جرش وماديا والخط النبطي قريب من الخط الكوفي القديم والأمر الذي دعا كثير من العلـماء إلى القول بأن هذا الخط مشتق من الخط النبطي.
التضاريس وتأثيرها في تاريخ الأنباط :
تتميز تضاريس الأنباط بأنها بلاد جبليه قفراء قليله المياه وتكثر فيها المرتفعات الصخرية الوعرة والشعب وقد انعكست هذه الطبيعة الوعرة على النبط فطبعتهم بطابعها ولذلك عرف الأنباط بشده الماس والعنف كما عرفوا بميلهم إلى الغزو وساعدتهم هذه البيئة الصخرية على مقاومة أعدائهم فصعب على هؤلاء قهرهم وإخضاعهم لهمولهذا السبب لم يتمكن الأشوريين أو الفرس أو الإغريق من قهر هذا الشعب ولقد سمي الإغريق بلادهم للسبب نفسه باسم بلاد العرب الصخرية كما سميت عاصمتهم بالبتراء Petraeaأي الصخرة وهي تقارب في معناها كلمه سالع العبرانية المذكورة في التوراة وتعني الشق في الصخر والتسمية العربية مترجمه من اليونانية ونلاحظ أن التسمية العبرانية أكثر دقه لان مدخل البتراء يتسم بوجود أخدود عميق بين جبلين يعرف اليوم باسم السيق ولعله لفظ نبطي متوارث حرفه الناس من كلمه الشق في السبئية القديمة .
العاصمة البتراء :
شهرتها :اشتهرت أطلالها في العصر الأموي بوجه خاص وكان ينزلها الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك أما اليوم فالبتراء تعرف باسم وادي موسى أو البتراء وهو الاسم اليوناني .
موقعها :وتقع موقعاً استراتجياً هاماً على سطح هضبة قاحلة يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من 3000قدم وتحيط بها الجبال من سائر الجهات بحيث يتعذر الدخول إليها إلا من الممر الضيق المعرف بالسيق .
كتابات المؤرخين عنها :
وقد أشار المقدسي في كتابه أحسن التقاسيم إلى موضع البتراء كما وصف الاصطخري بعض أبنيتها المنحوتة في الصخور ولعله يقصد بهذه الأبنية الصخرية البناء المعروف باسم الخزنة وهو بناه منقور في الصخر شأنه شان بقيه منشآت البتراء .
ويتميز الطابق العلوي منه بوجود إفريز مثلث الشكل يتوسطه جوسق مستدير ويعلو الإفريز جره كبيره أحدثت فيها كسور كثيرة نتيجة لتعرضها لرصاص البنادق إذ كان كثير من الناس يعتقدون أن بداخلها كنز من الذهب ولهذا عرف البناء كله بالخزانة والواقع أن الجرة المذكورة هي قطعه منحوتة من الصخر الأصم إما الطابق الأدنى فمتوج بإفريز ذي أشرطة بارزه تؤلف مثلثا على نحو نظام واجهات المعابد الإغريقية وتقوم الواجهة على أعمده ضخمه وتزدان بنقوش وكتابات نبطيه وكانت الخزنة فيما يظهر معبدا لكثره ما كانت تزدان به من تماثيل
وقد استغل الأنباط الانقسام بين قواد الاسكندر ومدوا مملكتهم من غزه إلى أبله في مناطق صخريه وازدهرت البتراء في نهاية القرن الرابع ق.م.وظلت زهاء أربع مائه سنه تشغل مكاناً هاما على طريق القوافل الذي يمتد ما بين الشام ومـصـر.
نشاط السكان الاقتصادي :
وأصبحت البتراء في القرن الأول قبل الإسلام أهم مراكز التجارة القادمة من جزيرة العرب وساعد موقع البتراء على ازدياد أهميتها كمحطة تجاريه في ملتقى الطرق التجارية من العراق شرقاً إلى اليمن جنوبا وسوريا وفلسطين شمالا ومصر غرباً وقد أثرى الأنباط ثراء فاحشا بسبب اشتغالهم بالتجارة فلما عمل البطالمة على احتكار التجارة البحرية والسيطرة على البحر الأحمر عن طريق إنشاء محطات ومواني على سواحله وإقامة علاقات مع عرب الجنوب الذين يشتغلون بالتجارة في البحر الأحمر.
