الهدم لا يعني النهاية
جلست على أنقاض منزلها الذي دكته معاول الهدم الإسرائيلية
تتحدث إلى مراسل الأخبار وقد سقطت من عينها دمعة
لن أسكبَ الدمعَ كي أبكيكِ يا داري
ولا لأُطْفِئَ في جوْفي لظى ناري
لكنْ لأرويَ بالدمعِ السخينِ هنا
في ساحةِ الموتِ بعد الهدمِ أزهاري
أبكي ؟، وماذا يفيدُ الحزنُ في زمنٍ
قد ألْقَمَتْ جَوْفَهُ صمتاً يدُ العارِ ؟
فطأطأَ الرأسَ في ذُلٍّ و في خَوَرٍ
وأغمضَ العينَ عن أفعالِ أشرارِ
يا ناقلاً صورةَ البيتِ الذي اْنهَدَمَتْ
جدرانُهُ فوقَ أطفالي و أطياري
بألفِ طلقةِ حِقْدٍ كان صَوَّبَها
في هجعةِ الليلِ وحشٌ آثِمٌ ضاري
هل تستطيعُ إذا ما كنت مُقتَدِراً
أن تنقِلَ الجُرْحَ في تقريرِ أخبارِ ؟
هُنا ستُنبيكَ أحجارٌ بما صَنَعَتْ
معاولُ الهدمِ ، فاسمعْ قولَ أحجارِ
وانظرْ هناكَ بذاكَ الركنِ ، وا عَجَباً
يا كم طوى قلبُهُ مليونَ تذكارِ
كم قِصَّةٍ في سكونِ الليلِ قد نُسِجَتْ
و كم سَبَحْتُ بِهِ في بحرِ أشعارِ
و كم سمعتُ نداءَ الفجرِ مؤتَلِقاً
من شُرْفَةٍ سَبَّحّتْ للخالِقِ الباري
حتّى بَدَتْ و كأنَّ الصُّبْحَ وضَّأَها
للهِ ساجِدَةً من خلفِ أستارِ
أين ابتسامُ الضُّحى إنْ زارَ غُرفَتَنا
فأرسلَ الشدْوَ ممزوجاً بأنوارِ ؟
انظُرْ فأنقاضُها أفشَتْ سرائِرَها
صراحةً ، مثلما ضَنَّتْ بأسرارِ
انظُرْ إلى فِعْلِهِمْ عمداً بمُصحَفِنا
يا ويلَ صُهيون من ثأري و من ناري
قد كان " أحمدُ " نصفَ الليلِ يقرأُهُ
و يُكملُ الليلَ في حمدٍ و أذكارِ
ما كان يعلمُ أنَّ الموْتَ سابِقُهُ
إلى مُصَلاّهُ في أثوابِ غدارِ
لا زلتُ أذكرُ سطراً في وصيَّتِهِ
" القُدس يا زوجتي أغلى من الدارِ "
أَوْصِي بها " خالداً " في كلِّ آونةٍ
كي يقتفي للعُلا والمجدِ آثاري
قولي لوردتنا إن أنجَبَتْ وَلَداً
يا " فاطمُ " انتَهِجي دربي و أفكاري
كي يكبُرَ الطفلُ والأوطانُ في دَمِهِ
يُعلي بيارِقَها في كلِّ مضمارِ
أوصيكِ أن تحفظي عهدي و موعدُنا
في جنَّةِ الخُلدِ عند الكوثَرِ الجاري
***
يا ناقلاً صورة التشريدِ ، معذرةً
يكفيكَ ما قُلْتُهُ ، فاذهبْ إلى الجارِ
قد تحكي زوجتُهُ عمّا أحاقَ بها
مثلي ، فمحنتُها لحنٌ بقيثاري
كلٌّ يُرددهُ ، والكلُّ يسمعهُ
و الكلُّ في غفلةٍ يلهو بأقداري