يا نفس لو كنت ترين الشؤون | كما يراها سائر الناس
|
لما رماني بعضهم بالجنون | ولم أجد في الناس من باس
|
بالأمس مرّ الوكب الأكبر | فيه الفتى الراكب والناعل
|
وأقبلت غيد الحمى تخطر | يهتفن: عاد البطل الباسل
|
ما لك يا هذه لا تهتفين | لصاحب الدولة والباس؟
|
فقلت لي ضاحكة تسخرين: | ويلك ! هذا قاتل الناس!
|
ومجلس دارت به الكؤوس | فشرب القوم ولم تشربي
|
وامتلأت بالطرب الأنفس | وأنت في صمتك لم تطربي
|
كأنّما غيّبك الحندس | أو تاهت اللذّات في سبسب
|
ما لك يا هذه لا تضحكين | للحبب الضاحك في الكاس؟
|
قالت : نهاني أنّ موج السنين | سيغمر الأقداح والحاسي!
|
وسرت في الروضة شاع الجمال | فيها، وشاع الحبّ بين الطيور
|
ألطلّ فيها كدموع الدلال | والشوك فيها كحديث الغرور
|
مشيت في أرجائها كالخيال | يطوف في الظلماء بين القبور
|
كأنّما لا ورد في الياسمين | كأنّما لا عطر في الآس
|
ويحك! لا في عزلتي تطربين | ولا إذا كنت مع الناس
|
كان زمان كنت تستأنسين | بكلّ وهم خادع كالسراب
|
حتى إذا أسفر وجه اليقين | رأيته كالوهم شيئا كذاب
|
دنيا الورى ليل وصبح مبين | وليس في دنياك إلاّ الضباب
|
ما لاحت الأشجار للناظرين | إلاّ رأيت شبح الفاس!
|
ولا سمعت الكاس ذات الرنين | إلا سمعت حطمة الكاس!
|
مسخت في عينّي لوت النهار | لّما لمحت الليل بالمرصد
|
ومات في إذنّي لحن الهزار | لّما سبقت الصمت للمنشد
|
فررت باللّذات قبل الفرار | فضاع يومي حائرا في غدي
|
خالفت مقياس الورى أجمعين | فكيف يرضون بمقياسي؟
|
ما برح الناس كما تعلمين | ولم أزل فردا من الناس |