وقد أدرك الأنباط مدى الخطر الذي يتهددهم كما أدركوا الأضرار الفادحة التي يمكن أن تصيب مصالحهم التجارية بسبب ذلك فاضطروا إلى التحرش بسفن البطالمة وقطع الطرق البحرية عليها والاستيلاء على حمولاتها الأمر الذي دفع بطليموس الثاني (285-246ق.م.) إلى إنشاء قوة بحريه لحراسه السفن التجارية البطلمية وتمكن بذلك من السيطرة على شمال البحر الأحمر وخليج العقبة ولكن النبط انتهزوا فرصه اشتغال بطليموس بالحرب مع سلوقيي سوريه فعادوا مهاجمة سفن البطالمة .
أشهر ملوك الأنباط :
الملك اريتاس الأول أو الحارث (169ق.م.-146ق.م.)
أول ملوك النبط الذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ وفي الفصل الخامس من أسفار المكابيين وقد كان معاصراً لأنطيوخوس الرابع السلوقي ملك سوريا وبطليموس فيلوماتر ملك مصر وقد حالف الحارث النبطي جيرانه المكابيين بني حشمناي ضد السلوقيين ففي سنه 168ق.م.قام يهوذا المكابي بالثورة على السلوقيين ونجح في احتلال بيت المقدس .
الحارث الثاني 110ق.م و96ق.م.
من اشهر ملوك الأنباط وكان يعرف باسم ايروتيموس وفي عهده طلب يوتاثان الذي تولى الأمر بعد مصرع أخيه يهوذا المكابي سنه 161ق.م من النبط أن ينصروه على أعدائه وقد سير لهذا الغرض أخاه يوحنا ليسأل النبطيين أولياءه أن يعيروهم عدتهم الوافرة مما يدل على أن علاقة الأنباط بالمكابيين كانت حسنه للغاية وأن الأنباط كانوا على درجه كبيره من القوه إلا أن جماعه من العرب الذين يسكنون ميدبا ويعرفون ببني يمري غدروا بيوحنا المكابي وقتلوه .
ولكن سياسة حسن الجوار والتحالف القائمة بين الأنباط والمكابيين لم تلبث أن تبدلت إلى سياسة عداء فقد تبين للأنباط أنهم بسياستهم السابقة أضروا بمصالحهم الخاصة فلم تكن سياسة المكابيين مقتصرة على الطلب الاستقلال التام والخلاص من الحكم الأجنبي بل كانت تستهدف الاستيلاء على الأردن والتوغل في المناطق النبط نفسها وإنشاء حكومة قويه قد تزاحم حكومتهم في يوم من الأيام فرأى الأنباط أن من الخير لهم أن يدعوا هذا التأييد وأن يقاوموا إن احتاج الأمر إلى مقاومه وقد أدت المنافسة بين المكابيين والأنباط إلى اصطدامات مسلحه .
وهرع الحارث الثاني لمساعده غزه في سنه 96ق.م عندما بلغه أن اسكندر جينوس المكابي (103-76)ق.م يحاصرها وتمكن عباده الأول النبطي من إلحاق الهزيمة باسكندر جينوس وجيشه المرتزقة في سنه 90ق.م في معركة وقعت على الضفة الشرقية من الأردن وقد مهد انتصاره لاستيلائه على منطقه حوران أما اسكندر فعاد منهزما إلى البيت المقدس واقترن وصوله إليها بقيام فتنه في كل مكان وزمان من دولته وتحرج موقف اسكندر ورأى أن يكسب ود العرب على الخصومة فتنازل لعباده النبطي عن مأرب وجلعاد ليأمن على ما تبقى من مملكته .
الحارث الثالث النبطي (87-62)ق.م
يعتبر اشتهر ملوك الأنباط على الإطلاق فاسمه يقترن بفتوحات كبرى وانتصارات هيأت المجال للأنباط أن يوسعوا نطاق أملاكهم على حساب السلوقيين واليهود في أن واحد ولذلك يعتبر الحارث الثالث المؤسس الحقيقي لسلطه الأنباط واستغل الحارث ضعف السلوقيين عند بداية ظهور رومه على أعتاب الشرق وعندما بدأ أنطيوخوس ديونيسوس هجومه على الأنباط اصطدم مع الحارث الثالث 86ق.م في معركة عنيفة حدثت عند قرية الواقعة على سواحل يافا وفيها انهزم السلوقيين هزيمة نكراء وسقط ملكهم سريعاً .
استجاب الحارث بعد هذا الانتصار الكبير إلى دعوة سكان دمشق ليقيم نفسه حاكما عليها وعلى الأقاليم الملحقة بها بما فيها من سهول مثل سهل البقاع وذلك في سنه 85ق.وتخلص سكان دمشق بذلك من أسوأ مصير ينتظرهم فيما لو سقطت في يد الأمير الإيتوري الذي كان يطمع في عرش سوريه.
ولم يتردد الحارث في التدخل في شؤون مملكه يهوذا مره ثانيه عندما دب الشقاق بين الأخوين ارسطوبولس الثاني وهركانوس الثاني أبنى اسكندر جينوس للظفر بعرش المملكة وانقسم الشعب شيعاً و أحزابا حزب مؤيد لهذا أو ذاك وحزب معارض له واستعان أرسطو بولس بجنود مرتزقة
وجماعات من العرب لمحاربه أخيه فاضطر هذا إلى استنصار الأنباط ووسط لهذا الفرض احد أصدقاء الحارث يدعى انتيباتر الذي أسفر تدخله عن نجاح كبير في مهمته وعلى اثر ذلك لجأ هركانوس إلى البتراء وطلب من الحارث أن يساعده في إعادته على العرش ووعد في مقابل ذلك أن يرد إلى الحارث عدداً من المدن كان اسكندر جينوس قد اغتصبها من العرب ومن بينها ميديا ونبالو وليباس زاو ريبا وكان من الطبيعي أن يوافق الحارث لسببين أن يوسع أملاكه على حساب مملكه يهوذا وان يستغل الفرصة الانقسام الداخلي ليقضي نهائيا عليها ثم إنه هاجم جيش ارسطوبولس في سنه 66ق.م بجيش كثيف عدته 50 ألف مقاتل وانهزم ارسطوبولس وفر إلى بيت المقدس ولم يتركه الحارث يهرب فأرسل وراءه فرقه من الأنباط حاصرت عاصمة اليهود وكادت تفتتحها لولا تدخل الرومان وقتئذ هذا النزاع فقد حدث أن استولى القائد الروماني بومبى على دمشق وسوريه وأرسل حمله عسكريه بقياده القائد اسكاوروس لجمل الحارث على رفع الحصار عن بيت المقدس وقد استجاب الحارث لذلك رغبه في أقامه علاقة طيبه مع الرومان واغتنم الفرصة ارسطوبولس وهاجم الحارث في موضع يعرف باسم بابيرون وتمكن من إحراز النصر عليه ثم زحف ارسكاوروس بعد ذلك متجها إلى البتراء بقصد الاستيلاء عليها فأسكته الأنباط بهداياهم .
وهكذا ضيق الأنباط على مملكه يهوذا المتداعية من الشرق والجنوب وأصبحك من الطبيعي بعد ما ناله الحارث من انتصارات على اليهود و السلوقيين أن يدس انفه في شؤون المكابيين في بيت المقدس ولم يلبث أن اشتبك معهم في معركة حدثت عند موضع يعرف باسم الحديثة على مقربه من اللد فيها تمزق جيش اليهود وانهزم هزيمة نكراء أرغمته على طلب الصلح بما يرتضيه الأنباط من شروط .
