طروادة
طروادة Troia مدينة أسطورية قديمة اشتهرت بالحرب التي دارت حولها، وخلدها الشاعر الإغريقي الكبير هوميروسHomeros في ملحمته الإلياذة. وقد عرفت أيضاً باسم إيليون Ilion (أو إيليوس عند هوميروس)، الذي جاء منه اسم الإلياذة.
كانت طروادة تقوم على سفح هضبة في منطقة ترواس في الشمال الغربي من آسيا الصغرى قرب مضيق الدردنيل وسط سهل خصيب يرويه نهر اسكمندر Skamandros. كان موقعها على بعد نحو 10كم عن البحر يوفر لها الحماية من هجمات القراصنة، ولكنه أتاح لها السيطرة على الطريق التجاري البحري الذي ينطلق بين بحر إيجة عبر مضائق الدردنيل والبوسفور إلى شواطئ البحر الأسود وبلدانه.
يعود الفضل في الكشف عن طروادة التاريخية إلى الآثاري الألماني هاينريش شليمان H.Schliemann، الذي وظَّف ثروته الكبيرة لإثبات حقيقة الأشعار الهوميرية، وأثبت أن طروادة تجثم تحت هضبة هيزارلك Hisarlik التركية وبدأ تنقيباته فيها عام 1871، التي كانت فاتحة عهد جديد في البحث الأثري ودراسة الحضارات الإيجية.
وقد تابعها عالم الآثار الألماني دوربفلد (1893ـ1894) Dörpfeld، ثم تلتها التنقيبات الأمريكية (1932ـ1938) برئاسة كارل بليغن Carl Blegen. وقد أظهرت الحفريات الأثرية وجود تسع طبقات سكنية تعاقبت على الموقع، يعود أقدمها إلى أواخر الألف الرابعة ق.م، وسادستها إلى القرن الخامس عشر ق.م، ولعل الطبقة السابعة A كانت تضم طروادة الهوميرية، والتي سقطت حسب الروايات التاريخية الإغريقية عام 1184ق.م، تبعاً لحسابات العالم الفلكي إيراتوستنيس. وبعد انقطاع دام خمسين سنة استؤنفت التنقيبات مجدداً عام 1988، من قبل بعثة جامعة توبنغن الألمانية برئاسة مانفرد كورفمان M.Korfmann بهدف دراسة تاريخ الموقع والتطورات التي مر بها على مدى أربعة آلاف عام. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها بعد 13سنة من التنقيب، أن طروادة العائدة لعصر البرونز المتأخر (القرن 17ـ13ق.م) كانت أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً، كما أظهرت توافقاً كبيراً بين المعطيات الأثرية ووصف الإلياذة لها، وأظهرت كذلك أن حضارة طروادة هي حضارة أناضولية في آثارها وطقوسها وعالم ألهتها وكذلك على الأرجح في اللغة والكتابة. كما أكدت أهمية طروادة ودورها المحوري في نقل المواد التجارية والثقافية بين حوض بحر إيجة والبحر الأسود ومنطقة القوقاز بوصفها مصدراً لفلزات المعادن.
ورد اسم طروادة في الوثائق الحثية المسمارية بصيغة فيلوسا Wilusa (وأصلها Wilios) أكثر من عشرين مرة، وأشهرها في معاهدة الملك الحثي الكبير مواتالي (نحو 1290ـ1272ق.م) مع ألكسندر ملك فيلوسا والتي تذكر انضمامها إلى الامبراطورية الحثية. ومن الجلي أن فيلوسا بموقعها المهيمن على الدردنيل كانت ذات أهمية سياسية وعسكرية للمملكة الحثية خاصة في صراعاتها مع الآخيين (Achiyawa)، وتشير وثائق أخرى إلى اشتدادها في القرن الثالث عشر ق.م. وتذكر الكتابات المصرية بين حلفاء الحثيين في معركة قادش المشهورة (1287ق.م) اسم دردنوي، وهو الاسم الذي يطلقه هوميروس على الطرواديين أيضاً. وقد جاء في نقش مصري تركه رعمسيس الثالث ويعود إلى بداية القرن الثاني عشر ق.م أن «الجزائر كانت قلقة مضطربة»، ولعل في هذا إشارة إلى حرب طروادة وما رافقها من اضطرابات عمَّت حوض بحر إيجة.
