( 1 ) في الصومعهْ
|
بيني وبينَ البابِ أقلامٌ وَمِحْبرةٌ,
|
صَدًى متأفِّفٌ,
|
كُوَمٌ من الوَرَقِ العتيقْ.
|
هَمُّ العبورِ,
|
وخطوةٌ أو خطْوتانِ
|
إلى يقين البابِ, ثمَّ إلى الطريقْ
|
*************
|
( 2 ) كذبٌ,
|
دَمي ينحَرُّ, يشتمني, يَئنُّ:
|
إِلى متى أزني, وأبصِقُ
|
جَبهتي, رِئَتي
|
على لقبٍ وكرسيٍّ
|
أُضاجعُ مومياءْ?
|
أنا لستُ منكمْ طغمةَ النسَّاكِ
|
واللحمَ المقدَّدَ في خلايا الصومعَهْ
|
لن يستحيلَ دمي إلى مصْلٍ
|
كذبتُ, كذبتُ,
|
جرُّوني إلى الساحاتِ, عرُّوني
|
اسلخوا عنِّي شِعَارَ الجامعَهْ
|
*************
|
( 3 ) اَلنَّاي
|
"اِبني, وقاهُ اللهُ, كنزُ أبيهِ,"
|
"جسرُ البيتِ, يحملُ همَّنا همًّا ثقيلْ"
|
"... اَلعامُ خلفَ البابِ يا بِنْتي, يعودُ"
|
"غدًا, يعودُ إِليكِ, بَعْضَ الصَّبرِ"
|
"سوفَ يعُودُ, واللهُ الكفيلْ."
|
***
|
ولربَّما ماتَتْ غدًا
|
تلكَ التي يبسَتْ على اِسمي
|
ومصَّ دماءَها شَبحِي
|
وما احتفلتْ بلذَّاتِ الدماءْ,
|
ماتَتْ مع النايِ الذي تهواهُ
|
يسْحَبُ حزنَهُ عَبْرَ المساءْ
|
ومع الورودِ متى التوَتْ
|
بيضاءَ, ينسجُ عُرسهَا ثلجُ الشتاءْ
|
طولَ النهارِ
|
مدى النهارْ
|
تنحلُّ في عَصَبي جِنازَتُها
|
يحزُّ النَّايُ فيهِ
|
وما يزيحُ عنِ القرارْ:
|
ماتَتْ وما احتفلتْ وما عَرَفَتْ
|
رَفَاهَ يدٍ تُظلّلُها ودارْ.
|
*************
|
( 4 ) الرِّيح
|
طولَ النهارِ
|
مدى النهارْ
|
رَبّي متى أَنشقُّ عن أُمِّي, أَبي
|
كُتُبي, وصومَعَتي, وعَن تلكَ التي
|
تحيا, تموتُ على انتظارْ
|
أطأُ القلوبَ, وبينها قلبي,
|
وَأَشرَبُ من مراراتِ الدروبِ بلا مرارَهْ,
|
ولعلَّ تخصِبُ مرة أُخرى
|
وتعْصِفُ في مدى شَفَتِي العِبارَهْ.
|
دربي إلى البدويَّةِ السمراءِ
|
واحاتِ العَجينِ البكرِ,
|
والفجواتِ أَوديةِ الهجيرْ,
|
وزوابعِ الرملِ المريرْ.
|
تعصَى وليْسَ يَرُوضُها
|
غيرُ الذي يتقمَّصُ الجَمَلَ الصَّبُورْ
|
وبقلبهِ طفلٌ يكوِّر جنَّةً,
|
غيرُ الذي يقتاتُ من ثَمَرٍ عجيبْ:
|
نِصْفٌ من الجنَّاتِ يسقطُ في السلاَلْ
|
يأْتي بلا تَعَبٍ حلالْ
|
نصْفٌ من العَرَقِ الصَّبيبْ.
|
اَلشوكُ ينبتُ في شقوقِ أظافِري
|
اَلشوكُ في شفتيَّ يمرجُ باللهيبْ
|
... في وجهها عَبَقُ الغريزةِ
|
حين تصْمتُ عن سؤَالْ
|
... نهضَتْ تلمُّ غرورَ نهدَيْها
|
وتنفضُ عن جدائلها حكاياتِ الرمالْ,
|
تحدو, تدورُ كما أُشيرُ بإصبعِي
|
ولربَّما اصطَادَتْ بُروقًا
|
في دهاليزي تمرُّ وما أَعي
|
وبدونِ أَن أُملي الحروف وأَدَّعي
|
تحدو, تدورُ, تزوغُ زوبعَةً طروبْ
|
وأَرى الرياحَ تسيحُ; تنبعُ
|
من يدَيْها:
|
منبعَ الريحِ المعطَّرةِ الجنوبْ
|
ومنابعَ الريحِ الطَّريَّةِ والغضوبْ
|
للريحِ موسمُها الغضوبْ.
|
***
|
وحدي مع البدويةِ السمراءِ
|
كنتُ مع العِبارَهْ
|
في الرملِ كنتُ أَخوضُ
|
عَتْمَتهُ ونارَهْ
|
شربُ المراراتِ الثقالِ
|
بلا مرارَهْ.
|
***
|
ريحٌ تهبُّ كما تشيرُ عبارتي
|
للريحِ موسمُها الغضوبْ,
|
للريحِ جوعُ مَبارِدِ الفولاذِ
|
تمسحُ ما تحجَّرَ
|
من سياجات عتيقَهْ
|
ويعُود ما كانت عليهِ
|
التربةُ السمراءُ في بدء الخليقَهْ
|
بكرًا لأوَّلِ مرَّةٍ تشهَى
|
بحضنِ الشمسِ, ليلُ الرعدِ
|
يوجعُها وتَسْتَمْري بروقَهْ
|
ماذا سوى أَرضٍ تَعُبُّ
|
الحلْمَ, تُنبِتُهُ كرومًا والكرومُ
|
لها شروشُ السنديانِ,
|
لها عروق السنديان
|
وَرَفَاهُ فيءِ البيلسانْ,
|
ماذَا سوى عَقْدِ القبابِ البيضِ
|
بيتًا واحدًا يزهو بأَعمدةِ الجباهْ
|
يزهو بغاباتٍ من المُدُنِ الصَّبايا
|
لِين أَرصفةٍ وَجَاهْ
|
أَيصحُّ عَبْرَ البحرِ تفسيخُ المياهْ?
|
***
|
وأرى, أَرى الطَاووسَ يُبْحِرُ
|
في مراوحِ ريشهِ,
|
نشوانَ يبحر وهو في ظلِّ السياجْ
|
ويظُنُّ أَنَّ الوردَ والشِّعْرَ المنمَّقَ
|
يسترانِ العَارَ في تكوينهِ والمهزلَهْ
|
في صدره ثديانِ
|
ما نبتَا لمرضعَةٍ
|
ولا للعَانسِ المُسْترجلَهْ
|
ثديانِ يأْكلُ منهما عسلاً
|
ويحصدُ منْهما ذهبًا وعاجْ
|
لو يستحقُّ صلبتُهُ
|
ما شأنهُ بصَلِيبِ إيمانٍ
|
يسوقُ لجُلْجُلَهْ
|
وكَّلْتُ ريحَ الرملِ
|
تعْجنُهُ بوحلةِ شارعٍ أَو مزبلَهْ
|
هو والسياجْ
|
وطيوبُ ثديَيْهِ وما حصَداهُ
|
من عَسلٍ وعاجْ
|
في موسم الريحِ الغضوب
|
مَسْحُ السياجات العتيقة في العقولِ
|
وفي الدروبْ
|
*************
|
( 5 ) الناسك
|
ألنَّاسكُ المخذولُ في رأْسي
|
يُطِلُّ عليَّ, يَسألني, يَحَارْ
|
"أَهملتَ فرضَكَ",
|
"هَلْ جُنِنْتَ فرحتَ تحلُمُ في النهارْ"
|
"حلم النَّهَارْ"
|
"مدى النَّهَارْ?"
|
"هلْ كنْتَ تتبعُ ذلكَ الجنِّيَّ"
|
"هل أغواكَ شيطَانُ المغارَهْ?"
|
- وحدي مع البدويةِ السمراءِ
|
كنْتُ مع العبارَهْ
|
في الرملِ كنْتُ أَخوضُ
|
عَتْمتَهُ ونارَهْ,
|
شربُ المراراتِ الثِقالِ
|
بلا مرارَهْ.
|
- "أَلغازُ مجنونٍ" وعاد
|
لغرفةِ الآثارِ في رأْسي,
|
وللسلعِ العَتيقةِ,
|
عاد منخَلعَ الوقارْ.
|
*************
|
( 6 ) طولَ النَّهارِ
|
مدى النهارْ
|
اَلحينُ بعْدَ الحينِ تعْبرُ جَبْهَتي
|
صُوَرٌ وتنْبتُ في الطَّريقْ
|
صورٌ يشوِّهُها الدوارْ
|
أُمِي, أَبي, تلك التي
|
تحيا تموتُ على انتظارْ.
|
اَلنَّاسك المخْذولُ في رَأسي
|
يشدُّ قُواهُ ينهرني, أُفيقْ:
|
بيني وبين البابِ
|
صحراءٌ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
|
وادٍ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
|
عمرٌ من الورقِ العَتيقْ
|