إنّي عرفت من الإنسان ما كانا | فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
|
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا | صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
|
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده | عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
|
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له | فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
|
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر | و القتل يغفره الإنسان أحيانا
|
أحلّ قتل نفوس السائمات له | و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
|
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا | فلا يزال مدى الأيام يقظانا
|
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به | إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
|
سروره في بكاء الأكثرين له | و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
|
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه | إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا
|
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها | وراح يملأها همّا و أحزانا
|
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا | يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
|
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم | ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
|
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى | فكن على حذر منه إذا لانا
|
و المرء وحش و لكن حسن صورته | أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
|
قد حارب الدّين خوفا من زواجره | كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
|
ورام يهدم ما الرحمن شيّده | و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
|
إنّي ليأخذني من أمره عجب | أكلّما زاد علما زاد كفرانا ؟
|
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له | زمامها انقاد للآثام طغيانا ؟
|
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له | نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا ؟
|
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد | و عاف للدّين بردا عاد عريانا
|
هو الحياة التي ما غادرت جسدا | إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
|
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن | لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
|
و المنهل الرائق العذب الورود فمن | لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
|
ليس المبذّر من يقلي دراهمه | إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
|
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر | إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا |