بنات خير البشر سيدنا محمد صلى الله علية وسلم
زينب بنت محمد بن عبد الله
بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أكبر بناته
أمها خديجة بنت خويلد
ذات أدب و دلال و ذات جمال و خلق
علمتها أمها أشغال البيت و كانت تنوب عنها في تربية أختها الصغرى فاطمة
نسبها و نشأتها :
ولدت زينب رضي الله عنها قبل بعثة والدها صلى الله عليه و سلم بعشر سنين، و كانت باكورة زواجه من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، و هي أكثر أخواتها شبها بأبيها صلى الله عليه و سلم )
تنتسب إلى أشرف أبوين في الوجود، فوالدها محمد صلى الله عليه و سلم إمام الأنبياء، و قدوة المرسلين، و قائد الغر المحجلين، عليه و على آله و صحبه أزكى الصلاة و أطيب التسليم، و أمها سيدة نساء العالمين، الطاهرة، سيدة قريش و ذروتها نسبا و شرفا و فضلا و علما
نشأت زينب رضي الله عنها في أكرم بيت كريم البنيان طاهر الأردان، فحضيت بحب والدها و أمها فكانت ريحانة تفيض على بيت النبوة طيبا عابقا، و بهجة غامرة
و لما شبت رضي الله عنها بادرت أمها بتدريبها على المشاركة في عبء المنزل، و أخذتها على التمرين مأخذ الجد، و حاولت أن تبعدها قدر الإمكان عن عبث الطفولة و لهوها، فكانت و هي لا تزال فتاة صغيرة لشقيقتها فاطمة نعم المربية و الراعية الصالحة، و ترعى شؤونها ، و تلاعبها و تقوم على خدمتها
زواج زينب :
كبرت الفتاة و بدأ الخطاب يخطبون زينب و لكن أبو العاص ابن الربيع أسر لخالته خديجة أنه يريد زينب زوجا،
فتقدم أبو العاص لخطبة زينب فأحسن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاءه، و أصغى إليه بكل جوارحه، و لكنه استأذنه في سؤال صاحبة الشأن، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ابنته قال لها : بنيتي زينب، إن ابن خالتك أبا العاص بن الربيع ذكر اسمك ..
فسكتت زينب حياء و لم تحر جوابا، لكن خفقات القلب الطاهر، و إغضاء النظر حياء كانا خير جواب
و بعد موافقة زينب و موافقة الرسول صلى الله عليه و سلم زفت زينب لابن خالتها هالة بنت خويلد أبو العاص بن الربيع فتبارك لها أمها الزواج و تهديها قلادتها لتجعلها في عنقها كهدية عروس
و في بيت الزوجية أظلت زينب و زوجها أبا العاص سعادة غامرة، و حب متبادل، فنهلا من رحيق الود أصفى شراب و أنقاه
وكان أبو العاص بحكم تجارته ومكانته في قومه كثير السفر، يغدو إلى الشام فيغيب أياما و ليالي، فتعاني زينب من ألم الفراق، و يعاني هو من ألم البعاد، و لقد هاج به الشوق مرة في إحدى رحلاته فأنشد يقول :
ذكرتُ زينب لما ورّكتْ إرَمــــا === فقلت : سُقْيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة === و كل بعل سيثني بالذي علمـا
ذكر ابن سعد أن أبا العاص تزوج بزينب قبل النبوة
زينب و البعثة النبوية
حين علمت زينب أن أباها بعث نبيا و رسولا فزعت و ذعرت فجاءت تستقصي الخبر من أمها فأكدت لها ما سمعت :
قالت : إن أباك قد أوحي إليه إنه رسول هذه الأمة، فردت زينب قائلة و ماذا صنعت يا أماه، قالت خديجة : آمنت به
فذعرت زينب و ارتبكت فإذا بفاطمة تقول لها أما ترضين أن تكوني ابنة نبي هذه الأمة ؟
قالت : إني سمعت أمي تقول : إن ورقة خالي قال : إنه ليطهد أو يقتل أو يخرج
و لما عرضت زينب الأمر على زوجها فقالت له ألا تؤمن بأبي، فردا قائلا : “و الله ما أبوك عندي بمتهم، و ليس أحب إلي من أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، لكني أكره لك أن يقال إن زوجك خذل قومه و كفر بآلهة آبائه إرضاء لامرأته، فهلا قدرت و عذرتي ”
آلام زينب :
تألمت زينب من عدم إيمان زوجها و عزم قريش على قتل أبيها و تزداد آلامها عندما دخل أبوها و آلها في شعب أبي طالب مع بنو هاشم في حصار ظالم ثلاث سنوات، و هي لا تستطيع حيلة و لا حتى زيارة لأهلها في الشعب
و ما زاد من تفاقم آلامها وفاة أمها الرؤوم خديجة بنت خويلد و وفاة عمها الحنون أبو طالب بعد خروجهم من الشعب
فتتألم لفراق أبيها و أخواتها بعد الهجرة للمدينة فتظل في مكة برفقة زوجها الذي تعيش معه في حيرة و ألم بعدم إسلامه، فيفرق الإسلام بينهما كزوجين قائلة :
” قليلا يا صاحبي، لست حلا لك، و أنت على ذلك الدين، فأسلمني إلى أبي، أو أسلم معي.. لن تكون زينب لك بعد اليوم إلا أن تؤمن بما آمنت ”
فداءها لزوجها الأسير :
و خرج أبوالعاص مع قريش في نفيرها لحماية تجارتها التي تعرضت لتهديد المسلمين، و دارت رحى القتال، و انْتَّرَ المسلمون، و وقع أبو العاص أسيرا
و لما استعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسرى نحّى أبا العاص جانبا و قال لأصحابه: استوصوا بالأسرى خيرا
و كانت زينب في وضع لا تحسد عليه، وحين بدأت عملية فداء الأسرى، كانت رضي الله عنها راغبة في عودة زوجها إليها مستثيرة همة والدها العظيم لذلك، فحملت شقيق زوجها عمرو بن الربيع قلادة كانت لأمها خديجة رضي الله عنها أهدتها لها يوم عرسها كي يقدمها فدية عن زوجها
و لم يكد رسول الله صلى الله عليه و سلم يرى تلك القلادة حتى رقَّ لها رقة شديدة، وخفق القلب الكبير للذكرى العظيمة.
و أطرق الحاضرون من الصحابة خاشعة أبصارهم و قد أسروا بجلال الموقف و روعته
و بعد صمت طويل قال صلى الله عليه و سلم : ” إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها مالها فافعلوا ”
فقالوا جميعا : نعم يا رسول الله
الوفاء بالعهد :
و عاد ابو العاص إلى مكة ، و لشكر زوجته على صنيعها و معروفها و وفاءا لعهده و وعده لأبيها بأن يخلي سبيلها و يعيدها إليه بالمدينة ” عودي إلى أبيك يا زينب “ ، فقد كلف أخاه كنانة بن الربيع قائلا :
” يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحب أن لي امرأة من قريش، و إنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها، فاصحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد، و ارفق بها في السفر، و ارعها رعاية الحرمات، و لو نثرت عليها كنانتك لا يرنو منها رجل حتى تبلغ ”
و ها هو كنانة يخرج بزينب في وضح النهار متحديا قريشا التي اعترضت طريقه، في شخص هبار بن الأسود بن المطلب و نافع ابن عبد القيس، فروع زينب رضي الله عنها و هي في هودجها بإطلاق الرمح عليها وهي حامل و على إثر هذا الحادث طرحت ما في بطنها (1)
و مدافعا عن زينب قائلا للمعتدين : ” و الله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ”
فأعيدت بعد أن تدخل ابو سفيان قائلا :
” إنك لم تصب … خرجت بالمرأة على رؤوس الرجال علانية من بين أظهرنا، إن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا، و نكبتنا التي كانت… و إن ذلك ضعف منا و وهن، لعمري ما لنا حاجة في حبسها عن أبيها … و ما لنا في ذلك من ثؤرة و لكن أرجع المرأة ”
فخرج بها مصمما للمرة الثانية ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة و صاحبه رسولا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم
إسلام أبي العاص بن الربيع
مضت سنوات و سنوات و يخرج ابي العاص في تجارة له إلى الشام في عير لقريش و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر تلك الير مقبلة من الشام، أرسل زيد بن حارثة سنة ست للهجرة فأخذوها و ما فيها من الأثقال، و أسروا جماعة ممن كانوا في حراسة القافلة، منهم أبو العاص بن الربيع .