وشهد الحارث الثالث استيلاء بومبى على دمشق في سنه 64ق.م فكانت فتره تبعيتها له فتره قصيرة وقد أحبه أهل دمشق ولقبوه بلقب محب الهللينيين ونستنتج من أسلوب البناء في البتراء أن الحارث كان مغرما بالفن الهللنستي الشائع في سوريا وقد تابعه خلفاؤه في هذا السبيل وعثر على عملات نبطيه نقش عليها اسم الحارث الثالث وهي عملات متأثرة بنظائرها التي ضربت بدمشق في أيام ديمتريوس الثالث
عباده الثاني (62-47ق.م)
تولى مملكه الأنباط بعد الحارث ابنه الملك عباده وفي عهده امتدا نفوذ الرومان على الشرق فاستولوا على أسيا الصغرى وسوريه ومصر وانتزع الرومان في الشام ماكان الحارث الثالث قد استولى عليه من قبل ويبدو أن سياسة الأنباط بعد الحارث الثالث كانت تهدف إلى المحافظة على استقلال مملكتهم وحمايتها من العواصف والأنواء التي أثارها الغزو الروماني لسوريه فارتبطوا منذ عهد عباده الثاني مع الرومان برابطه الحلف والولاء فاشتركوا في عهد مالك الاول (47-30ق.م)بفرقه من الفرسان في حمله يوليوس قيصر على الاسكندريه في سنه 47ق.م وفي عهد مالك الأول تمكن الرومان من إسقاط المكابيه اليهودية في بيت المقدس ووضعوا مكانها الاسره الهيروديه الموالية لهم .
عبادة الثالث (30ق.م -9ق.م )
وفي عهده اشترك النبط في الحملة التي أرسلها أغسطس قيصر بقيادة اليوس جالوس لغزو بلاد اليمن , واشترك الأنباط في هذا الحملة في سنة 24 ق.م , وتولى صالح syllaeus وزير عبادة مهمة إرشاد الجيش الروماني إلى الطرق التي يسلكها في بلاد العرب , ولكن الحملة انتهت بكوارث تعرض لها الجيش الروماني , وأخفق الرومان في الاستيلاء على اليمن ويعزو استرابون هذا الفشل إلى خيانة سايلوس (صالح) دليل الحملة , الذي سار بالجيش في أكثر مناطق العرب وعورة وأشدها جفافا حتى أن عددا كبيرا من الرومان ماتوا عطشا .
الحارث الرابع (9ق.م40م)
وقد بلغت دوله الأنباط ذروه عظمتها في عهده وكان عهده عهد رخاء وسلام وقد تزوج هيرودس انتيباس ابن هيرودس الكبير ابنه الحارث الرابع ولكنه أراد أن يطلقها ليتزوج هيروديا زوجه أخيه فيلبس ولهذا قامت الحرب بين الحارث وانتيباس فانهزم هذا الأخير غير أن الرومان أرادوا الانتصار لاتيباس فشرعوا في الزحف إلى البتراء ولكن ذلك لم يسبب وفاه الإمبراطور طببايوس في سنه 37ق.م وقد قتل انتيساس يوحنا المعمدان في سجنه وقدم رأسه على طبق إلى ابنه هيروديا استجابة لرغبتها وقد ورد اسم الحارث في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنشوس اذايقول "في دمشق والى الحارث الملك كان يحرس مدينه الدمشقيين يريد أن يمسكني فتدليت من طاقه في زنبيل من السور ونجوت من يديه"ونستدل من ذلك على أن الحارث الرابع استولى على دمشق فيما يقرب من سنه 37ق.م إبان الحرب التي قامت بينه وبين هيرودس انتيباس .
"مالك الثاني "(40-71او 75م)
خلف أباه الحارث الرابع ويبدو إن الأنباط قد فقدوا على أيام هذا الرجل مدينه دمشق وان كانت مجاوراتها من الناحية الشرقية والجنوبية الشرقية ظلت تحت السيادة النبطية هذا وقد وصلتنا من عهد مالك الثاني عملات فضيه وبرنزيه نقشت عليها صورته وصورة زوجته التي وصفت بأنها "شقيقة الملك "مما يشير إلى أن بعض الملكات كن زوجات شقيقات للملوك الحاكمين متبعين في ذلك عاده البطالمة والذين نقلوها بدورهم عن الفراعنة وتشير كتابه أثريه على تمثال للملك عباده بان إحدى زوجات الحارث كانت أخته كذلك ولعل ذلك كله بجانب ظهور التماثيل النصفية المزدوجة للزوجين منذ عهد عباده الثالث وحتى نهاية عهد الملكية يشير إلى أن المرأة النبطي هانما قد وصلت إلى المنزلة رفيعة إثناء عهد الملكية .