وقد دارت حرب طروادة حسب ملحمة هوميروس بسبب اختطاف الأمير باريس ابن ملك طروادة برياموس زوجة ملك اسبرطة هيلينا Helena التي كانت أجمل نساء عصرها. وليس من المستبعد أن يكون الملوك الآخيون قد استخدموا قصة خطف هيلينا لإثارة حماسة شعوبهم للقتال. ولكن يبدو أن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب الشهيرة كانت بهدف التوسع والسيطرة على المضائق والطريق المؤدية إلى السهول الغنية على شواطئ البحر الأسود، إضافة إلى طمعهم بغنى طروادة وثرواتها وموقعها التجاري الممتاز. وتدل الآثار التي وجدت بين أطلال المدينة على أن تجارتها كانت واسعة، وأن ملوك طروادة فرضوا المكوس والضرائب على جميع البضائع ومن هنا جاءت ثروتهم وكنوزهم. وبذلك اجتمعت كلمة الآخيين على تدمير هذا الحصن المنيع الذي يحول دون توسعهم وسيطرتهم على المنطقة، وانطلقت جيوشهم بقيادة أغاممنون لخوض تلك الحرب الشهيرة التي شاركت فيها أيضاً شعوب آسيا الصغرى إلى جانب الطرواديين. وانتهت الحرب بسقوط طروادة، التي صارت رمزاً للحرب والدمار، مثلما صار «حصان طروادة» رمزًا للمكر والخديعة. حاول الإغريق تصوير حرب طروادة بوصفها فصلاً من فصول النزاع بين الشرق والغرب، الذي تجدد في الحروب الفارسية وكان أحد أسبابها البعيدة.
سحرت طروادة الناس منذ آلاف السنين، وزارت أطلالها شخصيات تاريخية عظيمة بدءاً من الاسكندر الكبير المقدوني في مطلع حملته الشهيرة، مثلما فعل اكسركسيس ملك الفرس قبل البدء بغزو بلاد اليونان، كما زارها عظماء أباطرة الرومان، مثل يوليوس قيصر وأغسطس وهادريان وقسطنطين الكبير. ويروى عن السلطان العثماني محمد الفاتح أنه زار موقع طروادة بعد فتحه القسطنطينية وقال: «لقد استبقى لي الإله الحق، رغم مضي سنوات كثيرة، أن أنتقم لهذه المدينة وأهلها». ومن هذا الموقع عبرت الجيوش العربية مضيق الدردنيل لمهاجمة القسطنطينية ومحاصرتها، كما جرت قربه معارك الدردنيل الشهيرة بين الحلفاء والعثمانيين في الحرب العالمية الأولى.
كانت طروادة موضوعاً لمجموعة كبيرة من الأساطير التي تتعلق بنشأتها وملوكها وأبطالها والحرب التي دارت حولها، والتي انبثقت عنها أروع الأشعار والملاحم والأعمال الأدبية والفنية، وأثرت في الثقافة الإغريقية والأوربية والعالمية. كما أن الرومان كانوا يدعون الانتساب إلى طروادة وأن جدهم الأسطوري كان البطل إينياس، الذي أعطى ملحمتهم الشهيرة (الإنيادة) اسمها.