فلجأ إلى زينب مستجيرا، فتقبل زنيب طلب ابي العاص فتهتف في الناس : ” أيها الناس إني قد أجرت العاص بن الربيع ، فهو في حمايتي و أمني ”
فيرد الرسول صلى الله عليه و سلم لما سمع مقالتها : ” أيها الناس هل سمعتم ما سمعت : إنه يجير على المسلمين أدناهم ”
ثم دخل على ابنته فحدثها و حدثته، و أوصاها قائلا: ” أي بنية أكرمي مثواه، و لا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له ما دام مشركا “
فبعث الرسول صلى الله عليه و سلم إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، فقال: ” إن هذا الرجل منا حيث علمتم ، و قد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا إليه و تردوا عليه ماله ، فإنا نحب ذلك ! و إن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به ”
قالوا : ” بل نرده عليه “ . و قال نفر منهم : ” يا أبا العاص ، هل لك أن تسلم ، و تأخذ هذه الأموال ، فإنها أموال المشركين : فقال الرجل : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي ! ”
و يعود ابو العاص لمكة و يؤدي لكل ذي مال ماله ثم سألهم : يا معشر قريش،هل بقي لأحد منكم عندي مال ؟
قالوا : لا، فجزاك الله خيرا، قد وجدناك وفيا كريما
قال : ” فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا عبده و رسوله ، و الله ما منعني من الإسلام عنده غلا تخوفي أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم ، و فرغت منها أسلمت ”
فالتحق بزينب في المدينة و عاشت معه كزوجين متحابين ما تبقى لها من عمرها القصير
وفاتها رضي الله عنها و أرضاها :
توفيت زينب في سنة ثمان للهجرة فحزن عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم حزنا عظيما، و فارقت الدنيا
بعد أن ضربت مثلا بليغا في وفاء الزوجة و إخلاص المحبة، و صدق الإيمان
و بكاها أبوالعاص بكاء حارا، و تشبت بها حتى أبكى من حوله، و جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم دامع العين محزون الفؤاد ثم قال :
اغسلنها ثلاثا … و اجعلن في الآخرة كافورا، ثم صلى عليها ، و شيعها إلى المقر الأخير
أولادها :
أنجبت زينب رضي الله عنها و أرضاها من أبي العاص عليا و أمامة
وفاءه صلى الله عليه و سلم مع أولادها :
كان صلى الله عليه و سلم يلعب مع أمامة وكان يحملها على ظهره و هو يصلي
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليهو سلم أهديت له قلادة جزع، فقال : ” لأدفعنها إلى أحب أهلي إلي .”
فقالت النساء : ذهبت بها ابنة أبي قحافة ، فعلقها في عنق أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ”
رواه أحمد
زينب بنت محمد بن عبد الله
بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أكبر بناته
أمها خديجة بنت خويلد
ذات أدب و دلال و ذات جمال و خلق
علمتها أمها أشغال البيت و كانت تنوب عنها في تربية أختها الصغرى فاطمة
نسبها و نشأتها :
ولدت زينب رضي الله عنها قبل بعثة والدها صلى الله عليه و سلم بعشر سنين، و كانت باكورة زواجه من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، و هي أكثر أخواتها شبها بأبيها صلى الله عليه و سلم )
تنتسب إلى أشرف أبوين في الوجود، فوالدها محمد صلى الله عليه و سلم إمام الأنبياء، و قدوة المرسلين، و قائد الغر المحجلين، عليه و على آله و صحبه أزكى الصلاة و أطيب التسليم، و أمها سيدة نساء العالمين، الطاهرة، سيدة قريش و ذروتها نسبا و شرفا و فضلا و علما
نشأت زينب رضي الله عنها في أكرم بيت كريم البنيان طاهر الأردان، فحضيت بحب والدها و أمها فكانت ريحانة تفيض على بيت النبوة طيبا عابقا، و بهجة غامرة
و لما شبت رضي الله عنها بادرت أمها بتدريبها على المشاركة في عبء المنزل، و أخذتها على التمرين مأخذ الجد، و حاولت أن تبعدها قدر الإمكان عن عبث الطفولة و لهوها، فكانت و هي لا تزال فتاة صغيرة لشقيقتها فاطمة نعم المربية و الراعية الصالحة، و ترعى شؤونها ، و تلاعبها و تقوم على خدمتها
زواج زينب :
كبرت الفتاة و بدأ الخطاب يخطبون زينب و لكن أبو العاص ابن الربيع أسر لخالته خديجة أنه يريد زينب زوجا،
فتقدم أبو العاص لخطبة زينب فأحسن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاءه، و أصغى إليه بكل جوارحه، و لكنه استأذنه في سؤال صاحبة الشأن، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ابنته قال لها : بنيتي زينب، إن ابن خالتك أبا العاص بن الربيع ذكر اسمك ..