وهناك ما يشير إلى أن النبط قد اشترك بفرقه من جيشه بلغ عددها خمسه آلاف من المشاة فضلاً عن ألف من الفرسان في هجوم الذي شنه (تيتوس)في عام 70م أورشليم والذي انتهى أخر الأمر بتدمير المدينة المقدسة وبانتهاء اليهود ككيان سياسي له وزن في فلسطين وجاء بعد مالك الثاني ولده "رب إيل"الثاني (سوتر)وقد حكم في الفترة (70-106م)أو (70-101م)ويبدو إن حكمه كان تحت وصاية أمه (شقيله )وان أخاه (أنيس)(انيشو)كان يساعده أمه في شؤون الحكم وحينما بلغ الصبي رشده تزوج من أخته (جميله)التي نقشت صورتها بجانب صورته على إحدى العملات واستغل بالحكم ويبدو انه هو الذي وصف بأنه الذي جلب الحياة والخلاص لشعبه .
ويبدو إن الظروف السياسية بدأت تتغير عند وفاه "رب إبل الثاني "وذلك إن الامبراطوريه الرومانية التي كانت قد ابتلعت الدويلات الصغيرة في سوريا وفلسطين بدأت تعد العده لجولة فاصله مع (الفريتيين)ومن ثم فقد بدا القادة الرومان يرون ضرورة إخضاع كل الدول التي كانت تفصل يبنهم وبين أعدائهم وهكذا أمر (تراجان)(98-117م)نائبه في سوريه "كورنيليوس بالما"في عام 106م بان يزحف على البتراء وان يضم دوله إلى إمبراطوريه الرومانية وهكذا أصبحت تعرف فيما بعد باسم (المقاطعة العربية )وغدت "بصرى"عاصمة لها .
بينما أخذت البتراء تتضاءل شيئا فشيئاً حتى أصبحت في القرن الثالث الميلادي مجرد مكان ضئيل الشأن وإن احتفظت بمكانها كمركز ديني مسيحي هام على إن نشاط الأنباط الاقتصادي رغم ضياع نفوذهم السياسي لم يتوقف وظلوا يمارسون التجارة وقياده القوافل بين مصر وبلاد العرب ومؤانئ البحر الأحمر وبخاصة تلك التي تواجه السواحل المصرية كما تدلنا على ذلك كتابات نبطيه من سيناء ومن داخل مصر ومنها تلك الكتابة التي ترجع إلى عام 266م وأخيرا فإن بعضاً من المستشرقين إنما يظن أن"عرب الحويطات"القاطنين في منطقه "حسمى"في شمال الحجاز إنما هم من بقايا النبط .
حضارة الأنباط وآثارهم :
حضارة الأنباط حضارة مركبه على حد قول الدكتور فيليب حتى فهي عربيه في لغتها ارميه في كتابتها سامية في ديانتها ويونانيه رومانيه في فنها وهندستها المعمارية ولكنها مع ذلك عربيه في جوهرها فالأنباط عند مؤرخي اليونان والرومان عرب ويؤكد هذه الحقيق هان اغلب الأسماء التي كانت شائعة عندهم تشبه الأسماء التي كان يستعملها عرب الجنوب وعرب الشمال في شبه الجزيرة العربية من هذه الأسماء حارثه ومالك و جذيمه وكليب ووائل ومغيره لاوقصي وعدي وعائذ وعمرو ويعمر ومعن ووهب الله وعلى وحبيب وسعيد وجميله وهاجر وشقيله وهاني وجدله وعبد الملك وسعد الله وحميد وحوشب.