وهكذا فإن طروادة صارت جزءاً من التراث الثقافي العالمي، وقد أعلنتها منظمة اليونيسكو كذلك عام 1998. كما أن الحكومة التركية أعلنت منطقة طروادة «حديقة بارك وطنية تاريخية للسلام»، وقررت إنشاء متحف كبير على أرضها يليق بأهميتها التاريخية والحضارية. وقد أقيم في ألمانيا معرض أثري كبير بمناسبة مرور 130 سنة على بدء التنقيبات في طروادة (1871ـ 2001) ضم نفائس الآثار والكنوز التي جمعت من أشهر المتاحف العالمية، وصدر عنه مجلد ضخم يتضمن أحدث الدراسات والبحوث المتعلقة بآثار طروادة وحضارتها وتاريخها: «الحلم والواقع».
منظر مدينة طروادة |
كانت طروادة تقوم على سفح هضبة في منطقة ترواس في الشمال الغربي من آسيا الصغرى قرب مضيق الدردنيل وسط سهل خصيب يرويه نهر اسكمندر Skamandros. كان موقعها على بعد نحو 10كم عن البحر يوفر لها الحماية من هجمات القراصنة، ولكنه أتاح لها السيطرة على الطريق التجاري البحري الذي ينطلق بين بحر إيجة عبر مضائق الدردنيل والبوسفور إلى شواطئ البحر الأسود وبلدانه.
يعود الفضل في الكشف عن طروادة التاريخية إلى الآثاري الألماني هاينريش شليمان H.Schliemann، الذي وظَّف ثروته الكبيرة لإثبات حقيقة الأشعار الهوميرية، وأثبت أن طروادة تجثم تحت هضبة هيزارلك Hisarlik التركية وبدأ تنقيباته فيها عام 1871، التي كانت فاتحة عهد جديد في البحث الأثري ودراسة الحضارات الإيجية.
وقد تابعها عالم الآثار الألماني دوربفلد (1893ـ1894) Dörpfeld، ثم تلتها التنقيبات الأمريكية (1932ـ1938) برئاسة كارل بليغن Carl Blegen. وقد أظهرت الحفريات الأثرية وجود تسع طبقات سكنية تعاقبت على الموقع، يعود أقدمها إلى أواخر الألف الرابعة ق.م، وسادستها إلى القرن الخامس عشر ق.م، ولعل الطبقة السابعة A كانت تضم طروادة الهوميرية، والتي سقطت حسب الروايات التاريخية الإغريقية عام 1184ق.م، تبعاً لحسابات العالم الفلكي إيراتوستنيس. وبعد انقطاع دام خمسين سنة استؤنفت التنقيبات مجدداً عام 1988، من قبل بعثة جامعة توبنغن الألمانية برئاسة مانفرد كورفمان M.Korfmann بهدف دراسة تاريخ الموقع والتطورات التي مر بها على مدى أربعة آلاف عام. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها بعد 13سنة من التنقيب، أن طروادة العائدة لعصر البرونز المتأخر (القرن 17ـ13ق.م) كانت أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقاً، كما أظهرت توافقاً كبيراً بين المعطيات الأثرية ووصف الإلياذة لها، وأظهرت كذلك أن حضارة طروادة هي حضارة أناضولية في آثارها وطقوسها وعالم ألهتها وكذلك على الأرجح في اللغة والكتابة. كما أكدت أهمية طروادة ودورها المحوري في نقل المواد التجارية والثقافية بين حوض بحر إيجة والبحر الأسود ومنطقة القوقاز بوصفها مصدراً لفلزات المعادن.
