أنا أن أغمض الحمام جفوني | ودودي صوت مصرعي في المدينة
|
و تمشي في الأرض دارا فدارا | فسمعت دويّه ورنينه
|
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا | يدرك السّامعون ما تضمرينه
|
و إذا زرتني و أبصرت وجهي | قد محا الموت شكّه و يقينه
|
و رأيت الصّحاب جاثين حولي | يندبون الفتى الذي تعرفينه
|
و تعال العويل حولك ممّن | مارسوه و أصبحوا يحسنونه
|
لا تشقي على ثوبك حزنا | لا و لا تذرفي الدموع السخينه
|
غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي | بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه
|
إنّ للصمت في المآتم معنى | تتعزّى به النّفوس الحزينة
|
و لقول العذّال عنك (بخيل ) | هو خير من قولهم ( مسكينة )
|
و إذا خفت أن يثور بك الوجد | فتبدو أسرارنا المكنونه
|
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا | و امسحي باليدين ما تسكبينه
|
***
|
يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت | و لأنت بمثل هذا مهينه
|
زايل النور مقلتيه و غابت | تحت أجفانه المعني المبينه
|
فأصيخي ! هل تسمعين خفوقا | كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟
|
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى | ليس يدري عدوّه من و خدينه
|
ساكتا لا يقول شيئا و لا يس | مع شيئا و ليس يبصر دونه
|
لا يبالي أأدعوه الثريا | أم رموه في حمأة مسنونه
|
و إذا الحارسان ناما عياء | و رأيت أصحابه يتركونه
|
فتعالى و قبّلي شفتيه | و يديه و شعره و جبينه
|
قبل أن يسدل الحجاب عليه | و يوارى عنك فلا تبصرينه
|
واحذري أن نراك عين رقيب | و لئن كان رجل ما تحذرينه
|
فاذا ما أمنت لا تتركيه | قبلما يفتح الصّباح جفونه
|
***
|
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت | و أريت حرّاسه يحملونه
|
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا | فيردّ الوادي عليه أنينه
|
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا | بالذي زوّد الغريق السينة
|
نظرة تعلم السماوات منها | أنّه مات عن فتاة أمينه
|
***
|
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا | و علاه من كان بالأمس دونه
|
و اختفى في التراب وجه صبيح | و فؤاد حرّ و نفس مصونه
|
و إذا ما وقفت عند السّواقي | و ذكرت وقوفه و سكونه
|
حيث أقسمت أن تدومي على العه | د و آلى بأنّه لن يخونه
|
حيث علّمته القريض فأمسى | يتغنّى كي تسمعي تلحينه
|
فاذكريه مع البروق السّواري | واندبيه مع الغيوث الهتونه
|
و إذا ما مشيت في الروض يوما | ووطأت سهوله و حزونه
|
و ذكرت مواقف الوجد فيه | عندما كنت بالهوى تغرينه
|
حيث علّمته الفتون فأضحى | يحسب الأرض كلّها مفتونه
|
حيث وسّدته يمينك حتّى | كاد ينسى شماله و يمينه
|
حيث كنت و كان يسقيك طورا | من هواه و تارة تسقينه
|
حتّى حاك الربيع للروض ثوبا | كان أحلى لديه لو ترتدينه
|
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي | كنت أهوى زهوره و غصونه
|
ثمّ قولي للطير : مات حبيبي ! | فلماذا يا طير لا تبكينه !
|
***
|
و إذا ما جلست وحدك في اللّي | ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه
|
و رأيت الغيوم تركض نحو الغر | ب ركضا كأنّها مجنونه
|
و لحظت من الكواكب صدا | و نفارا و في النسيم خشونه
|
فغضبت على اللّيالي البواقي | و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
|
فاهجري المخدع الجميل وزوري | ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
|
وانثري الورد حوله و عليه | واغرسي عند قلبه ياسمينه |