ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا | أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
|
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى | تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
|
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا | و تغري بي الوجد الطيور شواديا
|
فأبكي لما بي من جوى و صبابة | و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
|
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة | و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
|
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها | و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
|
يشقّ على خدع فؤاده | و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
|
طلبت على البلوى معينا ففاتني | يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
|
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها | يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
|
رميت من الدنيا بما لو قليله | رميت به الأيّام صارت لياليا
|
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني | ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
|
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة | و أحزان قلبي باقيات كما هيا
|
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى | سلوت ، و لكن أمّتي و بلاديا
|
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة | طربت فألقى منكباي ردائيا
|
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها | و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
|
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة | و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
|
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي | بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
|
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله | و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
|
***
|
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى | و صار بنوها العاقلون ضواريا
|
فما تنبت الغبراء غير مصائب | و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
|
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه | و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
|
و بات سبيل كان يسري به الفتى | بلا حارس ، يمشي به الجيش خاشيا
|
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم | فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
|
و كان لنا في الكتب عون على الأسى | و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
|
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا | و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
|
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه | بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
|
و تعلم نفسي أنّه غير عالم | و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
|
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا | و طال فبتنا ما نكذّب راويا
|
أقضي نهاري طائر النفس حائرا | و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
|
فما هم بأموات فنبكي عليهم | ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
|
***
|
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم | حفاة عراة جائعين صواديا
|
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم | و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
|
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم | كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
|
كأنّي بالدّور الحسان خرائب | كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
|
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي | كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
|
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي | كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
|
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه | و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
|
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما | عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
|
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد | و حارب " بالسوري " أخاه " اليمانيا "
|
فإن ينس " حورانا " فتاه و جاره | فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
|
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا | من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
|
و يا ليت من باع البلاد و أهلها | " بفلكين " لم يخت لها البؤس شاريا
|
***
|
فيا أمّة قد طال عهد سباتها | متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
|
إلى كم تودّين البقاء لمعشر | بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
|
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم | تسامون منهم ما تسام المواشيا
|
أم آن يسترجع التاج أهله | و يسترجع التاج المهابة ثانيا
|
من كان ( جنكيز ) " لقحطان " سيّدا | فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
|
***
|
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم | فكونوا لمن ضلّ المحجّة ، هاديا
|
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله | فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
|
أرى ظلمات مطبقات حوالكم | فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
|
غدا ينشر التاريخ حديثه | و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
|
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا | و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
|
***
|
و يا أيّها الجالون بلادكم | تناديكم لو تسمعون مناديا
|
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة | وساق عليها جبشه الجوع غازيا
|
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم | كأنّهم ماء أضاع المجاريا
|
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم | على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
|
من العار أين يكسو الحرير جسومكم | و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
|
من العار أن يبقى عليكم جمودكم | وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
|
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه | رآه عليه العالمون مخازيا
|
إذا المرء لم يسع لخير بلاده | يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا |