أغنية للحب و البحر
وحيداً
أُطِلُّ على البَحرِ أرقُبُ أمواجَهُ
و الظلامُ رويداً رويداً يسيرُ إليهِ
تَلُفُّ الخِضَمَّ مُلاءَتُهُ
و السكونُ شِراعٌ تَعَرَّضَ في البَحرِ
لَوَّحَ لي بالسَّلامْ .
و لا شيئَ حولِيَ غيرُ الرِّمالِ
تُداعِبُها موجةٌ في هُدوءْ .
و عيناكِ تَرتَسِمَانِ على مَوجَتَينِ
كأنَّهًما قَمَرانِ استفاقا لِتَوِّهِمَا
مِن مَنامْ .
و قلبيَ قاربُ عِشقٍ كبيرٍ
تَحَمَّلَ بالشَّوقِ و الوردِ
و النَّرجِسِ الجَبَلِيِّ
لِيُبحِرَ في مُقلتيكِ
إليكِ
يُصارعَ كُلَّ لُصوصِ البحارِ
ليرسوَ فوقَ شواطئِ قلبٍكِ
حيثُ يطيبُ المُقامْ .
فَهلاَّ فتَحتِ مَوانِئَ عينيكِ للفارسِ العَرَبِِيِّ
فَقَد آَنَ بَعدَ عَناءِ الطَّريقِ الطَّويلَةِ
أن يستريحْ .
يسوحَ بِروضاتِ فًلِّكِ ،
كَرزِكِ .
عِزِّكِ،
يقطفَ ما شاءَ مِنها
و من ثمَّ يغفو على ساعديكِ
و يكتم أسرارَ حِضنِكِ ـ يا عمرَهُ ـ
لا يَبُوحْ .
و كَفُّكِ مثلُ نسيمِ الصَّباحِ
تَمُرُّ بِرِفقٍ على وجنَتَيهِ
و تمسحُ عنهُ غبارَ السِّنينَ
و نزفَ الجُروحْ .
أيا ربَّّةَ البَحرِ :
يعلمُ فارسُكِ العَرَبِيُّ الجَرِيحُ
بأنَّكِ آخرُ أسفَارِهِ
مثلما كُنتِ أَوَّلَهَا للخُلُودْ .
و يعلمُ أنَّكِ مهما ابتعدتِ
فأنتِ القريبةُ
أنتِ الحبيبةُ
أنتِ رسولُ الضِّياءِ إليهِ
و أنتِ الحياةُ و نبضُ الوَرِيدْ .
أُحِبُّكِ يا ربَّةَ البَحرِ مُذ خَلقَ اللهُ هذا الخِضَمَّ
و تَوَّجَكِ العاشقونَ عليهِ المليكَةَ
يأتمرُ الماءُ و الموجُ
دهراً بأمرِكْ .
و أدفعُ عمريَ ، مُلكيَ ، روحيَ
مَهراً لطُهرِكْ .
يُحَدِّثًني البَحرُ عنكِ
و كيف تلوَّنَ من مُقلَتَيكِ
و كيف اكتَسَت شَمسُهُ حينَ نامت
على صَدرهِ فِي الغُروبِ
بتبرِكْ .
يُحَدِّثُني عن لآلئَ خبَّأتِها خلف ثغرِكْ
و عن ليلِهِ المُستَحِمِّ بشَعرِكْ .
و عن موجِهِ كيف صارَ رقيقاً
إذا ما ترنَّمَ كالطيرِ صُبحاً بشِعرِكْ .
و لا يعلمُ البحرُ أنِّيَ أعلمُ عنكِ الذي ليس يعلمُ
لكنَّني لا أبوحُ بِِسِرِّكْ .
و أن السَّعادةَ ،
كُلَّ السَّعادةِ
قد ذُقتُها مُذ وَقَعتُ بأسرِكْ .
و أن الرَّبيعَ الذي عِشتُهُ في فراديسِ عينيكِ
كان الخريفَ قُبيلَ امتِطَائيَ صَهوَةَ بَحرِكْ .
أحبُّكِ يا ربَّةَ البحرِ ، هل تسمعين وجيبَ الفؤادِ
و نبضَ المدادِ
و هل تشعرين بنارِ اشتياقيَ
يا شهرَ زادي ؟
و هل تعلمينَ بأنيَ ما كنت يوماً أبوحُ
بما في الضلوع لغيرِكْ ؟
أيا رَبّةَ البحرِ إني غريقٌ
يرومُ النجاةَ
و لا شئَ ، لا شئَ ينقذُهُ غير إطلالةٍ
من نوافذِ قصرِكْ .
فهل تُشرقينْ