فسكتت زينب حياء و لم تحر جوابا، لكن خفقات القلب الطاهر، و إغضاء النظر حياء كانا خير جواب
و بعد موافقة زينب و موافقة الرسول صلى الله عليه و سلم زفت زينب لابن خالتها هالة بنت خويلد أبو العاص بن الربيع فتبارك لها أمها الزواج و تهديها قلادتها لتجعلها في عنقها كهدية عروس
و في بيت الزوجية أظلت زينب و زوجها أبا العاص سعادة غامرة، و حب متبادل، فنهلا من رحيق الود أصفى شراب و أنقاه
وكان أبو العاص بحكم تجارته ومكانته في قومه كثير السفر، يغدو إلى الشام فيغيب أياما و ليالي، فتعاني زينب من ألم الفراق، و يعاني هو من ألم البعاد، و لقد هاج به الشوق مرة في إحدى رحلاته فأنشد يقول :
ذكرتُ زينب لما ورّكتْ إرَمــــا === فقلت : سُقْيا لشخص يسكن الحرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة === و كل بعل سيثني بالذي علمـا
ذكر ابن سعد أن أبا العاص تزوج بزينب قبل النبوة
زينب و البعثة النبوية
حين علمت زينب أن أباها بعث نبيا و رسولا فزعت و ذعرت فجاءت تستقصي الخبر من أمها فأكدت لها ما سمعت :
قالت : إن أباك قد أوحي إليه إنه رسول هذه الأمة، فردت زينب قائلة و ماذا صنعت يا أماه، قالت خديجة : آمنت به
فذعرت زينب و ارتبكت فإذا بفاطمة تقول لها أما ترضين أن تكوني ابنة نبي هذه الأمة ؟
قالت : إني سمعت أمي تقول : إن ورقة خالي قال : إنه ليطهد أو يقتل أو يخرج
و لما عرضت زينب الأمر على زوجها فقالت له ألا تؤمن بأبي، فردا قائلا : “و الله ما أبوك عندي بمتهم، و ليس أحب إلي من أسلك معك يا حبيبة في شعب واحد، لكني أكره لك أن يقال إن زوجك خذل قومه و كفر بآلهة آبائه إرضاء لامرأته، فهلا قدرت و عذرتي ”
آلام زينب :
تألمت زينب من عدم إيمان زوجها و عزم قريش على قتل أبيها و تزداد آلامها عندما دخل أبوها و آلها في شعب أبي طالب مع بنو هاشم في حصار ظالم ثلاث سنوات، و هي لا تستطيع حيلة و لا حتى زيارة لأهلها في الشعب
و ما زاد من تفاقم آلامها وفاة أمها الرؤوم خديجة بنت خويلد و وفاة عمها الحنون أبو طالب بعد خروجهم من الشعب
فتتألم لفراق أبيها و أخواتها بعد الهجرة للمدينة فتظل في مكة برفقة زوجها الذي تعيش معه في حيرة و ألم بعدم إسلامه، فيفرق الإسلام بينهما كزوجين قائلة :
” قليلا يا صاحبي، لست حلا لك، و أنت على ذلك الدين، فأسلمني إلى أبي، أو أسلم معي.. لن تكون زينب لك بعد اليوم إلا أن تؤمن بما آمنت ”
فداءها لزوجها الأسير :
و خرج أبوالعاص مع قريش في نفيرها لحماية تجارتها التي تعرضت لتهديد المسلمين، و دارت رحى القتال، و انْتَّرَ المسلمون، و وقع أبو العاص أسيرا
و لما استعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسرى نحّى أبا العاص جانبا و قال لأصحابه: استوصوا بالأسرى خيرا
و كانت زينب في وضع لا تحسد عليه، وحين بدأت عملية فداء الأسرى، كانت رضي الله عنها راغبة في عودة زوجها إليها مستثيرة همة والدها العظيم لذلك، فحملت شقيق زوجها عمرو بن الربيع قلادة كانت لأمها خديجة رضي الله عنها أهدتها لها يوم عرسها كي يقدمها فدية عن زوجها
و لم يكد رسول الله صلى الله عليه و سلم يرى تلك القلادة حتى رقَّ لها رقة شديدة، وخفق القلب الكبير للذكرى العظيمة.