ورد اسم طروادة في الوثائق الحثية المسمارية بصيغة فيلوسا Wilusa (وأصلها Wilios) أكثر من عشرين مرة، وأشهرها في معاهدة الملك الحثي الكبير مواتالي (نحو 1290ـ1272ق.م) مع ألكسندر ملك فيلوسا والتي تذكر انضمامها إلى الامبراطورية الحثية. ومن الجلي أن فيلوسا بموقعها المهيمن على الدردنيل كانت ذات أهمية سياسية وعسكرية للمملكة الحثية خاصة في صراعاتها مع الآخيين (Achiyawa)، وتشير وثائق أخرى إلى اشتدادها في القرن الثالث عشر ق.م. وتذكر الكتابات المصرية بين حلفاء الحثيين في معركة قادش المشهورة (1287ق.م) اسم دردنوي، وهو الاسم الذي يطلقه هوميروس على الطرواديين أيضاً. وقد جاء في نقش مصري تركه رعمسيس الثالث ويعود إلى بداية القرن الثاني عشر ق.م أن «الجزائر كانت قلقة مضطربة»، ولعل في هذا إشارة إلى حرب طروادة وما رافقها من اضطرابات عمَّت حوض بحر إيجة.
وقد دارت حرب طروادة حسب ملحمة هوميروس بسبب اختطاف الأمير باريس ابن ملك طروادة برياموس زوجة ملك اسبرطة هيلينا Helena التي كانت أجمل نساء عصرها. وليس من المستبعد أن يكون الملوك الآخيون قد استخدموا قصة خطف هيلينا لإثارة حماسة شعوبهم للقتال. ولكن يبدو أن الأسباب الحقيقية لتلك الحرب الشهيرة كانت بهدف التوسع والسيطرة على المضائق والطريق المؤدية إلى السهول الغنية على شواطئ البحر الأسود، إضافة إلى طمعهم بغنى طروادة وثرواتها وموقعها التجاري الممتاز. وتدل الآثار التي وجدت بين أطلال المدينة على أن تجارتها كانت واسعة، وأن ملوك طروادة فرضوا المكوس والضرائب على جميع البضائع ومن هنا جاءت ثروتهم وكنوزهم. وبذلك اجتمعت كلمة الآخيين على تدمير هذا الحصن المنيع الذي يحول دون توسعهم وسيطرتهم على المنطقة، وانطلقت جيوشهم بقيادة أغاممنون لخوض تلك الحرب الشهيرة التي شاركت فيها أيضاً شعوب آسيا الصغرى إلى جانب الطرواديين. وانتهت الحرب بسقوط طروادة، التي صارت رمزاً للحرب والدمار، مثلما صار «حصان طروادة» رمزًا للمكر والخديعة. حاول الإغريق تصوير حرب طروادة بوصفها فصلاً من فصول النزاع بين الشرق والغرب، الذي تجدد في الحروب الفارسية وكان أحد أسبابها البعيدة.
سحرت طروادة الناس منذ آلاف السنين، وزارت أطلالها شخصيات تاريخية عظيمة بدءاً من الاسكندر الكبير المقدوني في مطلع حملته الشهيرة، مثلما فعل اكسركسيس ملك الفرس قبل البدء بغزو بلاد اليونان، كما زارها عظماء أباطرة الرومان، مثل يوليوس قيصر وأغسطس وهادريان وقسطنطين الكبير. ويروى عن السلطان العثماني محمد الفاتح أنه زار موقع طروادة بعد فتحه القسطنطينية وقال: «لقد استبقى لي الإله الحق، رغم مضي سنوات كثيرة، أن أنتقم لهذه المدينة وأهلها». ومن هذا الموقع عبرت الجيوش العربية مضيق الدردنيل لمهاجمة القسطنطينية ومحاصرتها، كما جرت قربه معارك الدردنيل الشهيرة بين الحلفاء والعثمانيين في الحرب العالمية الأولى.
كانت طروادة موضوعاً لمجموعة كبيرة من الأساطير التي تتعلق بنشأتها وملوكها وأبطالها والحرب التي دارت حولها، والتي انبثقت عنها أروع الأشعار والملاحم والأعمال الأدبية والفنية، وأثرت في الثقافة الإغريقية والأوربية والعالمية. كما أن الرومان كانوا يدعون الانتساب إلى طروادة وأن جدهم الأسطوري كان البطل إينياس، الذي أعطى ملحمتهم الشهيرة (الإنيادة) اسمها.
منظر من مدينة طروادة |