وممالا شك فيه أن لغة الأنباط لهجة عربيه شماليه فكثير من الكلمات الواردة في النقوش النبطية المكتشفة عربيه خالصة مثل قبر بل إننا نلاحظ في بعض النقوش أن عبارات بأكملها تكاد تكون عربيه .
ومن حيث الديانة شارك الأنباط العرب في عبادة بعض الأصنام المعروفة في الحجاز في العصر الجاهلي مثل "ذي الشري"المعروف عندهم "بذو شري"وهو الإله الرئيسي عندهم وهو اله الشمس ، ومن إلهتهم اللات "آلت"إلهة القمر وهي أم الالهه وقد تحولت إلى أثينا ومنها أيضا مناه "منوتن"وهبل ""هبلو""وشيع القم" أي حامي القوم وهواله القوافل ومنها العزي ومعظمها إلهه ورد ذكرها في القران الكريم وبعض هذه الالهه انتقلت عبادتها إلى مكة على يدي عمرو بن لحي الخزاعي .
وحضارة الأنباط تقوم اساساً على التجارة إذا أن البتراء كانت المركز التجاري والاقتصادي الرئيسي للطرق التجارية مابين غزه وبصري ومابين دمشق وأيله وقد امتد النشاط التجاري للأنباط إلى مناطق نائية فقد عثر على اثأر تجارتهم في سلوقيه والاسكندريه ورودس وديلوس ومؤانئ سوريه بل أن بعض الآثار الكتابية عثر عليها مبعثره عند مصب الفرات وكانت أهم السلع التي يقومون بالتجارة فيها العطور والطيوب اليمنية والمنسوجات الحريرية من دمشق والصين والحناء العسقلاني واللآلئ من الخليج العربي هذا بالإضافة إلى بعض المنتجات المحلية كزيت السمسم والذهب و الفضة ومن الناحية الصناعات كانت صناعه الأواني الفخارية أهم ما كانوا يشتغلون به من الصناعات وكان فخارهم من الرقة ودقه الصناعة بحيث كان لا يقل في الجودة عن الخزف الصيني وكانت الجفان الفخارية تزدان بنقوش دقيقه تدهن باللون الأسود وتعبر القطع الخزفية التي أسفر عنها الكشف الأثري سواء كانت هذه القطع خاصة بالكؤوس أو الصحون عن تفوق هذه الصناعة فهي من الرقة بحيث تشبه قشر البيض.
وقد تبقت من عمائر الأنباط آثار كثيرة أهمها البناء المنقور في الصخور المعروف باسم الخزانة وقد اشرنا إيه من قبل ومنها اثأر المسرح الذي يفضي إلى سهل فسيح تتناثر فيه الكهوف الطبيعي هاو المحفورة في الصخر ولبعض هذه الكهوف واجهات منقوشة ومن أهم اثأر الأنباط أيضا بناء يعرف بالدير وهو بناء ضخم يبلغ عرضه 50متراًويصل ارتفاعه حتى قمة الجرة إلى 45متراًويزدان بواجهة من الطراز الهللنستي وبداخل الدير قاعه فسيحة زود جدارها الخلفي بجوفه أقيم فيها نصب حجري يمثل الإله ذا شري ويرجع تاريخ بناء الدير إلى القرن الثالث الميلاديكذلك تبقت آثار بناء يعرف بقصر البنت واقصر بنت فرعون وهو بناء مشيد غير منقور في الصخر لعله أقيم في العصر الروماني ومن اثأر البتراء اثأر ضريح يقال له ضريح الجرة يزدان بواجهة من أروع ما تبقى من الآثار ذات الطابع الهللنستي وأثار ضريح القصر وأثار ضريح سكستوس المشيد في سنه 140م.
ومعظم آثار البتراء تدل على تأثر فن البناء النبطي بالفن الهللنستي أما النقوش الكتابية النبطية فقد عثر عليها في مناطق مختلفة ومعظم النقوش النبطية عثر عليها في مدينه الحجر وفي البتراء وفي منطقه حوران وفي سيناء الأمر الذي يدل على امتداد نفوذ الأنباط جنوبا في الجزيرة العربية حتى الحجر وغربا حتى سيناء وشمالا حتى حوران .
منقول