و أطرق الحاضرون من الصحابة خاشعة أبصارهم و قد أسروا بجلال الموقف و روعته
و بعد صمت طويل قال صلى الله عليه و سلم : ” إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوا عليها مالها فافعلوا ”
فقالوا جميعا : نعم يا رسول الله
الوفاء بالعهد :
و عاد ابو العاص إلى مكة ، و لشكر زوجته على صنيعها و معروفها و وفاءا لعهده و وعده لأبيها بأن يخلي سبيلها و يعيدها إليه بالمدينة ” عودي إلى أبيك يا زينب “ ، فقد كلف أخاه كنانة بن الربيع قائلا :
” يا أخي إنك لتعلم موضعها من نفسي، فما أحب أن لي امرأة من قريش، و إنك لتعلم ألا طاقة لي بأن أفارقها، فاصحبها عني إلى طرف البادية حيث ينتظر رسولا محمد، و ارفق بها في السفر، و ارعها رعاية الحرمات، و لو نثرت عليها كنانتك لا يرنو منها رجل حتى تبلغ ”
و ها هو كنانة يخرج بزينب في وضح النهار متحديا قريشا التي اعترضت طريقه، في شخص هبار بن الأسود بن المطلب و نافع ابن عبد القيس، فروع زينب رضي الله عنها و هي في هودجها بإطلاق الرمح عليها وهي حامل و على إثر هذا الحادث طرحت ما في بطنها (1)
و مدافعا عن زينب قائلا للمعتدين : ” و الله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما ”
فأعيدت بعد أن تدخل ابو سفيان قائلا :
” إنك لم تصب … خرجت بالمرأة على رؤوس الرجال علانية من بين أظهرنا، إن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا، و نكبتنا التي كانت… و إن ذلك ضعف منا و وهن، لعمري ما لنا حاجة في حبسها عن أبيها … و ما لنا في ذلك من ثؤرة و لكن أرجع المرأة ”
فخرج بها مصمما للمرة الثانية ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة و صاحبه رسولا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم
إسلام أبي العاص بن الربيع
مضت سنوات و سنوات و يخرج ابي العاص في تجارة له إلى الشام في عير لقريش و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر تلك الير مقبلة من الشام، أرسل زيد بن حارثة سنة ست للهجرة فأخذوها و ما فيها من الأثقال، و أسروا جماعة ممن كانوا في حراسة القافلة، منهم أبو العاص بن الربيع .
فلجأ إلى زينب مستجيرا، فتقبل زنيب طلب ابي العاص فتهتف في الناس : ” أيها الناس إني قد أجرت العاص بن الربيع ، فهو في حمايتي و أمني ”
فيرد الرسول صلى الله عليه و سلم لما سمع مقالتها : ” أيها الناس هل سمعتم ما سمعت : إنه يجير على المسلمين أدناهم ”
ثم دخل على ابنته فحدثها و حدثته، و أوصاها قائلا: ” أي بنية أكرمي مثواه، و لا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له ما دام مشركا “
فبعث الرسول صلى الله عليه و سلم إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، فقال: ” إن هذا الرجل منا حيث علمتم ، و قد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا إليه و تردوا عليه ماله ، فإنا نحب ذلك ! و إن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به ”
قالوا : ” بل نرده عليه “ . و قال نفر منهم : ” يا أبا العاص ، هل لك أن تسلم ، و تأخذ هذه الأموال ، فإنها أموال المشركين : فقال الرجل : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي ! ”
و يعود ابو العاص لمكة و يؤدي لكل ذي مال ماله ثم سألهم : يا معشر قريش،هل بقي لأحد منكم عندي مال ؟
قالوا : لا، فجزاك الله خيرا، قد وجدناك وفيا كريما
قال : ” فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا عبده و رسوله ، و الله ما منعني من الإسلام عنده غلا تخوفي أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم ، و فرغت منها أسلمت ”
فالتحق بزينب في المدينة و عاشت معه كزوجين متحابين ما تبقى لها من عمرها القصير
وفاتها رضي الله عنها و أرضاها :
توفيت زينب في سنة ثمان للهجرة فحزن عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم حزنا عظيما، و فارقت الدنيا
بعد أن ضربت مثلا بليغا في وفاء الزوجة و إخلاص المحبة، و صدق الإيمان
و بكاها أبوالعاص بكاء حارا، و تشبت بها حتى أبكى من حوله، و جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم دامع العين محزون الفؤاد ثم قال :
اغسلنها ثلاثا … و اجعلن في الآخرة كافورا، ثم صلى عليها ، و شيعها إلى المقر الأخير
أولادها :
أنجبت زينب رضي الله عنها و أرضاها من أبي العاص عليا و أمامة
وفاءه صلى الله عليه و سلم مع أولادها :
كان صلى الله عليه و سلم يلعب مع أمامة وكان يحملها على ظهره و هو يصلي
عن عائشة رضي الله عنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليهو سلم أهديت له قلادة جزع، فقال : ” لأدفعنها إلى أحب أهلي إلي .”
فقالت النساء : ذهبت بها ابنة أبي قحافة ، فعلقها في عنق أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ”
رواه أحمد